• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

رد معاوية علي محمد بن أبي بكر

من معاوية بن صخر إلي الرازي على أبيه محمى بن أبي بكر.
سلام علي أهل طاعة الله.
أما بعد.
فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في عظمته و قدرته و سلطانه، و ما أصفى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع كلام كثير الفته و وضعته لرأيك فيه تضعيف و لأبيك فيه تعنيف.
ذكرك فيه فضل ابن أبي طالب و قديم سوابق و قرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، و نصرته له و مواساته إياه في كل هول و خوف، فكان احتجاجك علي و فخرك بفضل غيرك لا بفضلك، فأحمد رباً صرف هذا الفضل عنك وجعله لغيرك.
فقد كنا و ألوك معنا في حياة نبينا نعرف حق أبي طالب لازماً لنا، و فضله مبرزاً علينا، فلما اختار الله لنبيه (عليه الصلاة و السلام) ما عنده، و أتم له ما وعده، و اظهر دعوته، و أفلج حجته، و قبضه الله إليه (صلوات الله عليه)، كان أبوك و فاروقه أول من ابتزه حقه و خالفه علي أمره، علي ذلك اتفقا و اتسقا، ثم أنهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما و تلكأ عليهما، فهما به الهموم وأرادا به العظيم، ثم إنه بايعهما و سلم لهما، و أقاما لا يشركانه في أمرهما ولا يطلعانه علي سرهما، حتى قبضهما الله، و انقضى أمرهما، ثم قام ثالثهما عثمان فهدى بهديهما و سار بسيرتهما، فعبته أنت وصاحبك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي فطلبتما له الغوائل حتى بلغتما فيه مناكما.
فخذ حذرك يا ابن أبي بكر، فستري وبال أمرك، و قس شبرك بقترك تقصر عن أن توازي أو تساوي من يزن الجبال حلمه، و لا تلين علي قسر قناته، ولا يدرك ذو مدي أناته.
أبوك مهد له مهاده، و بنى ملكه و شاده، فإن بك ما نحن فيه صواباً فأبوك أوله، و إن يكن جوراً فأبوك استبد به و نحن شركاؤه، فبهديه أخذنا و بفعله اقتدينا، و لولا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب، و لسلمنا أليه، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا، فاحتذينا مثاله، و اقتدينا بفعاله، فعب أباك بما بدالك أودع، والسلام علي من أناب ورجع من غوايته و تاب (1) .
* * *
و نستنتج من هذا الرد بان معاوية لا ينكر فضائل علي بن أبي طالب ومزاياه، و لكنه تجرأ عليه و احتذاء بأبي بكر و عمر، و لولا هما لما استصغر شأن علي (عليه السلام) و لا تقدم عليه أحد من الناس. كما يعترف معاوية بأن أبا بكر هو الذي معد لبني أمية و هو الذي بني ملكهم و شاده.
و نفهم من هذه الرسالة بأن معاوية لم يقتد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، و لم يهتد بهديه، عندما اعترف بأن عثمان هدي بهدي أبي بكر و عمر و سار بسيرتهما.
و بذلك يتبين لنا بوضوح بأنهم جميعاً تركوا سنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم واقتدى بعضهم ببدعة بعض. كما أن معاوية لم ينكر بأنه من الضالين الذين يعلمون بالباطل و أنه لعين ابن لعين علي لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ولتعميم الفائدة لا بأس بذكر الرسالة التي رد بها يزيد بن معاوية على ابن عمر وهي على اختصارها ترمي نفس المرمى.
فقد أخرج البلاذري في تاريخه قال:
لما قتل الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، كتب عبدالله بن عمر رسالة الى يزيد بن معاوية جاء فيها:  أما بعد، فقد عظمت الرزية و جلت المصيبة، وحدث في الإسلام حدث عظيم، ولا يوم كيوم قتل الحسينز
فكتب إليه يزيد:
و في رد معاوية علي ابن أبي بكر كما في رد يزيد علي ابن عمر نجد نفس المنطق و نفس الاحتجاج. و هو لعمري أمر ضروري يقره الوجدان، و يدركه كل عاقل و لا يحتاج في الحقيقة إلى شهادة معاوية وابنه يزيد.
فلولا استبداد أبي بكر و عمر على علي، لما وقع ما وقع في الأمة الإسلامية، و لو تمكن علي من الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و حكم المسلمين لتواصلت خلافته إلى سنة أربعين للهجرة أعني ثلاثون عاماً بعد النبي (2) . و هي مدة كافية لإرساء قواعد الإسلام بكل أصوله و فروعه، و لتمكن (عليه السلام) من تطبيق كتاب الله و سنته رسوله بدون تحريف ولا تأويل.
و لما وليها بعد وفاته غير سيدي شباب أهل الجنة الإمام الحسن و الإمام الحسين و أولاده المعصومين بقية الأئمة (عليهم السلام) و لتواصلت خلافة الراشدين ثلاثة قرون، لم يكن بعدها للكافرين و المنافقين و الملحدين تأثير ولا وجود، ولكانت الأرض غير الأرض والعباد غير العباد، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
يبقي هناك دائماً اعتراض من بعض "أهل السنة و الجماعة" على هذا الاحتمال و ذلك من وجهين:

* الأول أنهم يقولون بأن ما وقع هو الذي اختاره الله وأراده، ولو أراد الله أن يقود المسلمين علي و الأئمة من ولد (عليم السلام) لكان ذلك، و هم يرددون دائماً "الخير في ما اختاره الله"
* الثاني أنهم يقولون: لو تولى علي الخلافة مباشرة بعد النبي و أعقبه الحسن و الحسين لأصبحت الخلافة و راثية يرثها الأبناء على الأباء، و هذا لا يقره الإسلام الذي ترك الأمر شوري بين الناس.
و إجابة علي ذلك و لرفع الالتباس نقول:
أولاً: ليس هناك دليل واحد على أن ما وقع هو الذي اختاره الله وأراده، بل الأدلة على عكسه ثابتة في الكتاب و السنة، فمن الكتاب مثلاً قوله تعالى: "ولو أن أهل القرى آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون" (الأعراف: 96)، و كذلك قوله تعالى: "ولو أنهم أقاموا التوارة و الإنجيل و ما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة و كثير منهم ساء ما يعملون" (المائده: 66). و كذلك قوله تعالى: "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم و آمنتم و كان الله شاكراً عليماً" (النساء: 147). و قوله: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" (الرعد: 11). و كل هذه الآيات البينات تفيد بأن الانحراف سواء كان على مستوى الأفراد أو الجماعات أو الأمم هو من عند أنفسهم و ليس من عند لله.
و من السنة النبوية مثلاًُ: قول الرسولصلى الله عليه وآله وسلم: "تركت فيكم كتاب الله وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً" و قولهصلى الله عليه وآله وسلم: "هلم أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً" و قوله: "ستفترق أمتي إلى ثلاث و سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة". و كل هذه الأحاديث الشريفة تفيد بأن ضلالة الأمة كانت بسبب انحراف الأمة و عدم قبولها لما اختاره الله لها.
* ثانياً: هب أن الخلاقة الإسلامية كانت بالوارثة فليست هي الوارثة التي يفهمونها بأن يستبد الحاكم علي رعيته فيولي عليهم ابنه قبل وفاته و يسميه ولي العهد، ولو كان الوالد والوالد فاسقين بل هي وراثة إلهية من اختيار رب العامين الذي لا يعزب عن علمه مثقال حبة من خردل والتي تخص نخبة صالحة اصطفاها الله وأورثها الكتاب و الحكمة لتكون للناس أئمة، فقال: "و جعلناهم أئمة يهدون بأمرنا و أوحينا إليهم فعل الخيرات و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و كانوا لنا عابدين" (الأنبياء: 73). مع أن قولهم بأن الإسلام لا يقر الوراثة و إنما ترك الأمر شورى، هو مغالطة لا يقرها الواقع و التاريخ فقد وقعوا بالضبط في النظام الوارثي الممقوت، و لم يتول على الأمة بعد علي (عليه السلام) إلا الظالمين الغاصبين الذين أورثوها لأبنائهم الفسقة رغم أنف الأمة.
فأيهما الأفضل أن يتوارثها الفساق الذين يحكمون بأهوائهم و لا يخضعون إلا لشهواتهم؟ أو يتوارثها الأئمة الطاهرين الذين اصطفاهم الله و أذهب عنهم الرجس و أورثهم علم الكتاب ليحكموا بين الناس بالحق ويهدوهم سواء السبيل و يدخلوهم جنات النعيم، من باب قول الله: «وورث سليمان داود» (النمل: 16)؟ و ما أظن العاقل يختار إلا الثاني إن كان من المسلمين! و ما دمنا الآن نقول بالأمر الواقع ولا يفيدنا التحسر على ما فات فلنعد إلى الموضوع فنقول:
و لما دفع أبو بكر و عمر أمير المؤمنين عن منصبه في الخلافة و تقمصاها، و صغرا بذلك شأن علي و فاطمة و أهل البيت (عليهم السلام) و أهانوهم، عند ذلك سهل الأمر على معاوية و يزيد و عبدالملك بن مروان و أضرابهم أن يفعلوا ما فعلوه، و لولا أنهما مهدا لمعاوية و مكنا له في البلاد حتى بقي والياً في الشام وحدها أكثر من عشرين عاماُ، ولم يعزل أبداً و نال معاوية هيبة و أوطأ رقاب الناس حتى دانوا له بكل ما يريد، ثم جعل الخلافة لابنه من بعده الذي وجد كما صرح بنفسه بيوتاً مجددة و فرشاً ممهدة و وسائد منضدة، فمن الطبيعي أن يقاتل من أجلها و أن يقتل ريحانة النبي ولا يبالي، فقد رضع بغض أهل البيت في حليب أمه ميسون و ترعرع في حجر أبيه علي سبهم و لعنهم، فلا غرابة أن يصدر منه الذي صدر أو أكثر من ذلك.
و قد اعترف بعض الشعراء بهذه الحقيقة إذ يقول:

لولا حدود صوارم * أمضي مضاربها الخليفة

لنشرت من أسرار أل * محمد جملاً ظريفة

و أريتكم أن الحسين * أصيب يوم السقيفة

و يفهم الباحث المتتبع بأن دولة بني أمية كلها قامت بفضل أبي بكر و عمر.
و كذلك دولة بني العباس و غيرها من الدول، و كذلك نجد هؤلاء قد بذلوا كل ما في وسعهم للتنويه بأبي بكر و عمر و خلق الفضائل لهم و إثبات أحقيتهم في الخلافة، لأنهم أدركوا بأن شرعيتهم في الخلافة لا تتم إلا بتصحيح خلافتهما و القول بعد التهما.
و في المقابل نراهم جميعاً فعلوا بأهل البيت الأفاعيل لا لشيء إلا لأنهم أصحاب الخلافة الشرعية و هم وحدهم الذين يهددون كيانهم و دولتهم.
و هذا بديهي عند العقلاء الذين عرفوا الحق، و أنت ترى إلى يومنا هذا أن بعض الدول الإسلامية يحكمها ملوك ليس لهم من الفضل أو الفضيلة شيء سوى أنهم أولاد ملوك وسلاطين و أمراء كما كان يزيد أميراً والده معاوية كان ملكاً و ملك الأمة بالقوة والقهر.
فلا يعقل أن يحب ملوك السعودية و أمراؤها أهل البيت و من تشيع لهم.
كمالا يعقل يبغض ملوك السعودية و أمراؤهم معاوية و يزيد، و ما سن لهم دستور ولاية العهد المعاصرون و بدستور معاوية و يزيد و كل أمراء بني أمية و بني العباس يستمد الملوك المعاصرون شرعيتهم و بقاءهم.
و من هنا أيضاً جاء تقديس الخلفاء الثلاثة و تفضيلهم و القول بعدالتهم و الدفاع عنهم، وعدم السماح بنقدهم أو التكلم فيهم، لأنهم أساس كل الحكومات التي وجدت وستوجد من يوم السقيفة إلى أن يرث الله الأرض و من عليها.
و يفهم على هذا الأساس أيضاً لماذا اختاروا لأنفسهم اسم "أهل السنة و الجماعة" و لغيرهم اسم الروافض أو الزنادقة لأن عليناً و أهل بيته (عليهم السلام) و شيعته رفضوا خلافتهم ولم يبايعوهم و احتجوا عليهم في كل مناسبة، فعمل الحكام على انتقاصهم و تصغير شأنهم و تحقيرهم و سبهم و لعنهم و قتلهم و تشريدهم.
و إذا لقي أهل البيت الذين تعلق أجر الرسالة في القرآن بمودتهم هذه الإهانة و هذا التقتيل، فلا غرابة أن يلاقي شيعتهم و من والاهم و اهتدي بهديهم كل تنكيل و توهين و تحقير و تفكير. و يصبح المحق هو المنبوذ المعادي المتروك و يصبح المطل هو القدوة و السيى المحترم الذي تجب طاعته.
فالذي والى علياً و شايعه هو صاحب بدعة و فتنة، والذي والي معاوية و شايعه هو صاحب سنة و جماعة.
والحمى لله الذي وهبنا من العقل ما نميز به الحق من الباطل و النور من الظلمات و الأبيض من الأسود، إن ربي على صراط مستقيم «و ما يستوي الأعمي و البصير * و لا الظلمات ولا النور ولا الظل و لا الحرور * و ما يستوي الأحياء و لا الأموات * إن الله يسمع من يشاء و ما أنت بمسمع من في القبور» (فاطر: 22-19)
صدق الله العلي العظيم


____________________
(1) لأن أبابكر و عمر و عثمان توفوا في حياة الإمام علي.
(2) جمهرة رسائل العرب ج 1 ص 475، مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 59، شرح النهج لابن أبي الحديد ج 1 ص 283.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page