وعندنا دليل آخر من القرآن الحكيم في أن آباء النبي (ص) كلهم كانوا مؤمنين بالله يسجدون له وحده ويعبدونه إلها واحدا وهو قوله تعالى مخاطبا لنبيه (ص): (وَ تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)(33) روى الحافظ الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع لمودة / الباب الثاني / وغيره أيضا من علمائكم رووا عن ابن عباس حبر الأمة وهو من تعلمون مقامه من المفسرين ، قال: أي تقلبه (ص) من أصلاب الموحدين، نبي إلى نبي، حتى أخرجه الله من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم.
وروى العلامة القندوزي حديثا آخر في الباب ورواه أيضا جمع من علمائكم منهم الثعلبي في تفسيره، عن رسول الله (ص) قال: أهبطني الله إلى الأرض في صلب آدم وجعلني في صلب نوح في السفينة وقذف بي في صلب إبراهيم ثم لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام المطهرة حتى أخرجني من بين أبوين لم يلتقيا على سفاح قط.
وفي رواية أخرى قال (ص): لم يدنسني بدنس الجاهلية.
وروى القندوزي أيضا في الباب الثاني قال: وفي كتاب أبكار الأفكار للشيخ صلاح الدين بن زين الدين الشهير بابن الصلاح (قدس سره) قال جابر بن عبدالله الأنصاري (رض) سألت رسول الله (ص) عن أول شيء خلقه الله تعالى، قال (ص): هو نور نبيك يا جابر ـ والرواية مفصلة وطويلة لا مجال لذكرها كلها، وجاء في آخرها : وهكذا ينقل الله نوري من طيب إلى طيب، ومن طاهر إلى طاهر إلى أن أوصله إلى صلب أبي عبد الله بن عبد المطلب، ومنه أوصله الله إلى رحم أمي آمنة، ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين وخاتم النبيين، ومبعوثا إلى كافة الناس أجمعين ورحمة للعالمين وقائد الغر المحجلين، هذا كان بدء خلق نبيك يا جابر.
ثم قال القندوزي: وفي شرح الكبريت الأحمر للشيخ عبد القادر روى الحديث المذكور عن جابر بن عبد الله أيضا إلى آخره.
فقوله (ص): وهكذا ينقل الله نوري من طيب إلى طيب، ومن طاهر إلى طاهر، دليل على أنهم كانوا مؤمنين بالله وموحدين له. فبرأهم الله تعالى من الكفر والشرك، إذ يقول الله سبحانه: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)(34).
وكذلك روى القندوزي في الباب الثاني من ينابيع المودة عن ابن عباس عن النبي (ص) أنه قال: ما ولدني في سفاح الجاهلية شيء وما ولدني إلا نكاح كنكاح الإسلام.
وفي نهج البلاغة / خطبة رقم 94 يصف بها الأنبياء الكرام لا سيما خاتمهم وسيدهم، فقال:... فاستودعهم في أفضل مستودع و أقرهم في خير مستقر. تناسختهم [ تناسلتهم ] كرائم الأصلاب إلى مطهرات الأرحام... حتى أفضت كرامة الله سبحانه وتعالى إلى محمد (ص) فأخرجه من أفضل المعادن منبتا، و أعز الأرومات مغرسا، من الشجرة التي صدع منها أنبياءه و انتجب منها أمناءه.
ولو أردنا جمع الأخبار والروايات الواردة عن طرقنا وطرقكم لبلغ مجلدا ضخما، ولكن في المنقول كفاية لمن أراد الهداية واتباع الحق، فإن الحق الذي يظهر من هذه الروايات والآيات يدل على أن آباء النبي (ص) وأجداده كانوا موحدين لله سبحانه مؤمنين به عز وجل، ومنه يثبت هذا الأمر لعلي بن ابي طالب (ع) أيضا، لأنهما صلوات الله عليهما وآلهما من شجرة واحدة ونور واحد، كما تواتر عن طرق الشيعة ورواه أيضا كثير من أعلامكم وكبار علمائكم أن النبي (ص) قال: أنا وعلي من شجرة واحدة وسائر الناس من شجر شتى.
وقال (ص): خلقت أنا وعلي من نور واحد.. الخ، وقد ذكر بعض مصادره من كتب أعلامكم.
فبحكم العقل ورأي العقلاء، فإن علي بن أبي طالب (ع) أحق من غيره بخلافة النبي (ص) لأنه أقرب الناس إليه في المقام والمنزلة، مع هذه المشابهات والمقارنات بينهما عليهما السلام(35).
الشيخ عبد السلام: إذا أثبتم بهذه الأدلة أن آباء النبي (ص) من عبد الله إلى آدم كلهم كانوا مؤمنين بالله سبحانه فيتعين ذلك فيه ويكون من خصائصه، فلا تشمل الأدلة والد علي كرم الله وجهه، فقد ثبت أن أبا طالب مات مشركا ولم يؤمن بالله سبحانه.
___________________
33- الشعراء، الآية 219.
34- التوبة، الآية 28.
35- من المناسب نقل بعض الابيات من قصيدة بليغة في الموضوع للمرحوم الشيخ علي الشفهيني الحلي من أعلام القرن السادس الهجري: خلقا وما خلق الوجود، كلاهما نوران من نور العلي تفـــــضلا
في علمه المخزون مجتمعان لن يتــــفرقا أبــــدا ولـــن يتـــحولا
وتقلبا في الساجدين وأودعــــــا في أطهــــر الأرحام ثـــــم تنقلا
حتى استقر النور نورا واحـــدا في شيبة الحمد بن هاشـــم يجتلى
قسما لحكم ارتضاه فكــــــان ذا نعم الوصي وذاك اشرف مرسلا
فعلي نفـــــس محــــمد ووصيه وأميـــــنه وسواه مـامـــــون فلا
((المترجم))