• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

حضور القلب


(حضور القلب)
اعلم ان كون الأمور المذكورة روح الصلاة وحقيقتها، والمقصود الاصلي منها، أمر ظاهر. إذ الغرض الاصلي من العبادات والطاعات هي تصفية النفس وتصقيلها، فكل عمل يكون اشد تأثيراً فيهما يكون افضل. ولا ريب في ان المقتضى لصفاء النفس وتجردها وتصقيلها عن الكدورات من الصلاة ليس إلا الأمور المذكورة، وليس لنفس الحركات الظاهرة كثير مدخلية فيها، وكيف لا يكون حضور القلب والخشوع روح الصلاة ولا يتوقف كمال الصلاة عليه، مع ان المصلى في صلاته ودعائه مناج ربه؟ ولا شك أن الكلام مع الغفلة ليس بمناجاة، وايضا الكلام إعراب عما في الضمير، ولا يتأتى الاعراب عما في الضمير إلا بحضور القلب، فأي سؤال في قوله: " اهدنا الصراط المستقيم " إذا كان القلب غافلا؟ ولا شك أيضاً أن المقصود من القراءة والأذكار الثناء والحمد والتضرع والدعاء، والمخاطب هو الله ـ تعالى ـ، فإذا كان قلب العبد محجوباً عنه بحجاب الغفلة، ولا يراه ولا يشاهده، بل كان غافلا عن المخاطب، ويحرك لسانه بحكم العادة، فما ابعد هذا عن المقصود بالصلاة التي شرعت لتصقيل القلب، وتجديد ذكر الله، ورسوخ عقد الإيمان بها. هذا حكم القراءة والذكر. واما الركوع والسجود، فالمقصود منهما التعظيم قطعاً، والتعظيم كيف يجتمع مع الغفلة، وإذا خرج عن كونه تعظيما، لم يبق إلا مجرد حركة الظهر والرأس، وليس فيه من المشقة ما يقصد الامتحان به، كما في افعال الحج، واعطاء المال في الزكاة، وامساك النفس عن الشهوات في الصوم. فكيف يجعل مجرد هذه الحركة مع خفتها وسهولتها عماد الدين، والفاصل بين الكفر والاسلام، وتقدم على سائر العبادات، ويجب القتل بسبب تركها على الخصوص؟ ولكون الحضور والخشوع والخشية عمدة ما يقصد به من الصلاة، تظاهرت الآيات والأخبار على الترغيب عليها وفضيلتها ومدح اهلها، وعلى ذم الغفلة والتفكر في أمور الدنيا والوساوس الباطلة عند الاشتغال بالصلاة، وقد تظاهرت الأخبار أيضاً بأن الأنبياء والأوصياء واكابر الاولياء كانوا عند اشتغالهم في الصلاة في غاية الاقبال والخشوع والخوف. قال الله ـ سبحانه ـ:
" الذين هم في صلاتهم خاشعون "[1]. وقال: " وأقم الصلاة لذكري "[2]. والغفلة تضاد الذكر، فمن كان غافلا في صلاته لا يكون مقيماً للصلاة لذكره وقال: ولا تكن من الغافلين "[3]. وقال: " فويل للمصلين، الذين هم عن صلاتهم ساهون "[4]. ذمهم على الغفلة عنها مع كونهم مصلين، لا لأنهم سهوا عنها وتركوها. وقال: " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون "[5].
قيل: المراد: سكارى من كثرة الهم، وقيل: من حب الدنيا. ولو حمل على ظاهره ففيه تنبيه على سكر الدنيا، إذ بين فيه العلة. وقال: " حتى تعلموا ما تقولون ". وكم من مصل لم يشرب الخمرة وهو لا يعلم ما يقول في صلاته. وقال رسول الله (ص): " من صلى ركعتين، لم يحدث فيهما نفسه بشيء من الدنيا، غفر له ما تقدم من ذنبه ". وقال (ص): " إذا صليت صلاة فريضة، فصل لوقتها صلاة مودع يخاف ألا يعود فيها ". وقال (ص): " لا ينظر الله إلى صلاة لا يحضر الرجل فيها قلبه مع بدنه ". وقال (ص): " انما فرضت الصلاة، وأمر بالحج والطواف، واشعرت المناسك، لاقامة ذكر الله، فإذا لم يكن في قلبك للمذكور الذي هو المقصود والمبتغى عظمة ولا هيبة، فما قيمة ذكرك؟! ".
وعن أبي عبدالله (ع) قال: " قال الله ـ تبارك وتعالى ـ: انما اقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، ويكف نفسه عن الشهوات من اجلي، ويقطع نهاره بذكري، ولا يتعاظم على خلقي، ويطعم الجائع، ويكسو العاري، ويرحم المصاب، ويؤوي الغريب، فذلك يشرق نوره مثل الشمس، اجعل له في الظلمات نوراً، وفي الجهالة علماً، أكلأه بعزتي، واستحفظه بملائكتي، يدعوني فألبيه، ويسألني فأعطيه. فمثل ذلك عندي كمثل جنات الفردوس، ولا تيبس ثمارها، ولا تتغير عن حالها "[6]. وفي أخبار موسى: " يا موسى، إذا ذكرتني فاذكرني وأنت تبغض اعضاءك وكن عند ذكري خاشعاً مطمئناً. وإذا ذكرتني فاجعل لسانك من وراء قلبك. وإذا قمت بين يدي فقم قيام العبد الذليل، وناجني بقلب وجل، ولسان صادق ". واوحى إليه (ع): " قل لعصاة امتك: لا تذكروني، فاني آليت على نفسي ان من ذكرني ذكرته،، وإذا ذكروني ذكرتهم باللعنة ". وفي بعض الأحاديث القدسية: " ليس كل مصل أتقبل صلاته، انما اقبل صلاة من تواضع لعظمتي، ولم يتكبر على عبادي، واطعم الفقير الجائع لوجهي ". وقال أمير المؤمنين (ع): " طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء، ولم يشتغل قلبه بما تراه عيناه، ولم ينس ذكر الله بما تسمع اذناه، ولم يحزن صدره بما اعطى غيره ". وقال الصادق (ع): " لا تجتمع الرغبة والرهبة في قلب إلا وجبت له الجنة، فإذا صليت، فاقبل بقلبك على الله ـ عز وجل ـ، فانه ليس من عبد مؤمن يقبل بقلبه على الله ـ عز وجل ـ في صلاته ودعائه، إلا أقبل الله عليه بقلوب المؤمنين، وايده مع مودتهم اياه بالجنة ". وقال الباقر (ع): " ان العبد ليرفع له من صلاته نصفها وثلثها وربعها وخمسها، فما يرفع له إلا ما أقبل عليه بقلبه، وانما امروا بالنوافل ليتم لهم ما نقصوا من الفريضة ". وروي: " أن إبراهيم الخليل كان يسمع تأوهه على حد ميل، وكان يسمع له في صلاته أزيز كأزيز المرجل[7] ". وكذلك كان سمع من صدر سيدنا رسول الله (ص) مثل ذلك. وقال بعض ازواجه: " كان النبي (ص) يحدثنا ونحدثه، فإذا حضرت الصلاة، فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه ". وكان أمير المؤمنين (ع) إذا أخذ في الوضوء، يتغير وجهه من خيفة الله. وكان (ع) إذا حضر وقت الصلاة يتزلزل ويتلون، فقيل له: ما لك يا أمير المؤمنين؟ فيقول: " جاء وقت أمانة عرضها الله على السماوات والارض والجبال فأبين أن يحملنها واشفقن منها، وحملها الإنسان ". وروي: " أنه وقع نصل في رجله (ع)، فلم يمكن أحداً من اخراجه. فقالت فاطمة ـ عليها السلام ـ: اخرجوه في حال صلاته، فانه لا يحس حينئذ بما يجري عليه. فاخرج وهو في صلاته، فلم يحس به اصلا ". وكانت الصديقة فاطمة ـ عليها السلام ـ تنهج[8] في الصلاة من خيفة الله. وكان الحسن بن علي ـ عيهما السلام ـ إذا فرغ من وضوئه، تغير لونه، فقيل له في ذلك، قال: " حق على من أراد أن يدخل على ذي العرش أن يتغير لونه ". وكان الإمام علي بن الحسين ـ عليهما السلام ـ إذا توضأ اصفر لونه، فيقال له: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ فيقول: " إني أريد الوقوف بين يدي ملك عظيم ". وقال أبو حمزة الثمالي: رأيته يصلي، فسقط رداؤه عن منكبه، فتركه حتى فرغ من صلاته، فسألته عن ذلك، فقال : ويحك! أتدري بين يدي من كنت؟ شغلني والله ذلك عن هذا! أتعلم أنه لا يقبل من صلاة العبد إلا ما أقبل عليه؟. فقلت له: يا بن رسول الله، هلكنا اذاً. قال: كلا! ان الله يتم ذلك بالنوافل ". وروي: " أنه (ع) إذا قام إلى الصلاة تغير لونه، وإذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفض عرقاً ". وروي: " أنه (ع) كان إذا قام إلى الصلاة كأنه ساق شجرة، لا يتحرك منه إلا ما حركت الريح منه ". وسئل مولانا الصادق (ع) عن حالة لحقته في الصلاة حتى خر مغشياً عليه، فقال: " ما زلت اكرر آيات القرآن، حتى بلغت إلى حال كأنني سمعتها مشافهة ممن أنزلها "[9]. قيل. وكان لسان الإمام (ع) في تلك الحال كشجرة طور حين قالت " اني أنا الله ". وسئل بعض الأكابر عن صلاته، فقال: " إذا جاءت الصلاة، اسبغت الوضوء، وأتيت الموضع الذي اريد الصلاة فيه، فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي، ثم اقوم إلى الصلاة، فأجعل الكعبة بين حاجبي، والصراط تحت قدمي، والجنة عن يميني، والنار عن شمالي، وملك الموت ورائي، وأظنها آخر صلاتي، ثم أقوم بين الرجاء والخوف، واكبر تكبيراً بتحنن، وأقرأ القرآن بترتيل، واركع ركوعاً بتواضع، واسجد سجوداً بتخشع، واقعد على الورك اليسرى، وأفرش ظهر قدمها، وانصب القدم اليمنى على الابهام واتبعها الاخلاص، ثم لا أدري أقبلت مني أم لا! ".
ثم، على ما عرفت من كيفية صلاة الأنبياء والأولياء، مع مشاهدة كيفية صلاتك وصلاة الناس، تعلم: ان الناس ينقسمون في صلاتهم: إلى غافل يتم صلاته ولا يحضر قلبه في لحظة، وإلى من يغفل في بعض صلاته ويحضر قلبه في بعض منها، وهذا تختلف حاله بحسب قلة كل من الحضور والغفلة وكثرتهما، وزيادة أحدهما على الآخر، فله مراتب غير متناهية. وإلى من يتم صلاته ولا يغيب قلبه لحظة، بل يكون حاضر القلب في جميع صلاته، وربما كان مستوعب الهم بها، بحيث لا يحس بما يجري بين يديه، كما لم يحس مولانا أمير المؤمنين (ع) بإخراج النصل من رجله الشريفة. وبعضهم حضر الجماعة مدة، ولم يعرف قط من على يمينه ويساره. وكان وجيب الخليل يسمع على ميلين. وكان جماعة تصفر وجوههم وترتعد فرائصهم عند الصلاة. وكل ذلك غير مستبعد، فان اضعافه مشاهدة في هم الدنيا وخوف ملوك الدنيا، مع ضعفهم وعجزهم، وخساسة الحظوظ الحاصلة منهم. حتى يدخل الرجل على ملك أو وزير، ويحدثه بمهم ويخرج، ولو سئل عمن كان على حواليه، وعن ثوب الملك، لكان غير قادر على الاخبار عنه، لاشتغال همه به عن ثوبه وعن الحاضرين حوله:
" ولكلٍ درجات مما عملوا "[10].
فحظ كل واحد من صلاته بقدر خوفه وخشوعه وتعظيمه. فان موضع نظر الله القلوب، دون ظاهر الحركات. ولذا قال بعض الصحابة: " يحشر الناس يوم القيامة على مثال هيئتهم في الصلاة، من الطمأنينة والهدوء، ومن وجود النعم واللذة والبهجة بها "، فالملحوظ حال القلب لا حال الشخص. ولذا قيل: " من صفات القلوب تصاغ الصور في دار الآخرة، ولا ينجو:
" إلا من أتى الله بقلبٍ سليم "[11].


(حضور القلب)
اعلم ان كون الأمور المذكورة روح الصلاة وحقيقتها، والمقصود الاصلي منها، أمر ظاهر. إذ الغرض الاصلي من العبادات والطاعات هي تصفية النفس وتصقيلها، فكل عمل يكون اشد تأثيراً فيهما يكون افضل. ولا ريب في ان المقتضى لصفاء النفس وتجردها وتصقيلها عن الكدورات من الصلاة ليس إلا الأمور المذكورة، وليس لنفس الحركات الظاهرة كثير مدخلية فيها، وكيف لا يكون حضور القلب والخشوع روح الصلاة ولا يتوقف كمال الصلاة عليه، مع ان المصلى في صلاته ودعائه مناج ربه؟ ولا شك أن الكلام مع الغفلة ليس بمناجاة، وايضا الكلام إعراب عما في الضمير، ولا يتأتى الاعراب عما في الضمير إلا بحضور القلب، فأي سؤال في قوله: " اهدنا الصراط المستقيم " إذا كان القلب غافلا؟ ولا شك أيضاً أن المقصود من القراءة والأذكار الثناء والحمد والتضرع والدعاء، والمخاطب هو الله ـ تعالى ـ، فإذا كان قلب العبد محجوباً عنه بحجاب الغفلة، ولا يراه ولا يشاهده، بل كان غافلا عن المخاطب، ويحرك لسانه بحكم العادة، فما ابعد هذا عن المقصود بالصلاة التي شرعت لتصقيل القلب، وتجديد ذكر الله، ورسوخ عقد الإيمان بها. هذا حكم القراءة والذكر. واما الركوع والسجود، فالمقصود منهما التعظيم قطعاً، والتعظيم كيف يجتمع مع الغفلة، وإذا خرج عن كونه تعظيما، لم يبق إلا مجرد حركة الظهر والرأس، وليس فيه من المشقة ما يقصد الامتحان به، كما في افعال الحج، واعطاء المال في الزكاة، وامساك النفس عن الشهوات في الصوم. فكيف يجعل مجرد هذه الحركة مع خفتها وسهولتها عماد الدين، والفاصل بين الكفر والاسلام، وتقدم على سائر العبادات، ويجب القتل بسبب تركها على الخصوص؟ ولكون الحضور والخشوع والخشية عمدة ما يقصد به من الصلاة، تظاهرت الآيات والأخبار على الترغيب عليها وفضيلتها ومدح اهلها، وعلى ذم الغفلة والتفكر في أمور الدنيا والوساوس الباطلة عند الاشتغال بالصلاة، وقد تظاهرت الأخبار أيضاً بأن الأنبياء والأوصياء واكابر الاولياء كانوا عند اشتغالهم في الصلاة في غاية الاقبال والخشوع والخوف. قال الله ـ سبحانه ـ:
" الذين هم في صلاتهم خاشعون "[1]. وقال: " وأقم الصلاة لذكري "[2]. والغفلة تضاد الذكر، فمن كان غافلا في صلاته لا يكون مقيماً للصلاة لذكره وقال: ولا تكن من الغافلين "[3]. وقال: " فويل للمصلين، الذين هم عن صلاتهم ساهون "[4]. ذمهم على الغفلة عنها مع كونهم مصلين، لا لأنهم سهوا عنها وتركوها. وقال: " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون "[5].
قيل: المراد: سكارى من كثرة الهم، وقيل: من حب الدنيا. ولو حمل على ظاهره ففيه تنبيه على سكر الدنيا، إذ بين فيه العلة. وقال: " حتى تعلموا ما تقولون ". وكم من مصل لم يشرب الخمرة وهو لا يعلم ما يقول في صلاته. وقال رسول الله (ص): " من صلى ركعتين، لم يحدث فيهما نفسه بشيء من الدنيا، غفر له ما تقدم من ذنبه ". وقال (ص): " إذا صليت صلاة فريضة، فصل لوقتها صلاة مودع يخاف ألا يعود فيها ". وقال (ص): " لا ينظر الله إلى صلاة لا يحضر الرجل فيها قلبه مع بدنه ". وقال (ص): " انما فرضت الصلاة، وأمر بالحج والطواف، واشعرت المناسك، لاقامة ذكر الله، فإذا لم يكن في قلبك للمذكور الذي هو المقصود والمبتغى عظمة ولا هيبة، فما قيمة ذكرك؟! ".
وعن أبي عبدالله (ع) قال: " قال الله ـ تبارك وتعالى ـ: انما اقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، ويكف نفسه عن الشهوات من اجلي، ويقطع نهاره بذكري، ولا يتعاظم على خلقي، ويطعم الجائع، ويكسو العاري، ويرحم المصاب، ويؤوي الغريب، فذلك يشرق نوره مثل الشمس، اجعل له في الظلمات نوراً، وفي الجهالة علماً، أكلأه بعزتي، واستحفظه بملائكتي، يدعوني فألبيه، ويسألني فأعطيه. فمثل ذلك عندي كمثل جنات الفردوس، ولا تيبس ثمارها، ولا تتغير عن حالها "[6]. وفي أخبار موسى: " يا موسى، إذا ذكرتني فاذكرني وأنت تبغض اعضاءك وكن عند ذكري خاشعاً مطمئناً. وإذا ذكرتني فاجعل لسانك من وراء قلبك. وإذا قمت بين يدي فقم قيام العبد الذليل، وناجني بقلب وجل، ولسان صادق ". واوحى إليه (ع): " قل لعصاة امتك: لا تذكروني، فاني آليت على نفسي ان من ذكرني ذكرته،، وإذا ذكروني ذكرتهم باللعنة ". وفي بعض الأحاديث القدسية: " ليس كل مصل أتقبل صلاته، انما اقبل صلاة من تواضع لعظمتي، ولم يتكبر على عبادي، واطعم الفقير الجائع لوجهي ". وقال أمير المؤمنين (ع): " طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء، ولم يشتغل قلبه بما تراه عيناه، ولم ينس ذكر الله بما تسمع اذناه، ولم يحزن صدره بما اعطى غيره ". وقال الصادق (ع): " لا تجتمع الرغبة والرهبة في قلب إلا وجبت له الجنة، فإذا صليت، فاقبل بقلبك على الله ـ عز وجل ـ، فانه ليس من عبد مؤمن يقبل بقلبه على الله ـ عز وجل ـ في صلاته ودعائه، إلا أقبل الله عليه بقلوب المؤمنين، وايده مع مودتهم اياه بالجنة ". وقال الباقر (ع): " ان العبد ليرفع له من صلاته نصفها وثلثها وربعها وخمسها، فما يرفع له إلا ما أقبل عليه بقلبه، وانما امروا بالنوافل ليتم لهم ما نقصوا من الفريضة ". وروي: " أن إبراهيم الخليل كان يسمع تأوهه على حد ميل، وكان يسمع له في صلاته أزيز كأزيز المرجل[7] ". وكذلك كان سمع من صدر سيدنا رسول الله (ص) مثل ذلك. وقال بعض ازواجه: " كان النبي (ص) يحدثنا ونحدثه، فإذا حضرت الصلاة، فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه ". وكان أمير المؤمنين (ع) إذا أخذ في الوضوء، يتغير وجهه من خيفة الله. وكان (ع) إذا حضر وقت الصلاة يتزلزل ويتلون، فقيل له: ما لك يا أمير المؤمنين؟ فيقول: " جاء وقت أمانة عرضها الله على السماوات والارض والجبال فأبين أن يحملنها واشفقن منها، وحملها الإنسان ". وروي: " أنه وقع نصل في رجله (ع)، فلم يمكن أحداً من اخراجه. فقالت فاطمة ـ عليها السلام ـ: اخرجوه في حال صلاته، فانه لا يحس حينئذ بما يجري عليه. فاخرج وهو في صلاته، فلم يحس به اصلا ". وكانت الصديقة فاطمة ـ عليها السلام ـ تنهج[8] في الصلاة من خيفة الله. وكان الحسن بن علي ـ عيهما السلام ـ إذا فرغ من وضوئه، تغير لونه، فقيل له في ذلك، قال: " حق على من أراد أن يدخل على ذي العرش أن يتغير لونه ". وكان الإمام علي بن الحسين ـ عليهما السلام ـ إذا توضأ اصفر لونه، فيقال له: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ فيقول: " إني أريد الوقوف بين يدي ملك عظيم ". وقال أبو حمزة الثمالي: رأيته يصلي، فسقط رداؤه عن منكبه، فتركه حتى فرغ من صلاته، فسألته عن ذلك، فقال : ويحك! أتدري بين يدي من كنت؟ شغلني والله ذلك عن هذا! أتعلم أنه لا يقبل من صلاة العبد إلا ما أقبل عليه؟. فقلت له: يا بن رسول الله، هلكنا اذاً. قال: كلا! ان الله يتم ذلك بالنوافل ". وروي: " أنه (ع) إذا قام إلى الصلاة تغير لونه، وإذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفض عرقاً ". وروي: " أنه (ع) كان إذا قام إلى الصلاة كأنه ساق شجرة، لا يتحرك منه إلا ما حركت الريح منه ". وسئل مولانا الصادق (ع) عن حالة لحقته في الصلاة حتى خر مغشياً عليه، فقال: " ما زلت اكرر آيات القرآن، حتى بلغت إلى حال كأنني سمعتها مشافهة ممن أنزلها "[9]. قيل. وكان لسان الإمام (ع) في تلك الحال كشجرة طور حين قالت " اني أنا الله ". وسئل بعض الأكابر عن صلاته، فقال: " إذا جاءت الصلاة، اسبغت الوضوء، وأتيت الموضع الذي اريد الصلاة فيه، فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي، ثم اقوم إلى الصلاة، فأجعل الكعبة بين حاجبي، والصراط تحت قدمي، والجنة عن يميني، والنار عن شمالي، وملك الموت ورائي، وأظنها آخر صلاتي، ثم أقوم بين الرجاء والخوف، واكبر تكبيراً بتحنن، وأقرأ القرآن بترتيل، واركع ركوعاً بتواضع، واسجد سجوداً بتخشع، واقعد على الورك اليسرى، وأفرش ظهر قدمها، وانصب القدم اليمنى على الابهام واتبعها الاخلاص، ثم لا أدري أقبلت مني أم لا! ".
ثم، على ما عرفت من كيفية صلاة الأنبياء والأولياء، مع مشاهدة كيفية صلاتك وصلاة الناس، تعلم: ان الناس ينقسمون في صلاتهم: إلى غافل يتم صلاته ولا يحضر قلبه في لحظة، وإلى من يغفل في بعض صلاته ويحضر قلبه في بعض منها، وهذا تختلف حاله بحسب قلة كل من الحضور والغفلة وكثرتهما، وزيادة أحدهما على الآخر، فله مراتب غير متناهية. وإلى من يتم صلاته ولا يغيب قلبه لحظة، بل يكون حاضر القلب في جميع صلاته، وربما كان مستوعب الهم بها، بحيث لا يحس بما يجري بين يديه، كما لم يحس مولانا أمير المؤمنين (ع) بإخراج النصل من رجله الشريفة. وبعضهم حضر الجماعة مدة، ولم يعرف قط من على يمينه ويساره. وكان وجيب الخليل يسمع على ميلين. وكان جماعة تصفر وجوههم وترتعد فرائصهم عند الصلاة. وكل ذلك غير مستبعد، فان اضعافه مشاهدة في هم الدنيا وخوف ملوك الدنيا، مع ضعفهم وعجزهم، وخساسة الحظوظ الحاصلة منهم. حتى يدخل الرجل على ملك أو وزير، ويحدثه بمهم ويخرج، ولو سئل عمن كان على حواليه، وعن ثوب الملك، لكان غير قادر على الاخبار عنه، لاشتغال همه به عن ثوبه وعن الحاضرين حوله:
" ولكلٍ درجات مما عملوا "[10].
فحظ كل واحد من صلاته بقدر خوفه وخشوعه وتعظيمه. فان موضع نظر الله القلوب، دون ظاهر الحركات. ولذا قال بعض الصحابة: " يحشر الناس يوم القيامة على مثال هيئتهم في الصلاة، من الطمأنينة والهدوء، ومن وجود النعم واللذة والبهجة بها "، فالملحوظ حال القلب لا حال الشخص. ولذا قيل: " من صفات القلوب تصاغ الصور في دار الآخرة، ولا ينجو:
" إلا من أتى الله بقلبٍ سليم "[11].

دفع اشكال

(دفع اشكال)
إن قيل: المستفاد من الظواهر المذكورة، أن صلاة الغافل ليست مقبولة إلا بقدر ما اقبل عليه منها، والفقهاء لم يشترطوا الا حضور القلب عند النية والتكبير، فكيف التوفيق؟.
قلنا: فرق بين القبول والاجزاء، فان المقبول من العبادة ما يقرب العبد إلى الله، ويترتب عليه الثواب في الآخرة، والمجزي منها ما يسقط التكليف عن العبد، وان لم يترتب عليه ثواب ولم يقربه إلى الله. والناس مختلفون في تحمل التكليف، فان التكليف إنما هو بقدر الوسع والطاقة، فلا يمكن أن يكلف الجميع باحضار القلب في جميع الصلاة، إذ لا يقدر على ذلك الا الأقلون. وإذا لم يمكن اشتراط الاستيعاب للضرورة، فلا مرد له إلا أن يشترط ما ينطلق عليه الاسم، ولو في اللحظة الواحدة، وأولى الحظات به لحظة التكبير والتوجه، فاقتصر على التكليف بذلك. ونحن ـ مع ذلك ـ نرجوا ألا يكون حال الغافل في جميع صلاته مثل حال التارك بالكلية، فانه على الجملة أقدم على الفعل ظاهراً، واحضر القلب لحظة، وكيف لا والذي صلى مع الحدث ناسياً صلاته باطلة عند الله، ولكن له أجر ما بحسب فعله وعلى قدر قصوره وعذره؟ والحاصل: ان الاقبال والحضور هو روح الصلاة، وان أقل ما يبقى به الروح الحضور عند التكبير، فالنقصان منه هلاك، وبقدر الزيادة عليه تنبسط الروح في اجزاء الصلاة، وكم من حي لا حراك فيه قريب من الميت، فصلاة الغافل في جميعها، إلا عند التكبير، حي لا حراك فيه.

شرائط الصلاة

(شرائط الصلاة)
اعلم أن للمعاني الباطنة المذكورة اسباباً لا تتحقق بدونها.
أما حضور القلب: فسببه الاهتمام.
فان قلت: كل أحد تابع لهمه، فلا يحضر الا فيما يهمه، ومهما أهمه أمر حضر فيه قلبه، شاء أو لم يشأ، فهو مجبول عليه مسخر فيه، والقلب إذا لم يحضر في الصلاة لم يكن متعطلا، بل كان حاضراً فيما يهمه من أمور الدنيا. فلا حيلة ولا علاج لاحضار القلب في الصلاة إلا بصرف الهمة اليها، والهمة لا تنصرف إليها ما لم يتيقن أن الآخرة خير وأبقى، وان الصلاة وسيلة إليها، وإذا اضيف إلى هذا العلم بحقارة الدنيا ومهانتها، حصل من مجموع ذلك حضور القلب في الصلاة. ولكون الباعث والسبب لاحضار القلب في أمر إنما هو الاهتمام والاعتناء بشأنه، ترى قلبك يحضر إذا حضرت بين يدي ملك من ملوك الدنيا، بل بين يدي بعض الأكابر ممن لا يقدر على نفعك وضرك. فإذا كان لا يحضر قلبك عند المناجاة مع ملك الملوك الذي بيده الملك والملكوت والنفع والضر، فلا تظنن أن له سبباً سوى ضعف الايمان واليقين،. فينبغي حينئذ السعي في تقوية اليقين والإيمان.
وأما التفهم: فسببه ـ بعد حضور القلب ـ ادمان الفكر، وصرف الذهن إلى ادراك المعنى. وعلاجه ما هو علاج احضار القلب، مع الاقبال على الفكر، والتشمر لرفع الخواطر الشاغلة بقطع موادها، أعني النزوع عن الأسباب التي تنجذب الخواطر اليها. وما لم تنقطع تلك المواد لا تنصرف عنها الخواطر. فان من أحب شيئاً أو بغض شيئاً أو خاف من شيء. أكثر ذكره. فذكر المحبوب والمبغوض والمخوف يهجم على القلب بالضرورة. ولذا ترى أن من أحب غير الله أو كان قلبه مشغولا بعداوة أحد أو بالخوف عنه، لا تصفو له صلاة عن الخواطر.
وأما التعظيم: فهو حالة للقلب يتولد من معرفتين: إحداهما: معرفة جلال الله وعظمته، فان من لا يعتقد عظمته لا تذعن النفس لتعظيمه، وهذه المعرفة من أصول الايمان. الثانية: معرفة حقارة النفس وخستها وذلتها، وكونها عبداً مسخراً مربوباً لا يقدر شيئاً من النفع والضر. وتتولد من المعرفتين: الاستكانة والانكسار والخشوع لله، فيعبر عنه بالتعظيم، وما لم تمتزج معرفة حقارة النفس بمعرفة جلال الرب لا تنتظم حالة التعظيم والخشوع، فان المستغني عن غيره الآمن على نفسه، يجوز أن يعرف من غيره صفات العظمة والجلال، ونعوت القدرة والكمال، ولا يكون خاشعاً معظماً له، لأن معرفة حاجة النفس وحقارتها لم تقترن إليه.
واما الهيبة والخوف: فحالة للنفس تتولد من المعرفة بقدرة الله ـ تعالى ـ وسطوته ونفوذ مشيته فيه، مع قلة المبالاة به، وان لو أهلك الاولين والآخرين لم تنقص من ملكه ذرة، مع تذكر ما جرى على الأنبياء والأولياء من المصائب وانواع البلاء مع القدرة على الدفع. وكلما زاد العلم بالله وبصفاته وأفعاله زادت الخشية والهيبة.
واما الرجاء: فسببه معرفة لطف الله ـ تعالى ـ وكرم وعليم انعامه ولطائف صنعه، ومعرفة صدقه في وعده الجنة بالصلاة. فإذا حصل اليقين بوعده والمعرفة بلطفه، انبعث منها الرجاء.
واما الحياء: فسببه استشعار التقصير في العبادة، وعلمه بالعجز عن القيام بعظيم حق الله، ويقوى ذلك بمعرفة عيوب النفس وآفاتها وقلة اخلاصها وخبث باطنها، وميلها إلى الحظ العاجل في جميع افعالها، مع العلم بجميع ما يقتضي جلال الله وعظمته، والعلم بأنه مطلع على السرائر وخطرات القلب، وان دقت وخفيت. وهذه المعارف إذا حصلت يقيناً، انبعثت منها ـ بالضرورة ـ حالة تسمى بالحياء.

طريق تحصيل المعاني الباطنة

(طريق تحصيل المعاني الباطنة)
اعلم ان العلاج في تحصيل المعاني الباطنة المذكورة، اعني الحضور والتفهم والتعظيم والهيبة والرجاء والحياء، هو تحصيل أسباب هذه المعاني، وقد عرفت اسبابها. وطرق العلاج في تحصيل هذه الأسباب انما يتم بأمرين:
الأول ـ معرفة الله، ومعرفة جلاله وعظمته واستناد الكل إليه، ومعرفة كونه عالماً بذرات العالم وبسرائر العباد. ويلزم ان تكون هذه المعرفة يقينية، ليترتب عليها الاثر. إذ ما لم يحصل اليقين بأمر، لا يحصل التشمر في طلبه والهرب عنه. وهذه المعرفة هي المعبر عنها بالايمان. ولا ريب في كونها موجبة لحصول المعاني المذكورة واسبابها. إذ المؤمن يكون البتة حاضر القلب مع ربه عند مناجاته، ومتفهما لما يسأله عنه، معظماً له، وخائفاً منه، ومستحيياً من تقصيره.
الثاني ـ فراغ القلب، وخلوه من مشاغل الدنيا. فان انفكاك المؤمن العارف، المتيقن بالله وبجلاله وعظمته، وباطلاعه عليه من المعاني المذكورة في صلاته، لا سبب له إلا تفرق الفكر، وتقسم الخاطر، وغيبة القلب عن المناجاة، والغفلة عن الصلاة، ولا تلهى عن الصلاة إلا الخواطر الردية الشاغلة. فالدواء في احضار القلب هو دفع كل تلك الخواطر ولا يدفع الشيء إلا بدفع سببه.
وسبب توارد الخواطر، إما ان يكون امرا خارجاً، أو امرا في ذاته باطناً.
والاول: ما يظهر للبصر، أو يقرع على السمع. فان ذلك قد يختطف الهم حتى يتبعه ويتصرف فيه، ثم ينجر منه الفكر إلى غيره، ويتسلسل فيكون الابصار أو الاستماع سببا للافتكار، ثم يصير بعض تلك الافكار سبباً للبعض. ومن قويت رتبته وعلت همته، لم يلهه ما يجري على حواسه. ولكن الضعيف لا بد وان يتفرق فيه فكره. فعلاجه: قطع هذه الاسباب، بأن يغض بصره، أو يصلى في بيت مظلم، ولا يترك بين يديه ما يشغل حسه، ويقرب من حائط عند صلاته حتى لا تتسع مسافة بصره، ويتحرز من الصلاة على الشوارع، وفي المواضع المنقوشة المصبوغة، والعمارات العالية المرتفعة. ولذلك كان المتعبدون يصلون في بيت مظلم صغير، سعته بقدر السجود، ليكون اجمع للهم. والاقوياء كانوا يحضرون المساجد، ويغضون البصر، ولا يتجاوزونه موضع السجود، كما ورد الأمر به، ويرون كمال الصلاة في الا يعرفوا من على يمينهم وشمالهم.
واما الثاني: اعني الأسباب الباطنة، فهي اشد. فان من تفرقت همومه، وتشعبت خواطره في اودية الدنيا، لم ينحصر فكره في فن واحد، بل لا يزال يطير من جانب إلى جانب. وغض البصر لا يغنيه، فان ما وقع في القلب من قبل كاف للشغل. فهذا علاجه: ان يرد نفسه قهرا إلى فهم ما يقرؤه، ويشغلها به عن غيره، ويعينه على ذلك ان يستعد له قبل التحريم، بان يجدد على نفسه ذكر الآخرة، وخطر المقام بين يدي الله ـ تعالى ـ، وهول المطلع، ويفرغ قلبه قبل التحريم بالصلاة عما يهمه من أمر الدنيا، فلا يترك لنفسه شغلا يلتفت إليه خاطره، فهذا طريق تسكين الأفكار. فان لم تسكن افكاره بهذا الدواء المسكن، فلا ينجيه إلا المسهل الذي يقمع مادة الداء من أعمال العروق، وهو ان ينظر في الأمور الشاغلة الصارفة له عن احضار القلب. ولا ريب في انها تعود إلى مهماته، وهي إنما صارت مهمة لأجل شهواته، فليعاقب نفسه بالنزوع عن تلك الشهوات وقطع تلك العلائق. فكل ما يشغله عن صلاته فهو ضد دينه وجند إبليس عدوه، فامساكه اضر عليه من اخراجه، فيتخلص عنه باخراجه. وهذا هو الدواء القامع لمادة العلة، ولا يغني غيره. فان ما ذكر من التلطف بالتسكين والرد إلى فهم الذكر، إنما ينفع في الشهوات الضعيفة، والهم الذي لا يشغل إلا حواشي القلب. واما الشهوة القوية المرهقة، فلا ينفع معها التسكين، بل لا تزال تجاذبها وتجاذبك ثم تغلبك، وتنقضي جميع صلاتك في شغل المجاذبة. ومثاله مثال رجل تحت شجرة اراد ان يصفو له فكره، وكانت اصوات العصافير تشوش عليه، فلم يزل يطيرها بخشبة هي في يده ويعود إلى فكره، فتعود العصافير، فيعود إلى السفير بالخشبة، فقيل له: إن هذا سير الواني ولا يتقطع، فان اردت الخلاص فاقطع الشجرة. فكذلك شجرة الشهوة، إذا استعملت وتفرعت اغصانها، انجذبت إليها الافكار انجذاب العصافير إلى الاشجار، وانجذاب الذباب إلى الاقذار، والشغل يطول في دفعها. فان الذباب كلما ذب آب، ولاجله سمي ذباباً، وكذلك الخواطر. وهذه الشهوات كثيرة قلما يخلو العبد منها، ويجمعها اصل واحد، وهو حب الدنيا، وذلك رأس كل خطيئة، واساس كل نقصان، ومنبع كل فساد. ومن انطوى باطنه على حب الدنيا حتى مال إلى شيء منها لا تزود منها ويستعين بها على الآخرة، فلا يطمعن في ان تصفو له لذة المناجاة في الصلاة. فان من فرح بالدنيا فلا يفرح بالله وبمناجاته، وهمة الرجل مع قرة عينه، فان كانت قرة عينه في الدنيا انصرف همه لا محالة إليها. ولكن ـ مع هذا ـ لا ينبغي ان تترك المجاهدة، ورد القلب إلى الصلاة، وتقليل الاسباب الشاغلة، فهذا هو الدواء، ولمرارته استبشعته الطباع، وبقيت العلة مزمنة، وصار الداء عضالا. حتى ان الأكابر اجتهدوا ان يصلوا ركعتين لا يحدثون أنفسهم فيهما بأمور الدنيا، فعجزوا عنه. فاذاً لا مطمع فيه لامثالنا، ويا ليت سلم لنا من الصلاة ثلثها أو ربعها من الوساوس، لنكون ممن خلطوا عملا صالحاً وآخر سيئاً.
وعلى الجملة: فهمة الدنيا وهمة الآخرة في القلب مثل الماء الذي يصب في قدح فيه خل، فبقدر ما يدخل فيه الماء يخرج منه الخل لا محالة، ولا يجتمعان. ثم جميع ما ذكر إنما هو في الخواطر المتعلقة بالامور المهمة من الدنيا، حتى إذا خرجت هذه الأمور من القلب، خرجت منه هذه الخواطر أيضا. وقد تكون الخواطر من مجرد الوساوس الباطنة والخيالات الفاسدة، من دون تعلقها بشغل وعمل دنيوي يكون لها، ومن دون اختيار للعبد في خطورها وعدم خطورها. والأمر فيها اصعب، وان كان لقلع حب الدنيا وشهواتها عن القلب مدخلية عظيمة في زوالها أيضا، إذ مادة هذه الوساوس أيضا، إما حب المال وحب الجاه، أو حب غيرهما من الأمور الشهوية الدنيوية. وقد تقدم تفصيل القول فيها وفي طريق علاجها في بحث الوساوس.

أسرار الصلاة

(اسرار الصلاة)
في تحصيل كل واحد من شروط الصلاة وافعالها واركانها اسرار وتنبيهات، فينبغي للمؤمن المريد للآخرة أَلا يغفل عنها، فها هي نذكرها:
اما الاذان: فإذا سمعت نداء المؤذن، فأخطر في قلبك هول النداء يوم القيامة، وتشمر بباطنك وظاهرك للاجابة والمسارعة، فان المسارعين إلى هذا النداء هم الذين ينادون باللطف يوم العرض الاكبر، فأعرض قلبك على هذا النداء، فان وجدته مملوا بالفرح والاستبشار، مشحونا بالرغبة إلى الابتدار، فاعلم انه يأتيك النداء بالبشرى والفوز يوم القضاء، ولذلك قال سيد الأنبياء: " ارحنا يا بلال! "، أي: ارحنا بها وبالنداء اليها، إذ كانت قرة عينه فيها. واعتبر بفصول الاذان وكلماته كيف افتتحت بالله واختتمت بالله، واعتبر بذلك ان الله جل جلاله هو الأول والآخر والظاهر والباطن، ووطن قلبك بتعظيمه عند سماع التكبير، واستحقر الدنيا وما فيها لئلا تكون كاذبا في تكبيرك، وانف عن خاطرك كل معبود سواه بسماع التهليل. واحضر النبي (ص)، وتأدب بين يديه، واشهد له بالرسالة مخلصا، وصل عليه وآله، وحرك نفسك، واسع بقلبك وقالبك عند الدعاء إلى الصلاة، وما يوجب الفلاح، وما هو خير الأعمال وافضلها. وجدد عهدك بعد ذلك بتكبير الله وتعظيمه، واختمه بذلك كما افتتحت به. واجعل مبدءك منه، وعودك إليه، وقوامك به،واعتمادك على حوله وقوته. فانه لا حول ولا قوة إلا بالله إلا بالله العلي العظيم.

الوقت

(الوقت)
وإذا دخل الوقت، استحضر أنه ميقات جعله الله لك لتقوم فيه بخدمته،وتتأمل للمثول في حضرته، والفوز بطاعته، وليظهر على قلبك السرور، وعلى وجهك البهجة عند دخوله، لكونه سبباً لقربك ووسيلة إلى فوزك. فاستعد له بالطهارة والنظافة، ولبس الثياب الصالحة للمناجاة كما تتأهب عند القدوم على ملك من ملوك الدنيا، وتلقاه بالسكينة والوقار، والخوف والرجاء، واستحضر عظمة الله وجلاله، وعدم تناهي قدرته وكماله، ونقصان قدرك ومرتبتك، وعدم قابليتك للقيام بخدمته، وقصورك عن أداء وظائف طاعته.  

[1]  المؤمنون، الآية: 2.
[2]  طه، الآية: 14.
[3]  الأعراف، الآية: 204.
[4]  الماعون، الآية: 4ـ 5.
[5]  النساء، الآية: 42.
[6]  الحديث مروي في (بحار الأنوار): 18/196، باب آداب الصلاة عن (المحاسن)، وفيه اختلاف كثير عما ذكر في نسخ (جامع السعادات)، فصححناه على الموضع المذكور من (بحار الأنوار).
[7]  الأزيز: صوت غليان القدر. والمرجل ـ وزان منبر ـ: القدر من الحجارة.
[8]  النهج ـ بالتحريك:ـ تتابع النفس واللهاث.
[9]  صححنا الأحاديث الواردة في الصلاة على (بحار الأنوار). 18/ 169 ـ 202، با آداب الصلاة.
[10]  الأنعام، الآية: 132. الأحقاف، الآية: 19.
[11]  الشعراء، الآية: 89.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page