طباعة

نور وبلاغة الحلقة (٥٩) - قال الامام عليّ (ع): من غرس اشجار التقی، إجتنی ثمار المنی.


التاريخ: 2009/10/25
نص الحديث
قال الامام عليّ (عليه السلام): من غرس اشجار التقی، إجتنی ثمار المنی.


دلالة الحديث
الحديث المتقدم ينطوي علی صياغة فنية تنتمي الی الاستعارة. الموضوع هو (التقوی) وهي معيار الشخصية الاسلامية، حيث نعرف جميعاً ان النصوص الشرعية طالما تشير الی ان افضلنا عند الله هو الاتقی، و هذا يعني: ان المعيار المتقدم هو المتفرد في تحديد سماة الشخصية.
وقد سبق ان كررنا بان الشخصية التقوائية هي: الشخصية السوية في المعيار النفسي، بمعنی: إن التقوی تشمل ما هو العبادي و الانساني في التصور الاسلامي، لان ما هو انساني في وحده، لا يتحقق مفهوم السواء بدلالته الدقيقة، فمثلاً: الصادق في كلامه مع الآخر إذا لم يكن صادقا مع علاقته بالله تعالی لا يعد سوياً لانه صدق غير تام بل هو الصدق الناقص، والنقص لا يلتئم مع ما هو سوي. والمهم هو: ان نعود الی التقوی وحديث الامام (عليه السلام) عن ذلك، حيث قرر بأن المتقي ينال ما يطمح اليه من الآمال، سواءاً كان المقصود بان المتقي هو من يعلم الناس التقوی او هو من يمارس مبادئ التقوی مع ذاته، فالنتيجة هي: حصوله علی ما يطمح اليه من رضاه تعالی وأثابته المادية، الجنة.


بلاغة الحديث
والسؤال الآن هو: ما هي الصياغة البلاغية التي توفر عليها الامام (عليه السلام) في تقريره للحقيقة المتقدمة؟
لقد استخدم الامام (عليه السلام) ظاهرة غرس الشجر، وما يترتب علی الغرس من حصول الثمر، وهو: استعارة فائقة في تقرير ما ينتظر المتقي من الثواب سواءاً كان المقصود من الثواب هو: رضاه تعالی او الجنة. كيف ذلك ؟
من الواضح، ان الشجر ينمو، والتقوی لا تحصل دفعة واحدة بل تنمو كذلك من خلال تجميع المفردات من سلوك الانسان وبذلك تتجمع الاثابات: كما هو واضح بقدر النمو للاشجار، وقد استخدم الامام (عليه السلام) صيغة الجمع فقال (اشجار التقی) حتی يتلائم جمع الاشجار مع جمع المفردات السلوكية التقوائية.
واما من جانب آخر، فقد استخدم الامام (عليه السلام) مصطلح (ثمار المنی) ليتسع من حيث الجمع للثمار وللمنی مفردات السلوك التقوائي مع الاثابات التي يحصل عليها، فالمنی هي جمع الامنية، والمتقي يحصل علی الكثير من آماله. والثمر هو: الرمز للامال، فيحصل المتقي علی كثير من آماله المشار اليها: وثمر هو المادة الشهية، والآمل هو: ما يشتهية الانسان فعلاً.

*******
بقلم : الدکتور محمود البستانی
المأخذ : arabic.irib.ir