طباعة

الدعاء الثاني و الثلاثون من أدعية الصحيفة بَعْدَ الْفَراغِ مِنْ صَلوةِ اللَّيْلِ لِنَفْسِهِ فِي الاِْعْتِرافِ بِالذَّنْبِ

وَكانَ مِنْ دُعائِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ بَعْدَ الْفَراغِ مِنْ صَلوةِ اللَّيْلِ لِنَفْسِهِ فِي الاِْعْتِرافِ بِالذَّنْبِ
أَللّهُمَّ يا ذَا الْمُلْكِ الْمُتَأَبِّدِ بِالْخُلُـودِ، وَالسُّلْطانِ الْمُمْتَنِعِ بِغَيْرِ جُنُود وَلا أَعْوان، وَالْعِزِّ الْباقي عَلى مَرِّ الدُّهُورِ، وَخَوالِي الاَْعْوامِ وَمَواضِي الاَْزْمانِ وَالاَْيّامِ، عَزَّ سُلْطانُكَ عِزّاً لا حَدَّ لَهُ بِأَوَّلِيَّة، وَلا مُنْتَهى لَهُ بِآخِرِيَّة، وَاسْتَعْلى مُلْكُكَ عُلُوّاً سَقَطَتِ الاَْشْياءُ دُونَ بُلُوغِ أَمَدِهِ، وَلا يَبْلُغُ أَدْنى مَا اسْتَأْثَرْتَ بِهِ مِنْ ذلِكَ أَقْصى نَعْتِ النّاعِتينَ. ضَلَّتْ فيكَ الصِّفاتُ، وَتَفَسَّخَتْ دُونَكَ النُّعُوتُ، وَحارَتْ في كِبْرِيائِكَ لَطائِفُ الاَْوْهامِ. كَذلِكَ أَنْتَ اللّهُ الاَْوَّلُ في أَوَّلِيَّتِكَ، وَعلى ذلِكَ أَنْتَ دائِمٌ لا تَزُولُ، وَأَنَا الْعَبْدُ الضَّعيفُ عَمَلاً، الْجَسِيمُ أَمَلاً، خَرَجَتْ مِنْ يَدي أَسْبابُ الْوُصُلاتِ إِلاّ ما وَصَلَهُ رَحْمَتُكَ، وَتَقَطَّعَتْ عَنّي عِصَمُ الاْمالِ إِلاّ ما أَنَا مُعْتَصِمٌ بِهِ مِنْ عَفْوِكَ، قَلَّ عِنْدي ما أَعْتَدُّ بِهِ مِنْ طاعَتِكَ، وَكَثُرَ عَلَىَّ ما أَبُوءُ بِهِ مِنْ مَعْصِيَتِكَ،
وَلَنْ يَضيقَ عَلَيْكَ عَفْوٌ عَنْ عَبْدِكَ وَإِنْ أَساءَ، فَاعْفُ عَنّي.
أَللّهُمَّ وَقَدْ أَشْرَفَ عَلى خَفايَا الاَْعْمالِ عِلْمُكَ، وَانْكَشَفَ كُلُّ مَسْتُور دُونَ خُبْرِكَ، وَلا تَنْطَوي عَنْكَ دَقائِقُ الاُْمُورِ، وَلا تَعْزُبُ عَنْكَ غَيّباتُ السَّرائِرِ، وَقَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَىَّ عَدُوُّكَ الَّذِي اسْتَنْظَرَكَ لِغَوايَتي فَأَنْظَرْتَهُ، وَاسْتَمْهَلَكَ إِلى يَوْمِ الدّينِ لاِِضْلالي فَأَمْهَلْتَهُ، فَأَوْقَعَني، وَ قَدْ هَرَبْتُ إِلَيْكَ مِنْ صَغائِرِ ذُنُوب مُوبِقَة، وَكَبائِرِ أَعْمال مُرْدِيَة، حَتّى إِذا قَارَفْتُ مَعْصِيَتَكَ، وَاسْتَوْجَبْتُ بِسُوءِ سَعْيي سَخْطَتَكَ، فَتَلَ عَنّي عِذارَ غَدْرِهِ، وَتَلَقّاني بِكَلِمَةِ كُفْرِهِ، وَتَوَلَّى الْبَراءَةَ مِنّي، وَأَدْبَرَ مُوَلِّياً عَنّي، فَأَصْحَرَني لِغَضَبِكَ فَريداً، وَأَخْرَجَني إِلى فِناءِ نَقِمَتِكَ طَريداً، لا شَفيعٌ يَشْفَعُ لي إِلَيْكِ، وَلا خَفيرٌ يُؤْمِنُني عَلَيْكَ، وَلا حِصْنٌ يَحْجُبُني عَنْكَ، وَلا مَلاذٌ أَلْجَأُ إِلَيْهِ مِنْكَ. فَهذا مَقامُ الْعائِذِ بِكَ، وَمَحَلُّ الْمُعْتَرِفِ لَكَ، فَلا يَضيقَنَّ عَنّي فَضْلُكَ، وَلا يَقْصُرَنَّ دُوني عَفْوُكَ، وَلا أَكُنْ أَخْيَبَ عِبادِكَ التّائِبينَ، وَلا أَقْنَطَ وُفُودِكَ الاْمِلينَ، وَاغْفِرْ لي إِنَّكَ خَيْرُ الْغافِرينَ.
أَللّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَني فَتَرَكْتُ، وَنَهَيْتَني فَرَكِبْتُ، وَسَوَّلَ لِىَ الْخَطاءَ خاطِرُ السُّوءِ فَفَرَّطْتُ، وَلا أَسْتَشْهِدُ عَلى صِيامي
نَهاراً، وَلا أَسْتَجيرُ بِتَهَجُّدي لَيْلاً، وَلا تُثْني عَلَىَّ بِإِحْيائِها سُنَّةٌ، حاشا فُرُوضِكَ الَّتي مَنْ ضَيَّعَها هَلَكَ، وَلَسْتُ أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِفَضْلِ نافِلَة مَعَ كَثيرِ ما أَغْفَلْتُ مِنْ وَظائِفِ فُرُوضِكَ، وَتَعَدَّيْتُ عَنْ مَقاماتِ حُدُودِكَ إِلى حُرُمات انْتَهَكْتُها، وَكَبائِرِ ذُنُوب اجْتَرَحْتُها، كانَتْ عافِيَتُكَ لي مِنْ فَضائِحِها سِتْراً. وَهذا مَـقامُ مَنِ اسْتَحْيا لِنَفْسِهِ مِنْكَ، وَسَخِطَ عَلَيْها، وَرَضِىَ عَنْكَ، فَتَلَقّاكَ بِنَفْس خاشِعَة، وَرَقَبَة خاضِعَة، وَظَهْر مُثْقَل مِنَ الخَطايا، واقِفاً بَيْنَ الرَّغْبَةِ إِلَيْكَ وَالرَّهْبَةِ مِنْكَ، وَأَنْتَ أَوْلى مَنْ رَجاهُ، وَأَحَقُّ مَنْ خَشِيَهُ وَاتَّقاهُ، فَأَعْطِني يا رَبِّ مارَجَوْتُ، وَآمِنّي ما حَذرْتُ، وَعُدْ عَلَىَّ بِعائِدَةِ رَحْمَتِكَ، إِنَّكَ أَكْرَمُ الْمَسْؤولينَ.
أَللّهُمَّ وَإِذْ سَتَرْتَني بِعَفْوِكَ، وَتَغَمَّدْتَني بِفَضْلِكَ في دارِ الْفَناءِ بِحَضْرَةِ الاَْكْفاءِ، فَأَجِرْني مِنْ فَضيحاتِ دارِ الْبَقاءِ، عِنْدَ مَواقِفِ الاَْشْهادِ مِنَ الْمَلائِكَةِ الْمُقَرَّبينَ، وَالرُّسُلِ الْمُكَرَّمينَ، وَالشُّهَداءِ وَالصّالحِينَ، مِنْ جار كُنْتُ أُكاتِمُهُ سَيِّئاتي، وَمِنْ ذي رَحِم كُنْتُ أَحْتَشِمُ مِنْهُ في سَريراتي، لَمْ أَثِقْ بِهِمْ رَبِّ فِي السِّتْرِ عَلَىَّ،
وَوَثِقْت بِكَ رَبِّ فِي الْمَغْفِرَةِ لي، وَأَنْتَ أَوْلى مَنْ وُثِقَ بِهِ، وَأَعْطى مَنْ رُغِبَ إِلَيْهِ، وَأَرْأَفُ مَنِ اسْتُرْحِمَ، فَارْحَمْني.
أَللّهُمَّ وَأَنْتَ حَدَرْتَني ماءً مَهيناً، مِنْ صُلْب مُتَضائِقِ الْعِظامِ، حَرِجِ الْمَسالِكِ، إِلى رَحِم ضَيّقَة، سَتَرْتَها بِالْحُجُبِ، تُصَرِّفُني حالاً عَنْ حال، حَتَّى انْتَهَيْتَ بي إِلى تَمامِ الصُّورَةِ، وَأَثْبَتَّ فِىَّ الْجَوارِحَ، كَما نَعَتَّ في كِتابكَ: نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً ثُمَّ عِظْاماً ثُمَّ كَسَوْتَ الْعِظامَ لَحْماً، ثُمَّ أَنْشَأْتَني خَلْقاً آخَرَ كَما شِئْتَ.
حَتّى إِذَا احْتَجْتُ إِلى رِزْقِكَ، وَلَمْ أَسْتَغْنِ عَنْ غِياثِ فَضْلِكَ، جَعَلْتَ لي قُوتاً مِنْ فَضْلِ طَعام وَشَراب أَجْرَيْتَهُ لاَِمَتِكَ الَّتي أَسْكَنْتَني جَوْفَهَا، وَأَوْدَعْتَني قَرارَ رَحِمِها.
وَلَوْ تَكِلْني يا رَبِّ في تِلْكَ الْحالاتِ إِلى حَوْلي، أَوْ تَضْطَرُّني إِلى قُوَّتي، لَكانَ الْحَوْلُ عَنّي مُعْتَزِلاً، وَلَكانَتِ القُوَّةُ مِنّي بَعيدَةً، فَغَذَوْتَني بِفَضْلِكَ غِذاءَ الْبَرِّ اللَّطيفِ، تَفْعَلُ ذلِكَ بي تَطَوُّلاً عَلَىَّ إِلى غايَتي هذِه، لا أَعْدَمُ بِرَّكَ، وَلا يُبْطِئُ بي حُسْنُ صَنيعِكَ، وَلا تَتَأَكَّدُ مَع ذلِكَ ثِقَتي، فَأَتَفَرَّغَ
لِما هُوَ أَحْظى لي عِنْدَكَ. قَدْ مَلَكَ الشَّيْطانُ عِناني في سُوءِ الظَّنِّ وَضَعْفِ الْيَقينِ، فَأَنا أَشْكُو سُوءَ مُجاوَرَتِهِ لي، وَطاعَةَ نَفْسي لَهُ، وَأَسْتَعْصِمُكَ مِنْ مَلَكَتِهِ، وَأَتَضَرَّعُ إِلَيْكَ في صَرْفِ كَيْدِهِ عَنّي.
وَأَسْأَلُكَ في أَنْ تُسَهِّلَ إِلى رِزْقي سَبيلاً. فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى ابْتِدائِكَ بِالنِّعَمِ الْجِسامِ، وَإِلْهامِكَ الشُّكْرَ عَلَى الاِْحْسانِ وَالاِْنْعامِ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَسَهِّلْ عَلَىَّ رِزْقي، وَأَنْ تُقْنِعَني بِتَقْديرِكَ لِي، وَأَنْ تُرْضِيَني بِحِصَّتي فيما قَسَمْتَ لي، وَأَنْ تَجْعَلَ ما ذَهَبَ مِنْ جِسْمي وَعُمْري في سَبيلِ طاعَتِكَ، إِنَّكَ خَيْرُ الرَّازِقينَ.
أَللّهُمَّ إِنّي أعُوذُ بِكَ مِنْ نار تَغَلَّظْتَ بِها عَلى مَنْ عَصاكَ، وَتَوَعَّدْتَ بِها مَنْ صَدَفَ عَنْ رِضاكَ، وَمِنْ نار نُورُها ظُلْمَةٌ، وَهَيِّنُها أَليمٌ، وَبَعيدُها قَريبٌ، وَمِنْ نار يَأْكُلُ بَعْضَها بَعْضٌ، وَيَصُولُ بَعْضُها عَلى بَعْض، وَمِنْ نار تَذَرُ الْعِظامَ رَميماً، وَتَسْقي أَهْلَها حَميماً، وَمِنْ نار لاتُبْقي عَلى مَنْ تَضَرَّعَ إِلَيْها، وَلا تَرْحَمُ مَنِ اسْتَعْطَفَها، وَلا تَقْدِرُعَلَى التَّخْفيفِ عَمَّنْ خَشَعَ لَها وَاسْتَسْلَمَ إِلَيْها، تَلْقى سُكّانَها بِأَحَرِّ ما لَدَيْها، مِنْ أَلِيمِ النَّكالِ وَشَديدِ
الْوَبالِ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَقارِبِهَا الْفاغِرَةِ أَفْواهَها، وَحَيّاتِها الصّالِقَةِ بِأَنْيابِها، وَشَرابِها الَّذي يُقَطِّعُ أَمْعاءَ وَأَفْئِدَةَ سُكّانِها، وَيَنْزِعُ قُلُوبَهُمْ، وَأَسْتَهْديكَ لِما باعَدَ مِنْها، وَأَخَّرَ عَنْها.
أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَأَجِرْني مِنْها بِفَضْلِ رَحْمَتِكَ، وَ أَقِلْني عَثَراتي بِحُسْنِ إِقالَتِكَ، وَلا تَخْذُلْني يا خَيْرَ الْمُجيرينَ.
إِنَّكَ تَقِي الْكَريهَةَ، وتُعْطِي الْحَسَنَةَ، وَتَفْعَلُ ماتُريدُ، وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَىْء قَديرٌ.
أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ إِذا ذُكِرَ الاَْبْرارُ، وَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ، صَلاةً لا يَنْقَطِعُ مَدَدُها، وَلا يُحْصى عَدَدُها، صَلاةً تَشْحَنُ الْهَواءَ، وَتَمْلاَُ الاْرْضَ وَالسَّماءَ، صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ حَتّى يَرضى، وَصَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بَعْدَ الرِّضا، صَلاةً لا حَدَّ لَها وَلا مُنْتَهى، يا أَرْحَمَ الرّاحِمينَ.