طباعة

منع المشركين من بناء المساجد

(ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد اللّه شاهدين على أنفسهم بالكفر اولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون * انما يعمر مساجد اللّه من آمن باللّه واليوم الاخر واقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلاّ اللّه فعسى اولئك ان يكونوا من المهتدين)([34]) .
قال بعض المفسرين في سبب نزول الاية ، ان الاية الاولى نزلت في شأن سدنة الكعبة بني عبد الدار الذين حاولوا البقاء في منصبهم بالرغم من أنهم لم يؤمنوا بالدين الحق([35]) .
وقال آخرون : إنها نزلت في العباس بن عبد المطلب قبل اسلامه حينما كان يعدد مفاخره في عمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج يوم بدر بعد ان عاتبه المسلمون على كفره([36]) .
على أية حال ، فان الاية تبين حكماً كلياً ، مفاده أنه لا يمكن للمشركين المعارضين للاسلام المبادرة باعمار مساجد اللّه ، وانما هي مسؤولية المؤمنين باللّه ورسوله .
بالنسبة للاية الثانية ، يعتقد بعض المفسرين ان المراد بالاعمار ليس التعمير الحسي والظاهري فحسب ، بل تدل ايضاً على الاعمار المعنوي بالحضور في المساجد والصلاة فيها وممارسة الاعمال النافعة الاخرى داخلها ، كما قال الميبدي : عمارة المسجد دخوله والقعود فيه ، وقيل : عمارته رفع بنائه واصلاح ما استلزم منه ، وقيل : عمارته التعبد فيه والصلاة والطواف([37]) .
وقال الزمخشري في تفسير هذه الكلمة : والعمارة تتناول رَمّ ما استرم منها وقمّها وتنظيفها وتنويرها بالمصابيح وتعظيمها واعتيادها للعبادة والذكر ، ومن الذكر درس العلم بل هو اجلّه واعظمه ، وصيانتها مما لم تبن له المساجد من أحاديث الدنيا([38]) .
ثم أورد الزمخشري رواية عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) فيها دلالة على الاعمار المعنوي ، جاء في جانب منها : « ان بيوتي في الارض المساجد ، وان زواري فيها عمارها ...»([39]) . وفي رواية اخرى عن النبي(صلى الله عليه وآله) وردت في ذيل هذه الاية فسرت العمارة بالحضور المتتابع في المساجد : « إذا رأيتم الرجل يعتاد على المسجد أو يتعاهد المسجد فاشهدوا عليه بالايمان »([40]) .
إذن ، فالعمارة هنا هي بشقيها الظاهري والباطني ، وعليه فان من يسعى إلى تأسيس المساجد وعمارتها هم المؤمنون باللّه واليوم الاخر والمقيمو الصلاة والمؤتو الزكاة الذين لا يخشون إلاّ اللّه .

____________________
([34]) التوبة : 17 ـ 18.
([35]) كشف الاسرار 4 : 102 .
([36]) تفسيرالرازي 5:140.
([37]) كشف الاسرار 4 : 103 .
([38])الزمخشري،الكشاف6:
179،دار المعرفة بيروت.
([39]) الكشاف 2 : 179 .
([40]) محمد رشيد رضا،المنار
1:214، دار المعرفة بيروت.