أما في النسب والمولد فلا يشك أحد بأن الإمام علي (ع) أشرف الصحابة في النسب، وأفضلهم في المولد والمنبت، لأنه يساوي النبي الأكرم (ص) في ذلك (30)، فأما النسب فواضح، وأما المنبت فقد ذكر المؤرخون كلهم أن النبي (ص) بعد وفاة جده عبد المطلب، انتقل إلى بيت أبي طالب وكان عمره الشريف يومئذ ثمان سنين، فتكفله عمه ورعاه أتم وأجمل رعاية.
فكما حارت العقول في شخصية النبي (ص) وحقيقته، بهرت العقول أيضا في شخصية علي وحقيقته، حتى أن المتعصبين من أعلامكم مثل علاء الدين القوشجي، والجاحظ وهو يعد من النواصب، وسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني، وغيرهم قالوا: إننا حيارى ولا ندري كيف نفسر كلام علي بن أبي طالب إذ يقول: نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد.
وقال (ع) أيضا في الخطبة الثانية من نهج البلاغة:
لا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ (ص) مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ أَحَدٌ وَ لا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ وَ عِمَادُ الْيَقِينِ إِلَيْهِمْ يَفِي ءُ الْغَالِي وَ بِهِمْ يُلْحَقُ التَّالِي وَ لَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلايَةِ وَ فِيهِمُ الْوَصِيَّةُ وَ الْوِرَاثَةُ، الآْنَ إِذْ رَجَعَ الْحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ وَ نُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ(31).
واعلموا أن اعتقاد كثير من كبار علماء السنة وأعلامهم في الإمام (ع) هو كذلك.
فقد روى العلامة الهمداني في كتابه مودة القربى / المودة السابعة عن أبي وائل عن ابن عمر (رض) قال: كنا إذا عددنا أصحاب النبي (ص) قلنا أبو بكر وعمر وعثمان. فقال [له] رجل: يا أبا عبدالرحمن، فعلي ما هو؟ قال: علي من أهل البيت لا يقاس به أحد هو مع رسول الله (ص) في درجته.
وروى العلامة الهمداني أيضا عن أحمد بن محمد الكرزي البغدادي قال: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل قال سألت أبي عن التفضيل فقال: أبو بكر وعمر وعثمان، ثم سكت. فقلت: يا أبت أين علي بن أبي طالب؟ فقال هو من أهل البيت، لا يقاس به هؤلاء.
أقول والذي يدل على أن هؤلاء وغيرهم من الصحابة لا يقاسون به، أنه (ع) كرسول الله (ص) خلق في عالم الأنوار قبل أن يظهر في عالم الأكدار، والفرق بينهما كالفرق بين السماء والأرض.
___________________
30- روى الحافظ الشيخ سليمان القندوزي والحنفي في كتابه " ينابيع المودة " الباب الثاني في شرف آباء النبي (صلى الله عليه وآله)، ونقل روايات كثيرة في الموضوع وكلها من كتب العامة منها، قال: وفي الشفاء عن عائشة عنه (صلى الله عليه وآله) قال: أتاني جبرئيل فقال: قلبت مشارق الأرض ومغاربها، فلم أر رجلا أفضل من محمد، ولم أر ابن أب أفضل من بني هاشم، أخرجه في المناقب والمخلص المذهبي والمحاملي وغيرهم.
أقول: وقال الإمام (ع) في نهج البلاغة خطبة 94:... حَتَّى أَفْضَتْ كَرَامَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى إِلَى مُحَمَّدٍ ص فَأَخْرَجَهُ مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً وَ أَعَزِّ الْأَرُومَاتِ مَغْرِساً مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَهُ وَ انْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَهُ عِتْرَتُهُ خَيْرُ الْعِتَرِ وَ أُسْرَتُهُ خَيْرُ الْأُسَرِ وَ شَجَرَتُهُ خَيْرُ الشَّجَرِ نَبَتَتْ فِي حَرَمٍ وَ بَسَقَتْ فِي كَرَمٍ لَهَا فُرُوعٌ طِوَالٌ وَ ثَمَرٌ لا يُنَالُ... الخ.
وقال الشيخ صالح التميمي (رحمه الله):
غاية المدح في عــلاك ابتـــداء ليت شعري ما تصنع الشعراء
يا أخا المصطفى وخير ابن عم وأميـــــر إن عـــدت الأمــراء
معدن الناس كلها الأرض لكـن أنت من جوهـــر وهم حصباء
وقال آخر:
خير البرية بعد أحمد حيــــدر الناس أرض والوصي سمــاء
ويقول آخر:
حاشاك أن تسمـــو إليــك سمـــــاء أنت الفضاء وما سواك هباء
ومتى يحلق نحوك العظمـــــــاء؟ والسر أنت وغيرك الأسماء
أولست ساقي الحوض أنت وقاسم الجنات والنيران كيف تشاء
هذا غيض من فيض قريحة الشعراء وشعورهم في حقه (ع)، ولكن ما لنا والقول والشعراء والبلغاء بعد أن نطق الخالق العزيز بمدحه وتفضيله وجعله نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) في آية المباهلة، وأطلق النبي (صلى الله عليه وآله) عليه ذلك كرات ومرات وقال: علي كنفسي . ولا شك أن خير الكلام كلام الله، وخير الحديث حديث أشرف الخلق محمد (صلى الله عليه وآله).
((المترجم))
31- فقد خطب هذه الخطبة بعدما بويع بالخلافة.
طهارة نسب ومولد الإمام علي (ع)
- الزيارات: 2901