سمى معاوية السنة التي قتل فيها أمير المؤمنين×واضطر الإمام الحسن× للتنازل له عن الحكم (عام الجماعة) ، وبذلك أضافوا الى إسم أهل السنة: أهل الجماعة. فأهل الجماعة الذي أطلقه معاوية لم يكن بمعنى جماعة الإسلام، بل بمعنى اجتماعهم على خلافته !
قال ابن كثير في تفسيره:4/567: (فإن معاوية بن أبي سفيان استقل بالملك حين سلم إليه الحسن بن علي الإمرة سنة أربعين ، واجتمعت البيعة لمعاوية وسمي ذلك عام الجماعة ، ثم استمروا فيها متتابعين بالشام وغيرها ، لم تخرج عنهم إلا مدة دولة عبد الله بن الزبير في الحرمين) .
وفي مسند ابن راهويه:4/21: (توفيت حفصة أم المؤمنين سنة إحدى وأربعين، عام الجماعة ) .
وفي مقدمة ابن الصلاح ص178: ( أفضلهم على الإطلاق أبو بكر ثم عمر. ثم إن جمهور السلف على تقديم عثمان على علي . وقدَّم أهل الكوفة من أهل السنة علياً على عثمان ، وبه قال منهم سفيان الثوري أولاً ، ثم رجع الى تقديم عثمان ، روى ذلك عنه وعنهم الخطابي . وممن نقل عنه من أهل الحديث تقديم عليٍّ على عثمان محمد بن إسحاق بن خزيمة . وتقديم عثمان هو الذي استقرت عليه مذاهب أصحاب الحديث ، وأهل السنة). انتهى.
فأهل السنة كما في هذا النص غير أصحاب الحديث النبوي ، وهم أهل سنة عمر الذين يفضلون عثمان على علي×!
قال الشيخ أبورية في كتابه شيخ المضيرة أبوهريرة الدوسي ص309:(إننا لا نعرف شيئاً إسمه (أهل السنة) ولاشيئاً آخر يقابلها من سائر الفرق ، أو المذاهب التي استحدثت بين المسلمين لتعريفهم ، وبخاصة فإن وصف أهل السنة هذا لم يكن معروفاً قبل معاوية بن أبي سفيان ، وقد استحدثوه في عهده في العام الذي وصفوه بأنه (عام الجماعة) نفاقاً للسياسة لعنها الله ، وما كان إلا عام الفرقة) .
وفي الطرائف للسيد ابن طاووس ص205: (وجه تسميتهم بأهل السنة والجماعة: ومن ذلك ما ذكره الشيخ العسكري في كتاب الزواجر وهو من علماء السنة قال: إن معاوية سمى العام عام السنة . ومن ذلك ماذكر ابن عبد ربه في كتاب العقد الفريد قال: لما صالح الحسن معاوية سمى ذلك العام عام الجماعة ).
وروى في كنز العمال:8/439، عن ابن عساكر ، وصححه: (عن ربيعة بن قسيط أنه كان مع عمرو بن العاص عام الجماعة وهم راجعون ، فمُطروا دماً عبيطاً قال ربيعة: فلقد رأيتني أنصب الإناء فيمتلي دماً عبيطاً ! فظن الناس أنها هي دماء الناس بعضهم في بعضهم ، فقام عمرو بن العاص فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم قال: يا أيها الناس أصلحوا ما بينكم وبين الله تعالى ، ولايضركم لو اصطدم هذا الجبلان ).
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج:11/44: روى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدايني في كتابه (الأحداث): كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته ، فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون علياً ويبرؤون ويقعون فيه وفي أهل بيته ، وكان أشد كل الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة !
وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق ألا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة! وكتب إليهم: أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان محبيه وأهل ولايته ، والذين يروون فضائله ومناقبه ، فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم واكتبوا لي بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته ، ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه ، لما كان يبعث إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع !
ثم كتب إلى عماله: إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية ، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين ، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة ، فإن هذا أحبُّ إليَّ وأقرُّ لعيني وأدحضُ لحجة أبي تراب وشيعته ، وأشد إليهم من مناقب عثمان وفضله.
فقرئت كتبه على الناس ، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها ، وجدَّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى ، حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر ، وألقيَ إلى معلمي الكتاتيب فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع ، حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن ، وحتى علموه بناتهم ونسائهم وخدمهم وحشمهم ، فلبثوا بذلك ما شاء الله .
ثم كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان: أنظروا من قامت عليه البينة أنه يحب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان ، وأسقطوا عطاءه ورزقه !
وشفع ذلك بنسخة أخرى: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به واهدموا داره !! فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق ولا سيما بالكوفة ، حتى أن الرجل من شيعة علي ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سره ، ويخاف من خادمه ومملوكه ولايحدثه ، حتى يأخذ عليه الإيمان الغليظة ليكتمن عليه !
فظهر حديثٌ كثيرٌ موضوعٌ وبهتانٌ منتشر ، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة ، وكان أعظم الناس في ذلك القراء المراءون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك ، فيفتعلون الأحاديث ليخظوا بذلك عند ولاتهم ، ويقربوا مجالسهم ويصيبوا بها الأموال والضياع والمنازل !
حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لايتسحلون الكذب والبهتان ، فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق ، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها .
فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن علي ، فازداد البلاء والفتنة ، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلا وهو خائف على دمه ، أو طريد في الأرض !
ثم تفاقم الأمر بعد قتل الحسين ووليَ عبد الملك بن مروان ، فاشتد على الشيعة وولَّى عليهم الحجاج بن يوسف .
وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم في تأريخه ما يناسب هذا الخبر وقال: إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية ، تقرباً إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم ) . انتهى.
(راجع النصائح الكافية لمن يتولى معاوية: 97 ـ 99 والبحار 44: 123والنص والإجتهاد:368 ).
وفي العقد الفريد لابن عبد ربه:4/349: (لما قدم أبو الأسود الدؤلي على معاوية عام الجماعة قال له معاوية: بلغني يا أبا الأسود أن علي بن أبي طالب أراد أن يجعلك أحد الحكمين ، فما كنت تحكم به ؟
قال: لوجعلني أحدهما لجمعت ألفاً من المهاجرين وأبناء المهاجرين ، وألفاً من الأنصار وأبناء الأنصار ، ثم ناشدتهم الله: المهاجرون وأبناء المهاجرين أولى بهذا الأمر أم الطلقاء؟!قال له معاوية: لله أبوك أيَّ حَكَمٍ كنتَ تكون لو حكمت ) !!
جماعة الإسلام أهل الحق وإن قلوا
ومن الواضح أن معاوية لم يكن من أهل سنة النبي’فإنما أهلها من اتبعها وإن قلوا ، ولم يكن من جماعة الإسلام ، لأنهم أهل الحق وإن قلوا ، وقد روى تحديد جماعة المسلمين أهل البيت^عن النبي’وأعرض عنها مخالفوهم !
ففي أمالي الصدوق ص413: (قال رسول الله’: من فارق جماعة المسلمين فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ، قيل: يا رسول الله وما جماعة المسلمين؟ قال: جماعة أهل الحق وإن قلوا ) .
وفي المحاسن للبرقى:1/220: عن الإمام الصادق عن آبائه^:قال: (سئل رسول الله’عن جماعة أمته، فقال: جماعة أمتي أهل الحق وإن قلوا ). وفي رواية أخرى: من كان على الحق وإن كانوا عشرة ) .
وفي الخصال للصدوق ص 584: (الجماعة أهل الحق وإن قلوا ، وقد روي عن النبي’أنه قال: المؤمن وحده حجة ، والمؤمن وحده جماعة ).
وفي كتاب سليم بن قيس ص484: (سأل ابن الكوَّا علياً×عن السنة والبدعة وعن الجماعة والفرقة، فقال×: يا ابن الكوا حفظت المسألة فافهم الجواب: السنة والله سنة محمد’والبدعة ما فارقها . والجماعة والله مجامعة أهل الحق وإن قلوا ، والفرقة مجامعة أهل الباطل وإن كثروا ).
وفي كنز العمال:16/183: عن كتاب وكيع ، من حديث طويل:(عن يحيى بن عبد الله بن الحسن عن أبيه قال: كان علي يخطب فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين ! أخبرني من أهل الجماعة ، ومن أهل الفرقة ، ومن أهل السنة ، ومن أهل البدعة ؟
فقال: ويحك ، أما إذ سألتني فافهم عني ، ولا عليك أن لا تسأل عنها أحداً بعدي: فأما أهل الجماعة فأنا ومن اتبعني وإن قلوا ، وذلك الحق عن أمر الله وأمر رسوله فأما أهل الفرقة فالمخالفون لي ومن اتبعني وإن كثروا .
وأما أهل السنة فالمتمسكون بما سنه الله لهم ورسوله’وإن قلوا وإن قلوا . وأما أهل البدعة فالمخالفون لأمر الله ولكتابه ورسوله ، العاملون برأيهم وأهوائهم وإن كثروا . وقد مضى منهم الفوج الأول وبقيت أفواج ، وعلى الله قصمها واستئصالها عن جديد الأرض .
فقام إليه عمار فقال: ياأمير المؤمنين ، إن الناس يذكرون الفئ ويزعمون أن من قاتلنا فهو وماله وأهله فئٌ لنا وولده . فقام رجل من بكر بن وائل يدعى عباد بن قيس وكان ذا عارضة ولسان شديد فقال: يا أمير المؤمنين والله ما قسمتَ بالسوية ، ولا عدلتَ في الرعية !
فقال علي×:ولمَ ويحك؟ قال: لأنك قسمت ما في العسكر ، وتركت الأموال والنساء والذرية . فقال عباد: جئنا نطلب غنائمنا ، فجاءنا بالتُّرَّهات !
فقال له علي×: إن كنت كاذباً فلا أماتك الله حتى تدرك غلام ثقيف !
فقال رجل من القوم: ومن غلام ثقيف يا أمير المؤمنين؟ فقال×: رجل لا يدع لله حرمة إلا انتهكها .
قال: فيموت أو يقتل؟ قال×: بلي يقصمه قاصم الجبارين قتلةً بموت فاحش يحترق منه دبره ، لكثرة ما يجري من بطنه . (يقصد الحجاج الثقفي ، وهكذا مات ! )
يا أخا بكر ! أنت امرؤ ضعيف الرأي ، أما علمت أنا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير ! وأن الأموال كانت لهم قبل الفرقة وتزوجوا على رَشدة ، وولدوا على الفطرة، وإنما لكم ما حوى عسكرهم، وما كان في دورهم فهو ميراث لذريتهم، فإن عدا علينا أحد منهم أخذناه بذنبه ، وإن كفَ عنا لم تحمل عليه ذنب غيره .
يا أخا بكر ! لقد حكمتُ فيهم بحكم رسول الله’في أهل مكة ، قسم ما حوى العسكر ولم يعرض لما سوى ذلك ، وإنما اتبعت أثره حذوَ النعل بالنعل .
يا أخا بكر ! أما علمت أن دار الحرب يحل ما فيها ، وأن دار الهجرة يحرم ما فيها إلا بحق ، فمهلاً مهلاً رحمكم الله ! فإن أنتم لم تصدقوني ، وأكثرتم عليَّ ـ ـ وذلك أنه تكلم في هذا غير واحد ـ فأيكم يأخذ أمه عائشة بسهمه ؟!
قالوا أيُّنا يا أمير المؤمنين؟! بل أصبت وأخطأنا ، وعلمت وجهلنا ، ونحن نستغفر الله! وتنادى الناس من كل جانب: أصبت يا أمير المؤمنين ! أصاب الله بك الرشاد والسداد !
فقام عمار فقال: يا أيها الناس ! إنكم والله إن اتبعتموه وأطعتموه لم يضل بكم عن منهاج نبيكم قيد شعرة ، وكيف يكون ذلك وقد استودعه رسول الله المنايا والوصايا وفصل الخطاب ، على منهاج هارون بن عمران ، إذ قال له رسول الله ’: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي، فضلاً خصه الله به إكراماً منه لنبيه ، حيث أعطاه الله ما لم يعطه أحداً من خلقه .
ثم قال علي×: أنظروا رحمكم الله ما تؤمرون به فامضوا له ، فإن العالم أعلم بما يأتي من الجاهل الخسيس الأخس ، فإني حاملكم إن شاء الله تعالى إن أطعتموني على سبيل الجنة ، وإن كان ذا مشقة شديدة ومرارة عتيدة ، وإن الدنيا حلوة الحلاوة لمن اغتر بها ، ومن بعدها الشقوة والندامة عما قليل ، ثم إني مخبركم أن خيلاً من بني إسرائيل أمرهم نبيهم أن لايشربوا من النهر ، فلجُّوا في ترك أمره فشربوا منه إلا قليلاً منهم ، فكونوا رحمكم الله من أولئك الذين أطاعوا نبيهم ، ولم يعصوا ربهم .
وأما عائشة فأدركها رأي النساء ، وشئ كان في نفسها عليَّ يغلي في جوفها كالمرجل ، ولو دُعيت لتنال من غيري ما أتت إليَّ لم تفعل ! ولها بعد ذلك حرمتها الأولى، والحساب على الله ، يعفو عمن يشاء ويعذب عمن يشاء .
فرضي بذلك أصحابه وسلموا لأمره بعد اختلاط شديد فقالوا: يا أمير المؤمنين حكمت والله فينا بحكم الله إنا جهلنا ومع جلهلنا لم نأت ما يكره أمير المؤمنين) .
الأسئلة
1 ـ روى ابن سعد في الطبقات:3/342 ، عن عبد الرحمن بن أبزى عن عمر قال: هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد ، ثم في أهل أحد ما بقي منهم أحد ، وفي كذا وكذا ، وليس فيها لطليق ولا لولد طليق ، ولالمسلمة الفتح شئ ) . انتهى.
ورواه في تاريخ دمشق:59/145 ، وفي أسد الغابة:4/387 ، والإصابة :4/70 . فقد حكم عمر أنه لانصيب للطلقاء في الخلافة ، فكيف صار حكم معاوية شرعياً عندكم ؟!
2 ـ صحح الشيخ الألباني الحديث النبوي الذي رواه ابن عساكر:18/160: (أول من يغير سنتي رجل من بني أمية ). وقال: ولعل المراد بالحديث تغيير نظام اختيار الخليفة ، وجعله وراثة ، والله أعلم ) (الصحيحة:4/329 ـ 330). فكيف تصححون هذا الحديث وتقولون إن معاوية كان على سنة رسول الله’؟!
3 ـ صحح الألباني حديث أن الخلافة ثلاثون سنة ، في صحيحته: 1/742 ، وقال:( رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي والحاكم . وهذا من دلائل صدق نبوة النبي(ص)فإن أبا بكر تولى عام 11 هـ، وتنازل عنها الحسن بن علي عام 41 هـ . وهي ثلاثون عاماً كاملة ).انتهى . وقد رويتم أن ما بعد الخلافة ملكٌ عضوضٌ يعضُّ المسلمين ، فكيف تسمون معاوية خليفة رسول الله’؟!
4 ـ هل يشترط في أهل السنة أن يكونوا كثرة؟ وفي جماعة الإسلام أن يكونوا جمهوراً واسعاً أو أكثرية ، وما هو الدليل الشرعي على ذلك ؟!
5 ـ من هم جماعة الإسلام الذين أمرنا النبي’أن نكون معهم ، ونهانا عن مفارقتهم ؟! وهل يعقل أن يكون جماعة أمة النبي’بدون أهل بيته ، وقد قال ’فيهم: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ؟!
6 ـ ما هي الأحكام الشرعية المتعلقة بالكثرة وسواد الأمة الإسلامية عندكم؟!
المسألة: 18 من هم أهل سنة النبي’وأهل جماعة الإسلام
- الزيارات: 1690