• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

طريق تحصيل الصبر


(طريق تحصيل الصبر)
الطريق إلى تحصيل الصبر: تقوية باعث الدين، وتضعيف باعث الهوى.
والأول: انما يكون بأمور:
الأول ـ أن يكثر فكرته فيما ورد من فضل الصبر وحسن عواقبه في الدنيا والآخرة، وأن ثواب الصبر على المصيبة أكثر مما فات وانه بسبب ذلك مغبوط بالمصيبة، إذ فاته ما لا يبقى معه إلا مدة الحياة في الدنيا، وحصل له ما يبقى بعد موته أبد الدهر، فيجازى على المدة القصيرة الفانية بالمدة الطويلة الخالدة، وعلى الغاية القريبة الزائلة بالغاية المديدة الباقية. ومن أسلم خسيسا في نفيس، فلا ينبغي أن يحزن بفوات الخسيس في الحال.
الثاني ـ أن يتذكر قلة قدر الشدة الدنيوية ووقتها، واستخلاصه عنها عن قريب، مع بقاء الاجر على الصبر عليها.
الثالث ـ أن يعلم أن الجزع قبيح مضر بالدين والدنيا ولا يفيد ثمرة إلا حبط الثواب وجلب العقاب، كما قال أمير المؤمنين (ع): " إن صبرت جرت عليك المقادير وانت مأجور، وان جزعت جرت عليك المقادير وأنت مازور ".
الرابع ـ أن يعود مصارعة هذا الباعث باعث الهوى تدريجا، حتى يدرك لذة الظفر بها، فيتجرى عليها، ويقوى متنه في مصارعتها. فان الاعتماد والممارسة للأعمال الشاقة يؤكد القوى التي تصدر منها تلك الأعمال. ولذا تزيد قوة الممارسين للأعمال الشاقة ـ كالحمالين والفلاحين ـ على قوة التاركين لها. فمن عود نفسه مخالفة الهوى غلبها مهما شاء وأراد.
واما الثاني: اعني تضعيف الهوى، انما يكون بالمجاهدة والرياضة، من الصوم والجوع وقطع الأسباب المهيجة للشهوة من النظر إلى مظانها وتخيلها، وبالتسلية بالمباح من الجنس الذي يشتهيه بشرط أَلا يخرج عن القدر المشروع.
إن قيل: الصبر في المصائب إن كان المراد به ألا تكون في نفسه كراهة المعصية فذلك غير داخل تحت الاختيار، إذ الإنسان مضطر إلى الكراهة، فبماذا ينال درجة الصبر في المصائب؟
قلت: من كان عارفا بالله وبأسرار حكمته وقضائه وقدره، بأن يعلم يقينا بأن كل أمر صدر من الله وابتلى به عباده من ضيق أو سعة، وكل أمر مرهوب أو مرغوب على وفق الحكمة والمصلحة بالذات، وما عرض من ذلك مما يعد شراً فأمر عرضي لا يمكن نزع الخير المقصود منه، وان ذلك إذا كان متيقنا له، استعدت نفسه للصبر ومقاومة الهوى في الغم والحزن، وطابت بقضائه وقدره، وتوسع صدره بمواقع حكمه، وايقن بأن قضاءه لم يجر إلا بالخيرة. وقد أشار إلى ذك أمير المؤمنين (ع) بقوله: " اطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين ". ومن بلغ بهذه الدرجة، يتلذذ بكل ما يرد عليه. ومثله يتمتع بثروة لا تنفذ، ويتأيد بعز لا يفقد، فيسرح في ملك الابد، ويعرج إلى قضاء السرمد. هذا مع ان العبد إنما يخرج عن مقام الصابرين بالجزع، وشق الجيوب، وضرب الخدود، والمبالغة في الشكوى، وإظهار الكآبة، وتغيير العادة في الملبس والمطعم ونحوها، وهذه الأمور داخلة تحت اختياره، فينبغي ان يجتنب عنها، ويظهر الرضا بالقضاء، ويبقى مستمراً على عادته، ويعتقد ان ذلك كان وديعة فاسترجعت، ولا يخرجه عن حد الصابرين توجع القلب وجريان الدمع، لأن ذلك مقتضى البشرية. ولذلك لما مات إبراهيم ولد النبي (ص) فاضت عيناه بالدمع، فقيل له: اما نهيتنا عن هذا؟ قال: " هذه رحمة، انما يرحم الله من عباده الرحماء ". وقال أيضاً (ص): " العين تدمع والقلب يحزن، ولا يقول ما يسخط الرب ". بل ذلك لا يخرج عن مقام الرضا أيضاً، فان المقدم على الفصد والحجامة راض به، مع أنه متألم بسببه لا محالة. نعم، من كمال الصبر كتمان المصائب، لما ورد من أن كتمان المصائب والاوجاع والصدقة من كنوز البر. وقد ورد المدح في كثير من الأخبار على عدم الشكاية من الامراض والمصائب. وقال الباقر (ع): " الصبر الجميل، صبر ليس فيه شكوى إلى الناس ". وفي بعض الأخبار: " أن الشكاية أن تقول: ابتليت بما لم يبتل به أحد، واصابني ما لم يصب أحداً، وليس الشكوى أن تقول: سهرت البارحة، وحميت اليوم، ونحو ذلك ". وقال الصادق (ع): " من اشتكى ليلة، فقبلها بقبولها، وأدى إلى الله شكرها، كانت كعبادة ستين سنة "، وقيل له: ما قبولها؟ قال: " يصبر عليها ولا يخبر بما كان فيها، فإذا أصبح حمد الله على ما كان ".


(طريق تحصيل الصبر)
الطريق إلى تحصيل الصبر: تقوية باعث الدين، وتضعيف باعث الهوى.
والأول: انما يكون بأمور:
الأول ـ أن يكثر فكرته فيما ورد من فضل الصبر وحسن عواقبه في الدنيا والآخرة، وأن ثواب الصبر على المصيبة أكثر مما فات وانه بسبب ذلك مغبوط بالمصيبة، إذ فاته ما لا يبقى معه إلا مدة الحياة في الدنيا، وحصل له ما يبقى بعد موته أبد الدهر، فيجازى على المدة القصيرة الفانية بالمدة الطويلة الخالدة، وعلى الغاية القريبة الزائلة بالغاية المديدة الباقية. ومن أسلم خسيسا في نفيس، فلا ينبغي أن يحزن بفوات الخسيس في الحال.
الثاني ـ أن يتذكر قلة قدر الشدة الدنيوية ووقتها، واستخلاصه عنها عن قريب، مع بقاء الاجر على الصبر عليها.
الثالث ـ أن يعلم أن الجزع قبيح مضر بالدين والدنيا ولا يفيد ثمرة إلا حبط الثواب وجلب العقاب، كما قال أمير المؤمنين (ع): " إن صبرت جرت عليك المقادير وانت مأجور، وان جزعت جرت عليك المقادير وأنت مازور ".
الرابع ـ أن يعود مصارعة هذا الباعث باعث الهوى تدريجا، حتى يدرك لذة الظفر بها، فيتجرى عليها، ويقوى متنه في مصارعتها. فان الاعتماد والممارسة للأعمال الشاقة يؤكد القوى التي تصدر منها تلك الأعمال. ولذا تزيد قوة الممارسين للأعمال الشاقة ـ كالحمالين والفلاحين ـ على قوة التاركين لها. فمن عود نفسه مخالفة الهوى غلبها مهما شاء وأراد.
واما الثاني: اعني تضعيف الهوى، انما يكون بالمجاهدة والرياضة، من الصوم والجوع وقطع الأسباب المهيجة للشهوة من النظر إلى مظانها وتخيلها، وبالتسلية بالمباح من الجنس الذي يشتهيه بشرط أَلا يخرج عن القدر المشروع.
إن قيل: الصبر في المصائب إن كان المراد به ألا تكون في نفسه كراهة المعصية فذلك غير داخل تحت الاختيار، إذ الإنسان مضطر إلى الكراهة، فبماذا ينال درجة الصبر في المصائب؟
قلت: من كان عارفا بالله وبأسرار حكمته وقضائه وقدره، بأن يعلم يقينا بأن كل أمر صدر من الله وابتلى به عباده من ضيق أو سعة، وكل أمر مرهوب أو مرغوب على وفق الحكمة والمصلحة بالذات، وما عرض من ذلك مما يعد شراً فأمر عرضي لا يمكن نزع الخير المقصود منه، وان ذلك إذا كان متيقنا له، استعدت نفسه للصبر ومقاومة الهوى في الغم والحزن، وطابت بقضائه وقدره، وتوسع صدره بمواقع حكمه، وايقن بأن قضاءه لم يجر إلا بالخيرة. وقد أشار إلى ذك أمير المؤمنين (ع) بقوله: " اطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين ". ومن بلغ بهذه الدرجة، يتلذذ بكل ما يرد عليه. ومثله يتمتع بثروة لا تنفذ، ويتأيد بعز لا يفقد، فيسرح في ملك الابد، ويعرج إلى قضاء السرمد. هذا مع ان العبد إنما يخرج عن مقام الصابرين بالجزع، وشق الجيوب، وضرب الخدود، والمبالغة في الشكوى، وإظهار الكآبة، وتغيير العادة في الملبس والمطعم ونحوها، وهذه الأمور داخلة تحت اختياره، فينبغي ان يجتنب عنها، ويظهر الرضا بالقضاء، ويبقى مستمراً على عادته، ويعتقد ان ذلك كان وديعة فاسترجعت، ولا يخرجه عن حد الصابرين توجع القلب وجريان الدمع، لأن ذلك مقتضى البشرية. ولذلك لما مات إبراهيم ولد النبي (ص) فاضت عيناه بالدمع، فقيل له: اما نهيتنا عن هذا؟ قال: " هذه رحمة، انما يرحم الله من عباده الرحماء ". وقال أيضاً (ص): " العين تدمع والقلب يحزن، ولا يقول ما يسخط الرب ". بل ذلك لا يخرج عن مقام الرضا أيضاً، فان المقدم على الفصد والحجامة راض به، مع أنه متألم بسببه لا محالة. نعم، من كمال الصبر كتمان المصائب، لما ورد من أن كتمان المصائب والاوجاع والصدقة من كنوز البر. وقد ورد المدح في كثير من الأخبار على عدم الشكاية من الامراض والمصائب. وقال الباقر (ع): " الصبر الجميل، صبر ليس فيه شكوى إلى الناس ". وفي بعض الأخبار: " أن الشكاية أن تقول: ابتليت بما لم يبتل به أحد، واصابني ما لم يصب أحداً، وليس الشكوى أن تقول: سهرت البارحة، وحميت اليوم، ونحو ذلك ". وقال الصادق (ع): " من اشتكى ليلة، فقبلها بقبولها، وأدى إلى الله شكرها، كانت كعبادة ستين سنة "، وقيل له: ما قبولها؟ قال: " يصبر عليها ولا يخبر بما كان فيها، فإذا أصبح حمد الله على ما كان ".

التلازم بين الصبر والشكر

(التلازم بين الصبر والشكر)
اعلم انه اختلف في أفضلية كل من الصبر والشكر على الآخر، فرجح كلا منهما على الآخر طائفة. والظاهر أنه لا ترجيح لأحدهما على الآخر، لأنهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر. إذ الصبر على لطاعة وعلى المعصية هو عين الشكر، لكون أداء الطاعة وترك المعصية شكراً كما مر في باب الشكر. والصبر على الشدائد والمصائب يستلزم الشكر، لما مر من أن الشدائد والمصائب الدنيوية تتضمن نعماً، فالصبر على هذه الشدائد يستلزم الشكر على تلك النعم، ولأن الصبر على المصائب هو حبس النفس عن الجزع تعظيماً لله ـ سبحانه ـ. وهذا هو الشكر بعينه، لانه تعظيم لله يمنع عن العصيان، والشاكر يمنع نفسه عن الكفران مع ميل النفس إليه، وهذا هو عين الصبر عن المعصية. وأيضاً، توفيق الصبر والعصمة من الجزع نعمة يشكر عليها الصابر، فكل صبر يستلزم الشكر، وبالعكس.
وبالجملة: لا ريب في استلزام كل من الصبر والشكر للاخر، فان اجتماعهما في الطاعة وترك المعصية، بل اتحادهما فيهما، أمر ظاهر، كما تقدم. وفي البلاء المقيد الدنيوي، إذا حصل فيه الصبر، فلا ريب في عدم انفكاكه عن تصور النعم اللازمة له، من الثواب الاخروي، وحصول الانزعاج عن الدنيا والرغبة إلى الآخرة، فيشكر على ذلك. فهو لا ينفك عن الشكر، لانه يعرف هذه النعم من الله، كما يعرف البلاء أيضاً من الله، فيفرح بالنعم، ويعمل بمقتضى فرحه من التحميد وغيره. وفي النعمة المقيدة، مثل المال، إذا توسل به إلى تحصيل الدين، فلا ريب في أنه كما تحقق فيه الكر تحقق فيه الصبر أيضا. إذ في انفاق المال وبذله في تحصيل الدين حبس النفس عما تحبه وتميل إليه، وثبات باعث الدين في مقابلة باعث الهوى. وفي البلاء المطلق، كالكفر والجهل، لا معنى لتحقق الشكر أو الصبر فيه، وفي النعمة المطلقة، كسعادة الآخرة والعلم وحسن الاخلاق، كما يتحقق فيها الشكر يتحقق فيها الصبر أيضا. إذ تحصيل السعادة، والعلم، والأخلاق الفاضلة، والابقاء عليها، لا ينفك عن مقاومته مع الهوى ومنع النفس عما تميل اليه. مع ان الشكر عليهما يستلزم منع النفس عن الكفران، وهو الصبر على المعصية. حتى أن شكر العينين بالنظر إلى عجائب صنع الله يستلزم الصبر عن الغفلة والنوم، والنظر إلى ما تميل إليه النفس من النظر إلى غير المحارم وأمثال ذلك.
فان قيل: استلزام كل من الصبر والشكر للاخر مما لا ريب فيه، إلا أن الكلام في أنه إذا لم يتحقق الاتحاد بينهما في فعل، كما في فعل الطاعة وترك المعصية لكونهما متحدين فيهما، بل تحقق الاستلزام الموجب لتحقق جهتين، فأي الجهتين أفضل؟ مثل أن يبتلى أحد بمصيبة دنيوية، فصبر عليها، بمعنى أنه عرف أنها من الله وحبس نفسه عن الجزع والاضطراب، وشكر عليها أيضاً، بمعنى أنه عرف أن النعم اللازمة لها من الثواب الأخروي وغيرها من الله، وفرح بها، وعمل بمقتضى فرحه من التحميد أو طاعة اخرى، فهل الأفضل حينئذ جهة الصبر، أو جهة الشكر؟
قلنا: التأمل يعطى: أن كل صبر هو شكر بعينه، وبالعكس. فلا تتحقق بينهما جهتان مختلفتان حتى يتصور الترجيح بينهما. فان الصبر على البلاء إنما هو حبس النفس عن الجزع تعظيماً لله. وهذا هو الشكر، إذ كل طاعة لله ـ سبحانه ـ شكر، وفي الشكر على النعم المطلقة منع النفس عن الكفران، وهو عين الصبر عن المعصية.
فان قلت: فعلى هذا، يجتمع الصبر والشكر في محل واحد بجهة واحدة، وقد تقدم انهما متضادان، إذ الصبر يستدعي ألما، والشكر يستدعي فرحا، وقد ذكرت ان اجتماع الصبر والشكر في محل واحد انما يكون من جهتين متغايرتين لا من جهة واحدة.
قلنا: امتناع الاتحاد فيهما انما هو في الصبر والشكر على ما هو كان نعمة وبلاء بعينه، فانه لا يمكن ان يكون الصبر على فوت ولد ـ اعني حبس النفس عن الجزع ـ هو عين الشكر على النعمة، إذ موت الولد بعينه ليس نعمة، بل هو مستلزم للنعمة. فالشكر على اللازم، والصبر على الملزوم، فاختلفت جهتا الصبر والشكر، فلا اتحاد. وما ذكرناه من الاتحاد انما هو الشكر والصبر على النعمة وترك المعصية، أو على البلاء والطاعة. وندعي أن من وصلت إليه نعمة، فشكر عليها بعرفانها من الله، ففرح بها، وعمل بمقتضى الفرح، من التحميد أو طاعة اخرى، كان هذا الشكر عين الصبر عن معصية هي الكفران، أو على الطاعة التي هي التحميد وغيره. كذا من ابتلى ببلية،، فصبر عليها بحبس نفسه عن الجزع، فهذا الصبر عين الشكر بأداء الطاعة التي هي تعظيم الله بكف النفس عن الجزع، أو عن المعصية التي هي الجزع والاضطراب. وهذا الاتحاد والعينية يطرد في كل صبر وشكر، ولا يتحقق شكر لا يكون عن الصبر من هذا الوجه، وبالعكس. وليس بينهما تضاد وتغاير اصلا، والاستلزام واختلاف الجهة انما هو في الصبر على البلاء والشكر على ما يستلزمه من النعم، ولا يمكن هنا اتحادهما لتضادهما. وفي هذه الصورة، يكون كل من الصبر والشكر المتميزين عن الآخر باختلاف الجهة عين الآخر، من حيث ملاحظة الاعتبار السابق، فلا يمكن الترجيح في هذه الصورة مع اختلاف الجهة أيضا.
فان قيل: عرفان النعم من الله داخل في حقيقة الشكر، وليس داخلا في الصبر، فينبغي ان يكون الشكر لذلك افضل من الصبر.
قلنا: في الشق الأول من صورة العينية والاتحاد، يكون عرفان النعمة داخلا في الصبر، وفي الشق الثاني منهما، وفي صورة الاستلزام، يدخل عرفان البلاء من الله في الصبر. فكما ان الشاكر يرى نعمة العينين من الله، فكذا الصابر يرى العمى من الله، فهما في المعرفة متساويان. ثم جميع ما ذكر في الفرق بين الصبر والشكر إنما إذا كانت حقيقة الصبر حبس النفس عن الشكوى في البلاء مع الكراهة والتألم[1]، وعلى هذا يكون الرضا فوقه، لو قطع النظر عن كون الصبر شكراً أيضا، ويكون الشكر فوق الرضا، إذ الصبر مع التألم والرضا يمكن بما لا ألم فيه ولا فرح، والشكر لا يمكن إلا على محبوب يفرح به، ولو لم يعتبر في مفهوم الصبر الكراهة والتألم، لصار الرضا والشكر في بعض درجاته، إذ يمكن أن يصل حال العبد في الحب مرتبة لا يتألم من البلاء أو يفرح به، لأنه يراه من محبوبه. وحينئذ، فترك الشكوى في البلاء مع الكراهة صبر، وبدونها رضا، ومع الفرح به شكر.

القانون الكلي في معرفة الفضائل

(القانون الكلي في معرفة الفضائل)
اعلم أن المعيار والقانون الكلي في معرفة فضائل الأعمال والأحوال وترجيح بعضها على بعض عند ارباب القلوب: أن العمل كلما كان اكثر تأثيراً في اصلاح القلب وتصفيته وتطهيره عن شوائب الدنيا، وأشد اعداداً له لمعرفة الله وانكشاف جلاله في ذاته وصفاته وافعاله، كان أفضل. وعلى هذا القانون، لولا الاتحاد والعينية والتلازم بينهما، لكان اللازم أن يوازن بين كل درجة درجة من درجات الصبر والشكر وترجيح أحدهما، إذ لكل منهما درجات مختلفة في تنوير القلب وتصفيته، وسبب الاختلاف أسباب:
منها ـ الاختلاف بين أقسام النعم واقسام البلاء.
ومنها ـ اختلاف مراتب المعرفة والفرح المأخوذين في الشكر، واختلاف الطاعة التي تفعل في كل منهما صعوبة وسهولة. فربما كان بعض درجات الصبر اشد تنويراً واكثر اصلاحاً للقلب من بعض درجات الشكر، وربما كان الأمر بعكس ذلك في بعض آخر من درجاتهما. فان الأعمال والأحوال المندرجة تحت كل منهما كثيرة، وباختلافها ـ كثرة وقلة ـ تختلف درجاتهما. فمن الأمور والأحوال التي تندرج تحت الشكر: حياء العبد من تتابع نعم الله عليه، ومعرفته بتقصيره عن الشكر، واعتذاره من قلة الشكر، واعترافه بأن النعم ابتداء من الله ـ تعالى ـ من غير استحقاقه لها، وعلمه بأن الشكر أيضاً نعمة من نعمه ومواهبه، وحسن تواضعه بالنعم، والتذلل. وقلة اعتراضه، وحسن ادبه بين يدي المنعم، وتلقي النعم بحسن القبول، واستعظام صغيرها، وشكر الوسائط،ولقوله (ص): " من لم يشكر الناس لم يشكر الله ". وقال السجاد (ع): " اشكركم لله اشكركم للناس ". وقال (ع): " يقول الله ـ تعالى ـ لعبد من عبيده يوم القيامة: اشكرت فلانا؟ فيقول: بل شكرتك يارب! فيقول: لم تشكرني إذ لم تشكره ". وقال الصادق (ع): " اشكر من انعم عليك، وانعم على من شكرك ". ولا ريب في أنه كلما ازدادت هذه الأحوال في الشكر، وطال زمانه، ازداد فضله. وقد نقل: " ان رجلا (كان) يهوى ابنة عم له، وهي أيضاً تهواه، فاتفق مزاوجتهما، فقال الرجل ليلة الزفاف لها: تعالي حتى نحيى هذه الليلة شكرا لله على ما جمعنا، فقالت: نعم! فصليا تلك الليلة بأسرها، ولم يتفرغ أحدهما إلى صاحبه. فلما كانت الليلة الثانية، قالا مثل ذلك، فصليا طول الليل... فهكذا يفعلان في ثمانين سنة، وبقيا على تلك الحالة في ثمانين سنة في كل ليلة، دون رجوع لاحدهما إلى الآخر، ومن دون اتفاق مضاجعة بينهما، فضلا عن شيء آخر ". ولا يخفى أن هذا الشكر أفضل بمراتب من صبرهما على بلاء العزوبة، لو لم يحصل بينهما الجمع والوصل.

تفضيل الصبر على الشكر

(تفضيل الصبر على الشكر)
علم أن الظاهر من بعض الأخبار: ان الصبر أفضل واكثر ثواباً من الشكر. كما روى: " انه يؤتى يوم القيامة بأشكر أهل الأرض، فيجزيه الله جزاء الشاكرين. ويؤتى بأصبر أهل الأرض، فيقال له: اترضى ان نجزيك كما جزينا هذا الشاكر؟ فيقول: نعم يارب! فيقول الله ـ تعالى ـ : كلا! أنعمت عليه فشكر وابتليتك فصبرت، لا ضعفن عليك الأجر عليه! فيعطى أضعاف جزاء الشاكرين ". وكقوله (ع): " الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر ". وهذا يدل على أفضلية الصبر من الشكر، لان المشبه به أعلى رتبة من المشبه. وكقول الباقر (ع): " مروة الصبر في حال الحاجة والفاقة والتعفف والغنى، اكثر من مروة الاعطاء ". ويؤيد ذلك قوله ـ تعالى ـ: (إنما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب). وينبغي أن يرتكب في أمثال هذه الأخبار تقييدان:
أحدهما ـ التقييد ببعض المراتب، بأن يقول: المراد أن بعض مراتب الصبر افضل من بعض مراتب الشكر. وهذا مما لا ريب فيه، فان من سلب اعز اولاده وابتلى بالفقر والمرض، ومع ذلك صبر ولم يجزع، فهو افضل البتة ممن اعطى مالا كثيراً فقال: شكرا لله، والحمد لله، من دون ابداء عمل آخر من الطاعات. وليس المراد أن كل ما يسمى صبرا افضل من كل درجة من درجات الشكر. إذ البديهة حاكمة بأن الشكر على نعمة بالاشتغال بالطاعة والعبادات، وترك المعاصي سنين كثيرة متتالية، من دون فتور، افضل واعلى رتبة من منع النفس عن الجزع لأجل عشرة دراهم سرقت منه.
وثانيهما ـ التقييد بخروجها على ما هو الظاهر عند جمهور الناس من الانفكاك بين الصبر والشكر. فان الجمهور لا يفهمون من حبس النفس عن الجزع عند الابتلاء ببلية إلا الصبر، ولا يلتفتون إلى ان هذا الحبس نوع عبادة حصلت تعظيما لله، وهو عين الشكر. وكذا لا يفهمون من اظهار التحيمد والاشتغال بالصلاة عند وصول نعمة إلا الشكر، ولا يلتفتون إلى أن هذا العمل عين منع النفس عن الكفران، وهو الشكر بعينه.

الفسق

الفسق
وهو الخروج عن طاعة المبدأ الحقيقي وعبادته. وضده الطاعة، وهي تمجيد المبدأ والتخضع له باداء ضروب العبادات المقررة في الشريعة. وعمدة العبادات الموظفة في الشريعة هي: الطهارة، والصلاة، والذكر، الدعاء، وتلاوة القرآن، والصوم، والحج، وزيارة النبي (ص) والائمة (ع)، والجهاد في سبيل الله، واداء المعروف، الشامل للزكاة، والخمس، والصدقة المندوبة، وغيرها. والاخير ـ اعني اداء المعروف باقسامه ـ قد تقدم. والجهاد في هذا الزمان ساقط. فنشير إلى بعض الاسرار والدقائق والآداب الباطنة المتعلقة بالبواقي، في مقاصد وخاتمة. وأما آدابها واحكامها وشرائطها الظاهرة، فهي مذكورة في الفقهيات.

المقصد الأول
الطهارة ـ حقيقة الطهارة ـ ما ينبغي للمؤمن في الطهارة ـ إزالة الاوساخ ـ آداب الحمام ـ السر في إزالة الاوساخ.
اعلم ان الطهارة والنظافة أهم الأمور للعباد. إذ الطهارة الظاهرة وسيلة إلى حصول الطهارة الباطنة، وما لم تحصل الأولى لم تحصل الثانية. ولذا ورد في مدحها ما ورد، قال الله ـ سبحانه ـ:
" فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين "[2]. وقال: " ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم "[3].
وقال رسول الله (ص): " بنى الدين على النظافة ". وقال (ص): " الطهور نصف الإيمان ". وقال (ص): " مفتاح الصلاة الطهور ". وقال (ص): " بئس للعبد القاذورة ". وقال (ص): " من اتخذ ثوباً فلينظفه ". وقال أمير المؤمنين (ع): " النظيف من الثياب يذهب الهم والحزن، وهو طهور للصلاة ".
ثم للطهارة أربع مراتب:
الأول ـ تطهير الظاهر من الاحداث والاخباث والفضلات.
الثانية ـ تطهير الجوارح من الجرائم والآثام والتبعات.
الثالثة ـ تطهير القلب من مساوي الأخلاق ورذائلها.
الرابعة ـ تطهير السر عما سوى الله ـ تعالى ـ، وهي تطهير الأنبياء والصديقين. والطهارة في كل مرتبة نصف العمل الذي فيها، إذ الغاية القصوى في عمل السر أن ينكشف له جلال الله وعظمته، وتحصل له المعرفة التامة، والحب والإنس. ولا يمكن حصول ذلك ما لم يرتحل عنه ما سوى الله، ولذلك قال الله ـ تعالى ـ:
" قل الله ثم ذرهم "[4]. فان الله وغيره لا يجتمعان في قلب واحد: " ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه "[5].
فتطهير السر عما سوى الله نصف عمله، والنصف الآخر شروق نور الحق فيه. والغاية القصوى في عمل القلب عمارته بالاخلاق المحمودة، والعقائد الحقة المشروعة. ولا يتصف بها ما لم ينظف عن نقائضها، من الأخلاق المذمومة، والعقائد الفاسدة. فتطهيرها عنها أحد الشطرين، والشطر الآخر تحليته بالفضائل والعقائد الحقة.
وأما عمل الجوارح، فالمقصود منه عمارتها بالطاعات. ولا يمكن ذلك ما لم يطهر عن المعاصي والمناهي. فهذا التطهير نصف عملها، ونصفه الآخر عمارتها بالطاعات. وقس على ذلك الحال في المرتبة الأولى. وإلى ذلك الإشارة بقول النبي (ص): " الطهور نصف الإيمان ". فان المراد: أن تطهير الظاهر، والجوارح، والقلب، والسر،، من النجاسات والمعاصي ورذائل الأخلاق وما سوى الله نصف الإيمان، ونصفه الآخر عمارتها بالنظافة والطاعات ومعالي الأخلاق، والاستغراق في شهود جمال الحق وجلاله. ولا تظنن أن مراده (ص) أن مجرد تطهير الظاهر عن النجاسات بافاضة الماء نصف الإيمان، مع تلوث الجوارح بأخباث المعاصي، وتنجس القلب باقذار مساوي الأخلاق، وتشوش السر وتكدره بما سوى الله. فالمراد التطهير في المراتب الاربع، التي هي من مقامات الدين، وهي مرتبة يتوقف بعضها على بعض، ولا يمكن أن ينال العبد ما هو الفوق، ما لم يتجاوز ما دونه، فلا يصل إلى طهارة السر مما سوى الله وعمارته بمعرفة الله، وانكشاف جلاله وعظمته، ما لم يفرغ عن طهارة القلب عن الأخلاق المذمومة، وتحليته بالملكات المحمودة، ولا يصل إلى ذلك ما لم يفرغ عن طهارة الجوارح من المعاصي وعمارتها بالطاعات. ولا يصل إلى ذلك ما لم يفرغ عن إزالة الخبث والحدث عن الظاهر، وعمارته بالنظافة والنزاهة.

حقيقة الطهارة

(حقيقة الطهارة)
طهارة الظاهرة، إما عن الخبث، أو عن الحدث، أو عن فضلات البدن، وما يتعلق بها من الاحكام الظاهرة الواجبة والمحرمة والمندوبة والمكروهة، مستقصاة في كتب الفقه.
وأما الآداب الباطنة لطهارة الخبث وإزالته عند التخلي لقضاء الحاجة، أن يتذكر عنده نقصه وحاجته، وخبث باطنه، وخسة حاله، وما يشتمل عليه من الاقذار، وكونه حامل النجاسات، ويتذكر باستراحة نفسه عند اخراجها، وسكون قلبه عن دنسها، وفراغه للعبادات والمناجاة، وان الأخلاق الذميمة التي في باطنها نجاسات باطنة، واقذار كامنة، لتستريح نفسها عند اخراجها، ويطمئن قلبه من إزالة دنسها، وعند اخراجها يصلح للوقوف على بساط الخدمة، ويتأهل للقرب والوصول إلى حريم العزة. فكما يسعى في اخراج النجاسات الظاهرة لاستراحة البدن مدة قليلة في الدنيا، فينبغي أن يجتهد أيضاً في اخراج الاقذار الباطنة، والنجاسات الداخلة الغائضة[6] في الأعماق، المفسدة على الإطلاق، لتستريح الروح والبدن في الدنيا والآخرة أبد الآباد. قال الصادق (ع): " إنما سمي المستراح مستراحاً لاستراحة النفس من اثقال النجاسات واستفراغ الاقذار والكسافات فيها. والمؤمن يعتبر عندها إن الخالص من حطام الدنيا كذلك تصير عاقبته، فيستريح بالعدول عنها وتركها، ويفرغ نفسه وقلبه عن شغلها، ويستنكف عن جمعها واخذها واستنكافه عن النجاسة والغائط والقذر، ويتفكر في نفسه المكرمة في حال كيف تصير ذليلة في حال، ويعلم أن التمسك بالقناعة والتقوى يورث له راحة الدارين. فان الراحة في هو ان الدنيا، والفراغ من التمتع بها، وفي إزالة النجاسة من الحرام والشبهة. فيغلق عن نفسه باب الكبر بعد معرفته إياها، ويفر من الذنوب، ويفتح باب التواضع والندم والحياء، ويجتهد في أداء أوامره واجتناب نواهيه، طلباً لحسن المآب، وطيب الزلفى، ويسجن نفسه في سجن الخوف والصبر والكف عن الشهوات، إلى أن يتصل بأمان الله ـ تعالى ـ في دار القرار، ويذوق طعم رضاه، فان المعول على ذلك، وماعداه فلا شيء "[7]. وينبغي أن يتأمل في أن ما دفع عنه من الغائط والقذر هو ما كان يشتهيه ويحترص في طلبه من لذائد الأطعمة، وكلما كانت ألذ عفونتها أشد، فما كانت عاقبته ذلك، فليحذر من أن يأخذه من غير حله، فيعذب أبد الآباد لأجله.

[1]  قال استاذ البشر المحقق (الطوسي) (ره) في تعريف الصبر: " الصبر. حبس النفس عن الجزع عند المكروه، وهو يمنع الباطن عن الاضطراب، واللسان عن الشكاية، والاعضاء عن الحركات غير المعتادة... ".
[2]  التوبة، الآية: 109.
[3]  المائدة، الآية: 7.
[4]  الانعام، الآية: 91.
[5]  الاحزاب، الآية: 4.
[6]  الغائضة: الغائرة. غيض الدمع: حبسه وأخفاه.
[7]  الحديث مذكور في (مصباح الشريعة)، باب التاسع. وفي (مستدرك الوسائل): 1/37 ـ 38، كتاب الطهارة. وفي الموضعين اختلاف كثير عما ذكر هنا، فصححناه كما كان في الموضعين. 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page