• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مسوغات الغيبة


(مسوغات الغيبة)
لما عرفت ان الغيبة ذكر الغير بما يكرهه لو سمعه، فاعلم ان ذلك انما يحرم إذا قصد به هتك عرضه، والتفكه به، أو اضحاك الناس منه. واما إذا كان ذلك لغرض صحيح لا يمكن التوصل إليه إلا به. فلا يحرم، والاغراض الصحيحة المرخصة له أمور.
الأول ـ التظلم عند من له رتبة الحكم واحقاق الحقوق، كالقضاة والمفتين والسلاطين، فان نسبة الظلم والسوء إلى الغير عندهم لاستيفاء الحق جائز، لقول النبي (ص): " لصاحب الحق مقال "، وقوله (ص): " لي الواجد يحل عرضه وعقوبته " وعدم انكاره (ص) على قول هند بحضرته: إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني اياي وولدي، افآخذ من غير علمه؟ وقوله (ص) لها: " خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف ".
والثاني ـ الاستعانة على رفع المنكر ورد العاصي إلى الصلاح، وانما يستباح بها ذكر مساءته بالقصد الصحيح لا بدونه.
الثالث ـ نصح المستشير في التزويج، وإيداع الأمانة، وامثالهما كذلك جرح الشاهد والمفتي والقاضي إذا سئل عنهم، فله ان يذكر ما يعرفه من عدم العدالة والأهلية للإفتاء والقضاء، بشرط صحة القصد وارادة الهداية وعدم باعث حسد او تلبيس من الشيطان، وكذلك توقى المسلمين من الشر والضرر أو سراية الفسق والبدعة، فإن من رأى عالماً أو غيره من المؤمنين يتردد إلى ذي شر أو فاسق أو مبتدع، وخاف أن يتضرر ويتعدى إليه الفسق والبدعة بمصاحبته. ويجوز له أن يكشف له ما يعرفه من شره وفسقه وبدعته. بشرط كون الباعث مجرد خوف وصول الشر والفساد أو سراية الفسق والبدعة اليه. قال رسول الله (ص): " أترعوون عن ذكر الفاجر حتى لا يعرفه الناس؟ اذكروه بما فيه يحذره الناس ". ومن جملة ما يدخل في تحذير المسلمين وتوقيهم من الشر والضرر، وإظهار عيب يعلمه في مبيع، وان كره البايع، حفظاً للمشتري من الضرر. مثل أن يشتري عبداً، وقد عرفه بالسرقة أو الفسق أو عيب آخر، أو فرساً، وقد عرفه بكونه مال الغير، فله أن يظهر ذلك، لاستلزام سكوته ضرراً على المشتري.
الرابع ـ رد من ادعى نسباً ليس له.
الخامس ـ القدح في مقالة أو دعوى باطلة في الدين.
السادس ـ الشهادة على فاعل المحرم حسبة
السابع ـ ضرورة التعريف، فانه اذا كان أحد معروفاً بلقب يعرب عن عيب، وتوقف تعريفه عليه، ولم يكن اثم في ذكره، بشرط عدم إمكان التعريف بعبارة آخرى، لفعل الرواة والعلماء في الإعصار والامصار فانهم يقولون: روى الأعمش والأعرج وغير ذلك، لأن الغالب صيرورته بحيث لا يكرهه صاحبه.
الثامن ـ كون المقول فيه مستحقاً للاستخفاف، لتظاهره وتجاهره بفسق، كالظلم والزنا وشرب الخمر وغير ذلك، بشرط عدم التعدى عما يتظاهر به، إذا لو ذكره بغير ما يتظاهر به لكان اثماً، وأما إذا ذكر منه مجرد ما يتجاهر به فلا اثم عليه، إذ صاحبه لا يستنكف من ذكره، وربما يتفاخر به ويقصد اظهاره. ومع قطع النظر عن ذلك، فالأخبار دالة عليه، كما تقدم جملة منها. وقال رسول الله (ص): " من القى جلباب الحياء من وجهه فلا غيبة له ". وقال (ص): " ليس لفاسق غيبة ".
والظاهر أن ذكر ما يتجاهر به من العيوب ليس غيبة، لا شرعاً ولا لغة، لا انه غيبة استثنى جوازها شرعاً، قال الجوهري: " الغيبة أن يتكلم خلف إنسان مستور بما يغمه لو سمعه، فان كان صدقاً سمى غيبة وإن كان كذبا سمى بهتاناً ".
هذا وقد صرح جماعة بجواز الغيبة في موضعين آخرين: أحدهما: أن يكون اثنان أو اكثر مطلعين على عيب رجل، فيقع تحاكيه بينهم من غير أن يظهروه لغيرهم ممن لم يطلع عليه، وفي بعض الأخبار المتقدمة دلالة على جوازه، كما لا يخفى. وثانيهما: أن يكون متعلقها ـ اعني المقول فيه ـ غير محصور، كأن يقال: " قال قوم كذا، أو أهل البلد الفلاني كذا ". ومثله إذا قال: " بعض الناس يقول أو يفعل كذا، أو من مر بنا اليوم شأنه كذا "، إذا لم يتعين البعض والمار عند المخاطب، لو انتقل إلى شخص معين لقيام بعض القرائن، كانت غيبة محرمة، وكذا لو قال: بعض من قدم من السفر، أو بعض من يدعي العلم "، إن كان معه قرينة يفهم عين الشخص فهو غيبة وإلا فلا. وكذا ذكر مصنف في كتابه فاضلا معيناً، وتهجين كلامه بلا اقتران شيء من الاعذار المحوجة إلى ذكره غيبة، وأما لو ذكره بدون تعيينه، كأن يقول: " ومن الفضلاء من صدر عنه في المقام هفوة أو عثرة "، فليس غيبة. ثم السر في اشتراط الغيبة بكونه تعريضاً لشخص معين، وعدم كون التعرض بالمبهم وغير المحصور غيبة، عدم حصول الكراهة مع الابهام وعدم الانحصار، كما لا يخفى. وربما كان في بعض الأخبار أيضاً اشعار به، وقد كان رسول (ص): إذا كره من إنسان شيئاً يقول: " ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا " من دون تعيين للفاعل.


(مسوغات الغيبة)
لما عرفت ان الغيبة ذكر الغير بما يكرهه لو سمعه، فاعلم ان ذلك انما يحرم إذا قصد به هتك عرضه، والتفكه به، أو اضحاك الناس منه. واما إذا كان ذلك لغرض صحيح لا يمكن التوصل إليه إلا به. فلا يحرم، والاغراض الصحيحة المرخصة له أمور.
الأول ـ التظلم عند من له رتبة الحكم واحقاق الحقوق، كالقضاة والمفتين والسلاطين، فان نسبة الظلم والسوء إلى الغير عندهم لاستيفاء الحق جائز، لقول النبي (ص): " لصاحب الحق مقال "، وقوله (ص): " لي الواجد يحل عرضه وعقوبته " وعدم انكاره (ص) على قول هند بحضرته: إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني اياي وولدي، افآخذ من غير علمه؟ وقوله (ص) لها: " خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف ".
والثاني ـ الاستعانة على رفع المنكر ورد العاصي إلى الصلاح، وانما يستباح بها ذكر مساءته بالقصد الصحيح لا بدونه.
الثالث ـ نصح المستشير في التزويج، وإيداع الأمانة، وامثالهما كذلك جرح الشاهد والمفتي والقاضي إذا سئل عنهم، فله ان يذكر ما يعرفه من عدم العدالة والأهلية للإفتاء والقضاء، بشرط صحة القصد وارادة الهداية وعدم باعث حسد او تلبيس من الشيطان، وكذلك توقى المسلمين من الشر والضرر أو سراية الفسق والبدعة، فإن من رأى عالماً أو غيره من المؤمنين يتردد إلى ذي شر أو فاسق أو مبتدع، وخاف أن يتضرر ويتعدى إليه الفسق والبدعة بمصاحبته. ويجوز له أن يكشف له ما يعرفه من شره وفسقه وبدعته. بشرط كون الباعث مجرد خوف وصول الشر والفساد أو سراية الفسق والبدعة اليه. قال رسول الله (ص): " أترعوون عن ذكر الفاجر حتى لا يعرفه الناس؟ اذكروه بما فيه يحذره الناس ". ومن جملة ما يدخل في تحذير المسلمين وتوقيهم من الشر والضرر، وإظهار عيب يعلمه في مبيع، وان كره البايع، حفظاً للمشتري من الضرر. مثل أن يشتري عبداً، وقد عرفه بالسرقة أو الفسق أو عيب آخر، أو فرساً، وقد عرفه بكونه مال الغير، فله أن يظهر ذلك، لاستلزام سكوته ضرراً على المشتري.
الرابع ـ رد من ادعى نسباً ليس له.
الخامس ـ القدح في مقالة أو دعوى باطلة في الدين.
السادس ـ الشهادة على فاعل المحرم حسبة
السابع ـ ضرورة التعريف، فانه اذا كان أحد معروفاً بلقب يعرب عن عيب، وتوقف تعريفه عليه، ولم يكن اثم في ذكره، بشرط عدم إمكان التعريف بعبارة آخرى، لفعل الرواة والعلماء في الإعصار والامصار فانهم يقولون: روى الأعمش والأعرج وغير ذلك، لأن الغالب صيرورته بحيث لا يكرهه صاحبه.
الثامن ـ كون المقول فيه مستحقاً للاستخفاف، لتظاهره وتجاهره بفسق، كالظلم والزنا وشرب الخمر وغير ذلك، بشرط عدم التعدى عما يتظاهر به، إذا لو ذكره بغير ما يتظاهر به لكان اثماً، وأما إذا ذكر منه مجرد ما يتجاهر به فلا اثم عليه، إذ صاحبه لا يستنكف من ذكره، وربما يتفاخر به ويقصد اظهاره. ومع قطع النظر عن ذلك، فالأخبار دالة عليه، كما تقدم جملة منها. وقال رسول الله (ص): " من القى جلباب الحياء من وجهه فلا غيبة له ". وقال (ص): " ليس لفاسق غيبة ".
والظاهر أن ذكر ما يتجاهر به من العيوب ليس غيبة، لا شرعاً ولا لغة، لا انه غيبة استثنى جوازها شرعاً، قال الجوهري: " الغيبة أن يتكلم خلف إنسان مستور بما يغمه لو سمعه، فان كان صدقاً سمى غيبة وإن كان كذبا سمى بهتاناً ".
هذا وقد صرح جماعة بجواز الغيبة في موضعين آخرين: أحدهما: أن يكون اثنان أو اكثر مطلعين على عيب رجل، فيقع تحاكيه بينهم من غير أن يظهروه لغيرهم ممن لم يطلع عليه، وفي بعض الأخبار المتقدمة دلالة على جوازه، كما لا يخفى. وثانيهما: أن يكون متعلقها ـ اعني المقول فيه ـ غير محصور، كأن يقال: " قال قوم كذا، أو أهل البلد الفلاني كذا ". ومثله إذا قال: " بعض الناس يقول أو يفعل كذا، أو من مر بنا اليوم شأنه كذا "، إذا لم يتعين البعض والمار عند المخاطب، لو انتقل إلى شخص معين لقيام بعض القرائن، كانت غيبة محرمة، وكذا لو قال: بعض من قدم من السفر، أو بعض من يدعي العلم "، إن كان معه قرينة يفهم عين الشخص فهو غيبة وإلا فلا. وكذا ذكر مصنف في كتابه فاضلا معيناً، وتهجين كلامه بلا اقتران شيء من الاعذار المحوجة إلى ذكره غيبة، وأما لو ذكره بدون تعيينه، كأن يقول: " ومن الفضلاء من صدر عنه في المقام هفوة أو عثرة "، فليس غيبة. ثم السر في اشتراط الغيبة بكونه تعريضاً لشخص معين، وعدم كون التعرض بالمبهم وغير المحصور غيبة، عدم حصول الكراهة مع الابهام وعدم الانحصار، كما لا يخفى. وربما كان في بعض الأخبار أيضاً اشعار به، وقد كان رسول (ص): إذا كره من إنسان شيئاً يقول: " ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا " من دون تعيين للفاعل.

كفارة الغيبة

كفارة الغيبة
كفارة الغيبة ـ بعد التوبة والندم للخروج عن حق الله ـ أن يخرج من حق من اغتابه. وطريق الخروج من حقه، إن كان ميتا أو غائبا لم يكن الوصول إليه، أن يكثر له من الاستغفار والدعاء، ليحسب ذلك يوم القيامة من حسناته ويقابل بها سيئة الغيبة، وإن كان حياً يمكن الوصول إليه ولم تبلغ إليه الغيبة، وكان في بلوغها إليه مظنة العداوة والفتنة، فليكثر له أيضاً من الدعاء والاستغفار، من دون ان يخبره بها، وإن بلغت إليه أو لم تبلغه، ولم يكن في بلوغها ظن الفتنة والعداوة، فليستحله متعذراً متأسفاً مبالغاً في الثناء عليه والتودد إليه، واليواظب على ذلك حتى يطيب قلبه ويحله فان لم يطب قلبه من ذلك ولم يحله، كان اعتذاره وتودده حسنة يقابل بها سيئة الغيبة في القيامة.
والدليل على هذا التفصيل قول الصادق (ع): " وإن اغتبت فبلغ المغتاب، فاستحل منه، فان لم تبلغه لم تلحقه، فاستغفر الله "[1] وذلك لأن في الاستحلال مع عدم البلوغ إليه إثارة للفتنة وجلب الضغائن وفي حكم من لم يبلغه من لم يقدر على الوصول إليه بموت أو غيبة، وعلى هذا فقول النبي (ص): " كفارة من اغتبته أن تستغفر له ". محمول على صورة عدم إمكان الوصول إليه، أو إمكانه مع ايجاب الاعلام والاستحلال لإثارة الفتنة والعداوة. وقوله (ص): " من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال، فليتحللها منه من قبل أن يأتي يوم ليس هناك دينار ولا درهم، إنما يؤخذ من حسناته، فان لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فزيدت على سيئاته "، محمول على صورة البلوغ، مع عد إيجاب الاعلام والاستحلال فتنة وعداوة.

البهتان

البهتان
قد ظهر مما تقدم أن البهتان إن تقول في مسلم ما يكرهه ولم يكن فيه، فان كان ذلك في غيبته كان كذبا وغيبة، وإن كان بحضورة كان أشد أنواع الكذب. وعلى أي تقدير، فهو أشد إثماً من الغيبة والكذب قال الله سبحانه:
" ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً "[2]. وقال رسول الله (ص): " من بهت مؤمناً أو مؤمنة، أو قال فيه ماليس فيه، أقامه الله على تل من نار، حتى يخرج مما قاله فيه ". وقال الصادق (ع): " من بهت مؤمناً أو مؤمنة بما ليس فيه، بعثه الله عز وجل في طينة خبال، حتى يخرج مما قال " قلت: وما طينة خبال؟ قال: "صديد يخرج من فروج المومسات "[3] ثم ما ورد في ذم اللسان وكونه شر الاعضاء ومنبع أكثر المعاصي ـ كما يأتي في موضعه ـ يدل على ذم الغيبة والبهتان، كما يدل على ذم جميع آفات اللسان مما تقدم: من الفحش، واللعن، والطعن، والسخرية، وغير ذلك، وما يأتي: من الكذب، والمزاح، والخوض في الباطل. وفضول الكلام، وغير ذلك.

المدح ومواضع حسنه وقبحه

المدح ومواضع حسنه وقبحه
الغيبة لما كانت راجعة إلى الذم، فضدها المدح ودفع الذم، والبهتان لما كان كذبا، فضده الصدق. وكما أن لكل واحدة من آفات اللسان مما مر وهما يأتي ضداً خاصاً، فكذلك لجميعها ضد واحد عام هو الصمت ـ كما اشير إليه فيما سبق أيضاً وضد البهتان ـ أعني الصدق ـ يأتي في مقام بيان الكذب. وأما الضد العام للكل، فقد يأتي في موضعه مع ما يدل بعمومه على ذم جميع آفات اللسان، فهنا نشير إلى بيان المدح وما يحمد منه، حتى يكون ضداً لها وفضيلة للقوة الغضبية أو الشهوية، وما يذم منه حتى يكون رذيلة لاحدهما، فنقول:
لا ريب في أن مدح المؤمن في غيبته وحضوره ممدوح مندوب إليه لكونه ادخالا للسرور عليه، وقد علم مدحه وثوابه، ولما ورد من أن رسول الله (ص) أثنى على أصحابه، وأنه قال لجماعة ـ لما اثنوا على بعض الموتى ـ: " وجبت لكم الجنة، وانتم شهداء الله في الأرض " ولما ورد من أن لبنى آدم جلساء من الملائكة، فإذا ذكر أحد أخاه المسلم بخير، قالت الملائكة: ولك مثله، وإذا ذكره بسوء، قالت الملائكة: يا ابن آدم المستور عورته، إربع على نفسك! واحمد الله إذ ستر عورتك " ولكنه ليس راجحاً مندوباً على الإطلاق، بل إذا سلم من آفاته، وهي أن يكون صدقا لا يفرط المادح فيه، بحيث ينتهي إلى الكذب، وألا يكون المادح فيه مرائياً منافقاً، بأن يكون غرضه اظهار الحب مع عدم كونه محباً في الواقع سواء كان صادقاً فيما يقول في حقه، لأنه يفرح بمدحه وادخال الفرح على الظالم أو الفاسق غير جائز، قال رسول الله (ص): " إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق ". فالظالم الفاسق ينبغي أن يذم ليغتم، ولا يمدح ليفرح، وألا يقول مالا يتحققه ولا سبيل له إلى الاطلاع عليه.
وهذه الآفة إنما تتطرق في المدح بالأوصاف المطلقة والخفية، كقولك إنه تقي ورع زاهد خير، أو قولك: إنه عدل رضي، وأمثال ذلك، لتوقف الصدق في ذلك على قيام الأدلة والخبرة الباطنة، وتحققهما في غاية الندرة. فالغالب أن المدح بامثال ذلك يكون من غير تحقق وتثبت، وألا يحدث في الممدوح كبراً أو اعجاباً يوجبان هلاكه، ولا رضى عن نفسه يوجب فتوره عن العمل، إذ من اطلقت الألسنة بالثناء عليه يرضى عن نفسه، ويظن أنه قد أدرك، وهذا يوجب فتوره عن العمل، إذ المتشمر له إنما هو من يرى نفسه مقصراً، ولذلك قال رسول الله (ص): لرجل مدح بحضرته رجلا آخر: " ويحك! قطعت عنق صاحبك، لو سمعها ما أفلح" وقال (ص): " إذا مدحت أخاك في وجهه، فكأنما أمررت على حلقه الموسى " وقال أيضاً لمن مدح رجلا: " عقرت الرجل عقرك الله! ". وقال (ص): " لو مشى رجل إلى رجل بسكين مرهف، كان خيراً له من أن يثني عليه في وجهه ".
والسر في هذه الأخبار: أن المدح يوجب الفتور عن العمل، أو الكبر أو العجب، وهو مهلك، كقطع العنق والعقر وامرار الموسى أو السكين على الحلق، فان سلم المدح عن الآفات المذكورة المتعلقة بالمادح والممدوح كان ممدوحاً، وإلا كان مذموماً. وبذلك يحصل الجمع بين ما ورد في مدحه ـ كما تقدم ـ وما ورد في ذمه.
فاللازم على المادح أن يحترز عما تقدم من الآفات المتعلقة به، وعلى الممدوح أن يحترز من آفة الكبر والعجب والفتور والرياء، بأن يعرف نفسه ويتذكر خطر الخاتمة، ولا يغفل عن دقائق الرياء، ويظهر كراهة المدح، واليه الإشارة بقوله (ص): " احثوا التراب في وجوه المداحين ". وبالجملة: اللازم على الممدوح ألا يتفاوت حاله بالمدح، وهذا فرع معرفة نفسه، وتذكر مالا يعرفه المادح من عثراته وينبغي أن يظهر أنه ليس كما عرفوه، قال بعض الصالحين لما اثني عليه " اللهم إن هؤلاء لا يعرفوني وأنت تعرفني ". وقال أمير المؤمنين (ع) لما أثني عليه: " اللهم اغفر لي مالا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني خيراً مما يظنون ".
ثم الظاهر عدم المؤاخذة والأثم بالانبساط والارتياح بالمدح، لكون النفوس مجبولة على الفرح والسرور بنسبة الكمال إليها، ولكن بشرط أن يكره من نفسه ذلك الارتياح، ويقهر نفسه ويعاتبها على ذلك، ويجتهد في إزالة ذلك عنها، إذ مقتضى العقل الفرح بوجود الكمال فيه لا بنسبته إليه، فما ينسب إليه منه إن كان موجوداً فيه، فينبغي أن يكون فرحه به لا بنسبته إليه، إذ الانبساط بتصريح رجل بأنك صاحب هذا الكمال حمق وسفه. وإن لم يكن موجوداً فيه، فاللازم أن يحزن ويغضب، لكونه استهزاء لا مدحاً. والحاصل: أن العاقل ينبغي ألا يسر بمدح الغير ولا يحزن بذمه، إذ من ملك ياقوتة شريفة حمراء أي ضرر عليه إذا قال رجل إنها خرزة، وإذا ملك خرزة أي فائدة له إذا قال انها ياقوتة.

الكذب

الكذب
وهو إما في القول، أي الإخبار عن الأشياء على خلاف ما هي عليه وصدوره إما عن العداوة أو الحسد أو الغضب، فيكون من رذائل قوة الغضب، أو من حب المال والطمع، أو الاعتياد الحاصل من مخالطة أهل الكذب، فيكون من رذائل قوة الشهوة.
أو في النية والإرادة، وهو عدم تمحيضها بالله، بألا يكون الله سبحانه بانفراده باعث طاعاته وحركاته، بل يمازجه شيء من حظوظ النفس، وهذا يرجع إلى الرياء، ويأتي كونه من رذائل أي قوة.
وإما في العزم، أي الجزم على الخير، وذلك بأن يعزم على شيء من الخيرات والقربات، ويكون في عزمه نوع ميل وضعف وتردد يضاد الصدق في العزيمة، وهذا أيضاً من رداءة قوة الشهوة.
وإما في الوفاء بالعزم، فان النفس قد تسخو بالعزم في الحال، لعدم مشقة في الوعد، فإذا حقت الحقائق، وحصل التمكن، وهاجت الشهوات، انحلت العزيمة، ولم يتفق الوفاء بالعزم، وهذا أيضاً من رذائل قوة الشهوة ومن أنواع الشره.
وإما في الأعمال، وهو أن تدل اعماله الظاهرة على أمر في باطنه لا يتصف هو به، أي لا يكون باطنه مثل ظاهره ولا خيراً منه. وهذا غير الرياء، لأن المرائى هو الذي يقصد غير الله تعالى في أعماله، ورب واقف على هيئة الخشوع في صلاته ليس يقصد به مشاهدة غيره سبحانه ولكن قلبه غافل عن الله وعن الصلاة، فمن نظر إلى ما يصدر عن ظاهره من الخشوع والاستكانة، يظن انه بشراشره منقطع إلى جناب ربه، وحذف ما سواه عن صحيفة قلبه، وهو بكليته عنه تعالى غافل، والى أمر من أمور الدنيا متوجه. وكذلك قد يمشي الرجل على هيئة الطمأنينة والوقار، بحيث من يراه يجزم بأنه صاحب السكينة والوقار، مع ان باطنه ليس موصوفاً بذلك. فمثل ذلك كاذب في عمله، وان لم يكن مرائياً ملتفتاً إلى الخلق، ولانجاة من هذا الكذب إلا باستواء السريرة والعلانية، أو كون الباطن أحسن من الظاهر. وهذا القسم من الكذب ربما كان من رذائل قوة الشهوة، وربما كان من رذائل قوة الغضب، وربما كان من رداءة القوة المدركة، بأن كان باعثه مجرد الوساوس.
وأما في مقامات الدين، كالكذب في الخوف والرجاء، والزهد والتقوى، والحب والتعظيم، والتوكل والتسليم، وغير ذلك من الفضائل الخلقية، فان لها مبادئ يطلق الاسم بظهورها، ثم لها حقائق ولوازم وغايات والصادق المحقق من نال حقائقها ولوازمها وغاياتها، فمن لم يبلغها كان كاذباً فيها. مثلا الخوف من الله تعالى له مبدأ هو الإيمان به سبحانه وحقيقة هو تألم الباطن واحتراقه، ولوازم وآثار هي اصفرار اللون وارتعاد الفرائص وتكدر العيش وتقسم الفكر وغير ذلك، وغايات هي الاجتناب عن المعاصي والسيئات والمواظبة على الطاعات والعبادات، فمن آمن بالله تعالى صدق عليه كونه خائفاً منه خوفاً يطلق عليه الاسم، إلا أنه إن لم تكن معه حرقة القلب وتكدر العيش والتشمر للعمل كان خوفاً كاذباً، وإن كان معه ذلك كان خوفاً صادقاً، أي بالغاً درجة الحقيقة، قال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ: " إياكم والكذب، فان كل راج طالب، وكل خائف هارب "[4]: أي لا تكذبوا في ادعائكم الرجاء والخوف من الله، وذلك لأن كل راج طالب لما يرجو، ساع في أسبابه، وأنتم لستم كذلك، وكل خائف هارب مما يخاف منه، مجتنب مما يقربه منه، وأنتم لستم كذلك، وهذا مثل قوله (ع) في نهج البلاغة: " كذب والله العظيم ما باله لا يتبين رجاءه في علمه! وكل من رجا عرف رجاؤه إلا رجاء الله، فانه مدخول، وكل خوف محقق إلا خوف الله فانه معلول... "[5].
ثم الكذب في كل مقام لما كان راجعاً إلى عدمه، فيكون رذيلة متعلقة بالقوة التي في هذا المقام فضيلة متعلقة بها. وبما ذكر يظهر: أن من له مبدأ الإيمان، اعني الاقرار بالشهادتين، وكان فاقداً لحقيقته، اعنى اليقين القطعي بالمبدأ والمعاد، أو للوازمه وغاياته، أعني الخوف الصادق منه تعالى والتعظيم الحقيقي له سبحانه والاهتمام البالغ في امتثال أوامره ونواهيه، كان كاذباً في دعوى الإيمان.

ذم الكذب

ذم الكذب
الكذب أقبح الذنوب وأفحشها، وأخبث العيوب وأشنعها، قال الله سبحانه:
" إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون "[6]. " فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون "[7].
وقال رسول الله (ص): " إياكم والكذب، فان الكذب يهدى إلى الفجور، والفجور يهدى إلى النار ". وقال (ص): " المؤمن إذا كذب من غير عذر لعنه سبعون ألف ملك، وخرج من قلبه نتن حتى يبلغ العرش، فيلعنه حملة العرش، وكتب الله عليه بتلك الكذبة سبعين زنية، أهونها كمن زنى مع أمه "[8]. وسئل (ص): " يكون المؤمن جباناً؟ قال: نعم! قيل: ويكون بخيلا؟ قال: نعم! قيل ويكون كذاباً؟ قال: لا! " قال (ص): " كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثاً هو لك به مصدق وأنت له به كاذب ". وقال (ص): " الكذب ينقص الرزق ". وقال (ص): " ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم! ويل له ويل له! ". وقال (ص): " رأيت كأن رجلا جاءني، فقال لي: قم، فقمت معه، فإذا أنا برجلين أحدهما قائم والآخر جالس، وبيد القائم كلوب من حديد يلقمه في شدق الجالس فيجذبه حتى يبلغ كاهله، ثم يجذبه فيلقمه الجانب الآخر فيمده، فإذا مده رجع الآخر كما كان، فقلت للذي أقامني: ما هذا؟ فقال: هذا رجل كذاب، يعذب في قبره إلى يوم القيامة ". وقال (ص): " ألا أخبركم باكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقول الزور ": أي الكذب. وقال (ص): " إن العبد ليكذب الكذبة فيتباعد الملك منه مسيرة ميل من نتن ما جاء به ". وقال (ص): " إن للشيطان كحلا ولعوقاً ونشوقاً. فاما لعوقه فالكذب، وأما نشوقه فالغضب، وأما كحله فالنوم "[9]. وقال روح الله لأصحابه: " من كثر كذبه ذهب بهاؤه ". وقال أمير المؤمنين (ع): " لا يجد العبد طعم الإيمان حتى يترك الكذب، هزله وجده ". وقال (ع): " أعظم الخطايا عند الله اللسان والكذب، وشر الندامة ندامة يوم القيامة ". وقال علي بن الحسين (ع): " اتقوا الكذب الصغير منه والكبير في كل جد وهزل، فان الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير ". وقال أبو جعفر (ع): " إن الله عز وجل جعل للشر أقفالا، وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب، والكذب شر من الشراب ". وقال (ع): " الكذب هو خراب الإيمان " وقال (ع): " إن أول من يكذب الكذاب الله عز وجل، ثم الملكان اللذان معه، ثم هو يعلم أنه كاذب ". وقال الإمام الزكي العسكري (ع): " جعلت الخبائث كلها في بيت، وجعل مفتاحها الكذب " والأخبار الواردة في ذم الكذب أكثر من أن تحصى. وأشد أنواع الكذب إثما ومعصية الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة، وكفاه ذماً أنه يبطل الصوم، يوجب القضاء والكفارة على الأقوى. قال الصادق (ع): " إن الكذبة لتفطر الصائم "، قال الراوي: وأينا لا يكون ذلك منه، قال: " ليس حيث ذهبت، إنما الكذب على الله تعالى وعلى رسوله وعلى الأئمة (ع) ". وقال (ع): " الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأوصياء (ع) من الكبائر ". وذكر عنده (ع) الحائك، وكونه ملعوناً، فقال: " إنما ذلك الذي يحوك الكذب على الله وعلى رسوله ". وقال الباقر (ع): " لا تكذب علينا كذبة، فتسلب الحنيفية "[10].
[1] هذا جزء من الحديث المتقدم عن مصباح (الشريعة): 289، الباب 49 فصححناه عليه.
[2] النساء، الآية: 112.
[3] صححنا الأحاديث كلها على (أصول الكافي): باب الغيبة والبهتان. وعلى (الوسائل): كتاب الحج، باب تحريم البهتان في المؤمن. وعلى (المستدرك): 107، كتاب الحج، باب تحريم البهتان للمؤمن.
[4] صححنا الرواية على (أصول الكافي): باب الكذب، وعلى (البحار) 3مج15/39، باب الكذب.
[5] هذا الكلام مروى في (الوافي): 3/409 باب الكذب، وفي (البحار) 3مج15/35. وهو مروى عن (نهج البلاغة) كما صرح به العلامة المجلسي. (ره) في الموضع المذكور.
[6] النحل، الآية: 105.
[7] التوبة، الآية: 77.
[8] صححنا هذين الحديثين على (جامع الأخبار): الباب 12الفصل 7.
[9] مثل مضمون هذه الرواية ورد في (الوسائل) في الموضع الآتي الباب 138 وفي (المستدرك) في الموضع الآتي وفي (سفينة البحار: 2: 473، وفيه اختلاف عما في نسخ (جامع السعادات)، فان الموجود بهذه الكتب بهذا النص: " أن لابليس كحلا ولعوقاً وسعوطاً، فكحله النعاس، ولعوقه الكذب، وسعوطه الكبر ".
[10] صححنا أكثر الأحاديث هنا على (الوسائل): الباب 138ـ 140 من أبواب أحكام العشرة، وعلى (المستدرك): 2/100ـ 102 وعلى (أصول الكافي) باب الكذب، وعلى (البحار): 3مج15/35، باب الكذب.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page