• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

واجباتنا في الجانب الثقافي

واجباتنا في الجانب الثقافي

 

واجباتنا في الجانب الثقافي

طرق و أساليب نشر الوعي

أولاً: الإعلام و التبليغ

أهمية الإعلام و التبليغ

سبل و مناهج الإعلام و التبليغ

إقامة الشعائر الإسلامية

الشعائر الحسينية

دور إقامة الشعائر الإسلامية على الفرد و المجتمع في عصر الغيبة

أولاً: وحدة الخط و الاهداف

ثانياً: الإمام الحسين يبشّر بالمهدي، و المهدي يثأر للإمام الحسين عليه السلام

ظهور الإمام المهدي عليه السلام يوم العاشر من المحرم

ثالثاً: الإمام المهدي و زيارة قبر جدّه الحسين عليه السلام

رابعاً: الإمام المهدي عليه السلام يتقرب إلى الله تعالى بمحبة الحسين عليه السلام

خامساً: الندب و البكاء

أثر إقامة المجالس الحسينية في عصر الغيبة

إشكال و دفع

البكاء على الحسين حقيقة كونيه

 

 

واجباتنا في الجانب الثقافي

عند دراسة واقعنا الشيعي المعاصر، نجد أنّنا نعيش ظروفاً قاهرةً نتيجة انتشار الغزو الثقافي الغربي في بلادنا بشكل مثير ومدهش، وهذا الأمر بدوره أدّى إلى شيوع الجهل بين أفراد مجتمعنا، وغرس الأفكار الغربية ـ المنافية للقيم الإسلامية ـ في نفوس أبناءنا وإخواننا في معظم طبقات المجتمع، حتى طبقة المثقّفين لم يسلموا من هذا الغزو، حيث تجد بعض المثقّفين أخذ يُظهر تأثرهم بالثقافة الغربية أمراً واضحاً، أمّا على صعيد طبقة العوامّ فقد أخذ تأثّرهم بالثقافة الغربية مأخذه في نفوسهم، فتجدهم يقلّدون الغرب تقليداً أعمى، حتى في نمط حياتهم اليومية من الملبس والزينة، والتقاليد الاجتماعية، ونمط معاشرتهم، وهذا الأمر أصبح واضحاً لمن ألقى السمع وهو بصير...

ففي حديث لأمير المؤمنين(عليه السلام) يقول فيه: «... أخذ الباطل مأخذَه، وركب الجهل مركبَه، وهدَر فنيق الباطل بعد كُظوم، وتآخى الناس على الفجور، وتهاجروا على الدِين، وتحابّوا على الكذب، وتباغضوا على الصدق..»([1]).

فالجهل وتخلّف الوعي لدى المسلمين خصوصاً في مجال عقيدتهم وتفاصيل شريعتهم وأساليب العمل بها يجعل الإنسان يفقد وضوح الرؤية للإرشاد، وبذلك يصبح فريسة سهلة لكلّ الدعوات الضالّة والكافرة التي استغلّت هذا الجهل بالإسلام، فعملت على تضليله وإرباك تصوره لمبادئه، وعلى هذا الأساس وانطلاقاً من قول نبيّنا محمد(صلى الله عليه وآله وسلم): «كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته» يجب علينا أن نتحمّل هذه المسؤولية العظيمة، وأن نحفظ ديَنَنا، ونوصل هذه الأمانة إلى ما بعدنا بأمان، ونحفظ معتقداتنا من الاندراس والضياع، فهي أمانة كبيرة ملقاة على عاتقنا، إذن لابدّ من العمل لنشر الوعي الإسلامي، وتعميم الثقافة القرآنية وثقافة آل البيت(عليهم السلام) في أوساط المجتمع; لأنّ بالوعي يصنع الفرد المسلم، ليستقيم بعد ذلك بناء المجتمع المسلم، فإنّ البناء لا يُقام إلاّ من اللِبن الصالح، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَـدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّـهُمْ سُبُلَنَا وإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الُْمحْسِنِينَ )([2])، وقال أيضاً: (وَلَـيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ )([3]).

 

طرق وأساليب نشر الوعي:

أولا : الإعلام والتبليغ :

يُعدّ التبليغ والإعلام من الظواهر الاجتماعية التي شقّت طريقها إلى كلّ البيئات وعلى مختلف العصور، منذ كان الإنسان يعيش حياة بدائية حتى عصرنا الحاضر.

إلاّ أنّ النقطة التي نتوخّاها هي; ما هي درجة اهتمام الرسالة الإسلامية بالإعلام والتبيلغ؟ ولعلّنا لا نجانب الصواب إذا ما قلنا بأنّ القرآن الكريم وأهل البيت(عليهم السلام)أكّدوا على هذه المهمة الكبيرة وحثّوا عليها ودعوا إليها، كما في قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ )([4])، وكذا قوله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وعَمِلَ صَالِحًا )([5])، بل قفزت هذه المهمة الاعلامية إلى  مرتبة الوجوب، كما في قوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ )([6]). مضافاً إلى الكثير من الشواهد الروائية التي تكشف النقّاب عن أهميتها وضرورة الالتزام بها.

منها: أنّه جاء رجل إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يارسول الله، ما هو حقّ العلم؟ قال: «الإنصات له»، قال: ثمّ مه؟ قال: «الاستماع»، قال: ثمّ مه؟ قال: «الحفظ»، قال: ثمّ مه؟ قال: «العمل به»، قال: ثمّ مه؟ قال: «نشره»([7]).

وعن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً أنّه قال: «نعم الهدية الموعظة، ونعم الهدية الموعظة»([8]). ولذا كان(صلى الله عليه وآله وسلم) يوجّه بعض المبلّغين إلى البلاد البعيدة لتبليغ الإسلام ونشر معارفه.

 

أهمية الإعلام والتبيلغ:

من خلال التأمّل في حصيلة النصوص القرآنية والشواهد الروائية التي تحثّ وتدعو إلى التبيلغ ـ  بحيث أوصلت عملية التبليغ إلى مرتبة الوجوب  ـ تتّضح أهميته الكبيرة على مختلف نواحي الحياة الفردية والاجتماعية، وفي مختلف المجالات العقائدية والأخلاقية والمعنوية... فمن خلال التبليغ يمكن نشر المعارف والأحكام الإسلامية، وحفظ الدين والتشيّع من الضياع، وحفظ الشريعة من الاندراس.

فبالتبليغ يتمّ تزويد المسلمين بالمفاهيم الإسلامية الصحيحة، وتسليحه بالعقيدة الراسخة والإيمان القوي الذي يُضيء الحياة، ويبني السعادة للفرد والمجتمع، فعن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «أشدّ من يُتمِ اليتيم الذي انقطع من اُمّه وأبيه: يُتمُ يتيم انقطع عن إمامه ولا يقدر على الوصول إليه، ولا يدري كيف حكمه فيما يُبتلى به من شرائع دينه؟ ألا فمن كان من شيعتنا عالماً، وهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره، ألا فمن هداه وأرشده وعلّمه بشريعتنا كان معنا في الرفيق الأعلى»([9]).

وعن أبي محمد الحسن بن علي العسكري(عليه السلام) قال: قال الحسين بن علي(عليهما السلام): «مَن كفل لنا يتيماً قطعته عنّا محنتنا باستتارنا، فواساه من علومنا التي سقطت إليه حتى أرشده وهداه، قال الله عزّوجل: أيُّها العبد الكريم المواسي لأخيه، أنا أولى بالكرم منك، اجعلوا له ياملائكتي في الجنان بعدد كلّ حرف علّمه ألف ألف قصر، وضمّوا إليها ما يليق بها من سائر النعيم»([10]).

وعن أبي محمد الحسن بن علي العسكري(عليه السلام) أيضاً قال: «قال الحسن بن علي(عليهما السلام): فضل كافل يتيم آل محمد ـ المنقطع عن مواليه، الناشب في رتبة الجهل، يُخرجه من جهله ويوضّح له ما اشتبه عليه ـ على فضل كافل يتيم يطعمه ويسقيه، كفضل الشمس على السُها»([11])([12]).

وعن الإمام محمد بن علي الجواد(عليه السلام) قال: «مَن تكفّل بأيتام آل محمد المنقطعين عن إمامهم، المتحيّرين في جهلهم، الاُسارى في أيدي شياطينهم وفي أيدي النواصب من أعدائنا، فاستنقذهم منهم، وأخرجهم من حيرتهم، وقهر الشياطين بردّ وساوسهم، وقهر الناصبين بحجج ربّهم ودلائل أئمتهم، ليحفظوا عهد الله على العباد بأفضل الموانع، بأكثر من فضل السماء على العرش والكرسي والحجب على السماء وفضلهم على العباد كفضل القمر ليلة البدر على أخفى كوكب في السماء»([13]).

وعن الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) قال: «إنّ محبّي آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)مساكين، مواساتهم أفضل من مواساة مساكين الفقراء، وهم الذين سكنت جوارحهم وضعفت قواهم من مقاتلة أعداء الله الذين يعيّرونهم بدينهم ويسفّهون أحلامهم، ألا فمن قوّاهم بفقهِهِ وعلمه حتى أزال مسكنتهم، ثمّ يسلّطهم على الأعداء الظاهرين: النواصب، وعلى الأعداء الباطنين: إبليس ومردته حتى يهزموهم عن دين الله، ويذودوهم عن أولياء آل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، حوّل إليه تعالى تلك المسكنة إلى شياطينهم فأعجزهم عن إضلالهم، قضى الله تعالى بذلك قضاءً حقاً على لسان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)»([14]).

وعن الحسن العسكري(عليه السلام) أيضاً قال: «قال عليّ بن أبي طالب(عليه السلام): مَن قوّى مسكيناً في دينه ضعيفاً في معرفته، على  ناصب مخالف فأفحمه، لقّنه الله تعالى يوم يُدلى في قبره أن يقول: الله ربّي ومحمد نبيّي وعليّ ولييّ، والكعبة قبلتي، والقرآن بهجتي وعِدَتي، والمؤمنون إخواني، فيقول الله: أدليت بالحجة فوجبت لك أعالي درجات الجنة، فيتحول عليه قبره أنزه رياض الجنة»([15]).

وعن أبي محمد(عليه السلام) قال: «قالت فاطمة(عليها السلام) وقد اختصم إليها امرأتان فتنازعتا في شيء من أمر الدين، إحداهما معاندة والاُخرى مؤمنة، ففتحت على المؤمنة حجّتها فاستظهرت على المعاندة ففرحت فرحاً شديداً، فقالت فاطمة: إنّ فرح الملائكة باستظهارك عليها أشدّ عليها من فرحكِ، وإنّ حزن الشياطين ومردته بحزنها عنك أشدّ من حزنها، وإنّ الله عزّوجل قال للملائكة: أوجبوا لفاطمة بما فتحت على هذه المسكينة الأسيرة من الجنان ألف ألف ضعف ممّا كنت أعددت لها، واجعلوا هذه سُنّةً في كلّ مَن يفتح على أسير مسكين فيغلب معانداً مثل ألف ألف ما كان له معدّاً من الجنان»([16]).

وعن أبي محمد العسكري(عليه السلام) قال: قال جعفر بن محمد(عليه السلام): «من كان همّه في كسر النواصب عن المساكين من شيعتنا الموالين حميّةً لنا أهل البيت، يكسرهم عنهم، ويكشف عن مخازيهم، ويبيّن عَوراتهم ويفخِّم أمر محمد وآله، جعل الله تعالى همّه أملاك الجنان في بناء قصوره ودوره، يستعمل بكلّ حرف من حروف حججه على أعداء الله أكثر من عدد أهل الدنيا أملاكاً، قوّة كلّ واحد تفضُل عن حمل السماوات والأرضين، فكم من بناء، وكم من نعمة، وكم من قصور لا يعرف قدرها إلاّ ربُّ العالمين»([17]).

إلى غير ذلك من الروايات الواردة في فضل نشر الوعي والمعرفة بين الناس.

 

سبل ومناهج الإعلام والتبليغ:

لا شكّ أنّ المنهج الثقافي يضطلع بدور مهمّ وكبير على صعيد الحصول على نتائج مثمرة وراسخة في النفوس، فالمنهج الصحيح هو الذي يضمن للحركة الإعلامية والتبليغية التحرّك ومواصلة المسير بنجاح، وعلى هذا الأساس قام أهل البيت(عليهم السلام) بتوجيه شيعتهم وأتباعهم على اتخاذ مجموعة من السبل بعد ضبط حدودها; لتكون قادرة على الوفاء بمتطلباتها، ومل الفراغ من حاجتها في نشر الثقافة الإسلامية، ومن أهم هذه السبل هي:

إقامة الشعائر الإسلامية:

وتُعد إقامة الشعائر الإسلامية من أهم السبل والوسائل التي أكّد عليها القرآن الكريم وأهل البيت(عليهم السلام). ونريدمن الشعائر التي تلعب دوراً كبيراً في العملية الإعلامية والثقافية هي شعائر أهل البيت(عليهم السلام) المتمثلة باحياء ذكريات المعصومين من شهاداتهم ووفياتهم ومواليدهم وأفراحهم ونحو ذلك.

حيث يمثّل القيام بهذه الشعائر والاهتمام بها لوناً من ألوان الولاء والارتباط بهم(عليه السلام)، وإحياء أمرهم، فضلا عمّا لها من أبعاد اُخرى عقائدية وفكرية وثقافية وتربوية، الأمر الذي يشكّل عنصراً مهمّاً من عناصر الصمود والمقاومة والتمسّك بأهل البيت(عليهم السلام)، خصوصاً في عصر الغيبة (عصر الفتن والملاحم).

فعن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «نحن الشهداء على شيعتنا، وشيعتنا شهداء على الناس، وبشهادة شيعتنا يجزون ويعاقبون»([18]).

وعن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «إنّ من الملائكة الذين في السماء يطلعون الى الواحد والاثنين والثلاثة، وهم يذكرون فضل آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)»، قال: «فتقول: أما ترون إلى هؤلاء في قلّتهم وكثرة عدوّهم يصفون فضل آل محمد، قال: فتقول الطائفة الاُخرى من الملائكة: (ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )([19])»([20]).

ومن أهم الشعائر الإسلامية هي:

الشعائر الحسينية

وتُعدّ من أبرز شعائر أهل البيت(عليهم السلام)، التي أكّدوا عليها كثيراً، وقد أفردناها بالحديث لدورها الكبير ولأهميتها في حياة الفرد والمجتمع.

والشعائر الحسينية التي نعيشها في المجالس والمواكب الحسينية وما تتخذه من  أشكال مختلفة، من الصور الإنسانية المعبّرة عن الأسى والحزن ليست ضرباً من  الإنكسار النفسي، ولا هي تقاليد اجتماعية فارغة من الأفكار والمفاهيم الرسالية، بل  هي سلوك أساسي يحمل في طيّاته الأهداف والنتائج التي تسهم في إصلاح المجتمع.

ويكمن سرّ قوّة هذه الشعائر في إثارة المشاعر الإنسانية، فحينما تتحول هذه الأفكار إلى متبنّيات لدى الإنسان وتشكّل جزءاً من شخصيته، تصبح عملية المساس بها مساساً بشخصيته; لأنّ هذه الأفكار مستوحاة من الرسالة، وبذلك يكون الانتصار لها والدفاع عنها دفاعاً عن الشخصية الرسالية وتأكيداً لها.

وبذلك يهتزّ الإنسان بكل مشاعره متى ما مُسّت رسالته وأهدافه بسوء، وبذلك يتحوّل هذا الإحساس المرهَف إلى رصيد رسالي يصون الرسالة، ويساهم في تحقيق  الهدف الإلهي; ذلك لأنّها تتميّز بصفة وميزة خاصّة، وهي: أنّ لغة المشاعر يحياها   كلّ الناس بمختلف مستوياتهم، ممّا يساهم في تعميق جانب الوعي لدى الناس.

ولذا نجد من جملة ما يطرحه الإمام الحجّة(عليه السلام) في زيارة الناحية هي إقامة المآتم الحسينية، كما في قوله(عليه السلام) «لأندبنّك صباحاً ومساءً، ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً»([21]).

ولعظمة هذه المجالس نجد أنّ من بين الذين أقاموا هذه المآتم للحسين(عليه السلام) هم الملائكة والحور العين، وأنّهم قدّموا العزاء إلى سيّد المرسلين وإلى أمير المؤمنين(عليه السلام) وفاطمة(عليها السلام).

ففي زيارة الناحية يقول الإمام المهدي(عليه السلام): «فقام ناعيك عند قبر جدّك الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، فنعاك إليه بالدمع الهطول، قائلا: يارسول الله قتل سبطك وفتاك، واستبيح أهلك وحماك، وسُبيت بعدك ذراريك، ووقع المحذور بعترتك وذويك، فانزعج الرسول وبكى قلبه المهول، وعزّاه بك الملائكة والأنبياء، وفُجعت بك اُمّك الزهراء، واختلفت جنود الملائكة المقرّبين تعزّي أباك أمير المؤمنين»([22]).

 

دور إقامة الشعائر الإسلامية على الفرد والمجتمع في عصر الغيبة:

للوقوف على أهمّ معطيات الشعائر الحسينية في عصر الغيبة، يجدر بنا أن نمرّ مروراً عاجلا على بعض المفاصل المهمّة التي تربط بين قيام الإمام الحسين(عليه السلام) وبين قيام الإمام المهدي(عليه السلام); لكي نتمكن من خلال معرفة هذه الروابط والمفاصل أن نبصر العلاقة بين قيام الإمامين الحسين والمهدي(عليهما السلام)، ولا نريد أن نلج في الدخول في البحث التفصيلي لهذه المفاصل، إلاّ أننا نقتصر هنا على أهمها:

أولاً : وحدة الخط والأهداف:

تتجلّى الملاحم المهمة لخطّ الإمام الحسين(عليه السلام) من خلال التأمّل في زيارة الإمام المهدي(عليه السلام) لجدّه الحسين(عليه السلام) في زيارة الناحية، ومن أهمّ تلك الملامح هي:

1 ـ إقامة العبادات كما أمر بها الله تعالى من صلاة وصيام وزكاة.

2 ـ بناء المجتمع الإسلامي على اُسس إسلامية عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

3 ـ إحياء السُنن، ومحاربة البدع، والسير على وقف منهج الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم).

4 ـ القضاء على الظلم والفساد وكلّ معالم الانحراف.

وهذا ما نلمسه واضحاً في الزيارة، حيث يقول الإمام المهدي(عليه السلام): «أشهد أنّك أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المُنكر والعدوان، وأطعت الله وما عصيته، وتمسّكت به وبحبله ... وسننت السنن، وأطفأت الفتن، ودعوت إلى الرشاد، وأوضحت سبل السداد، وجاهدت في الله حقّ الجهاد، وكنت لله طائعاً ولجدّك محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) تابعاً، ولقول أبيك سامعاً، وإلى وصية أخيك مسارعاً، ولعماد الدين رافعاً، وللطغيان قامعاً، وللطغاة مقارعاً، وللاُمّة ناصحاً...»([23]).

وهذه  الملامح والأهداف نفسها هي التي تكون في مقدّمة أهداف خط الإمام المهدي(عليه السلام)، كما هو واضح.

ثانياً: الإمام الحسين يبشّر بالمهدي، والمهدي(عليه السلام) يثأر للإمام الحسين(عليه السلام):

بعد اتضاح وحدة الخطّ بين الإمامين(عليهما السلام) نجد أنّ الإمام الحسين(عليه السلام)يبشّر بالمهدي(عليه السلام)، ومن نماذج تبشيراته:

1 ـ قال الإمام الحسين(عليه السلام): «هو قائم هذه الاُمّة، التاسع من ولدي، صاحب الأمر وهو الذي يقسّم ميراثه، وهو حيّ»([24]).

2 ـ قال الإمام الحسين(عليه السلام): «في التاسع من ولدي سنة من يوسف، وسنة من موسى بن عمران، وهو قائمنا أهل البيت يُصلح الله تعالى أمره في ليلة واحدة»([25]).

وهنالك أحاديث كثيرة اُخرى وردت عن الإمام الحسين(عليه السلام) بحق ولده الإمام المهدي ويبشّر به.

أمّا كون الإمام المهدي(عليه السلام) يثأر للإمام الحسين(عليه السلام) فهي قضية واضحة ووردت فيها نصوص كثيرة، منها:

ما ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) في قوله تعالى: (وَمَن قُتِلَ مُظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِف فِي الْقَتْلِ )([26])، قال: «ذلك قائم آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)يخرج فيقتل بدم الحسين بن علي(عليه السلام)، فلو قتل أهل الأرض لم يكن سرفاً»([27]).

وعن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «لما قُتل جدّي الحسين ضجّت الملائكة إلى الله عزّوجلّ بالبكاء والنحيب، وقالوا: إلهنا وسيدنا أتغفل عن قتل صفوتك وابن صفوتك وخيرتك من خلقك؟ فأوحى الله عزّوجل إليهم قِرّوا ملائكتي، فوعزتي وجلالي لأنتقمنّ منهم ولو بعد حين، ثمّ كشف الله عزّوجلّ عن الأئمة من ولد الحسين(عليه السلام) للملائكة، فسرّت الملائكة بذلك، فإذا أحدهم قائم يصلّي، فقال الله عزّوجل: بذلك القائم أنتقم منهم»([28]).

مضافاً إلى أنّ شعار المهدويين «هو يالثارات الحسين»([29]).

 

ظهور الإمام المهدي(عليه السلام) يوم العاشر من المحرم:

من الروابط بين قيام الإمام المهدي(عليه السلام) وبين جدِّه الحسين (عليه السلام)، والذي يكشف عن عمق هذا الربط هو ظهور الإمام المهدي يوم العاشر من المحرم وهو نفس اليوم الذي قُتل فيه الإمام الحسين(عليه السلام).

وقد وردت من نصوص في ذلك، منها: ما ورد عن الإمام أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «ينادى باسم القائم(عليه السلام) في ليلة ثلاث وعشرين يوم عاشوراء، وهو اليوم الذي قُتل فيه الحسين بن علي(عليهما السلام)، لكأنّي في يوم السبت العاشر من المحرم قائماً بين الركن والمقام، جبرئيل(عليه السلام) عن يمينه ينادي: البيعة لله، فتصير إليه شيعته من أطراف الأرض تطوى لهم طيّاً حتى يبايعوه، فيملأ الله الأرض عدلا كما مُلئت جوراً وظلماً...»([30]).

ثالثاً : الإمام المهدي وزيارة قبر جدّه الحسين(عليه السلام):

نلاحظ الإمام المهدي(عليه السلام) يقوم بنفسه لزيارة قبر جدّه الحسين(عليه السلام)، ممّا يكشف عن عمق التلاحم بين الإمامين(عليهما السلام)، وهذا المعنى نلمسه في زيارة الناحية، حيث يقول الإمام المهدي(عليه السلام): «السلام عليك يامولاي وعلى الملائكة المرفرفين حول قبّتك، الحافّين بتربتك، الطائفين بعرصتك، الواردين لزيارتك، السلام عليك فإنّي قصدت إليك...»([31]).

رابعاً : الإمام المهدي(عليه السلام) يتقرب إلى الله تعالى بمحبّة الحسين(عليه السلام):

وهذه مفرده اُخرى تكشف عن عمق التلاحم بين الإمام المهدي وجدّه(عليهما السلام)، حيث يقول الإمام المهدي(عليه السلام) مخاطباً جدّه الحسين(عليه السلام) في زيارته: «ورجوت الفوز لديك، السلام عليك سلام العارف لحرمتك، المخلص لوليّك، المتقرّب إلى الله بمحبّتك، الباريء من أعدائك...»([32]).

خامساً : الندب والبكاء:

كذلك ممّا يكشف عن عمق العلاقة بين الإمام المهدي وجدّه الحسين(عليهما السلام) هو بكاؤه وندبه لجدّه الحسين(عليه السلام)، كما يتّضح في زيارته له حيث يقول:

«سلام مَن قلبه بمصابك مقروح، ودمه عند ذكرك مسفوح، سلام المفجوع المحزون، الواله المستكين...»([33]).

ومما ينبغي الإشارة إليه هو أننا بقولنا بوجود الرابطة والعلاقة بين الإمام المهدي وجدّه الحسين(عليهما السلام) لا نعني عدم وجود رابط بين بقية الأئمة(عليهم السلام)، بل هم مسيرتهم واحدة وهدفهم واحد، وهو المحافظة على الرسالة الإسلامية من التردّي والسقوط، إلاّ أنّهم(عليهم السلام) لم تتهيّأ لهم الظروف المناسبة للقيام بالثورة، كما هو الحال بالنسبة للإمام الحسين والإمام المهدي(عليهما السلام).

أثر إقامة المجالس الحسينية في عصر الغيبة:

فقد اتّضح ممّا سبق ما تحمله تلك المجالس بين طيّاتها من أهداف كبيرة، حيث تعتبر الشعائر الحسينية ـ بمختلف أشكالها ـ من أخصب السبل للتوعية الجماهيرية، ويحتلّ المنبر الحسيني من بين الشعائر موقعاً في الصدارة; لما يمتاز به من دور كبير في بثّ الروح الحسينية من وعي وصمود أمام السلطات الظالمة.

ويمكن إجمال أهمية ودور الشعائر الحسينية وأثرها على الفرد والمجتمع فيما يلي :

1 ـ نشر الثقافة والوعي الإسلاميين، وتعتبر من أهمّ السبل في هذا المجال; لذا كان هذا التأكيد الواسع من قِبَل أهل البيت(عليهم السلام) على إقامة هذه الشعائر والمآتم الحسينية، وكذلك حرص العُلماء الأبرار على الاستمرار في إدامة هذه الشعائر، اُنظر إلى الإمام الخميني(قدس سره) بهذا الصدد حيث يقول: «قد تمتد أيدي السوء، وتنفث السموم، من أجل تقليل الاهتمام بالشؤون التربوية أو برامج الإصلاح، وتعييب على ذوي المقام العلمي أن يمارسوا القيام بدور التوجيه والإرشاد...

ألم تعلموا أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) كان صاحب منبر، وعلى المنابر كان ينصح الناس ويحذّرهم ويبشّرهم ويعمل على توجيههم، وعلى ذلك سار باقي أئمتنا بمقدار ما سمحت به الظروف([34])؟!.

2 ـ تساهم الشعائر الحسينية في تأجيج حالة أخذ الثأر والانتقام من الظالمين، وهذه بدورها تمنح المؤمنين القوّة على الصمود والمواجهة، ومن ثمّ تزيدهم إخلاصاً وتجربةً; ممّا تجعلهم مؤهّلين للقيام بتحمّل بعض مسؤوليات اليوم الموعود.

3 ـ تمتاز الشعائر الحسينية بخصوصية مهمة اُخرى، وهي: أنّها تخاطب المشاعر والأحاسيس التي يفهمها الصغار والكبار والواعون والأقل وعياً ، على عكس الأفكار ، فالإنسان المتحضّر والبدوي والمجتمع الواعي والمتخلّف كلّها تشترك في فهم هذه اللغة ـ لغة المشاعر ـ وإن كانت تختلف في نوع المشاعر وطريقة التعبير عنها، وهذا بدوره يساهم في نشر الوعي بصورة أكثر في أوساط واسعة من المجتمع، فضلا عمّا يحدثه عند الأطفال والناشئة ـ بشكل خاصٍّ ـ وغيرهم حالة الإحساس المعمّق بضرورة نصرة المظلوم، وبذلك تساهم في تعميق الصلة والعلاقة بأهل البيت(عليهم السلام).

4 ـ من خلال الاجتماعات والتجمعات التي تنعقد لأجل هذه الشعائر تتحقق العلاقات بين أفراد المجتمع وتنمو، وهذا بنفسه عمل محبوب لأهل البيت(عليهم السلام); لما فيه إحياء للدين في ما يتناولونه في أحاديثهم من أبحاث دينية أو علمية، تبعاً لنوعية الحاضرين والموضوع الذي يتناوله الخطيب.

5 ـ وفي البعد السياسي فإنّ الشعائر الحسينية لها دور عظيم في هذا البعد; لما تحدثه من وعي لخلفية ثورة الإمام الحسين(عليه السلام)، وتفهيم أهدافها التي من أهمها الإصلاح، كما قال الإمام الحسين(عليه السلام) «إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في ُمّة جدي ...» وبهذا فقد أصبح شعار الإصلاح له دور كبير في المجتمع.

6 ـ من خلال المجالس الحسينية يتمّ التعريف بقيام الإمام المهدي(عليه السلام)وما يقوم به من أعمال إصلاحية دنيوية واُخروية...، وهذا الأمر يعدّ من أقوى أسباب الاستعداد والتهيّؤ لظهور الإمام.

7 ـ وعلى صعيد البُعد الروحي والأخلاقي فإنّ للشعائر الحسينية دوراً مهمّاً في شدّ عواطف ومشاعر الإنسان المؤمن بأهل البيت(عليهم السلام)، لما تتضمّنه هذه الشعائر من جانب مهمّ يرقّق القلب ويوقظ الضمير، ألا وهو البكاء ، وهذه هي فلسفة البُكاء على الحسين وأهل بيته(عليهم السلام) فضلا عمّا تتضمّنه من الأجر الإلهيّ والثواب الكبير.

 

إشكال ودفع:

قد يطرأ في ذهن البعض سؤال عن المسوّغ والمجوّز الشرعي لإقامة الشعائر الحسينية والمآتم على سيّد الشهداء كلّ عامّ؟

فنقول بشأن معالجة هذا الالتباس الذي يقع به البعض: إنّ القرآن الكريم أضاء هذه المسألة بأروع بيان، كاشفاً عن الأهداف التي تكتنزها من هذه الشعائر، والمهمة ذاتها ينهض بها النصّ الروائي.

ولكي لا نخرج عن البحث الأساس سوف نستعرض جملةً من الآيات القرآنية، التي استعرضت ظلامات المظلومين في التأريخ ابتداءً من هابيل إلى بقية الأنبياء والرسل ورواد الصلاح والعدالة، وكذا الجماعات المصلحة التي قاومت الفساد والظلم، كأصحاب الأخدود، بل حتى الأطفال الذين راحوا ضحية سنن وتقاليدَ جاهلية كالموؤدة، بل رثى القرآن الكريم ناقة صالح لمكانتها، ولم يقتصر القرآن على الرثاء والندبة فقط، بل تخطّى هذه المرحلة الى الأخذ بالتنديد بالظلمة والوعيد لهم بالعذاب والانتقام، ومن أبرز القصص التي يستعرضها القرآن هي:

أولاً: قصة قابيل وفضاعة جريمته بقتله أخيه بقوله: (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِط يَدِيَ إِلَيْكَ لاََقْتُلَكَ.... فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الخَاسِرِينَ)([35]).

ثانياً: قصة يوسف ويعقوب، حيث يطالعنا القرآن الكريم بتفصيل الأحداث التي جرت عليهما بقوله: (لَقَدْ كَانَ في يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ)([36]). ويبدأ سرد القصة وعرض ظلامة يوسف منذ نعومة أظفاره بقوله: ( فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ) يجعل القارئ يعيش أجواء المأساة وكأنّها تتجسّد أمامه.

ثالثاً: قصة أصحاب الاُخدود، حيث استعرضت سورة البروج تفاصيل هذه القصة بعد أن أخذت بالخوض في رسم وتصوير أحداثها باُسلوب رثائي حزين، كما في قوله تعالى: (وَالسَّماءِ   ذَاتِ الْـبُـرُوجِ * وَالْيَـوْمِ الْمَـوْعُودِ * وَشَاهِد وَمَشْهُود * قُـتِـلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ)([37]) . وهذا التصوير بمثابة قول الراثي: «قتل الحسين عطشاً». ثم أخذت في تصوير ما جرى عليهم من تفاصيل مؤلمة تثير العواطف والأحاسيس، كما في قوله تعالى: (النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ)، وهو بيان صورة شدة حرارة النار التي اُضرمت لإحراقهم، وهذا يعكس قمة البشاعة والجريمة عند الظالمين.

ثم يتابع القرآن الكريم تفاصيل الحدث بقوله: (إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ)، وهي صورة أخرى من الصور المؤلمة التي أعدّها الظالمون لإرهاب المؤمنين وممارسة الضغط عليهم، ولا يخفى ما في ذلك من بيان لصلابة وشدة مقاومة المؤمنين مع ما يمارسونه تجاههم من عذاب.

رابعاً: قصة قتل الأنبياء، حيث استنكر القرآن الكريم وندّد بقتلهم في تسعة مواقع تقرياً، منها: (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)([38])، وكذا في قوله تعالى: (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ)([39])، وفي مواقع اُخرى كما في سورة آل عمران: (...كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الاَْنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ...)([40]).

(لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ)([41]).

(وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)([42]).

(وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)([43]).

وهكذا نجد القرآن الكريم يستنكر ويندّد بقتل روّاد الإصلاح الإلهي في البشرية: (َيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَاب أَلِيم)([44]).

خامساً: ما في سورة التكوير ( وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنب قُتِلَتْ)([45])، ففي هذا المقطع يتجسّد عمق وشدة الندبة القرآنية للمولودة المظلومة التي تقتل في زمن الجاهلية بنتيجة السنن الجاهلية الظالمة.

وينعكس هذا التصوير المؤلم للندبة والرثاء من خلال كيفية الجناية بدفن الوليدة وهي حيّة في التراب مع تلك الطفولة البريئة.

سادساً: تسلّي القرآن الكريم للشهداء في سبيل الله تعالى، كما في قوله: (وَلاَ تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَ تَشْعُرُونَ)([46]).

سابعاً: تصوير القرآن الكريم وندبه لضحايا ظلم واستكبار فرعون وهامان في الأرض، كما في قوله تعالى: (يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَ هُمْ وَيَسْتَحْيي نِسَاءَهُمْ)([47]) وكذا قوله: (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ)([48]).

ثامناً: رثاء القرآن الكريم لناقة صالح التي هي دابة وآية إلهية، حيث صور جريمة ثمود ومرتكب الجريمة الذي وصفه بالأشقى وبين حرمة الناقة باضافتها إلى ذاته المقدسة، وصوّر عملية العقر التي قام بها المعتدي باُسلوب رثائي مؤلم، كما في قوله تعالى : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَـرُوهَا فَدَمْـدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّـهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلاَ يَخَافُ عُقْـبَاهَا)([49]).

وفي ضوء ما سلف يتحصل أنّ القرآن الكريم عبر هذه القصص الهادفة يلفت النظر إلى وجود سنّة إلهية عامة، وهي تربية المسلمين والمؤمنين على التضامن مع المظلومين والنفرة والتنديد بالظالمين عبر التاريخ، ويربّيهم على  عدم التقاعس واللامبالاة بذريعة أنّ هذه الأحداث والوقائع أصبحت تأريخاً بل يدعو إلى التضامن والوقوف في صف كل مظلوم من أول تاريخ البشرية إلى آخرها.

إذن هذه الآيات القرآنية تعكس المناخ الذي يهدف إليه القرآن الكريم من أجل اتخاذ الموقف المناسب إزاء كلّ ظالم وطاغوت، وأن لا يكتفي المسلم بمجرد الأحاسيس والعواطف الباردة تجاه المظلومين، وإنّما يحثّها على النفور من الظالم والتنديد به وإن كان قد وقع في غابر التاريخ.

 

البكاء على الحسين حقيقة كونيه:

لقد وردت روايات متظافرة في كتب الفريقين بالنسبة إلى بكاء السماء والأرض على الإمام الحسين(عليه السلام)، حيث أشارت إلى مطر السماء دماً واحمرارها مدة مديدة ورؤية لون الدم على الجدران وتحت الصخور والاحجار في المدن والبلاد الإسلامية.

مضافاً إلى إطراء القرآن للمؤمنين الذين يبكون خوفاً وخشيةً من الله تعالى ورغبةً للقائه والتقرب إليه زلفى وكذلك مدحه للتأثر العاطفي كما في قوله تعالى: (وَإِذَا  سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)([50]). وغيرها من الآيات التي تشاركها في هذا المعنى وكذلك حث النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)المسلمين على البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام)([51])، وقد احصى العلاّمة الأميني في كتابه «سيرتنا وسنتنا» ما يقارب العشرين مأتماً أقامها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) على الإمام الحسين(عليه السلام) جاء بأسانيد عديدة من كتب صحاح وحديث أهل السنّة.

ولا نطيل في هذا المقام، لأنّه يُخرجنا عن بحثنا الأصلي، ولذا نكتفي بذكر بعض المصادر من كتب العامة([52]).

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] ـ نهج البلاغة : 203 ، الخطبة (108) .

[2] ـ العنكبوت : 69 .

[3] ـ الحجّ : 40 .

[4] ـ آل عمران : 110 .

[5] ـ فصلت : 33 .

[6] ـ النحل : 125 .

[7] ـ الخصال: 318 ح43، عنه بحار الأنوار : 2/28/8 .

[8] ـ عيون الحكم والمواعظ: 494، غرر الحكم: ح 9884 .

[9] ـ الاحتجاج : 1/6 .

[10] ـ الاحتجاج : 1/11 .

[11] ـ السُها: كويكب صغير خَفي الضوء في بنات النعش الكبرى. لسان العرب: 14/408 (مادة سها).

[12] ـ الاحتجاج: 1/11.

[13] ـ الاحتجاج : 1/14 .

[14] ـ الاحتجاج : 1/17 .

[15] ـ الاحتجاج : 1/17 .

[16] ـ الاحتجاج : 1/18 .

[17] ـ الاحتجاج: 1/20 .

[18] ـ بحار الأنوار : 65/143/ 89، عن فضائل الشيعة: 144 .

[19] ـ الحديد : 21 .

[20] ـ اُصول الكافي : 2/187/4 .

[21] ـ المزار الكبير: 501/9، عنه بحار الأنوار: 98/238/38.

[22] ـ المزار الكبير: 506/9، عنه بحار الأنوار: 98/241/38.

[23] ـ المزار الكبير: 501، عنه البحار: 98/239 ضمن ح38.

[24] ـ إعلام الورى للطبرسي : 2/231، كمال الدين: 317 ح2.

[25] ـ إعلام الورى للطبرسي : 2/230،كمال الدين: 317 ضمن ح1.

[26] ـ الاسراء: 33.

[27] ـ الكافي : 8/255/364 .

[28] ـ علل الشرائع : 1/129/1.

[29] ـ البحار : 52/308/82، عن منتخب الانوار المضيئة: 347.

[30] ـ الإرشاد : 2/379، الفصول المهمة: 302، اعلام الورى: 2/286، غيبة الطوسي: 452 ح458 وص453 ح459، عنه البحار: 52/290 ح29 و30 .

[31] ـ المزار الكبير: 500/9، عنه بحار الأنوار: 98/238/38.

[32] ـ نفس التخريجة السابقة.

[33] ـ نفس المصدر السابق .

[34] ـ من كتاب جهاد النفس للإمام الخميني :  20 .

[35] ـ المائدة: 28 ـ 30.

[36] ـ يوسف: 7.

[37] ـ البروج: 1 ـ 4.

[38] ـ البقرة: 91.

[39] ـ البقرة: 61.

[40] ـ آل عمران: 112.

[41] ـ المائدة: 70.

[42] ـ المائدة: 81.

[43] ـ المائدة: 83.

[44] ـ آل عمران: 21.

[45] ـ التكوير: 8 ـ 9.

[46] ـ البقرة: 154.

[47] ـ القصص: 4.

[48] ـ البقرة: 49، إبراهيم: 6.

[49] ـ الشمس: 11 ـ 15.

[50] ـ المائدة: 83.

[51] ـ راجع: المستدرك على الصحيحين: 1/381، سنن النسائي: 4/10، مسند أحمد: 3/333، تذكرة الخواصّ: 240، السيرة الحلبية: 3/247.

[52] ـ أ ـ مأتم الميلاد أخرجه البيهقي والخوارزمي ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى، وابن عساكر في ترجمة الحسين السبط(عليه السلام) في تاريخ دمشق.

                ب ـ مأتم الرضوعة أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/176، والبيهقي في دلائل النبوة، وابن عساكر في تاريخه والخوارزمي 1/158، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة: 2/760 و761، وابن حجر في الصواعق ص115.

                ج ـ مأتم رأس السنة أخرجه الخوارزمي في مقتل الإمام السبط.

                د ـ مأتم في بيت السيدة اُم سلمة أم المؤمنين بنعي جبرائيل، أخرجه الطبراني في المعجم الكبير والهيثمي في المجمع: 9/189 وابن عساكر في تاريخه.

                هـ ـ مأتم آخر في بيت اُم سلمة بنعي جبرئيل أخرجه الطبراني في المعجم الكبير في ترجمة الإمام الحسين السبط، وابن عساكر في تاريخه، ومحبّ الدين الطبري في ذخائر العقبى.

                و ـ مأتم آخر في بيت اُم سلمة بنعي ملك المطر، أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده: 3/242، والطبراني في ج1 لدى ترجمة الحسين السبط.

                ز ـ مأتم في بيت عائشة بنعي جبرئيل، أخرجه ابن البرقي والطبراني في ترجمة الإمام الحسين (عليه السلام)، والهيثمي في مجمع الزوائد، والسيوطي في الخصائص.

                ح ـ مأتم في بيت اُم سلمة، أخرجه ابن عساكر في تاريخه، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة: 2/761.

                ط ـ مأتم في بيت السيدة زينب بنت جحش اُم المؤمنين أخرجه الحافظ أو يعلي في مسنده والمتقي الهندي في كنز العمال: 6/223 وابن عساكر في تاريخه.

                وهناك مآتم آخر، راجع مجمع الزوائد: 9/188، كنز العمال: 6/223، والمستدرك: 4/398، والمصنف ومسند أحمد: 6/294، ونحوها.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page