• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

فيما يتعلق بالقوة الشهوية من الرذائل والفضائل وكيفية العلاج


(فيما يتعلق بالقوة الشهوية من الرذائل والفضائل وكيفية العلاج)

الشره ـ فوائد الجوع ـ الشهوة الجنسية ـ خمود الشهوة ـ العفة ـ الاعتدال في الشهوة ـ حب الدنيا ـ لابد للمؤمن من مكسب ـ الدنيا المذمومة هي الهوى ـ ذم الدنيا وانها عدوة الله والإنسان ـ خسائس صفات الدنيا ـ تشبيهات الدنيا وأهلها ـ عاقبة حب الدنيا وبغضها ـ الجمع بين ذم المال ومدحه ـ حب المال ـ ذم المال ـ غوائل المال وفوائده ـ الأمور المنجية من غوائل المال ـ الزهد ـ مدح الزهد ـ اعتبارات الزهد ودرجاته ـ الزهد الحقيقي ـ ذم الغنى ـ الفقر ـ اختلاف أحوال الفقراء ـ مراتب الفقر ومدحه ـ الموازنة بين الفقر والغنى ـ ما ينبغي للفقير ـ وظيفة الفقراء ـ موارد قبول العطاء وردها ـ لا يجوز السؤال من غير حاجة ـ الحرص وذمه ـ القناعة ـ علاج الحرص ـ الطمع وذمه ـ الاستغناء عن الناس ـ البخل ـ ذم البخل ـ السخاء معرفة ما يجب أن يبذل ـ الإيثار ـ علاج البخل ـ الزكاة ـ سر وجوب الزكاة وفضيلة سائر الانفاقات ـ الحث على التعجيل في الإعطاء ـ فضيلة إعلان الصدقة الواجبة ـ ذم المن والأذى في الصدقة ـ ما ينبغي للمعطي ـ ما ينبغي للفقراء في أخذ الصدقة ـ زكاة الأبدان ـ الخمس ـ الأنفاق على الأهل والعيال ـ ما ينبغي في الأنفاق على العيال ـ صدقة التطوع ـ فضيلة الإسرار في الصدقة المندوبة ـ الهدية ـ الضيافة ـ ما ينبغي أن يقصد في الضيافة ـ آداب الضيافة ـ الحق المعلوم وحق الحصاد والجذاذ ـ القرض ـ أنظار المعسر والتحليل ـ بذل الكسوة والسكنى ونحوهما ـ ما يبذل لوقاية العرض والنفس ـ ما ينفق في المنافع العامة ـ الفرق بين الأنفاق والبر والمعروف ـ طلب الحرام ـ عزة تحصيل الحلال ـ أنواع الأموال ـ الفرق بين الرشوة والهدية ـ الورع عن الحرام ـ مدح الورع ـ مداخل الحلال ـ درجات الورع ـ الغدر ـ أنواع الفجور ـ الخوض في الباطل ـ التكلم بما لا يعني ـ حد التكلم بما لا يعني ـ أسباب الخوض فيما لا يعنى ـ الصمت، فنقول: أما جنسا رذائلها[1] فاحدهما:


(فيما يتعلق بالقوة الشهوية من الرذائل والفضائل وكيفية العلاج)

الشره ـ فوائد الجوع ـ الشهوة الجنسية ـ خمود الشهوة ـ العفة ـ الاعتدال في الشهوة ـ حب الدنيا ـ لابد للمؤمن من مكسب ـ الدنيا المذمومة هي الهوى ـ ذم الدنيا وانها عدوة الله والإنسان ـ خسائس صفات الدنيا ـ تشبيهات الدنيا وأهلها ـ عاقبة حب الدنيا وبغضها ـ الجمع بين ذم المال ومدحه ـ حب المال ـ ذم المال ـ غوائل المال وفوائده ـ الأمور المنجية من غوائل المال ـ الزهد ـ مدح الزهد ـ اعتبارات الزهد ودرجاته ـ الزهد الحقيقي ـ ذم الغنى ـ الفقر ـ اختلاف أحوال الفقراء ـ مراتب الفقر ومدحه ـ الموازنة بين الفقر والغنى ـ ما ينبغي للفقير ـ وظيفة الفقراء ـ موارد قبول العطاء وردها ـ لا يجوز السؤال من غير حاجة ـ الحرص وذمه ـ القناعة ـ علاج الحرص ـ الطمع وذمه ـ الاستغناء عن الناس ـ البخل ـ ذم البخل ـ السخاء معرفة ما يجب أن يبذل ـ الإيثار ـ علاج البخل ـ الزكاة ـ سر وجوب الزكاة وفضيلة سائر الانفاقات ـ الحث على التعجيل في الإعطاء ـ فضيلة إعلان الصدقة الواجبة ـ ذم المن والأذى في الصدقة ـ ما ينبغي للمعطي ـ ما ينبغي للفقراء في أخذ الصدقة ـ زكاة الأبدان ـ الخمس ـ الأنفاق على الأهل والعيال ـ ما ينبغي في الأنفاق على العيال ـ صدقة التطوع ـ فضيلة الإسرار في الصدقة المندوبة ـ الهدية ـ الضيافة ـ ما ينبغي أن يقصد في الضيافة ـ آداب الضيافة ـ الحق المعلوم وحق الحصاد والجذاذ ـ القرض ـ أنظار المعسر والتحليل ـ بذل الكسوة والسكنى ونحوهما ـ ما يبذل لوقاية العرض والنفس ـ ما ينفق في المنافع العامة ـ الفرق بين الأنفاق والبر والمعروف ـ طلب الحرام ـ عزة تحصيل الحلال ـ أنواع الأموال ـ الفرق بين الرشوة والهدية ـ الورع عن الحرام ـ مدح الورع ـ مداخل الحلال ـ درجات الورع ـ الغدر ـ أنواع الفجور ـ الخوض في الباطل ـ التكلم بما لا يعني ـ حد التكلم بما لا يعني ـ أسباب الخوض فيما لا يعنى ـ الصمت، فنقول: أما جنسا رذائلها[1] فاحدهما:

الشره

الشره
وهو إطاعة شهوة البطن والفرج، وشدة الحرص على الأكل والجماع وربما فسر باتباع القوة الشهوية في كل ما تدعو إليه: من شهوة البطن والفرج، وحب المال، وغير ذلك، ليكون أعم من سائر رذائل قوة الشهوة، وتتحقق جنسيته، وعلى الأول يكون بعض رذائلها كحب الدنيا المتعلق بها أعم منه، إلا أن القوم لما فسروه بالأول فنحن اتبعناهم، إذ الأمر في مثله هين:
وبالجملة: رذيلة الشره من طرف الإفراط ولا ريب في كونه أعظم المهلكات لابن آدم، ولذا قال رسول الله ـ (ص): " من وقى شر قبقبه وذبذبه ولقلقه فقد وقى "، والقبقب: البطن، والذبذب: الفرج، واللقلق: اللسان: وقال (ص): " ويل للناس من القبقبين! فقيل: وما هما يا رسول الله؟! قال: الحلق والفرج ". وقال (ص): " أكثر ما يلج به أمتي النار الأجوفان: البطن والفرج ". وقال (ص): " ثلاث أخافهن على أمتي من بعدي: الضلالة بعد المعرفة، ومضلات الفتن، وشهوة البطن والفرج ".
ويدل على ذم (الأول) ـ أعني شهوة البطن والحرص على الأكل والشرب ـ قوله (ص): " ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، وإن كان لابد فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ". وقال (ص): " لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب، فان القلب كالزرع يموت إذا كثر عليه الماء ". وقال (ص): " أفضلكم منزلة عند الله أطولكم جوعاً وتفكراً، وأبغضكم إلى الله تعالى كل نؤم أكول شروب ". وقال (ص): " المؤمن يأكل في معاء واحد والمنافق يأكل في سبعة أمعاء ". أي يأكل سبعة أضعاف ما يأكله المؤمن أو تكون شهوته سبعة أمثال شهوته، فالمعاء كناية عن الشهوة. وقال (ص): " إن أبغض الناس إلى الله المتّخمون الملأى، وما ترك عبد أكلة يشتهيها إلا كانت له درجة في الجنة ". وقال (ص): " بئس العون على الدين قلب نخيب وبطن رغيب ونعظ شديد "[2] وقال (ص): " أطول الناس جوعاً يوم القيامة أكثرهم شبعاً في الدنيا " ,قال (ص): " لا يدخل ملكوت السماوات من ملأ بطنه ". وفي التوراة: " إن الله ليبغض الحبر السمين "، لأن السمن يدل على الغفلة وكثرة الأكل. وفي بعض الآثار: " ان الله يبغض القارئ السمين ". وقال لقمان لابنه: " يا بني! إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة ". وقال الباقر (ع): " إذا شبع البطن طغى ". وقال (ع): " ما من شيء أبغض إلى الله ـ عز وجل ـ من بطن مملو ". وقال الصادق (ع): " إن البطن ليطغى من أكلة، وأقرب ما يكون العبد من الله إذا خف بطنه وأبغض ما يكون البعد إلى الله إذا امتلأ بطنه ". وقال (ص): " ليس لابن آدم بد من أكلة يقيم بها صلبه، فإذا أكل أحدكم طعاماً، فليجعل ثلث بطنه للطعام، وثلث بطنه للشراب، وثلثه للنفس، ولا تسمنوا تسمن الخنازير للذبح ". وقال (ع): " ما من شيء أضر لقلب المؤمن من كثرة الأكل، وهي مورثة شيئين: (قسوة) القلب، و(هيجان) الشهوة. والجوع إدام للمؤمن، وغذاء للروح، وطعام للقلب، وصحة للبدن ".
والأخبار الواردة بهذه المضامين كثيرة، ولا ريب في أن أكثر الأمراض والأسقام تترتب على كثرة الأكل. قال الصادق (ع): " كل داء من التخمة إلا الحمى فانها ترد وروداً". وقال (ع): " الأكل على الشبع يورث البرص ". وكفى لشهوة البطن ذماً أنها صارت منشأ لاخراج آدم وحواء من دار القرار إلى دار الذل والافتقار، إذ نهيا عن أكل الشجرة فغلبتهما شهوتهما حتى أكلا منها، فبدت لهما سوآتهما.
والبطن منبت الأدواء والآفات وينبوع الشهوات، إذ تتبعها شهوة الفرج شدة السبق إلى المنكوحات، وتتبع شهوة المطعم والمنكح شدة الرغبة في الجاه والمال، ليتوسل بهما إلى التوسع في المطعومات والمنكوحات، ويتبع ذلك أنواع الرعونات، وضروب المحاسدات والمنافسات، وتتولد من ذلك آفة الرياء، وغائلة التفاخر والتكاثر والعجب والكبر، ويداعي ذلك إلى الحقد والعداوة والبغضاء، ويفضي ذلك بصاحبه إلى اقتحام البغي والمنكر والفحشاء. وكل ذلك ثمرة إهمال المعدة وما يتولد من بطر الشبع والامتلاء ولو ذلل العبد نفسه بالجوع، وضيق مجاري الشيطان، لم يسلك سبيل البطر والطغيان، ولم ينجر به إلى الانهماك في الدنيا والانغمار فيما يفضيه إلى الهلاك والردى، ولذا ورد في فضيلة الجوع والصبر عليه ما ورد من الأخبار، قال رسول الله (ص): " جاهدوا أنفسكم بالجوع والعطش فان الأجر في ذلك كأجر المجاهد في سبيل الله، وأنه ليس من عمل احب إلى الله من جوع وعطش " وقال (ص): " أفضل الناس من قل مطعمه وضحكه، ورضى بما يستر عورته ". وقال (ص): " سيد الأعمال الجوع، وذل النفس لباس الصوف " وقال (ص): " اشربوا وكلوا في انصاف البطون فانه جزء من النبوة ". وقال (ص): " قلة الطعام هي العبادة ". وقال (ص): " إن الله يباهي الملائكة بمن قل مطعمه في الدنيا " يقول: انظروا إلى عبدي ابتليته بالطعام والشراب في الدنيا فصبر وتركهما، اشهدوا يا ملائكتي: ما من أكلة يدعها إلا أبدلته بها درجات في الجنة ". وقال (ص): " أقرب الناس من الله ـ عز وجل ـ يوم القيامة من طال جوعه وعطشه وحزنه في الدنيا ". وقال عيسى (ع): " أجيعوا أكبادكم وأعروا أجسادكم لعل قلوبكم ترى الله ـ عز وجل ـ ". وقالت بعض زوجاته (ص): " إن رسول الله لم يمتل قط شبعاً، وربما بكيت رحمة مما أرى به من الجوع فامسح بطنه بيدي، وأقول: نفسي لك الفداء! لو تبلغت من الدنيا بقدر ما يقويك ويمنعك من الجوع، فيقول: إخواني من أولى العزم من الرسل قد صبروا على ما هو أشد من هذا، فمضوا على حالهم فقدموا على ربهم فاكرم مآبهم وأجزل ثوابهم، فاجدني أستحي إن ترفهت في معيشتي أن يقصر بي غداً دونهم، فاصبر أياماً يسيرة أحب إلي من أن ينقص بي حظي غداً في الآخرة، وما من شيء أحب إلي من اللحوق بأصحابي وإخواني ". وروى: " انه جاءت فاطمة (ع): ومعها كسيرة من خبز، فدفعتها إلى النبي (ص) فقال: ما هذه الكسيرة؟ قالت: قرص خبزته للحسن والحسين (ع) جئتك منه بهذه الكسيرة، فقال: أما إنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاث "[3].

فوائد الجوع

فوائد الجوع
ثم للجوع فوائد: هي صفاء القلب ورقته، واتقاد الذهن وحدته والالتذاذ بالمناجاة والطاعة، والابتهاج بالذكر والعبادة، والترحم لأرباب الفقر والفاقة، والتذكر بجوع يوم القيامة. والانكسار المانع عن الطغيان والغفلة، وتيسر المواظبة على الطاعة والعبادة، وكسر شهوات المعاصي والمستولية بالشبع، ودفع النوم الذي يضيع العمر ويكل الطبع ويفوت القيام والتهجد، والتمكن من الإيثار والتصديق بالزائد، وخفة المؤنة الموجبة للفراغ عن الاهتمام بالتحصيل والأعداد، وصحة البدن ودفع الأمراض، إذ المعدة بيت كل داء والحمية رأس كل دواء، وورد: " كلوا في بعض بطونكم تصحوا " وأضداد هذه الفوائد من المفاسد يترتب على الشبع.

ثم علاج الشره بالأكل والشرب: أن يتذكر الأخبار الواردة في ذمه، وينبه نفسه على رذالة المأكولات وخساستها، وعلى خسة الشركاء من الحيوانات، ويتأمل في المفاسد المترتبة على الولوع به: من الذلة، والمهانة وسقوط الحشمة والمهابة، وفتور الفطنة، وظهور البلادة، وحدوث العلل والأمراض الكثيرة، وبعد ذلك يحافظ نفسه عن الإفراط في الأكل ولو بالتكلف حتى يصير الاعتدال فيه عادة.

الشهوة الجنسية

الشهوة الجنسية
(وأما الثاني) ـ اعني طاعة شهوة الفرج والإفراط في القاع ـ فلا ريب في أنه يقهر العقل حتى يجعل الإنسان مقصور الهم على التمتع بالنسوان والجواري، فيحرم من سلوك طريق الآخرة، أو يقهر الدين حتى يجر إلى اقتحام الفواحش وربما انتهت هذه الشهوة بمن غلب وهمه على عقله إلى العشق البهيمي الذي ينشأ من استيلاء الشهوة، فيسخر الوهم العقل لخدمة الشهوة، وقد خلق العقل ليكون مطاعاً لا ليكون خادماً للشهوة. وهذا مرض قلوب فارغة خلت عن محبة الله وعن الهمم العالية.
ويجب الاحتراز من أوائله بترك معاودة الفكر والنظر، وذا استحكم عسر دفعه، وكذلك حب باطل من الجاه والمال والعقار والأولاد. فمثل من يكسره في أول انبعاثه مثل من يصرف عنان الدابة عند توجهها إلى باب ليدخله، وما أهون منعها يصرف عنانها، ومثل من يعالجه بعد استحكامه مثل من يترك الدابة حتى تدخل وتتجاوز الباب ثم يأخذ بذنبها ويجرها إلى ورائها، وما اعظم التفاوت بين الأمرين في اليسر والعسر. فليكن الاحتراز والاحتياط في بدايات الأمور، إذ في أواخرها لا تقبل العلاج إلا بجهد شديد يكاد يوازي نزع الروح.
وربما انتهى إفراط هذه الشهوة بطائفة إلى أن يتناولوا ما يقويها ليستكثروا من الجماع، ومثلهم كمثل من بلى بسباع ضارية تغفل عنه في بعض الأوقات فيحتال لإثارتها وتهييجها في هذا الوقت ثم يشتغل بعلاجها واصلاحها. والتجربة شاهدة بأن من ينقاد لهذه الشهوة ويسعى في تكثير ما يهيجها من النسوان وتجديدهن والتخيل والنظر وتناول الأغذية والأدوية المحركة لها يكون ضعيف البدن سقيم الجسم قصير العمر، وقد ينجر إفراطها إلى سقوط القوة واختلال القوى الدماغية وفساد العقل ـ كما برهن عليه في الكتب الطبية ـ. والوقاع أضر الأشياء بالدماغ، إذ جل المواد المنوية يجلب منه، ولذا شبه الغزالي هذه الشهوة بالعامل الظالم الذي لو أطلقه السلطان ولم يمنعه من ظلمه أخذ أموال الرعية على التدريج بأسرها وابتلاهم بالفقر والفاقة، فأهلكهم الجوع وعدم تمكنهم من تحصيل القوت، وكذا هذه القوة لو لم يقهرها سلطان العقل ولم يقمها على طريق الاعتدال صرفت جميع المواد الصالحة والأخلاط المحمودة التي اكتسبتها القوى الغذائية لبدل ما يتحلل من الأعضاء في مصارف نفسها وجعلها بأسرها منياً، وتبقى جميع الأعضاء بلا قوت، فتضعف ويدركها الفناء بسرعة. ولو كانت مطيعة للعقل، بحيث تقدم على ما يأمرها به وتنزجر عما ينهاها عنه، كانت كالعامل الذي يأخذ الخراج على طريق العدل والمروة، ويصرفه في مصارف المملكة من سد الثغور واصلاح القناطر وخروج العساكر، وتبقى سائر أموال الرعية لأنفسهم، فيبقى لهم القوت وسائر ما يحتاجون إليه.
ولعظم آفة هذه الشهوة واقتضائها هلاك الدين والدنيا إن لم تضبط ولم ترد إلى حد الاعتدال، ورد في ذمها ما ورد من الأخبار، وقال رسول الله (ص) في بعض دعواته: " اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري وقلبي وشر مني ". وروى: " أنه إذا قام ذكر الرجل ذهب ثلثا عقله" وورد في تفسير قوله تعالى:
" ومن شرّ غاسق إذا وقب "[4]
أي: ومن شر الذكر إذ قام أو دخل. وقال (ص): " النساء حبائل الشيطان " وقال (ص): " ما بعث الله نبياً فيما خلا إلا لم ييأس إبليس أن يهلكه بالنساء، ولا شي أخوف عندي منهن "[5] وقال (ص): " اتقوا فتنة النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت من قبل النساء " وروى: " أن الشيطان قال لموسى (ع): لا تخل بامرأة لا تحل لك: فانه ما خلا رجل بامرأة لا تحل له إلا كنت صاحبه دون أصحابي حتى أفتنه بها ". وروى أيضاً: " أن الشيطان قال: المرأة نصف جندي، وهي سهمي الذي أرمى فلا أخطئ، وهي موضع سرى، وهي رسولي في حاجتي " ولا ريب في أنه لولا هذه الشهوة لما كان للنساء تسلط على الرجال.
وقد ظهر بالعقل والنقل: أن الإفراط في هذه الشهوة وكثرة الطروقة والنزو على النسوان مذموم. ولا تغرنك كثرة نكاح رسول الله (ص) فانه كان لا يشغل قلبه جميع ما في الدنيا، وكان استغراقه في حب الله بحيث يخشى احتراق قلبه والسراية منه إلى قالبه، فكان (ص) يكثر من النسوان ويشغل نفسه الشريفة بهن، ليبقى له نوع التفات إلى الدنيا، ولا يؤدى به كثرة الاستغراق إلى مفارقة الروح عن البدن، ولذا إذا غشيته كثرة الاستغراق وخاض في غمرات الحب والإنس، يضرب يده على فخذ عائشة ويقول (ص): " كلميني واشغليني يا حميراء! " وهي تشغله بكلامها عن عظيم ما هو فيه لقصور طاقة قالبه عنه.
ثم لما كانت جبلته الأنس بالله، وكان أنسه بالخلق عارضاً يتكلفه رفقاً ببدنه، فإذا طالت مجالسته معهم لم يطق الصبر معهم وضاق صدره فيقول: " أرحنا يا بلال! "، وحتى يعود إلى ما هو قرة عينه. فالضعيف إذا لا حظ أحواله فهو معذور، لأن الإفهام تقصر عن الوقوف على أسرار أفعاله[6].
ثم علاج إفراط هذه الشهوة ـ بعد تذكر مفاسدها المذكورة ـ كسرها بالجوع، وسد الطرق المؤدية إليها: من التخيل والنظر والتكلم والخلوة، فإن أقوى الأسباب المهيجة لها هو النظر والخلوة، ولذا قال الله تعالى:
" قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم "[7]
وقال النبي (ص): " النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، فمن تركها خوفاً من الله تعالى أعطاه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه ". وقال (ص): " لكل عضو من أعضاء ابن آدم حظ من الزنا، فالعينان تزنيان وزناهما النظر "، وقال (ص): " لا تدخلوا على المغيبات ـ أي التي غاب عنها زوجها ـ فان الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم ". وقال عيسى بن مريم ـ عليهما السلام ـ: " إياكم والنظرة، فإنها تزرع في القلب شهوة، وكفى بها فتنة ". وقيل ليحيى بن زكريا: ما بدء الزنا؟ قال: " النظرة والتمني ". وقال داود (ع) لابنه: " بابني! امش خلف الأسد (و) الأسود ولا تمش خلف المرأة ". وقال إبليس: " النظرة قوسي وسهمي الذي لا اخطىء به ".
ولكون النظر مهيجاً للشهوة، حرم في الشريعة نظر كل من الرجل والمرأة إلى الآخر، وكذا حرم استماع كل منهما لكلام الآخر، إلا مع الضرورة وعموم الحاجة، وكذا حرم نظر الرجال إلى المرد من الصبيان إذا كان مورثاً للفتنة، ولذا كان كبراء الأخيار وعظماء الأبرار في الإعصار والأمصار محترزين عن النظر إلى وجوه الصبيان، حتى قال بعضهم " ما أنا بأخوف على الشباب الناسك من سبع ضار كخوفي عليه من غلام أمرد يجلس إليه ".
ثم إن لم تنقمع الشهوة بالجوع والصوم وحفظ النظر، فينبغي كسرها بالنكاح، بشرط الاستطاعة والأمن من غوائله. قال رسول الله (ص): " معاشر الشباب! عليكم بالباءة، فمن لم يستطع فعليه بالصوم، فان الصوم له وجاء ". وقال رسول الله (ص): " إن المرأة إذا أقبلت أقبلت بصورة شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله، فان معها مثل الذي معها ".
(وثانيهما) ـ أي ثاني جنسي رذائل قوة الشهوة

الخمود

الخمود
وهو التفريط في كسب ضروري القوت، والفتور عما ينبغي من شهوة النكاح، بحيث يؤدي إلى سقوط القوة وتضييع العيال وانقطاع النسل ولا ريب في كون ذلك مذموماً غير مستحسن في الشرع، إذ تحصيل المعارف الإلهية واكتساب الفضائل الخلقية والعبادات البدنية موقوف على قوة البدن، فالتفريط في إيصال بدل ما يتحلل إلى البدن يوجب الحرمان عن تحصيل السعادات. وهو غاية الخسران. وكذا إهمال قوة شهوة النكاح يوجب الحرمان عن الفوائد المترتبة عليها، فان هذه القوة إنما سلطت على الإنسان لبقاء النسل ودوام الوجود، ولأن يدرك لذته فيقيس بها لذات الآخرة، فان لذة الوقاع لو دامت لكانت أقوى اللذات الجسمانية، كما أن ألم النار أعظم الآلام الجسدانية، فالترغيب والترهيب يسوقان الخلق إلى سعاداتهم، وليس ذلك إلا بلذة مدركة وألم محسوس مشابهين للذات والآلام الأخروية.
ولبقاء النسل فوائد: موافقة محبة الله بالسعي في تحصيل الولد لبقاء نوع الإنسان، وعدم قطعه السلسلة التي وصلت إليه من مبدأ النوع، وطلب محبة رسول الله (ص) في تكثير من به مباهاته، وطلب التبرك بدعاء الولد الصالح بعده، وطلب الشفاعة بموت الولد الصغير إذا مات قبله، كما استفاضت به الأخبار.
ومن فوائد النكاح: كسر التوقان والتحرز من الشيطان، بغض البصر وحفظ الفرج وقطع الوساوس وخطرات الشهوة من القلب، واليه الإشارة بقوله (ص): " من تزوج فقد أحرز نصف دينه".
ومن فوائد النكاح: تفريغ القلب عن تدبير المنزل، والتكفل بشغل الطبخ والفرش والكنس، وتنظيف الأواني وتهيئة أسباب المعيشة، فان الفراغ عن ذلك أعون شيء على تحصيل العلم والعمل، ولذا قال النبي (ص): " يتخذ أحدكم لساناً ذاكراً وقلباً شاكراً وزوجة مؤمنة صالحة تعينه على آخرته ".
ومنها: مجاهدة النفس ورياضتها بالسعي في حوائج الأهل والعيال، والاجتهاد في إصلاحهم وارشادهم إلى طريق الدين، وفي تحصيل المال الحلال لهم من المكاسب الطيبة، والقيام بتربية الأولاد، والصبر على أخلاق النساء، وكل ذلك من الفضائل العظيمة، ولذا قال رسول الله (ص): " الكاد في نفقة عياله كالمجاهد في سبيل الله ". وقال (ص): " من حسنت صلاته، وكثر عياله وقل ماله، ولم يغتب المسلمين: كان معي في الجنة كهاتين". وقال (ص): " من الذنوب لا يكفرها إلا الهم بطلب المعيشة ". وقال (ص): " من كانت له ثلاث بنات فانفق عليهن واحسن إليهن حتى يغنيهن الله عنه أوجب الله تعالى له الجنة ".
ولا ريب في أن الخمود عن الشهوة يلزمه الحرمان عن الفوائد المذكورة فهو مرجوح.
ثم لما كان للنكاح آفات أيضاً، كالاحتياج إلى المال وصعوبة تحصيل الحلال منه ـ لا سيما في أمثال زماننا ـ والعجز عن القيام بحقوق النسوان، والصبر على أخلاقهن، واحتمال الأذى منهن، وتفرق الخاطر لأجل القيام بتدبير المعيشة وتهيئة ما يحتاجون إليه، وتأدية ذلك غالباً إلى ما لا ينبغي من الانغمار في الدنيا والغفلة عن الله ـ سبحانه ـ وعما خلق لأجله، فاللائق أن يلاحظ في كل شخص أن الراجح في حقه ماذا؟ ـ بعد ملاحظة الفوائد والمفاسد ـ فيأخذ به.

العفة

العفة
قد عرفت أن ضد الجنسين (العفة)، وهو انقياد قوة الشهوة للعقل في الإقدام على ما يأمرها به من المأكل والمنكح كما وكيفاً، والاجتناب عما ينهاها عنه، وهو الاعتدال الممدوح عقلا وشرعاً، وطرفاه من الإفراط والتفريط مذمومان، فان المطلوب في جميع الأخلاق والأحوال هو الوسط، إذ خير الأمور أوساطها. وكلا طرفيها ذميم، فلا تظنن مما ورد في فضيلة الجوع أن الإفراط فيه ممدوح، فان الأمر ليس كذلك، بل من أسرار حكمة الشريعة أن كلما يطلب الطبع فيه طرف الإفراط بالغ الشرع في المنع عنه على وجه يتوهم الجاهل منه أن المطلوب طرف التفريط، والعالم يدرك أن المقصود هو الوسط، فان الطبع إذا طلب غاية الشبع، فالشرع ينبغي أن يطلب غاية الجوع، حتى يكون الطبع باعثاُ والشرع مانعاً، فيتقاومان ويحصل الاعتدال. ولما بالغ النبي (ص) في الثناء على قيام الليل وصيام النهار، ثم علم من حال بعضهم أنه يقوم الليل كله ويصوم الدهر كله، فنهى عنه. والأخبار الواردة في مدح العفة وفضيلتها كثيرة، قال أمير المؤمنين (ع): " أفضل العبادة العفاف". وقال الباقر (ع): " ما من عبادة أفضل من عفة بطن وفرج ". وقال (ع): " ما عبد الله بشيء أفضل من عفة بطن وفرج " وقال (ع): " أي الاجتهاد أفضل من عفة بطن وفرج ". وفي معناها أخبار أخر.
وإذا عرفت هذا، فاعلم أن الاعتدال في الأكل أن يأكل بحيث لا يحس بثقل المعدة ولا بألم الجوع، بل ينسى بطنه فلا يؤثر فيه أصلا، فان المقصود من الأكل بقاء الحياة وقوة العبادة، وثقل الطعام يمنع العبادة وألم الجوع أيضاً يشغل القلب ويمنع منها فالمقصود أن يأكل أكلا معتدلا بحيث لا يبقى للأكل فيه أثر، ليكون متشبهاً بالملائكة المقدسين عن ثقل الطعام, وألم الجوع، واليه الإشارة بقوله تعالى:
" وكلوا واشربوا ولا تسرفوا "[8]
وهذا يختلف بالنسبة إلى الأشخاص والأحوال والأغذية، والمعيار فيه ألا يأكل طعاما حتى يشتهيه، ويرفع يده عنه وهو يشتهيه: وينبغي ألا يكون غرضه من الأكل التلذذ، بل حفظ القوة على تحصيل ما خلق لاجله، فيقتصر من أنواع الطعام على خبز البر في بعض الأوقات، وعلى خبز الشعير في بعضها، ولو ضم إليه الأدام فيكتفي بأدام واحد في بعض الأحيان، ولا يواظب على اللحم، ولا يتركه بالمرة، قال أمير المؤمنين (ع): " من ترك اللحم أربعين يوماً ساء خلقه، ومن داوم عليه أربعين يوماً قسى قلبه ".
[1] أي القوة الشهوية.
[2] صححنا الحديث على نسخ الوسائل المصححة في كتاب الأطعمة، والوافي 10: 66ـ. وكذا ذكره في مجمع البحرين مادة (نخب)، والنخيب: الجبان الذي لا فؤاد له: والرغيب: الواسع.
[3] صححنا الحديث على ما في سفينة البحار ـ 1: 195.
[4] الفلق، الآية: 3.
[5] في إحياء العلوم ـ 3: 86 إن هذا الكلام من قول سعيد بن المسيب لا من كلام النبي (ص).
[6] هذا الكلام كله عن تعليل كثرة طروق النبي (ص) مأخوذ من كلام الغزالي في إحياء العلوم ـ 3: 87 ـ.
[7] النور، الآية: 30.
[8] الأعراف، الآية: 30.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page