أما في التقوى فهو سيد المتقين والممتاز بأعلى درجات اليقين والإنسان كلما ازداد يقينا ازداد تقوى، وهو الذي اشتهر عنه الخبر كما نقله كثير من أعلام محدثيكم وكبار علمائكم منهم محمد بن طلحة العدوي النصيبي في كتابه مطالب السؤول / الفصل السابع قال: وقد كان علي (ع) منطويا على يقين لا غاية لمداه ولا نهاية لمنتهاه وقد صرح بذلك تصريحا مبينا فقال (ع): لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ، فكانت عبادته إلى الغاية القصوى تبعا ليقينه وطاعته في الذروة العليا لمتانة دينه.
وقد لقبه الله ورسوله (ص) بإمام المتقين، كما روى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج9/170، الخبر الحادي عشر من الأحاديث التي ذكرها في فضائل الإمام علي (ع). ورواه الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء والعلامة الهمداني في كتابه مودة القربى والعلامة محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في كتابه كفاية الطالب / باب 54 عن أنس بن مالك قال: قال لي رسول الله (ص): يا أنس اسكب لي وضوءا فتوضأ ثم قام وصلى ركعتين ثم قال (ص): يا أنس أول من يدخل عليك من هذا الباب هو أمير المؤمنين وإمام المتقين و سيد المسلمين و قائد الغر المحجلين و خاتم الوصيين. قد وردت الرواية بألفاظ مختلفة وأنا أنقلها كما يخطر ببالي.
قال أنس: قلت: اللهم اجعله رجلا من الأنصار و كتمته إذ جاء علي (ع) فقال (ص): من هذا يا أنس؟ قلت: علي بن أبي طالب، فقام النبي (ص) مستبشرا فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه و يمسح عرق علي بوجهه فقال علي: يا رسول الله لقد رأيتك صنعت شيئا ما صنعت بي قبل. قال: و ما يمنعني و أنت تؤدي عني و تسمعهم صوتي و تبين لهم ما اختلفوا فيه من بعدي.
وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد قال (ص): مرحبا بسيد المسلمين وإمام المتقين، رواه عن الحافظ أبي نعيم في الحلية.
وقال محمد بن طلحة في كتابه مطالب السؤول / آخر الفصل الرابع / أما حصول صفة التقوى له فقد أثبتها رسول الله (ص) بأبلغ الطرق وأعلاها فإنه قال له يوما: مرحبا بسيد المسلمين وإمام المتقين. ثم قال: إذا وصفه بكونه إمام أهل التقوى كان مقدما عليهم بزيادة تقواه.
وروى الحاكم في المستدرك: ج3/138، والشيخان مسلم والبخاري في صحيحيهما عن النبي (ص) قال: أوحي إلي في علي أنه سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين (96).
وروى العلامة الكنجي في كفاية الطالب / باب 45 بسنده عن عبد الله بن أسعد بن زرارة قال: قال رسول الله (ص): لما أسري بي إلى السماء انتهى بي إلى قصر من لؤلؤ فراشه من ذهب يتلألأ، فأوحى الله إلي و أمرني في علي بثلاث خصال: بأنه سيد المسلمين و إمام المتقين و قائد الغر المحجلين(97).
وروى أحمد في المسند أن رسول الله (ص) يوما خاطب عليا، فقال: يا علي! النظر إلى وجهك عبادة، إنك إمام المتقين، من أحبك فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضك فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله.
من الواضح أن وصف النبي (ص) أحدا وإعطائه اللقب ومدحه للشخص يفرق عن سائر الناس، فربما وصف الناس ملكا وسلطانا بما لا يليق فيغالون في الوصف والمدح، كمدح كثير من المؤرخين لكثير من الوزراء والأمراء والسلاطين، ولكن رسول الله (ص) منزه من التملق والمغالاة في مدح الأشخاص، ولا يقول إلا حقا، ولا يصف إلا واقعا، بل في مثل هذه القضايا فهو (ص) (ما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى)(98).
ولا سيما في هذا الأمر، إذ يؤكد فيقول: ليلة أسري بي إلى السماء انتهى بي إلى قصر من لؤلؤ فراشه من ذهب يتلألأ، فأوحى الله إلي و أمرني في علي بثلاث خصال: بأنه سيد المسلمين و إمام المتقين و قائد الغر المحجلين. فهذه خصائص عظيمة ومقامات كريمة خص الله تعالى بها وليه علي بن أبي طالب على لسان خاتم أنبيائه وسيد رسله، وبعد وصف رب العالمين وبيانه المبين لأمير المؤمنين سلام الله عليه لا يسع المسلمين إلا الخضوع أمامه والخشوع له والتسليم لأمره.
الشيخ عبد السلام: كل ما قلته من مناقب وفضائل سيدنا علي كرم الله وجهه فهو قليل من كثير ونحن نعرف أكثر مما قلتم حتى أن معاوية (رض) قال فيه: عقمت النساء أن يلدن مثل علي بن أبي طالب.
قلت: فكما أنه (ص) قد امتاز بنسبه ونورانية خلقته من حيث الورع والتقوى، فهو مقدم على الجميع من هذه الجهة أيضا.
وقد قال الله الحكيم في كتابه الكريم: ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ)(99).
فإذا كان أهل التقوى أكرم العباد عند الله تبارك وتعالى، فما بالكم بإمام المتقين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)؟
وهنا قد خطر شيء في بالي وهو السؤال التالي: هل يحتمل في إمام المتقين أن يتبع الهوى ويعصي ربه لأجل الدنيا؟
الشيخ عبد السلام: لا يحتمل ذلك في سيدنا علي كرم الله وجهه، كيف وهو الذي طلق الدنيا ثلاثا، كما ذكرتم فيما نقلتم من ضرار بن ضمرة، فمقام سيدنا علي كرم الله وجهه أجل من أن ينسب إليه ذلك.
قلت: فعلى ذلك كانت أعمال الإمام علي (ع) من حركاته وسكناته وقيامه وقعوده وتكلمه وسكوته وموافقته ومخالفته وحربه وسلمه، كلها لله تعالى وإحقاقا للحق.
الشيخ عبد السلام: نعم هكذا كان سيدنا علي كرم الله وجهه.
________________
96- و 97- ورد في كثير من الكتب عن كبار علمائهم، منهم: الخطيب البغدادي في تاريخه: ج4/41 بطرق شتى عن أبي الأزهر ثم قال: ورواه محمد بن حمدون النيسابوري، وأخرجه الذهبي أيضا في ميزان الاعتدال: ج2/613 و128 في ط وابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب: ج1/12، والجزري في أسد الغابة: ج1/69 وج3 /116 ، والموفق الخوارزمي في المناقب /229، والهيثمي في المجمع: ج9/121، وقال: رواه الطبراني في الكبير، وأخرجه أيضا المحب الطبري في ذخائر العقبى /70، والمتقي في منتخب الكنز: ج5/34 وقال: أخرجه بن النجار، ورواهما جمع آخر.
((المترجم))
98- سورة النجم، الآية 3 و4.
99- سورة الحجرات، الآية 13.