طباعة

سكوت بعض الأنبياء واعتزالهم عن أممهم

قلت: نحن نعتقد بأن الأنبياء والأوصياء يعملون في المجتمع ويتعاملون مع أممهم على أساس الأوامر التي يتلقونها من الله عز وجل، لذلك لا نعترض عليهم ولا ننتقد أعمالهم بأنهم سكتوا أو لماذا لم يقاتلوا أو لماذا تكلموا؟!
وإذا راجعنا تاريخ الأنبياء، نجد كثيرا منهم كانوا مغلوبين مقهورين او مهجورين ومنعزلين، فهذا القرآن الحكيم يحدثنا عن نوح وهو من أولي العزم وشيخ الأنبياء: (فدعا ربه أني مغلوب فانتصر)(100).
ويحدثنا عن اعتزال ابراهيم الخليل لقومه قائلا:( وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ أَدْعُوا رَبِّي)(101).
الشيخ عبد السلام: أظن أنه (ع) اعتزل عنهم فلبا لا جسما.[ فهو وإن كان مخالفا لهم قلبا، ولكنه كان يعيش بينهم ويشاركهم ].
قلت: ولكن لو راجعت التفاسير لوجدت أن أكثر المفسرين قالوا: بأنه (ع) فارقهم بجسمه أيضا وابتعد عنهم، فالفخر الرازي في تفسيره الكبير: ج5/809 قال: الاعتزال للشيء هو التباعد عنه، والمراد إني أفارقكم في المكان وأفارقكم في طريقتكم.
وذكر أرباب السير والتاريخ أن ابراهيم هاجر من بابل، وسكن الجبال مدة سبعة أعوام الأصنام، ثم رجع إليهم يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وأن يتركوا عبادة الأصنام، ثم جرى ما جرى حتى ألقوه في النار، فجعلها الله سبحانه بردا وسلاما.
ويحدثنا القرآن الحكيم عن فرار موسى بن عمران وخروجه من بلده خائفا، فيقول: (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(102).
ويحدثنا الله تعالى في كتابه عن مخالفة قوم موسى لأخيه وخليفته هارون، وأنهم عبدوا العجل الذي صنعه السامري، فلما عاد إليهم موسى ورأى انقلابهم وكفرهم وسكوت هارون على أفعالهم المخالفة للدين وللشريعة الإلهية، عاتبه على ذلك، كما نفهم من قول الله سبحانه: (وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَْعْداءَ)(103).

________________
100- سورة القمر، الآية 10.‏
101- سورة مريم، الآية 48.‏
102- سورة القصص، الآية 21.‏
103- سورة الاعراف، الآية 150.‏