• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

إختبار الحاكم العباسي لعلماء عصره

كان الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور من الدهاة الكبار وقد عرف كيف يستولي على عقول الناس ويشتري ضمائرهم ، وقد عمل على بسط نفوذه وتوسيع دائرة ملكه بوسائل الترغيب والترهيب .
كما عرفنا مكره ودهاءه من خلال تعامله مع مالك بعد ما ضربه والي المدينة ، مما يدلنا على الصلة الوثيقة التي تربطه بالإمام مالك قبل تلك الواقعة بزمن طويل .
فقد كان لمالك لقاء مع المنصور قبل هذا اللقاء الذي ذكرناه بخمسة عشر عاماً وذلك إبان استيلاء المنصور على الخلافة (1) . وقال المنصور لمالك فيما قال : « يا أبا عبد الله إني رأيت رؤيا ! » فقال مالك : يوفق الله أمير المؤمنين إلى الصواب من الرأي ويلهمه الرشاد من القول ، فما رأى أمير المؤمنين ؟
فقال أبو جعفر : رأيت أني أجلسك في هذا البيت ، فتكون من عمار بيت الله الحرام ، وأحمل الناس على علمك ، وأعهد إلى أهل الأمصار يوفدون إليك وفودهم ، ويرسلون إليك رسلهم في أيام حجهم لتحملهم من أمر دينهم على الصواب والحق إن شاء الله ، وإنما العلم علم أهل المدينة ، وأنت أعلمهم … (2)  .
يقول ابن قتيبة لما ولي أوب جعفر المنصور الخلافة جمع مالك بن أنس وابن أبي ذؤيب وابن سمعان في مجلس واحد وسألهم : أي الرجال أنا عندكم ؟ أمن أئمة العدل أم من أئمة الجور ؟
قال مالك ، فقلت : يا أمير المؤمنين أنا متوسل إليك بالله تعالى وأتشفع إليك بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وقرابتك منه ، إلا ما أعفيتني من الكلام في هذا . قال : قد أعفاك أمير المؤمنين .
أما ابن سمعان فقال له : أنت والله خير الرجال يا أمير المؤمنين ، تحج بيت الله الحرام ، وتجاهد العدو ، وتؤمن السبل ، ويأمن الضعيف بك أن يأكله القوي ، وبك قوام الدين ، فأنت خير الرجال وأعدل الأئمة .
أما ابن أبي ذؤيب فقال له : أنت والله عندي شر الرجال استأثرت بمال الله ورسوله ، وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين ، وأهلكت الضعيف ، وأتعبت القوي ، وأمسكت أموالهم ، فما حجتك غداً بين يدي الله ؟
فقال له أبو جعفر : ويحك ما تقول ؟ أتعقل ؟ أنظر ما أمامك ؟
قال : نعم قد رأيت أسيافاً ، وإنما هو الموت ، ولابد منه عاجله خير من آجله .
وبعد هذه المحاورة طرد المنصور ابن أبي ذؤاب وابن سمعان ، واختل بمالك وحده وأمنه وقال له :
يا أبا عبد الله انصرف إلى مصرك راشداً مهدياً ، وإن أحببت ما عندنا ، فنحن لا نؤثر عليك أحداً ولا تعدل بك مخلوقاً .
قال : ثم بعث أبو جعفر المنصور من الغد لكل واحد منهم صرة فيها خمسة آلاف دينار مع أحد شرطته وقال له :  تدفع لكل رجل منهم صرة ، أما مالك بن أنس إن أخذها فبسبيله ، وإن ردها فلا جناح عليه فيما فعل .
وأما ابن أبي ذؤيب فائتني برأسه إن أخذها ، وإن ردها عليك ، فبسبيله لا جناح عليه .
وإن يكن ابن سمعان ردها فأنت برأسه ، وإن أخذها فهي عافيته .
قال مالك : فنهض بها إلى القوم ، فأما ابن سمعان فأخذها فسلم ، وأما ابن أبي ذؤيب فردها فسلم ، وأما أنا فكنت والله محتاجاً إليها فأخذتها (3) .
ونلاحظ من هذه القصة بأن مالكاً يعرف جور الخليفة وظلمه ، ولكنه وللعلاقة الودية التي كانت بينه وبين المنصور فقد ناشده بمحمد وقرابته منه .
وهذا ما كان يعجب الحكام العباسيين ويهمهم في ذلك العصر ، وهو أن يعظمهم الناس ويمجدونهم بقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولذلك فهم الخليفة قصد مالك فأعجبه ذلك وأعفاه من الكلام .
أما الثاني وهو ابن سمعان فقد أطراه بما ليس فيه مخافة القتل إذ كان السياف واقفاً ينتظر إشارة الخليفة .
أما الثالث وهو ابن أبي ذؤيب فكان شجاعاً ، لا يخشى في الله لومة لائم وكان مؤمناً مخلصاً وصادقاً ناصحاً لله ولرسوله ولعامة المسلمين ، فجابهه بحقيقة أمره وكشف عن زيفه ومغالطته ، وعندما هدده بالقتل رحب به ولم يخف منه .
ولذلك نرى أن الخليفة امتحن الرجلين بالأموال الطائلة ، وأعفى الإمام مالكاً من ذلك الامتحان ، فهو سالم في الحالتين إن أخذها أو ردها .
أما ابن أبي ذؤيب فيقطع رأسه إن أخذها وكذلك ابن سمعان بقطع رأسه إن ردها .
ولما كان أبو جعفر المنصور داهية عظمى تراه عمل على رفع مكانة مالك وفرض مذهبه ، وقضى على مذهب ابن أبي ذؤيب بالرغم من أن ابن أبي ذؤيب كان أعلم من مالك وأفضل منه كما اعترف بذلك الإمام أحمد بن حنبل (4)  .
كما أن ليث بن سعد كان أفقه من مالك ، كما اعترف بذلك الإمام الشافعي (5) .
والحقيقة في ذلك العصر أن الإمام جعفر الصادق كان أفضل وأعلم وأفقه منهم جميعاً وقد اعترفوا كلهم بذلك (6) ، وهل يتجرأ أحد من الأمة أن يباريه في علم أو في عمل ، في فضل أو في شرف ، وجده علي بن أبي طالب هو أفضل وأعلم وأفقه من الخلق كلهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟
ولكن السياسة هي التي ترفع قوماً وتضع آخرين والمال هو الذي يقدم قوماً ويؤخر آخرين .
والذي يهمنا في هذا البحث هو أن نبين بالأدلة الواضحة والحجج الدامغة بأن المذاهب الأربعة لـ « أهل السنة والجماعة » هي مذاهب ابتدعتها السياسة وفرضتها على الناس بوسائل الترهيب والترغيب والدعابة ، فالناس على دين ملوكهم .
ومن أراد مزيداً من البيان والتحقيق فعليه بقراءة كتاب « الإمام الصادق والمذاهب الأربعة » للشيخ أسد حيدر ( رحمه الله ) وهناك سيعرف ما حضي به الإمام مالك من الجاه والسلطان حتى أن الإمام الشافعي كان يتوسل بوالي المدينة كي يدخل على مالك فيقول له الوالي : « أفضل المشي راجلاً من المدينة إلى مكة أهون علي من الوقوف على باب مالك ، لأني لا أشعر بالذلة إلا عند الوقوف على بابه » .
وهذا أحمد أمين المصري يقول في كتابه ظهر الإسلام : « كان للحكومات دخل كبير في نصرة مذهب أهل السنة ، والحكومات عادة إذا كانت قوية وأيدت مذهبا من المذاهب تبعه الناس بالتقليد ، وظل سندا إلى أن تداول الدولة » (7)  .
ونحن نقول بأن مذهب الإمام جعفر الصادق وهو مذهب أهل البيت إذا جاز لنا تسميته بالمذهب جرياً على عادة المسلمين وإلا فإنه الإسلام الصحيح الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لم يؤيده أي حاكم ولم تعترف به أية سلطنة ، بل عمل كل الحكام على إسقاطه والقضاء عليه وتنفير الناس منه بشتى الوسائل .
فإذا شق تلك الظلمات الحالكة وكان له أتباع وأنصار عبر القرون الظالمة فذلك من فضل الله تعالى على المسلمين ، لأن نور الله لا تطفئه الأفواه ، ولا تقضي عليه السيوف ولا تبطله الدعايات الكاذبة والإشاعات المغرضة لئلا يكون للناس على الله حجة أو يقولوا إنا كنا عن هذا غافلين .
والذين اقتدوا بأئمة الهدى من العترة الطاهرة ، كانوا ثلة قليلة يعدون على الأصابع بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وتكاثروا على مر التاريخ والعصور لأن الشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، وما كان لله دام واتصل .
وقد حاولت قريش القضاء على محمد في بداية الدعوة ، ولما عجزت عن ذلك بفضل الله وفضل أبي طالب وعلي اللذين كانا يفديانه بنفسيهما سلت قريش نفسها بأن محمداً أبتر ليس له عقب إذا مات انقطع نسله وانتهى أمره ، فصبروا على مضض .
ولكن رب العالمين أعطاه الكوثر وأصبح محمد جد الحسنين وبشر المؤمنين بأنهما إمامان إن قاما وإن قعدا ، وبأن الأئمة كلهم من ذرية الحسين ، وهذا كله يهدد مصالح قريش ومستقبلها .
وهذا لم يعجب قريش فثارت ثائرتها بعد وفاة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وحاولت القضاء على عترته كلها فأحاطوا بيت فاطمة بالحطب ولولا استسلام علي وتضحيته بحقه في الخلافة ومسالمته لهم ، لقضي عليهم ، وانتهى أمر الإسلام من ذلك اليوم .
وسكتت قريش وهدأ روعها ما دامت هي الحاكمة وليس في نسل محمد من يهدد مصالحها ، وبمجرد ما رجعت الخلافة لعلي اشعلت قريش ضده الحروب الطاحنة ولم تهدأ حتى قضت عليه وأرجعت الخلافة إلى أخبث بطن من بطونها فأصبحت ملكية قيصرية يعهد بها الآباء إلى أبنائهم ، وعندما رفض الحسين مبايعة يزيد قريش هبت قريش عند ذلك وثارت ثورتها العارمة للقضاء نهائياً على العترة النبوية وكل شيء اسمه نسل محمد بن عبد الله .
فكانت مذبجة كريلاء والتي قتلوا فيها ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما في ذلك الصبيان والرضع وأرادوا اجتثاث شجرة النبوة بكل فروعها ، ولكن الله سبحانه وتعالى أنجز وعده لمحمد فأنقذ علي بن الحسين وأخرج من صلبه بقية الأئمة وملئت الأرض بنسله شرقاً ومغرباً ، وكان الكوثر .
فما من بلد ولا قرية ولا بقعة من الأرض إلا لنسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها وجود وأثر وعند الناس لهم فيها احترام ومودة .
وها نحن اليوم وبعد كل المحاولات التي باءت بالفشل ، أصبح عدد نفوس الشيعة الجعفرية وحدهم يبلغ 250 مليون مسلم في العالم كلهم يقلدون الأئمة الاثني عشر من عترة النبي ويتقربون إلى الله بمودتهم وموالاتهم ويرجون شفاعة جدهم .
ولن تجد مثل هذا العدد في أي مذهب من المذاهب الأخرى إذا أخذنا كل مذهب على انفراد رغم تأييد الحكام وقرضهم .
«ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين» ( الانفال : 30 ) .
ألم يأمر فرعون بذبح كل مولود من الذكور في بني اسرائيل عندما أخبره المنجمون بأن مولوداً في الإسرائيليين يهدد بزوال ملكه ؟ ولكن خير الماكرين أنفذ موسى من مكر فرعون وأوصله حتى تربى في حجر فرعون نفسه وقوض ملكه وأهلك حزبه وكان أمر الله مفعولاً .
ألم يعمل معاوية ( فرعون زمانه ) على لعن علي وقتله وقتل أولاده وشيعته ؟ ألم يحرم أن يذكره ذاكر بفضيلة ؟ ألم يحاول بكل مكره على إطفاء نور الله وإرجاع الأمر إلى الجاهلية ؟ ولكن خير الماكرين رفع ذكر علي رغم أنف معاوية وحزبه وأصبح ذكر علي يلهج به المسلمون سنة وشيعة بل حتى النصارى واليهود ، وأصبح قبر علي مزاراً بعد قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يطوف حول ضريحه ملايين المسلمين يذرفون الدموع ويتقربون إلى الله به وتعلو مقامه قية ومآذن ذهبية شامخة في السماء تأخذ بالأبصار .
بينما خمد ذكر معاوية الأمبراطور الذي ملك الأرض وعاث فيها فساداً فهل تجد له ركزاً ؟ أم تجد له مزاراً يذكر غير مقبرة مظلمة ومهملة ؟ فإن للباطل جولة وللحق دولة فاعتبروا يا أولي الألباب .
والحمد لله على هدايته ، الحمد لله الذي عرفنا بأن الشيعة هم على سنة الرسول فهم أهل السنة النبوية لأنهم اقتدوا بأهل البيت ، وأهل البيت أدرى بما فيه ، وهم الذين اصطفاهم الله وأورثهم علم الكتاب .
كما عرفنا بأن « أهل السنة والجماعة » قد اتبعوا بدع الحكام من السلف والخلف كما أنهم لا حجة لهم فيما يدعونه .


_______________________
(1) يذكر ابن قتيبة في تاريخ الخلفاء ج 2 ص 150 بأن اللقاء الأول كان في سنة 148 للهجرة أما اللقاء الثاني الذي كان في موسم الحج فهو في سنة 163 للهجرة .
ونحن نقول بأن مالكاً كان دائم اللقاء بالخليفة وإنما ذكر ابن قتيبة هذين اللقاءين لأن مالكاً رواهما بنفسه ولأن فيهما أموراً مهمة ، فليس من المعقول أن يجتمع الخليفة مع مفتي الدولة مرة كل خمسة عشر عامً !
(2) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج 2 ص 142 .
(3) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج 2 ص 144 .
(4) تذكرة الحفاظ ج 1 ص 176 .
(5) مناقب الشافعي ص 524 .
(6) قد مر عليك قول مالك : ما رأت عين ولا سمعت أنذ ولا خطر على قلب بشر أفقه من جعفر بن محمد الصادق .
(7) كتاب ظهر الإسلام ج 4 ص 96 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page