• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

التشهد


(التشهد)
اذا جلست للتشهد ـ بعد هذه الافعال الدقيقة والأسرار العميقة، المشتملة على الاخطار الجسيمة ـ فاستشعر الخوف التام والرهبة والوجل والحياء، ان يكون جميع ما سلف منك غير واقع على وجهه، ولا محصلا بوظائفه وشرائطه ولا مكتوبا في ديوان القبول. فاجعل يدك صفراً من فوائدها، وارجع إلى مبدأ الأمر، واصل الدين، اعني كلمة التوحيد وحصن الله الذي من دخله كان آمنا، فاستمسك به ان لم تكن لك وسيلة غيره، فاشهد لربك بالوحدانية، واحضر رسوله الكريم ونبيه العظيم ببالك، واشهد له بالعبودية والرسالة، وصل عليه وعلى آله، مجدداً عهد الله باعادة كلمتي الشهادة، متعرضا بهما لتأسيس مراتب العبادة، فانهما اول الوسائل واساس الفواضل، ومتوسلا إلى رسول الله بالصلاة عليه، مترقبا بذلك عشراً من صلاته (ص) عليك ـ كما ورد في الخبر ـ، ولو وصل اليك منها واحدة افلحت أبدا. قال الصادق (ع): " التشهد ثناء على الله. فكن عبدا له في السر خاضعا له في الفعل، كما انك عبد له في القول والدعوى. وصل صدق لسانك بصفاء صدق سرك، فانه خلقك عبداً، وامرك ان تعبده بقلبك ولسانك وجوارحك، وأن تحقق عبوديتك له وربوبيته لك، وتعلم ان نواصي الخلق بيده، فليس لهم نفس ولا لحظة إلا بقدرته ومشيته، وهم عاجزون عن اتيان اقل شيء في مملكته إلا باذنه وارادته. قال الله عز وجل:
" وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون "[1].
فكن لله عبداً شاكراً بالقول والدعوى، وصل صدق لسانك بصفاء سرك، فانه خلقك فعز وجل أن تكون إرادة ومشية لأحد الا بسابق ارادته ومشيته، فاستعمل العبودية في الرضا بحكمته، وبالعبادة في اداء اوامره، وقد أمرك بالصلاة على حبيبه محمد (ص)، فاوصل صلاته بصلاته، وطاعته بطاعته، وشهادته بشهادته، وانظر ألا تفوتك بركات معرفة حرمته فتحرم عن فائدة صلاته، وامره بالاستغفار لك، والشفاعة فيك، إن اتيت بالواجب في الأمر والنهي والسنن والآداب، وتعلم جليل مرتبته عند الله عز وجل "[2].


(التشهد)
اذا جلست للتشهد ـ بعد هذه الافعال الدقيقة والأسرار العميقة، المشتملة على الاخطار الجسيمة ـ فاستشعر الخوف التام والرهبة والوجل والحياء، ان يكون جميع ما سلف منك غير واقع على وجهه، ولا محصلا بوظائفه وشرائطه ولا مكتوبا في ديوان القبول. فاجعل يدك صفراً من فوائدها، وارجع إلى مبدأ الأمر، واصل الدين، اعني كلمة التوحيد وحصن الله الذي من دخله كان آمنا، فاستمسك به ان لم تكن لك وسيلة غيره، فاشهد لربك بالوحدانية، واحضر رسوله الكريم ونبيه العظيم ببالك، واشهد له بالعبودية والرسالة، وصل عليه وعلى آله، مجدداً عهد الله باعادة كلمتي الشهادة، متعرضا بهما لتأسيس مراتب العبادة، فانهما اول الوسائل واساس الفواضل، ومتوسلا إلى رسول الله بالصلاة عليه، مترقبا بذلك عشراً من صلاته (ص) عليك ـ كما ورد في الخبر ـ، ولو وصل اليك منها واحدة افلحت أبدا. قال الصادق (ع): " التشهد ثناء على الله. فكن عبدا له في السر خاضعا له في الفعل، كما انك عبد له في القول والدعوى. وصل صدق لسانك بصفاء صدق سرك، فانه خلقك عبداً، وامرك ان تعبده بقلبك ولسانك وجوارحك، وأن تحقق عبوديتك له وربوبيته لك، وتعلم ان نواصي الخلق بيده، فليس لهم نفس ولا لحظة إلا بقدرته ومشيته، وهم عاجزون عن اتيان اقل شيء في مملكته إلا باذنه وارادته. قال الله عز وجل:
" وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون "[1].
فكن لله عبداً شاكراً بالقول والدعوى، وصل صدق لسانك بصفاء سرك، فانه خلقك فعز وجل أن تكون إرادة ومشية لأحد الا بسابق ارادته ومشيته، فاستعمل العبودية في الرضا بحكمته، وبالعبادة في اداء اوامره، وقد أمرك بالصلاة على حبيبه محمد (ص)، فاوصل صلاته بصلاته، وطاعته بطاعته، وشهادته بشهادته، وانظر ألا تفوتك بركات معرفة حرمته فتحرم عن فائدة صلاته، وامره بالاستغفار لك، والشفاعة فيك، إن اتيت بالواجب في الأمر والنهي والسنن والآداب، وتعلم جليل مرتبته عند الله عز وجل "[2].

التسليم

(التسليم)
وإذا فرغت عن التشهد، فاحضر بحضرة سيد المرسلين، والملائكة المقربين، وبقية أنبياء الله وأئمته ـ عليهم السلام ـ والحفظة لك من الملائكة المحصين لأعمالك، واحضرهم جميعاً في بالك. فسلم أولا على نبيك الذي هو أفضل الكل، وواسطة هدايتك وايمانك، بقولك: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته). ثم توجه إلى الجميع، وسلم عليهم بقولك: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته). ولا تطلق لسانك بصيغة الخطاب من غير حضور المخاطب في ذهنك، فتكون من العابثين واللاعبين، وكيف تسمع الخطاب لمن لا يقصد، لو لا فضل الله في اجترائه بذلك عن اصل الواجب، وان كان بعيداً عن درجات القبول، منحطاً عن اوج القرب والوصول. وان كنت إماماً للقوم، فاقصدهم بالسلام من تقدم من المقصودين، وليقصدوا هم الرد عليك أيضا، وإذا فعلتم ذلك فقد اديتم وظيفة السلام، واستحققتم من الله مزيد الاكرام. قال الصادق (ع): " معنى التسليم في دبر كل صلاة: الامان، أي من اتى أمر الله وسنة نبيه (ص) خاضعاً له خاشعا منه، فله الامان من بلاء الدنيا، والبراءة من عذاب الآخرة، والسلام اسم من اسماء الله تعالى اودعه خلقه، ليستعملوا معناه في المعاملات والامانات والانصافات، وتصديق مصاحبتهم فيما بينهم، وصحة معاشرتهم. فان اردت ان تضع السلام موضعه، وتؤدي معناه، فاتق الله تعالى ليسلم منك دينك وقلبك وعقلك، ألا تدنسها بظلمة المعاصي، ولتسلم منك حفظتك إلا تبرمهم وتملهم وتوحشهم منك بسوء معاملتك معهم، ثم مع صديقك، ثم مع عدوك. فان من لم يسلم منه من هو الاقرب إليه فالابعد اولى، ومن لا يضع السلام مواضعه هذه فلا سلام ولا اسلام ولا تسليم، وكان كاذبا في سلامه وان افشاه في الخلق "[3].

إفاضة الأنوار على المصلي

(افاضة الأنوار على المصلي على قدر صفائه)
اعلم ان تخليص الصلاة عن الآفات، واخلاصها لوجه الله، وادائها بالشروط الباطنة المذكورة، من الحضور، والخشوع، والتعظيم، والهيبة، والحياء: سبب لحصول انوار في القلب، تكون تلك الأنوار مفاتيح للعلوم الباطنة، وانما يفيض منها على كل مصل على قدر صفائه من كدورات الدنيا، ويختلف ذلك بالقلة والكثرة، والقوة والضعف، والجلاء والخفاء، ويختلف أيضاً بما ينكشف من العلوم، فينكشف لبعضهم من صفات الله وجلاله، ولبعضهم من عجائب افعاله، ولبعضهم من دقائق علوم المعاملة، ولبعضهم غير ذلك، واولى بالظهور والافاضة لكل شخص ما يهمه ويكون في طلبه. وإلى ما ذكرنا من ترتب الافاضة العلوية على الصلاة الخالصة لوجه الله المؤداة بالشروط المذكورة، اشار النبي (ص) بقوله: " ان العبد إذا قام في الصلاة، رفع الله الحجاب بينه وبين عبده، وواجهه بوجهه، وقامت الملائكة من لدن منكبيه إلى الهواء، يصلون بصلاته، ويؤمنون على دعائه، وان المصلي لينشر عليه البر من اعنان السماء إلى مفرق رأسه، ويناديه مناد: لو علم المصلي من يناجي ما التفت. وان أبواب السماء تفتح للمصلين، وان الله يباهي ملائكته بصدق المصلي ". فان رفع الحجاب وفتح أبواب السماء كناية عن افاضة العلوم الباطنة عليه. وورد في التوراة: " يا ابن آدم، لا تعجز أن تقوم بين يدي مصلياً باكياً، فأنا الله الذي اقتربت من قلبك، وبالغيب رأيت نوري ". وورد: " ان العبد إذا صلى ركعتين، عجبت منه عشرة صفوف من الملائكة، كل صف منهم عشرة آلاف، وباهى الله به مائة ألف ". وذلك لان العبد جمع في الصلاة بين القيام والقعود، والركوع والسجود، والذكر باللسان، وغير ذلك. وليس لملك من الملائكة هذا القسم من العبادة الجامعة بين الكل، بل هذه الأفعال موزعة عليهم، فبعضهم قائمون لا يركعون إلى يوم القيامة، وبعضهم ساجدون لا يرفعون إلى يوم القيامة، وهكذا الراكعون والقاعدون، فان ما اعطى الملائكة من القرب والرتبة لازم لهم، مستمر على حالة واحدة، لا تزيد ولا تنقص، وليس لهم مرتبة الترقي من درجة إلى اخرى، وباب المزيد مسدود عليهم، ولذلك قالوا: " وما منا إلا له مقام معلوم ". بخلاف الإنسان، فان له الترقي في الدرجات، والتقلب في اطوار الكمالات، ومفتاح مزيد الدرجات هي الصلاة، قال الله سبحانه: " قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون "، فمدحهم بعد الإيمان بصلاة مخصوصة، وهي المقرونة بالخشوع، ثم ختم اوصاف المفلحين بالصلاة أيضا، فقال في آخرها:
" والذين هم على صلاتهم يحافظون "، ثم قال في ثمرة تلك الصفات: " أولئك هم الوارثون، الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون "[4].
فوصفهم بالفلاح أولا، وبوراثة الفردوس آخراً. فالمصلون هم ورثة الفردوس، وورثة الفردوس هم المشاهدون لنور الله بقربه ودنوه بالقلب. وكل عاقل يعلم ان مجرد حركة اللسان والجوارح، مع غفلة القلب، لا تنتهي درجته إلى هذا الحد.

ما ينبغي في إمام الجماعة

(ما ينبغي في إمام الجماعة)
ينبغي لامام الجماعة: ان يختص من بين القوم بمزيد صفاء القلب، واقباله إلى الله، والخشوع والتعظيم، وغير ذلك من الشرائط الباطنة، لانه القدوة والجاذب لنفوس الجماعة إلى الله، فما اقبح به ان يكون قلبه غافلا عن الله، أو واقعاً في اودية الوساوس الباطلة في الصلاة، ويكون بعض من اقتدى به من القوم خاشعاً حاضر القلب معظماً لله سبحانه، وما اشنع به ان يكون التفات قلبه إلى من وراءه من الناس الذين لا يقدرون على شيء من النفع والضر أكثر من التفات قلبه إلى مالك الملك والملكوت، أولا يستحيى من علام الغيوب ان ينصب نفسه قدوة لأمة سيد الرسل (ص)، ويحل محل رسول الله (ص) واوصيائه الراشدين ـ عليهم السلام ـ، وينوب عنهم، ويكون تغير قلبه وتأثر نفسه عن ضعفاء العوام الذين اقتدوا به أشد من انفعاله وتأثره من عظمة الله وجلاله؟! أولا يخجل عند الله من تفاوت حاله بكثرة المأمومين وقلتهم؟ فينبغي لكل امام قوم ان يمتحن نفسه، فان لم تكن له هذه الصفات الخبيثة، فليؤم، والا فليترك ولا يهلك نفسه، ويعرف ذلك بأن يكون فرحه بامامة نفسه كفرحه بامامة غيره من امثاله واقرانه، بل إن كان قصده وفرحه بمجرد اقامة السنة، واحياء رسوم الملة، فينبغي ان يكون فرحه بامامة غيره ممن هو مرضى، والاهتمام به، اكثر من إمامة نفسه، لحصول المقصود مع السلامة عن الغوائل المحتملة، وينبغي ـ أيضاً ـ ألا يكون باعثه ومحركه إلى المسجد لامامة القوم إلا القربة ورجاء الثواب، فلو كان في بعض زوايا قلبه باعث خفي من حب الشهرة والمنزلة في القلوب، أو الوصول إلى ما ينتظم بهم معاشه، فله الويل والثبور، ويكون ممن ضل واضل وهلك واهلك!

ما ينبغي في صلاة الجمعة والعيدين

(ما ينبغي في صلاة الجمعة والعيدين)
ينبغي للحاضر إلى صلاة الجمعة والعيدين: ان يستحضر ان هذه الايام أيام شريفة عظيمة، واعياد مباركة كريمة، قد خص الله بها هذه الامة، وجعلها اوقاتاً شريفة لعباده، ليقربهم فيها من جواره، ويبعدهم من عذابه وناره، وحثهم فيها على الاقبال بصالح الأعمال، وتلافي ما فرط منهم في بقية الايام والشهور من الاهمال. فلا جرم وجب الاهتمام بصلاتها زيادة على سائر الصلوات، من التهيؤ والاستعداد للقاء الله، والوقوف بين يديه، والمثول في حضرته، والفوز بمخاطبته. فليجتهد بعد الاتيان بالوظائف الظاهرة، من التنظيف، والتطييب، والتعمم، وحلق الرأس، وقص الشارب والاظفار، وغير ذلك من السنن.. في تخليص النية، واحضار القلب، واكثار الخشوع، والابتهال إلى الله تعالى في صلاته. وينبغي أن يحضر قلبه في العيدين من قسمة الجوائز، وتفرقة الرحمة، وافاضة المواهب فيهما على من قبل صومه وقربانه وقام بوظائفهما، فليكبر في صلاتهما وقبلها وبعدها في قبول أعماله والعفو عن تقصيراته، وليستشعر الخجلة والحياء من خسران الرد، وخذلان الطرد، فتخسر صفقته، وتظهر بعد ذلك حسرته، فيفوز الفائزون، ويسبق السابقون، وينجو المخلصون، وهو يكون من الخائبين الخاسرين.

ما ينبغي للمؤمن عند ظهور الآيات

(ما ينبغي للمؤمن عند ظهور الآيات)
إذا ظهرت الآيات، من الكسوف والخسوف والزلازل وغيرها، ينبغي لكل مؤمن ان يستحضر عندها أهوال الآخرة وزلازلها، وتكور الشمس والقمر، وظلمة القيامة، ووجل الخلائق، وخوفهم من الاخذ والنكال والعقوبة والاستيصال، فيكثر في صلاتها من الدعاء والابتهال بمزيد الخضوع والخشوع والهيبة والخوف، في النجاة من تلك الشدائد ورد النور بعد الظلمة والمسامحة على الهفوة، وينبغي ان يكون منكسر النفس، مطرق الرأس، مستحيياً من التقصير، مستشعراً بقلبه عظمة الله وجلاله. وبالجملة: حصول الخوف والخشية، والمبادرة إلى التضرع والابتهال، واداء الصلاة بالاقبال والخشوع عند ظهور الآيات، من شعار أهل الإيمان. قال سيد الساجدين (ع): " لا يفزع للآيتين ولا يرهب إلا من كان من شيعتنا، فان كان ذلك منهما، فافزعوا إلى الله وراجعوه ". وقال الرضا (ع): " إنما جعلت للكسوف صلاة، لأنه من آيات الله تعالى، لا يدري الرحمة ظهرت أم لعذاب، فاحب النبي (ص) أن يفزع امته إلى خالقه وراحمه عند ذلك، ليصرف عنهم شرها، ويقيهم مكروهها، كما صرف عن قوم يونس (ع) حين تضرعوا إلى الله تعالى ".
الذكر ـ فضيلة الاذكار ـ الدعاء
اعلم انه ينبغي لكل مؤمن أن يكثر من الذكر والدعاء، لا سيما عقيب الصلاة المفروضة. وقد ورد في فضائلهما من الآيات والأخبار ما لا يمكن إحصاؤه، ولاشتهارها لا حاجة إلى ذكرها هنا.
(الذكر)
اما الذكر، فالنافع منه هو الذكر على الدوام، أو في اكثر الأوقات، مع حضور القلب، وفراغ البال، والتوجه الكلي إلى الخالق المتعال، حتى يتمكن المذكور في القلب، وتتجلى عظمته الباهرة عليه، وينشرح الصدر بشروق نوره عليه، وهو غاية ثمرة العبادات. وللذكر أول وآخر، فاوله يوجب الانس والحب، وآخره يوجبه الأنس والحب. والمطلوب منه ذلك الحب والإنس. فان العبد في بداءة الأمر يكون متكلفاً بصرف قلبه ولسانه عن الوسواس والفضول إلى ذكر الله، فان وفق للمداومة أنس به وانغرس في قلبه حب المذكور. ومن احب شيئاً أكثر ذكره، ومن اكثر ذكر شيء، وان كان تكلفاً، احبه. ومن هنا قال بعضهم: " كاءدت القرآن عشرين سنة، ثم تنعمت به عشرين سنة ". ولا تصدر النعم إلا من الأنس والحب، ولا يصدر الأنس والحب إلا من المداومة على المكاءدة والتكلف مدة طويلة، حتى يصير التكلف طبعاً. وكيف يستبعد هذا وقد يتكلف الإنسان تناول طعام يستبشعه أولا. ويكائد اكله، ويواظب عليه، فيصير موافقاً لطبعه حتى لا يصبر عنه؟ فالنفس تصير معتادة متحملة لما تكلفت: " هي النفس ما عودتها تتعود ".
ثم إذا حصل الانس بذكر الله انقطع عن غير الله، وما سوى الله يفارقه عند الموت، ولا يبقى إلا ذكر الله، فان كان قد انس به تمتع به وتلذذ بانقطاع العوائق الصارفة عنه، إذ ضرورات الحاجات في الحياة قصد عن ذكر الله، ولا يبقى بعد الموت عائق، فكأنه خلى بينه وبين محبوبه، فعظمت غبطته، وتخلص من السجن الذي كان ممنوعاً فيه عما به انسه، وهذا الانس يتلذذ به العبد بعد موته إلى ان ينزل في جوار الله، ويترقى من الذكر إلى اللقاء، قال الصادق (ع): " من كان ذاكراً لله على الحقيقة فهو مطيع، ومن كان غافلا عنه فهو عاص، والطاعة علامة الهداية، والمعصية علامة الضلالة، واصلهما من الذكر والغفلة، فاجعل قلبك قبلة للسانك، ولا تحركه إلا باشارة القلب، وموافقة العقل، ورضا الإيمان، فان الله تعالى عالم بسرك وجهرك، وكن كالنازع روحه، أو كالواقف في العرض الاكبر، غير شاغل نفسك عما عناك مما كلفك به ربك في أمره ونهيه ووعده ووعيده، ولا تشغلها بدون ما كلفك به ربك، واغسل قلبك بماء الحزن، واجعل ذكر الله تعالى من اجل ذكره تعالى إياك، فانه ذكرك وهو غني عنك، فذكره لك اجل واشهى واثنى واتم من ذكرك له واسبق، ومعرفتك بذكره لك تورثك الخشوع والاستحياء والانكسار، ويتولد من ذلك رؤية كرمه وفضله السابق، وتصغر عند ذلك طاعتك وإن كثرت في جنب منته، وتخلص لوجهه، ورؤيتك ذكرك له، ويورثك الرياء والعجب والسفه والغلظة في خلقه، واستكثار الطاعة ونسيان فضله وكرمه، ولا تزداد بذلك من الله تعالى إلا بعداً، ولا تستجلب به على مضي الايام إلا وحشة. والذكر ذكران: ذكر خالص بموافقة القلب، وذكر صارف لك ينفي ذكر غيره، كما قال رسول الله (ص): (انا لا احصى ثناء عليك، انت كما أثنيت على نفسك). فرسول الله (ص) لم يجعل لذكره الله عز وجل مقداراً عند علمه بحقيقة سابقة ذكر الله عز وجل من قبل ذكره، ومن دونه أولى، فمن اراد ان يذكر الله تعالى، فليعلم انه ما لم يذكر الله العبد بالتوفيق لذكره، لا يقدر العبد على ذكره "[5].

فضيلة الاذكار

(فضيلة الاذكار)
الاذكار كثيرة، كالتهليل، والتسبيح، والتحميد، والتكبير، والحوقلة، والتسبيحات الأربع، واسماء الله الحسنى، وغير ذلك. وقد وردت في فضيلة كل منها أخبار كثيرة، والمواظبة على كل منها توجب صفاء النفس وانشراح الصدر، وكلما كانت أدل على غاية العظمة والجلال والعزة والكمال، فهي أفضل. ولذا صرحوا بأن افضل الاذكار التهليل، لدلالته على توحده في الالوهية، واستناد الكل إليه. وربما كان بعض اسماء الله تعالى في مرتبته أدل، والعارف السالك إلى الله يعلم: أنه قد ينبعث في القلب من عظمة الله وجلاله وشدة كبريائه وكماله ما لا يمكن التعبير عنه باسم.
(الدعاء)
وأما الدعاء، فهو مخ العبادة، ولذا ورد في فضله ما ورد من الآيات والأخبار، ولا حاجة إلى ذكرها لاشتهارها. والأدعية المأثورة كثيرة مذكورة في كتب الدعوات، ولا يتصور مطلب من مطالب الدنيا والآخرة إلا وقد وردت به أدعية، فمن أراد شيئاً منها فليأخذ من مواضعها.
ومما ينبغي لكل داع، أن يراعي شرائط وآداباً في الدعاء، حتى يستجاب له، ويصل إلى فائدته، وتحصل لنفسه نورانية، وهي أن يترصد لدعاءه الأوقات الشريفة، والأحوال الشريفة، والاماكن المتبركة المشرفة، وان يدعو متطهراً، مستقبل القبلة، رافعاً يديه بحيث يرى باطن ابطيه، وان يخفض صوته بين الجهر والاخفات، ولا يتكلف السجع في الدعاء، ويكون في غاية التضرع والخشوع والرهبة، وأن يجزم يتيقن اجابة دعائه، ويصدق رجاءه فيه، وان يلح في الدعاء، ويكرره ثلاثاً، ويفتح الدعاء بذكر الله وتمجيده، ولا يبتدئ بالسؤال، وأن يتوب، ويرد مظالم العباد، ويقبل على الله بكنه الهمة، وهو السبب القريب للاجابة، وان يكون مطعمه وملبسه من الحلال، وهو أيضاً من عمدة الشرائط، وأن يسمى حاجته، ويعم في الدعاء، ويبكي عنده، وهو أيضاً سيد الآداب، وان يتقدم في الدعاء قبل الحاجة إليه، وألا يعتمد في حوائجه على غير الله تعالى، قال الصادق (ع): " احفظ ادب الدعاء، وانظر من تدعو، وكيف تدعو، ولماذا تدعو، وحقق عظمة الله وكبرياءه، وعاين بقلبك علمه بما في ضميرك، واطلاعه على سرك وما تكن فيه من الحق والباطل، واعرف طريق نجاتك وهلاكك، كيلا تدعو الله بشيء عسى فيه هلاكك وانت تظن أن فيه نجاتك، قال الله تعالى:
" ويدعو الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولاً "[6].
وتفكر ماذا تسأل، ولماذا تسأل. والدعاء استجابة الكل منك الحق، وتذويب المهجة في مشاهدة الرب، وترك الاختيار جميعاً، وتسليم الأمور كلها ـ ظاهرها وباطنها ـ إلى الله تعالى، فان لم تأت بشرط الدعاء فلا تنتظر الاجابة، فانه يعلم السر واخفى، فلعلك تدعوه بشيء قد علم من سرك خلاف ذلك. واعلم انه لو لم يكن الله امرنا بالدعاء، لكنا إذا اخلصنا الدعاء تفضل علينا بالاجابة، فكيف وقد ضمن ذلك لمن اتى بشرائط الدعاء، وسئل رسول الله (ص) عن اسم الله الاعظم، فقال: (كل اسم من اسماء الله اعظم). ففرغ قلبك عن كل ما سواه، وادعه بأي اسم شئت، فليس في الحقيقة لله اسم دون، بل هو الله الواحد القهار. وقال النبي (ص) (إن الله لا يستجيب دعاء من قلب لاه). فإذا اتيت بما ذكرت لك من شرائط الدعاء واخلصت سرك لوجهه، فابشر باحدى ثلاث: إما ان يعجل لك بما سألت، وإما ان يدخر لك بما هو افضل منه، وإما ان يصرف عنك من البلاء ما لو أرسله عليك لهلكت "[7]. وسئل من الصادق (ع): ما لنا ندعوا ولا يستجيب لنا؟ فقال: " لانكم تدعون من لا تعرفونه، وتسألون من لا تفهمونه، فالاضطرار عين الدين، وكثرة الدعاء مع العمى عن الله من علامة الخذلان، لان من لم يعرف ذلة نفسه وقلبه وسره تحت قدرة الله، حكم على الله بالسؤال، وظن ان سؤاله دعاء، والحكم على الله من الجرأة على الله تعالى ".

[1]  القصص، الآية:  68.
[2]  صححنا الحديث  على (مصباح الشريعة): الباب 17. وعلى (بحار الانوار): 18/403، باب التشهد واحكامه.
[3]  صححنا الحديث على (مصباح الشريعة): الباب 18/144.
[4]  المؤمنون، الآية: 9ـ 11.
[5]  الحديث مذكور في (مصباح الشريعة): الباب 5/136. وفي (المستدرك): 1/401، كتاب الصلاة، أبواب الذكر. وفي الموضعين اختلاف يسير، فصححناه على (مصباح الشريعة)، الموضع المذكور.
[6]  الإسراء، الآية: 11.
[7]  الحديث مذكور في (مصباح الشريعة): الباب 19/145 ـ 146. وفيه اختلاف كثير عما هنا، فصححناه على (المصباح)، والموضع المذكور.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page