كان اليهود أسبق الأمم إلى تحريف الدين وتعويم قانون العقوبة الإلهي ، فقد أسقطوا المحرمات عن أنفسهم تجاه الأمم الأخرى ، وقالوا إن الإيمان أمرٌ في القلب ، مهما كان عمل الإنسان !
وهذا هو بالضبط مذهب المرجئة الذي زرعه اليهود في عقائد المسلمين ، عن طريق بعض الصحابة !
وقد روت مصادر السنة والشيعة أن النبي’أخبر بظهور المرجئة والقدرية في أمته وحذر من خطرهم ، وأنهم لا تنالهم شفاعته ، أنهم يحرفون الإسلام ويشوشون أمر الأمة من بعده .
ففي مجمع الزوائد:7/207: (عن أنس بن مالك قال رسول الله (ص): صنفان من أمتي لايردان عليَّ الحوض ولايدخلان الجنة ، القدرية والمرجئة. رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح غير هارون بن موسى الفروي وهو ثقة) . (وروى الترمذي نحوه :3 /308)
وفي مجمع الزوائد:7/203: (عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله (ص): ما بعث الله نبياً قط إلا وفي أمته قدرية ومرجئة يشوشون عليه أمر أمته . ألا وإن الله قد لعن القدرية والمرجئة على لسان سبعين نبياً). (راجع الخصال ص72 وثواب الأعمال ص212) .
وقد ولد مذهب المرجئة في عهد عمر ، وقالوا إن الإيمان قول بلا عمل ! فهو معنى قول عمر إن النبي’قال له: (ياعمر إنك لاتسأل عن أعمال الناس ، ولكن تسأل عن الفطرة ) ! (الدر المنثور:2/116) .
وهو معنى توسيعات عمر المتقدمة للشفاعة لكل من نطق بالتوحيد !
وهو معنى قول عبد الله بن عمرو بن العاص: (قال رسول الله (ص): من لقي الله لايشرك به شيئاً لم تضره معه خطيئة) ! (مسند أحمد:2/170)
وهو معنى ما رواه الترمذي:3/87: أن النبي (ص)سمع ذات يوم رجلاً يقول: الله أكبر الله أكبر ، فقال: على الفطرة. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: خرجت من النار ) ! (ونحوه في مسلم:2/4 وأحمد:3/241)
وقد تصدى علي والأئمة من أهل البيت^لرد هذه التحريفات:
ففي علل الشرائع للصدوق:2/602، عن علي×قال: (يحشر المرجئة عمياناً ، إمامهم أعمى ، فيقول بعض من يراهم من غير أمتنا: ما تكون أمة محمد إلا عمياناً ! فأقول لهم: ليسوا من أمة محمد ، لأنهم بدَّلوا فبدل ما بهم ، وغيَّروا فغير ما بهم ).
وأول ما أطلق اسم المرجئة رسمياً على المتخلفين عن بيعة علي× ونصرته على الفئة الباغية .
قال النعماني في شرح الأخبار:2/82: (فأما المتخلفون عن الجهاد مع علي× وقتال من نكث بيعته ومن حاربه وناصبه ، فإنه تخلف عنه في ذلك من المعروفين من الصحابة: سعد بن أبي وقاص وكان أحد الستة الذين سماهم عمر للشورى ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، ومحمد بن مسلمة ، واقتدى بهم جماعة فقعدوا بقعودهم عنه ، ولم يشهدوا شيئاً من حروبه معه ولا مع من حاربه. وهذه الفرقة هم أصل المرجئة وبهم اقتدوا ، وذهب إلى ذلك من رأيهم جماعة من الناس وصوبوهم فيه وذهبوا إلى ما ذهبوا إليه ، فقالوا في الفريقين في علي ومن قاتل معه وفي الذين حاربوه وناصبوه ومن قتل من الفريقين: إنهم يخافون عليهم العذاب ويرجون لهم الخلاص والثواب ، ولم يقطعوا عليهم بغير ذلك وتخلفوا عنهم . والإرجاء في اللغة التأخير فسموا مرجئة لتأخيرهم القول فيهم ، وتأخرهم عنهم ولم يقطعوا عليهم بثواب ولا عقاب ، لأنهم زعموا أنهم كلهم موحدون ولا عذاب عندهم على من قال: لا إله إلا الله ، فقدموا المقال وأخروا الأعمال فكان هذا أصل الإرجاء ، ثم تفرق أهله فرقاً إلى اليوم يزيدون على ذلك من القول وينقصون ) . انتهى .
وهو يدل على أنهم تمسكوا بمقولة كعب وعمر وعبد الله بن عمرو بن العاص ، التي تكتفي لدخول الجنة بالتوحيد بدون عمل .
وقد أحب المستشرقون المرجئة لأنهم يسقطون فرائض الإسلام ويقولون كما يقول اليهود والنصارى: لايضر مع الإيمان عمل !
قال الدكتور حسن إبراهيم في كتابه تاريخ الإسلام:1/416: (وهي طائفة المرجئة التي ظهرت في دمشق حاضرة الأمويين بتأثير بعض العوامل المسيحية خلال النصف الثاني من القرن الأول الهجري . وقد سميت هذه الطائفة المرجئة من الإرجاء هو التأخير ، لأنهم يرجئون الحكم على العصاة من المسلمين إلى يوم البعث . كمايتحرجون عن إدانة أي مسلم مهما كانت الذنوب التي اقترفها... وهؤلاء هم في الحقيقة كتلة المسلمين التي رضيت حكم بني أمية ، مخالفين في ذلك الشيعة والخوارج . ومع هذا فإنهم يتفقون في العقيدة إلى حد ما مع طائفة المحافظين وهي أهل السنة ، وإن كانوا ـ كما يرى فون كريمر ـ قد ألانوا من شدة عقائد هؤلاء السنيين باعتقادهم (أنه لا يخلد مسلم مؤمن في النار) وعلى العموم فهم يضعون العقيدة فوق العمل . وكانت آراؤهم تتفق تماماً مع رجال البلاط الأموي ومن يلوذ به ، بحيث لايستطيع أحد من الشيعيين أو الخوارج أن يعيش بينهم ، في الوقت الذي تمكن فيه المسيحيون وغيرهم من المسلمين أن ينالوا الحظوة لديهم ، أو يشغلوا المناصب العالية). انتهى .
ويكشف لنا النص التالي عن الإمام الصادق×سر تقريب بني أمية لهم ، قال×: (لعن الله القدرية ، لعن الله الخوارج ، لعن الله المرجئة لعن الله المرجئة. قال قلت: لعنت هؤلاء مرة ولعنت هؤلاء مرتين ! قال: إن هؤلاء يقولون إن قتلتنا مؤمنون ! فدماؤنا متلطخة بثيابهم إلى يوم القيامة ، إن الله حكى عن قوم في كتابه: (قَالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) قال: كان بين القاتلين والقائلين خمسمائة عام فألزمهم الله القتل برضاهم ما فعلوا ) . انتهى . (الكافي:2/409) .
ومعنىكلامه×أن المرجئة زعموا أن قتلة الإمام الحسين×مؤمنون من أهل الجنة ولايعاقبون على جريمتهم ! وبذلك صار المرجئة شركاء لبني أمية في الجريمة ، لأن من رضي بعمل قوم شَرِكهم فيه !
وقد تورُّط أصحاب المذاهب الأربعة في الإرجاء ، خاصة أبو حنيفة (راجع المجروحين لابن حبان:3/63 ، وكتاب الرفع والتكميل للكنوي 154 ).
أما الصحاح فيأخذك العجب من كثرة رواتها المرجئة !
منهم من باب المثال: الفأفاء، وكان رأس في المرجئة متعصباً لبني أمية مبغضاً لعلي×بل كان مبغضاً للنبي’! وكان يقرأ لخلفاء بني أمية القصائد في هجاء النبي’! وقد قتله العباسيون في ثورتهم.. ومع ذلك فهو معتمدٌ عند ابن المديني شيخ البخاري ويقول عنه قتل مظلوماً ، وروى عنه البخاري في الأدب المفرد ومسلم والنسائي وابن ماجة والترمذي وأبي داود ! (راجع ترجمته في تهذيب التهذيب:3/ 83 وغيره )
ومنهم الحماني ، الذي روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.. قال في تهذيب التهذيب:6/109: (وقال أبو داود:كان داعية في الإرجاء!!)
ومنهم شعيب بن إسحاق ، مولى بني أمية الذي روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.. قال في تهذيب التهذيب:4/304: (قال أبو طالب عن أحمد: ثقة ما أصح حديثه وأوثقه. وقال أبو داود: ثقة وهو مرجئ) !
ومنهم الغنوي الذي روى عنه مسلم والأربعة.. قال في تهذيب التهذيب:1/411: (وقال العجلي: كوفي ثقة ، وقال العقيلي: مرجئ متهم متكلم فيه). انتهى.
وقد سجل ابن شاذان هذا التناقض على أصحاب الصحاح فقال في الإيضاح ص502: (ومن جهة أخرى تروون عن المرجئة ويروون عنكم ، وتروون عن القدرية ويروون عنكم ، وتروون عن الجهمية ويروون عنكم ، فتقبلون منهم بعض أقاويلهم وتردون عليهم بعضها ، فلا الحق أنتم منه على ثقة ، ولا الباطل أنتم منه على يقين ، وأنتم عند أنفسكم أهل السنة والجماعة ! ) .
الأسئلة
1 ـ ما هو موقفكم من المرجئة ؟
2 ـ هل تقبلون مقولة المرجئة المعاصرين: الدين أمر في القلب ولاعلاقة له بالعمل ، أو تقولون: إن الإيمان قول وعمل ؟
3 ـ هل تعتبرون عمر إمام المرجئة أو عاملاً في تأسيس مذهبهم ؟
4 ـ ما رأيكم في اعتماد صحاحكم على الرواة من المرجئة ؟!
5 ـ هل أنتم مرجئة في الصحابة تكتفون منهم بالقول دون العمل ؟
المســألة: 19 ما هو موقفكم من المرجئة ؟
- الزيارات: 2102