طباعة

سورة مريم : اُقصوصة إسماعيل (عليه السلام)

 قالَ اللّه تعالى:

﴿وَ اذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَ كَانَ رَسُولا نَبِيّاً

﴿وَ كَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَ الزَّكَاةِ وَ كَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً

﴿وَ اذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً وَ رَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً

بهاتين الحكايتين عن شخصيتي إسماعيل و إدريس ينتهي العنصر القصصي الذي استُهلَّت به سورة «مريم» و استغرقت تسع أقاصيص: زكريا ، يحيى ، مريم ، عيسى ، إبراهيم ، إسحاق و يعقوب ، موسى ، إسماعيل ، إدريس ... حيث كانت أقاصيص زكريا و مريم و ابنيهما تحومان على موضوع الإنجاب ، و حيث كانت سائر الأقاصيص تحوم على موضوعات اُخرى ، إلاّ أنّها جميعاً تحمل طابعاً مشتركاً من جانب و تستقل من جانب آخر.

و يعنينا الآن أن نقف مع اُقصوصتي أو حكايتي إسماعيل و إدريس.

أمّا اُقصوصة إسماعيل فقد ارتبطت بعمارة النص في جملة من الخطوط: ذكره في الكتاب ، نبوّته ، رسالته ، حيث تشكّل هذه جميعاً الخطوط العامة لأبطال القصص ، و منها الرسم الأخير الذي ختمت به اُقصوصته و نعني به:

﴿وَ كَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَ الزَّكَاةِ وَ كَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً

إنّ هذه الخاتمة القصصية لشخصيّة إسماعيل ـ و نحن نتحدّث عن الهيكل الهندسي للسورة و أقاصيصها ـ ترتبط عضوياً أولا: بأهمّ سمة استُهلَّت بها السورة حيث طلب زكريا (عليه السلام) ذرّيّة مرضية عند اللّه:

﴿وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً

و ها هو إسماعيل يرسمه النص بهذه السمة:

﴿وَ كَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرضِيّاً

ثانياً: سبق أن لحظنا أنّ عيسى (عليه السلام) كان قد أوضح خلال تكلّمه في المهد إلى أنّ
اللّه تعالى رفده بجملة من التوصيات ، منها:

﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً

و ها هو إسماعيل يرسمه اللّه بذات السمة ، إلاّ أنّ ذلك من خلال توصيته لأهله:

﴿وَ كَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَ الزَّكَاةِ

و السرّ الفنّي لأن تجيء التوصية بهما الصلاة و الزكاة إلى الأهل أنّ توصية عيسى تتضمّن ـ بنحو غير مباشر ـ التوصية بهما لجميع شخوص المصطفين ، و أمّا توصية إسماعيل فتتضمّن دلالة اُخرى ، هي توصيل هذه التوصية إلى الأهل ، نظراً لخطورتها من جانب ، و كونها تعبيراً عن مسؤولية الأولياء أو القوّامين حيال اُسرهم.

هنا ينبغي أن نلحظ بأنّ الاُقصوصة طرحت سمة خاصة أفردتها في رسم إسماعيل (عليه السلام) و وسمته بأنّه صادق الوعد .

﴿وَ اذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ

إنّ تخصيصه بهذه السمة يعني أنّ النص يستهدف التشدّد على أهمية صدق الوعد في يدان السلوك بصفة أنّ الصدق بشكل عام تعبيرٌ عن صدق الشخصية في تعاملها مع اللّه ، كما أنّ الكذب على الآخرين يعني كذب التعامل مع اللّه تعالى.

من هنا جاءت التوصيات الإسلامية القائلة بأنّ الكذب أشدّ أنماط السلوك شذوذاً ، من نحو ما ورد من أنّ: شرّ الشرّ هو تناول المُسكر و إلى أنّ الكذب أشدّ شرّاً.

و من أنّ المؤمن قد يمارس أنماطاً من الذنوب إلاّ أنّه لا يكذب.

و أمّا من حيث صلته بــ الوعد ، فإنّ ذلك قد ربطته بعض التوصيات الإسلامية بسمة النفاق الذي يعدّ قمة الشذوذ في السلوك ، بصفته إظهاراً مضاداً لما تستبطنه الشخصية من النوايا.

المهم من الوجهة الفنّية يظلّ طرح مفهوم الصدق في الوعد في سياق سمات عامّة طبعت كلّ أقاصيص السورة تعبيراً عن أهمية هذا النمط من السلوك.