• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

إثبات أنّ حديث (إقتدوا باللذين من بعدي) موضوع

مسألة أخرى
فإن قالوا: فما تصنعون في الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لأصحابه: " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر "(1)؟
أليس هذا نص منه على إمامتهما، وإيجاب على الأمة جميعا فرض طاعتهما، وفي ذلك أدل دليل على طهارتهما وصوابهما فيما صنعاه من التقدم على أمير المؤمنين، وصحة خلافتهما؟!
جواب
قيل لهم: هذا حديث موضوع، والخلل في سنده مشهور، والتناقض في معناه ظاهر، وحاله في متضمنه لائحة للمعتبر الناظر.
فأما خلل إسناده: فإنه معزى إلى عبد الملك بن عمير(2)، عن ربعي بن حراش، ثم من بعده تارة يعزى إلى حذيفة بن اليمان، وتارة إلى حفصة بنت عمر بن الخطاب.
فأما عبد الملك بن عمير فمن أبناء الشام، وأجلاف محاربي أمير المؤمنين عليه السلام، المشتهرين بالنصب والعداوة له ولعترته، ولم يزل يتقرب إلى بني أمية بتوليد الأخبار الكاذبة في أبي بكر وعمر، والطعن في أمير المؤمنين عليه السلام حتى قلدوه القضاء، وكان يقبل فيه الرشا، ويحكم بالجور والعدوان، وكان متجاهرا بالفجور والعبث بالنساء، فمن ذلك أن الوليد بن سريع خاصم أخته كلثم بنت سريع إليه في أموال وعقار، وكانت كلثم من أحسن نساء وقتها وأجملهن فأعجبته، فوجه القضاء على أخيها تقربا إليها، وطمعا فيها، فظهر ذلك عليه واستفاض عنه، فقال فيه هذيل الأشجعي(3):

أتاه وليد بالشهود يقودهم            على ما ادعى من صامت المال والخول
يسوق إليه كلثما وكلامها            شفاء من الداء المخامر والخبل
فما برحت تومي إليه بطرفها            وتومض(4) أحيانا إذا خصمها غفل
وكان لها دل وعين كحيلة            فأدلت بحسن الدل منها وبالكحل
فأفتنت القبطي حتى قضى لها            بغير قضاء الله في المال والطول
فلو كان من في القصر يعلم علمه            لما استعمل القبطي فينا على عمل
له حين يقضي للنساء تخاوص(5)            وكان وما منه التخاوص والحول
إذا ذات دل كلمته بحاجة            فهم بأن يقضي تنحنح أو سعل
وبرق عينيه ولاك لسانه            يرى كل شئ ما خلا سخطها خبل(6)

ثم الذي عزاه إليه هو ربعي بن حراش عند أصحاب الحديث من المعدودين في جملة الروافض المستهزئين على أبي بكر وعمر(7)، وإضافته إليه - مع ما وصفناه - ظاهرة البطلان، مع أن المشهور عن حذيفة بن اليمان في أصحاب العقبة يضاد روايته هذا الحديث عنه.
وأما روايته عن حفصة بنت عمر بن الخطاب فهي من البرهان على فساده، ووجوب سقوطه في باب الحجاج، لأن حفصة متهمة فيما ترويه من فضل أبيها وصاحبه، ومعروفة بعداوتها لأمير المؤمنين عليه السلام، وتظاهرها ببغضه وسبه والاغراء به، والانحطاط في هوى أختها عائشة بنت أبي بكر في حربه والتألب عليه، ثم لاجترارها بما يتضمنه أفضل وجوه النفع إليهما به، وقد سلف(8) كتاب في هذا المعنى ما يستغنى به عن الإطالة في هذا المقام، والله ولي التوفيق(9).
على أنه لو ثبت هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله لأوجب عصمة أبي بكر وعمر من الآثام، وقضى لهما بالكمال، ونفى السهو والغلط عنهما على كل حال، وذلك أن فرض الاقتداء بهما يوجب صواب الفاعل له عند الله تعالى، وأن علمه في ذلك واقع موقع الرضا، فلو لم يكونا معصومين من الخطأ لا يؤمن منهما وقوعه، وكان المقتدي بهما فيه ضالا عن الصراط، وموقعا من الفعل ما ليس بصواب عند الله تعالى، ولا موافق لرضاه، كما أن الله تعالى لما فرض طاعة نبيه صلى الله عليه وآله وأمر بالاقتداء به، كما أمره بالاقتداء بمن تقدم من أنبيائه عليهم السلام، حيث يقول: { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده }(10) أوجب عصمته صلى الله عليه وآله كما أوجب عصمة من تقدم من الأنبياء عليه السلام، ولم يجز في حكمته فرض الاقتداء بمن ذكرناه مع ارتفاع العصمة منهم لما بيناه.
وفي الاجماع أن أبا بكر وعمر لم يكونا معصومين عن الخطأ، وإقرارهما على أنفسهما بذلك أظهر حجة على اختلاف الخبر وفساده كما ذكرناه.
مع أن التباين بين أبي بكر وعمر في كثير من الأحكام يمنع من فرض الاقتداء بهما على كل حال، لاستحالة اتباعهما فيما اختلفا فيه، ووجوب خلاف أحدهما في وفاق صاحبه، وخلاف صاحبه في اتباعه.
وقد ثبت أن الله تعالى لا يكلف عباده المحال، ولا يشرع ذلك منه صلى الله عليه وآله، وإذا بطل وجوب الاقتداء بهما في العموم لما بيناه، لم يبق - إن سلم الحديث - إلا وجوبه في الخصوص، وذلك غير موجب للفضل فيهما، ولا مانع من ضلالهما ونقصهما، وهو حاصل في مثل ذلك من أهل الكتاب، ولو فاق المسلمين لهم في خاص من الأقوال مع كفرهم وضلالهم بالإجماع، فبان بما وصفناه سقوط الحديث وفساد معانيه على ما قدمناه.
على أن أصحاب الحديث قد رووه بلفظين مختلفين، على وجهين من الأعراب متباينين: أحدهما الخفض، وقد سلف قولنا بما بيناه، والآخر النصب، وله معنى غير ما ذهب إليه أهل الخلاف.
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما دعا الأمة إلى التمسك بكتاب الله تعالى، وبعترته عليه وعليهم السلام، حيث يقول: " إني مخلف فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض "(11). وكان عالما بما أوحى الله تعالى إليه، أن أول ناقض لأمره في ذلك وعادل عنه هذان الرجلان، فأراد عليه السلام تأكيد الحجة عليهما، بتخصيصهما بالأمر باتباع الكتاب. والعترة بعد عمومها به، ودخولهما في جملة المخاطبين من سائر الناس، فناداهما على التخصيص لما قدمناه من التوكيد في الحجة عليهما، فقال: " اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر " وكانا هما المناديين بالاتباع دون أن يكون النداء إليهما على ما شرحناه.
وليس بمنكر أن يبتدئ بالأمر بلفظ الجمع لاثنين، أو بلفظ الاثنين للجمع اتساعا، كما يعبر عن الواحد وليس فيه من معاني الجمع قليل ولا كثير بلفظ الاثنين أو الجمع، قال الله عز وجل: { هذان خصمان اختصموا في ربهم }(12).
وقال { وهل أتاك نبؤا الخصم إذ تسوروا المحراب - إلى قوله - خصمان بغى بعضنا على بعض }(13).
وإذا كان الأمر على ما وصفناه فقد سقط ما تعلق به الناصبة من الحديث، ولم يبق فيه شبهة، والحمد لله.
___________________________
(1) مسند أحمد بن حنبل 5: 382 و 385 و 399 و 402، سنن ابن ماجة 1: 37 / 97، سنن الترمذي 5: 609 / 3662، مستدرك الحاكم 3: 75. مصابيح السنة 4: 162 / 4742 و 218 / 4889.
(2) قال الشيخ الطوسي في تلخيص الشافي 3: 33: كان فاسقا جريئا على الله، وهو الذي قتل عبد الله بن يقطر رسول الحسين بن علي إلى مسلم بن عقيل.. وكان مروانيا.
وقال أحمد بن حنبل: مضطرب الحديث جدا مع قلة روايته، وذكر إسحاق الكوسج عن أحمد أنه ضعفه جدا. أنظر ترجمته في الجرح والتعديل: 5: 360، تهذيب التهذيب 6:
411، سير أعلام النبلاء 5: 438.
(3) هو هذيل بن عبد الله بن سالم بن هلال الأشجعي، شاعر كوفي معروف، وله هجاء في ثلاثة من قضاة الكوفة: عبد الملك بن عمير، الشعبي، ابن أبي ليلى. أنظر جمهرة أنساب العرب: 249، الأعلام للزركلي 9: 72.
(4) أومضت المرأة: سارقت النظر. " الصحاح - ومض - 3: 1113 ".
(5) تخاوص: غض من بصره شيئا، وهو في كل ذلك يحدق النظر كأنه يقوم سهما. " لسان العرب - خوص 7: 31 ".
(6) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 17: 62.
(7) أنظر تاريخ بغداد 8: 433.
(8) زاد في ب: منا.
(9) أنظر الشافي 2: 306 - 311، تلخيص الشافي 3: 32، الصراط المستقيم 3: 144 - 146.
(10) سورة الأنعام 6: 90.
(11) حديث الثقلين من الأحاديث الصحيحة المتواترة، تنتهي سلسلة أسانيده إلى جماعة من.
أجلة الصحابة، رواه في صحيح مسلم 4: 1883 / 36 و 37، سنن الترمذي 5: 662 / 3786 و 663 / 3788، سنن الدارمي 2: 431، سنن البيهقي 2: 148 و 7: 30 و 10: 114، مسند أحمد 3: 14 و 17 و 26 و 59 و 4: 366 و 371، مستدرك الحاكم 3: 109 و 148.
(12) سورة الحج 22: 19.
(13) سوره ص 38: 21، 22.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page