• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

« أهل السنة » ومحق السنة

نريد في هذا الفصل توضيح شيء مهم لا غنى للباحث أن يتعمق فيه ، ليكشف بدون لبس بأن الذين يتسمون « بأهل السنة » ليس لهم في الحقيقة من سنة النبي شيء يذكر .
وذلك لأنهم ، أو بالأحرى لأن أسلافهم من الصحابة والخلفاء الراشدين عندهم الذين يقتدون بهم ويتقربون إلى الله بحبهم وولائهم قد وفقوا من السنة النبوية موقفاً سلبياً إلى درجة أنهم أحرقوها ومنعوا من كتابتها والتحدث بها (1) .
وإضافة لما سبق توضحيه ، لابد لنا من كشف الستار عن تلك المؤامرة الخسيسة التي حبكت ضد السنة النبوية المطهرة لمنع انتشارها والقضاء عليها في المهد ، وإبدالها ببدع الحكام واجتهاداتهم وآراء الصحابة وتأويلاتهم .
وقد عمل الحكام الأولون :
أولاً : على وضع الأحاديث المكذوبة التي تؤيد مذهبهم في منع الكتاب لعموم السنة النبوية والأحاديث الشريفة .
فها هو الإمام مسلم يخرج في صحيحه ، عن هداب بن خالد الأزدي عن همام عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :  « لا تكتبوا عني ، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه ، وحدثوا عني ولا حرج … »  (2) .
والغرض من وضع هذا الكتاب هو تبرير ما فعله أبو بكر وعمر تجاه الأحاديث النبوية التي كتبها بعض الصحابة ودونوها ، وقد وضع هذا الحديث في زمن متأخر عن الخلفاء الراشدين ، وغفل الوضاعون الكاذبون عن الأمور التالية :
أ : لو قال هذا الحديث صاحب الرسالة لامتثل أمره الصحابة الذين كتبوا عنه ولمحوه قبل أن يتولى أبو بكر وعمر حرقها بعد سنوات عديدة من وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
ب : لو كان هذا الحديث صحيحاً لاستدل به أبو بكر أولا ، ثم عمر ثانيا ، لتبرير منعهما كتابة الأحاديث ومحوها ، ولاعتذر أولئك الصحابة الذين كتبوها إما جهلاً وإما نسياناً .
ت : لو كان هذا الحديث صحيحاً لوجب على أبي بكر وعلى عمر أن يمحوا الأحاديث محواً لا يحرقاها حرقاً .
ث : لو صح هذا الحديث فالمسلمون من عهد عمر بن عبد العزيز الى يوم الناس هذا كلهم آثمون لأنهم خالفوا نهي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعلى رأسهم عمر بن عبد العزيز الذي أمر العلماء في عهده بتدوين الأحاديث وكتابتها ، والبخاري ومسلم اللذان يصححان هذا الحديث ثم بعصيانه ويكتبان ألوف الأحاديث عن النبي .
ج : وأخيراً لو صح هذا الحديث لما غاب عن باب مدينة العلم علي بن أبي طالب الذي جمع أحاديث النبي في صحيفة طولها سبعون ذراعاً ويسميها الجامعة ( وسيأتي الكلام عنها لاحقاً بحول الله ) .
ثانياً : عمل الحكام الأمويون على التأكيد بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير معصوم عن الخطأ وهو كغيره من البشر الذين يخطئون ويصيبون ، ويروون في ذلك عدة أحاديث . والغرض من وضع تلك الأحاديث هو التأكيد على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يجتهد برأيه فكان كثراً ما يخطئ مما حدا ببعض الصحابة أن يصوب رأيه ، كما جاء ذلك في قضية تأبير النخل ونزول آية الحجاب ، والاستغفار للمنافقين ، وقبول الفدية من اسرى بدر ، وغير ذلك مما يدعيه « أهل السنة والجماعة » في صحاحهم وما يعتقدونه في صاحب الرسالة ( عليه وآله أفضل الصلاة وأزكى السلام ) .
ونحن نقول لأهل السنة والجماعة :
إذا كان هذا هو ديدنكم وهذا هو اعتقادكم في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكيف تدعون التمسك بسنته ، وسنته عندكم وعند أسلافكم غير معصومة ، بل غير معلومة ولا مكتوبة ؟ (3)
على أننا نرد على هذه المزاعم والأكاذيب وندجضها من نفس كتبكم وصحاحكم (4) .
فهذا الإمام البخاري يخرج في صحيحه من كتاب العلم وفي باب كتابة العلم ، عن أبي هريرة قال : ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحد أكثر حديثاً عنه مني ، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب (5) .
ويستفاد من هذه الرواية بأن هناك من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كان يكتب أحاديثه ، وإذا كان أبو هريرة يروي أكثر من ستة آلاف حديث عن النبي شفاهياً فإن عبد الله بن عمرو بن العاص فاق هذا العدد كتابياً ولذلك اعترف أبو هريرة بأن عبد الله بن عمرو أكثر منه أحاديث عن النبي لأنه كان يكتب ولا شك بأن هناك في الصحابة كثيرين ممن كانوا يكتبون عن النبي أحاديثه ولم يذكرهم أبو هريرة لعدم اشتهارهم بكثرة الرواية عنه صلى الله عليه وآله وسلم .
وإذا أضفنا إلى هؤلاء الإمام علي بن أبي طالب الذي كان ينشر من فوق المنبر صحيفة يسميها الجامعة ، جمع فيها كل ما يحتاجه الناس من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد توارثها الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) وكثراً ما تحدثوا عنها .
فقد قال الإمام جعفر الصادق :
« إن عندنا لصحيفة طولها سبعون ذراعاً ، إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط علي بيده ، ما من حلال ولا حرام وما من شيء يحتاج إليه الناس وليس قضية إلا وهي فيها حتى أرش الخدش » (*) .
وقد أشار البخاري نفسه في صحيحه إلى هذه الصحيفة التي كانت عند علي في عدة أبواب من كتابه ، ولكنه وكما عودنا البخاري فإنه أبتر الكثير من خصائصها ومضمونها .
قال البخاري في باب كتابة العلم :
« عن الشعبي عن أبي جحيفة قال : قلت لعلي هل عندكم كتاب ؟
قال : لا إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجلاً مسلماً أو ما في هذه الصحيفة.
قال : قلت : وما في هذه الصحيفة ؟
قال : العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر » (**) .
كما جاء في صحيح البخاري في موضع آخر قوله :
« عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي قال : ما عندنا شيء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم » (***) .
كما جاء في موضع آخر من صحيح البخاري قوله :  عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال : خطبنا علي فقال : « ما عندنا كتاب نقرأه إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة » (6)  .
وينقل البخاري في باب آخر من صحيحه قوله :
عن علي ( رضي الله عنه ) قال : « ما كتبنا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا القرآن وما في هذه الصحيفة » (7) .
كما أخرج البخاري في موضع آخر من صحيحه قوله :
عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال : خطبنا علي ( رضي الله عنه ) على منبر من أجر وعليه سيف فيه صحيفة معلقة ، فقال : « والله ما عندنا كتاب يقرأ إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة » (8) .
ولم ينقل البخاري ما قاله الإمام جعفر الصادق من أن الصحيفة تسمى الجامعة لأنها جمعت كل حلال وكل حرام ، وفيها كل ما يحتاجه الناس حتى أرش الخدش بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط علي بن أبي طالب . فاختصرها بقوله مرة : بأن فيها العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر ، ومرة أخرى بقوله : فنشرها علي فإذا فيها أسنان الإبل ، وإذا فيها المدينة حرم … وإذا فيها ذمة المسلمين واحدة … وإذا فيها من والى قوماً بغير إذن مواليه ..
إنه التزوير والتعتيم على الحقائق ، وإلا هل يعقل أن يكتب علي هذه الكلمات الأربعة في صحيفة ويعلقها على سيفه وتلازمه عندما يخطب من فوق المنبر ويجعل منها المرجع الثاني بعد كتاب الله فيقول للناس : ما كتبنا عن النبي إلا القرآن وما في هذه الصحيفة ؟ ؟ !
وهل كان عقل أبي هريرة أكبر من عقل علي بن أبي طالب إذ كان يحفظ عن رسول الله مائة ألف حديث من غير كتابة ؟
عجيب والله أمر هؤلاء الذين يقبلون مائة ألف حديث عن أبي هريرة الذي لم يصحب النبي إلا ثلاث سنوات وكان يجهل القراءة والكتابة ويزعمون بأن عليا باب مدينة العلم الذي تعلم منه الصحابة شتى العلوم والمعارف ، كان يحمل صحيفة فيها أربعة أحاديث ظلت تلازمه من حياة الرسول إلى ايام خلافته فيصعد بها على المنبر وهي معلقة على سيفه ؟ كبرت كلمة تخرج من أقواههم إن يقولون إلا كذباً .
على أن في ما أخرجه البخاري كفاية للباحثين والعقلاء ، وذلك عندما ذكر بأن فيها العقل ، فهو دليل بأن في الصحيفة أشياء كثيرة تخص العقل البشري والفكر الإسلامي .
ونحن لا نريد إقامة الدليل على ما في الصحيفة ، فأهل مكة أدرى بشعابها وأهل البيت أدرى بما فيه وقد قالوا بأن فيها كل ما يحتاجه الناس من حلال وحرام حتى أرش الخدش .
ولكن الذي يهمنا في هذا البحث هو أن الصحابة كانوا يكتبون أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقول أبي هريرة بأن عبد الله بن عمرو كان يكتب أحاديث النبي ، وقول علي بن أبي طالب : ما كتبنا عن رسول الله إلا القرآن وما في هذه الصحيفة ، كما جاء في صحيح البخاري ، هو دليل قاطع على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم ينه عن كتابة أحاديثه أبداً ،بل العكس هو الصحيح ، وأن الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه « لا تكبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه » هو حديث مكذوب وضعه أنصار الخلفاء لتأييد وتبرير ما فعله أبو بكر وعمر وعثمان من حرق الأحاديث النبوية ومنع السنة من الانتشار . ومما يزيدنا يقينا بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم ينه عن كتابة الأحاديث عنه بل إنه أمر بها ، هو ما قاله الإمام علي أقرب الناس للنبي : « ما كتبنا عنه غير القرآن وما في هذه الصحيفة » والذي صححه البخاري .
وإذا أضفنا إلى هذا قول الإمام جعفر الصادق بأن الصحيفة الجامعة هي من إملاء رسول الله وخط علي فمعناه أن النبي أمر علياً بالكتابة .
وحتى لا يبقى عندك شك أيها القارئ العزيز ، أزيدك ما يلي :
أخرج الحاكم في مستدركه وأبو داود في صحيحه والإمام أحمد في مسنده والدارمي في سننه ، أخرجوا كلهم حديثاً مهماً جداً بخصوص عبد الله بن عمرو الذي ذكره أبو هريرة بأنه كان يكتب عن النبي :
قال عبد الله بن عمرو : كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله ( ص)، فنهتني قريش وقالوا : تكتب كل شيء سمعته من رسول الله وهو بشر يتكلم في الغضب والرضا ؟
قال عبد الله : فأمسكت عن الكتابة ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأومأ إلى فيه وقال : « أكتب فو الذي نفسي بيده ما خرج منه إلا الحق (9) .
ونلاحظ من خلال هذا الحديث بأن عبد الله بن عمرو كان يكتب كل ما يسمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم ينهه النبي عن ذلك وإنما وقع النهي من قريش ، ولم يرد عبد الله التصريح بأسماء الذين نهوه عن الكتابة لأن في نهيهم طعن على رسول الله ، كما لا يخفى فأبهم القول بأنهم قريش ، والمقصود بقريش زعماؤها من المهاجرين وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمان بن عوف وأبو عبيدة وطلحة والزبير ومن سار على رأيهم .
كما نلاحظ بأن نهيهم لعبد الله كان في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا ما يؤكد عمق المؤامرة وخطورتها .
وإلا لماذا يعمد هؤلاء لنهي عبد الله عن الكتابة بدون الرجوع إلى النبي نفسه ؟
كما يفهم أيضاً من قولهم له : إن رسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا ، أن عقيدتهم في النبي كانت هزيلة إلى درجة أنهم يشكون فيه بأنه يقول باطلاً ويحكم ظلماً خصوصاً في حالة الغضب ، وما قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما ذكر له عبد اله بن عمرو نهي قريش وما قالوه في شأنه فقال صلى الله عليه وآله وسلم :  « أكتب فو الذي نفسي بيده ما خرج منه إلا الحق » ـ إشارة إلى فمه ـ لدليل آخر على علم الرسول بشكهم في عدالته ، وأنهم يجوزون عليه الخطأ وقول الباطل فأقسم بالله بأنه لا يخرج من فمه إلا الحق .
وهذا هو التفسير الصحيح لما جاء في قوله سبحانه وتعالى :
«وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى» (النجم : 3 ـ 4 ).
وأنه صلى الله عليه وآله وسلم معصوم عن الخطأ وقول الباطل وبهذا فإننا نجزم بأن كل الأحاديث والروايات التي وضعت في زمن الأمويين والتي يستفاد منها بأنه غير معصوم لا يصح شيء منها ، كما أن الحديث المذكور يشعرنا بأن تأثيرهم على عبد الله بن عمرو كان كبيراً حتى أمسك عن الكتابة كما صرح هو بنفسه إذ قال : « فأمسكت عن الكتابة » وبقي على ذلك إلى أن جاءت مناسبة تدخل فيها رسول الله بنفسه لإزالة الشكوك التي تثار حول عصمته وعدالته ، وكانت كثراً ما تشار حتى بمحضره صلى الله عليه وآله وسلم كقولهم له صراحة : أأنت نبي الله حقاً ؟ (10) أو : أنت الذي تزعم أنك نبي (11) ، أو والله ما قصد بهذه القسمة وجه الله (12) .
أو كقول عائشة للنبي : إن ربك يسارع في هواك (13) أو قولها له : أقصد إلى غير ذلك من العبارات النابية التي تعرب عن شكهم في عصمته واعتقادهم بأنه يحيف ويظلم ويخطئ ويكذب والعياذ بالله .
فكان صلى الله عليه وآله وسلم صاحب الخلق العظيم رؤوفاً رحيماً كثيراً ما يزيح تلك الشبهات بقوله مرة : ما أنا إلا عبد مأمور ، ومرة يقول : والله إني لأبر لله وأتقى ، وأخرى يقول : والذي نفسي بيده ما خرج منه إلا الحق ، وكثيراً ما كان يقول : رحم الله أخي موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر .
فلم تكن هذه الكلمات النابية التي تطعن في عصمته وتشكك في نبوته
صادرة عن أناس متروكين أو عن المنافقين ، ولكنها مع الأسف صدرت عن عظماء الصحابة وعن أم المؤمنين والذين هم عند « أهل السنة والجماعة » قدوة وأسوة حسنة فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
ومما يزيدنا يقينا بأن حديث « لا تكتبوا عني » هو حديث موضوع لا أساس له من الصحة ولم ينطق به رسول الله إطلاقاً ، أن أبا بكر نفسه كان يكتب عن رسول الله بعض الأحاديث التي جمعها في عهد النبي ، ثم بعد ما تولى الخلافة بدا له أن يحرقها لأمر قد لا يخفى على الباحثين .
فها هي اينته عائشة تقول : جمع أبي الحديث عن رسول اله فكانت خمسمائة حديث فبات يتقلب ، فقلت : يتقلب لشكوى أو لشيء بلغه ، فلما أصبح قال : أي بنية هلمي بالأحاديث التي عندك ، فجئته بها فأحرقها (14) .
وهذا عمر بن الخطاب أيضاً في خلافته يخطب يوماً في الناس قائلاً : ( لا يبقين أحد عنده كتاباً إلا أتاني به فأرى فيه رأيي » فظنوا أنه يريد النظر فيها ليقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف ، فأتوه يكتبهم فأحرقها بالنار (15) .
كما بعث في الأمصار يأمرهم : من كان عنده شيء فليمحه (16) . فهذا أكبر دليل على أن الصحابة عامة سواء منهم المقيمين في المدينة أو في بقية الأمصار الإسلامية الأخرى كلهم عندهم كتب جمعوا فيها الأحاديث النبوية التي كتبوها على عهده صلى الله عليه وآله وسلم فأحرقت كلها بفعل أبي بكر أولا ثم عمر ثانياً ومحيت بقية الكتب التي في الأمصار بأمر عمر في خلافته (17) .
وعلى هذا فلا يمكن لنا ولا لأي عاقل أن يصدق بأن رسول الله نهاهم عن كتابة الحديث بعدما عرفنا بأن أكثر الصحابة كانت عندهم كتب للأحاديث وخصوصاً الصحيفة التي كانت تلازم الإمام علي وطولها سبعون ذراعاً ويسميها الجامعة لأنها جمعت كل شيء .
وبما أن السلطة الحاكمة والسياسة السائدة ، اقتضت مصالحها محو السنة وحرقها وعدم التحدث بها ، فإن الصحابة المؤيدين لتلك الخلافة امتثلوا الأوامر ونفذوها ، فلم يبق لهم ولا لأتباعهم من التابعين سوى الاجتهاد بالرأي ، أو الاقتداء بسنة أبي بكر وسنة عمر وسنة عثمان وسنة معاوية وسنة يزيد وسنة مروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك وسنة سليمان بن عبد الملك إلى أن جاء عمر بن عبد العزيز فطلب من أبي بكر الحزمي أن يكتب له ما كان من حديث رسول الله أو سنته أو حديث عمر بن الخطاب (18) .
وهكذا يتبين لنا أنه حتى في الظروف التي سمحت بتدوين السنة وبعد مرور مائة سنة على طمسها ومنعها ، نرى الحاكم الأموي المعتدل والذي ألحقه «أهل السنة » بالخلفاء الراشدين ، يأمر بجمع سنة رسول الله وسنة عمر بن الخطاب ، وكأن عمر بن الخطاب شريك محمد في رسالته ونبوته .
ولماذا لم يطلب عمر بن عبد العزيز من أئمة أهل البيت الذين عاصرهم أن يعطوه نسخة من الصحيفة الجامعة ، ولماذا لم يكلفهم هم بجمع الأحاديث النبوية فهم أعلم بحديث جدهم من غيرهم ؟ ؟
فالمحققون والباحثون يعرفون سر ذلك .
وهل يحصل الاطمئنان إلى تلك الأحاديث التي جمعها « أهل السنة والجماعة» من بني أمية وأعوانهم الذين يمثلون خلافة قريش وقد عرفنا حقيقة قريش وعقيدتها في رسول الله وسنته المطهرة ؟
ويبقى واضحاً بعد هذا بأن السلطة الحاكمة وعلى مر عصور الخلافة ، عملت بالاجتهاد والقياس ومشاورة بعضهم .
وبما أن السلطة قد أقصت الإمام علياً عن مسرح الحياة وأهملته فلم يكن لها عليه من سلطان لحرق ما كتبه في عهد الرسالة بإملاء النبي نفسه .
وبقي علي بن أبي طالب يحتفظ بتلك الصحيفة التي جمع فيها كل ما يحتاجه الناس حتى أرش الخدش ، ولما تولى الخلافة كان يعلقها على سيفه ويصعد على المنبر ليخطب في الناس ويعرفهم بأهميتها .
وقد تواترت الأخبار عن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) بأنهم توارثوا تلك الصحيفة أبا عن جد وكابرا عن كابر ، وكانوا يفتون بها في المسائل التي يحتاجها معاصروهم ممن اقتدوا بهديهم .
ولذلك كان الإمام جعفر الصادق والإمام الرضا وغيرهم من الأئمة يرددون دائماً نفس الكلام بخصوصها ويقولون : « إننا لا نفتي الناس بآرائنا ، إنا لو كنا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنا من الهالكين ، ولكنها آثار من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أهل علم نتوارثها كابراً عن كابر ، نكتنزها كما يكتنز الناس ذهبهم وفضتهم » (19) .
وقال جعفر الصادق مرة أخرى .
حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدي ، وحديث جدي حديث الحسين ، وحديث الحسين حديث الحسن ، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين ، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله ، وحديث رسول الله هو قول الله ( عز وجل ) (20) .
وبكل هذا يصبح حديث الثقلين المتواتر : تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً (21) ، هو الحق الذي ليس بعده إلا الضلال ، وتصبح السنة النبوية ، الصحيحة ليس لها من حافظ وراع وقيم غير الأئمة الأطهار من آل بيت المصطفى المختار .
كما يستنتج من هذا أن شيعة أهل البيت الذين تمسكوا بالعترة هم أهل السنة النبوية ، وأن « أهل السنة والجماعة » مدعون ما ليس لهم ، ولا تقوم دعواهم على حجة ولا دليل .
ـ والحمد لله الذي هدانا لهذا ـ .


_____________
(1) يراجع في هذا الصدد كتاب « فاسألوا أهل الذكر » من صفحة 200 وما بعدها .
(2) صحيح مسلم ج 8 ، ص 229 كتاب الزهد والرقائق باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم .
(3) لأن تدوين السنة النبوية تأخر إلى زمن عمر بن عبد العزيز أو بعده ، أما الخلفاء والحكام الذين حكموا قبله فقد أحرقوها ومنعوا من كتابتها والتحدث بها .
(4) الغريب أن أهل السنة كثراً ما يروون الحديث ونقيضه في نفس الكتاب ، والأغرب من ذلك أنهم كثيراً ما يعملون بما هو مكذوب ويهملون ما هو صحيح .
(5) صحيح البخاري ج 1 ص 36 باب كتابة العلم .
(6) صحيح البخاري ج 4 ، ص 67 وصحيح مسلم ج 4 ص 115 .
(7) صحيح البخاري ج 4 ص 69 .
(8) صحيح البخاري ج 8 ص 144 .
(9) مستدرك الحاكم ج 1 ص 105 .
(*) سنن أبي داود ج2 ص126.
(*) سنن الدارمي ج1 ص125.
(*) مسند الإمام أحمد بن حنبل ج2 ص162.
(10) قاله عمر بن الخطاب في صلح الحديبية أخرجه البخاري ج 2 ص 122 .
(11) قالته عائشة بنت أبي بكر للنبي كتاب إحياء العلوم للغزالي ج 2 ص 29 .
(12) قاله صحابي من الأنصار للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخرجه البخاري ج 4 ص 47 .
(13) صحيح البخاري ج 6 ص 24 وكذلك في صفحة 128 من الجزء السادس .
(14) كنز العمال ج 5 ص 237 ، وابن كثير في البداية والنهاية ، وتذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 5 .
(15) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 5 ص 188 والخطيب البغدادي في تقييد العلم .
(16) جامع بيان العلم لابن عبد البر .
(17) انظر رعاك الله إلى هذا العمل الشنيع الذي فعله الخلفاء أبو بكر وعمر تجاه السنة النبوية ، والخسارة العظمى التي لا تقدر والتي تسببا فيها للأمة الإسلامية التي كانت في أشد الحاجة للأحاديث النبوية لفهم القرآن وفهم أحكام الله تعالى ، وإنها لعمري أحاديث صحيحة لأنهم كتبوها عنه مباشرة وبدون واسطة ، أما الأحاديث التي جمعت في ما بعد أغلبها أحاديث موضوعة ، لأن الفتنة وقعت وقتل المسلمون بعضهم ، وكتبت بأمر الحكام الجائرين .
(18) موطأ الإمام مالك ج1 ص5.
(19) معالم المدرستين للعلامة العسكري ج 2 ص 302 .
(20) أصول الكافي ج 1 ص 53 .
(21) صحيح مسلم ج 5 ص 122 . صحيح الترمذي ج 5 ص 637 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page