التاريخ: 2009/11/04
نص الحديث
قال الامام علي (عليه السلام): الصبر: زينة البلوی.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم تقرير عبادي (اذا صحّ التعبير عن احد مبادئ السلوك النفسي السويّ)، اي: ان الشخصية السوية السالمة من العرض المرضي هي: من تمتلك قابلية (الصبر) علی مواجهة شدائد الحياة، والصبر هنا - في اللغة النفسية - يعني: تأجيل الاشباع لحاجات الشخصية، وتدريب الذات علی تحمل الشدة، وسرّ ذلك من الوضوح بمكان، وذلك بأن الاشباع أساساً لا يمكن ان يتحقق البتة، لان قدرات البشر محدودة، والتطلعات والآمال والطموحات لا حدود لها، فهل يمكن مثلاً ان تحقق الشخصية طموحها في الحصول علی المعرفة المطلقة، أو الملك أو المال أو الصحة؟ ان ذلك غير متاح، واذن فلا مناص من وأد الطموح، والتدريب علی تأجيل الاشباع، هذا من جانب الطموح، واما من جانب الشدة، فان الشخصية مادامت طبيعة الحياة تفرض عليها مواجهة الشدة وتبعاً لقوله تعالی: «لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ»، حينئذ فلا مناص من تحمل شدائد الحياة من خلال (الصبر) عليها، وإلّا فان الجزع لا ينفع هنا بقدر ما يضاعف من الشدة، لان الشدة وحدها هي مصيبة، فاذا جزع الانسان منها اضاف مصيبة جديده، ولذلك ورد عن المعصومين (عليهم السلام): ان المصيبة للصابر هي واحدة وللجازع اثنتان.
بلاغة الحديث
المهم هو ملاحظة الصياغة البلاغية لهذه الحقيقة، متمثلة في قول الامام (عليه السلام): الصبر: زينة البلوی. فماذا نستلهم منها؟
الصورة المتقدمة نطلق عليها مصطلح (التمثيل) أو (التجسيد) او الاستعارة (بحسب بعض القواعد التقليدية) والمهم ان هذه الصياغة القائلة بان الصبر هو (زينة) تظل من التعبيرات البلاغية الفائقة في دلالتها وطرافتها. كيف ذلك؟
ان الزينة هي ما يتزين بها: كالملبس مثلاً يتزين به الشخص حتی يشعر الآخر بجمالية الملبس، او ان الطبيعة مثلاً تتزين بالأشجار والانهار واولئك جميعاً تشير الی ما هو جمال وحسن مقابل ما هو قبيح مثلاً.
ان الشخصية المواجهة للفقر او المرض عندما (تصبر) اي: تتحمل الشدة دون ان تجزع منها بل تتقبلها بمثابة واقع لا مناص منه حينئذ فان التوازن الداخلي للشخصية يتحقق بشكل تلقائي بحيث لا توتر ولا قلق ولا تمزق بقدر ما هو تكيفّ نفسي يفلسف طبيعة الحياة بأنها سجن المؤمن، وانها عابرة، وان الحياة الخالدة هي الآخرة، وان الثواب المترتب علی الصبر هو اشباع كبير لا حدود له مقابل الاشباع الدنيوي العابر المتمثل في الثروة والصحة.
من هنا، تجيء ظاهرة (الزينة) اي: جمال السلوك العابر، متجسدة في حياة متوازنة لا جزع منها، بل العكس فيها: الراحة النفسية، اي: الجمال المعنوي والجمال المادي ايضاً مادمنا نعرف بان الجمال المادي المتمثل من الصحة البدنية هو زينة البدن، مقابل الصحة النفسية التي هو زينة الروح: كما هو واضح.
اذن ما اعمق واطرف وأجمل هذه العبارة البلاغية القائلة بان الصبر هو زينة البلوی؟
*******
بقلم : الدکتور محمود البستانی
المأخذ : arabic.irib.ir