• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

وسيلة التعـارف

كثيراً ما نتساءل : ما هي الحكمة من اداء فريضة الحج ؟

للاجابة على هذا السؤال نقول: ان هناك حكماً عديدة تكمن وراء حج بيت الله الحرام ، وهذه الحكم يبينها الله جل وعلا في القرآن في أكثر من آية وسورة، كقوله عز من قائل في سورة الحج: « وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِن بَهِيمَةِ الاَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ » .

فالحج هو معراج روحي للانسان، كما هو الحال بالنسبة الى الصلاة. فقد جاء في الحديث الشريف : الطواف بالبيت صلاة .

والحج هو تذويب للفوارق بحميع انواعها وإثارة ، وتأجيجاً لمشاعر الوحدة الاسلامية القائمة على اساس المبادئ السامية، وهو ايضاً حركة اقتصادية واسعة ، ومؤتمر حضاري اسلامي عظيم ...كل ذلك وغيره يمثل حكما تدفع الانسان نحو الحج .

حكمة التعارف في الحج :

وهنا سوف اركز حديثي على حكمة اساسية من حكم الحج، قد تكون خافية على الكثير منا، الا وهي حكمة التعارف الذي جعله الله سبحانه وتعالى هدفاً وغاية لخلق البشرية، وذلك في قوله سبحانه:

« يَآ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَاُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ » (الحجرات/13) .

والتعارف الذي يعني، تعرف الناس على بعضهم البعض، يمثل اساس حضارة الانسان فوق هذا الكوكب. ونحن نعلم ان كلمة ( الحضارة مشتقة من الحضور، والحضور على نوعين؛ حضور لجسد مع جسد آخر، وحضور الروح عند الروح، والارادة لدى الارادة الاخرى. وبتعبير آخر ؛ هو حضور معنوي يفرز الحضارة والتقدم والتطور لدى الانسان ، لان الانسان الذي يكون له حضور الى جنب أخيه الانسان روحياً ومعنوياً ، ويعترف منذ البدء بوجوده وحقوقه ، فان هذا الشعور هو الذي يجعل الفردين الحاضرين عند بعضهما يتعاونـان. من المعلوم ان التعاون سـوف ينتهـي بالتالـي الى التقـدم والتكامـل .

الحضور المعنوي هو الاساس :

ولذلك فان الحضارة المستنبطة من فكرة الحضور والشهود ، انمـا تنفع

اذا كانت تعني الحضور المعنوي ولم تكتف بالحضور المادي . فكلما كان حضور الانسان عند الآخرين اكثر ، فان حضارتهم سوف تكون اسرع نمواً واكثر نضجاً، لان الانسان الذي يتعاون مع انسان آخر في جوانب معينة فان الحضارة عندهما ستكون محدودة بحدود تعاونهم مع بعض . ولذلك فاذا كان هناك انسانان مفترقان من الناحية المكانية، كأن يكون احدهما في الشرق والآخر في الغرب، وساد بينهما التعاون من جميع جوانبه، فانهما سوف يستطيعان افراز الحضارة رغـم انهما ليـسا حـاضرين عند بعضهما جسديـاً .

ولذلك فان القرآن الكريم يستعمل بدقة مصطلح ( التعارف ) بدلاً من الحضارة، ذلك لان معرفة البعض بالبعض الآخر ، والوعي الحضاري المتبادل ، وادراك الانسان ان عليه ان يتعاون مع الآخرين.. فان كــل ذلك هو بداية انطلاق الحضارة مـن كل موقــع .

ومما لاشك فيه ان هذا التعارف يتجسد كأحسن ما يكون التجسد في حج بيت الله الحرام، لان نخبة من ابناء الأمة الاسلامية من كافة الاقطار والطبقات سوف يتوافدون على منطقة واحدة ، ويجردون انفسهم عن الفوارق ؛ ومن ضمن مظاهر هذه الفوارق الثياب ، والجدل ، والتفاخر بالآباء ، والعمل ، واستخدام الوسائل الترفيهية.. ولكن هذه الفوارق تذوب جميعها اثنـاء موسم الحج، كما يقول تعالى: « الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَـجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي

الْحَجِّ » (البقرة/197) .

فالجدال الذي يفرق بين الانسان واخيه الانسان محرم ، وكذلك الفسوق والرفث، وكل ما من شأنه ان يميز انسانا عن انسان آخر .

وهكذا فان الحج هو البوتقة الواحدة التي تذوب جميع الفروق والحدود والحواجز المصطنعة بين ابناء البشر . وقمة هذا الذوبان، هو التعارف. ونحن - المسلمين- بحاجة ماسة الى هذه الحكمة سواء عبر فريضة الحج، او الوسائل الاخرى .

اهمية التعارف في توثيق العلاقات :

ومن اجل ان نبين اهمية التعارف في توثيق العلاقات الاجتماعية والانسانية نقول: لنفرض انه قد قيل لك ان لك اخوانا مسلمين يعيشون في احدى الجزر النائية تعرضوا لزلزال عنيف وقتلوا نتيجة لهذا الزلزال، فان هذا الخبر من الممكن ان لا يهزك ، ولا يثير مشاعرك إلاّ لفترة موقتة. اما لو أخبرت ان زميلاً لك في الدراسة قد كسرت رجله، ورقد في المستشفى، فانك ربما تتأثر اكثر. والسبب في ذلك انك تعرف زميلك هذا ، وهو يعيش في وعيك ، لان معرفتك به ، وذكرياتك معه هي التي تدفعك الى التأثر والتألم .

واذا ما افترضنا انك قد ذهبت الى الحج ، وفي اثناء ادائك لمراسم هذه الفريضة تعرفت بشكل او بآخر على اهالي هذه الجزيرة ، وتحدثت معهـم، فحينئذ سيختلف وقـع الخبر السابــق بالنسبة اليك ، فتبـادر الـى

مشاركتهم الحزن والاسى .

هل نحن في مستوى التعارف:

وللاسف فان المسلمين يعيشون اليوم حالة انفصام عن بعضهم. فلا يعرف بعضهم البعض الآخر، إلاّ بقدر معرفتهم بالاخبار العامة .

واذا ما اردنا ان نطرح هذه المشكلة في افق اوسع، فلا بد ان نقول: ان مشكلة العالم الثالث الذي ننتمي اليه، هي مشكلة تخلفنا في مجال التطور العلمي. في حين ان الاسلام جعل طلب العلم فريضة على كل انسان مسلم، والنبي صلى الله عليه وآله يحثنا على طلب العلم قائلاً: اطلبوا العلم من المهد الى اللحد و اطلبوا العلم ولو بالصين ([22])، والامام الصادق عليه السلام يشدد على اصحابه في طلب العلم قائـلاً : ليت السياط على رؤوس اصحابـي حتى يتفقهوا في الحلال والحـرام . ([23])

ان هذا العلم الذي جعله الله عز وجل فريضة ، وامرنا ان نبحث عنه، هو مشكلتنا اليوم . في حين ان الغربيين لا يعانون من اية مشكلة في هذا المجال . فعلى سبيل المثال، فان رئيس قسم الشرق الاوسط في مكتبة الكونغرس الاميريكية صرح ذات مرة ان هذه المكتبة مشتركة في (41) الف نشرة دورية تتحدث كلها عن الشرق الاوسط ، وفي الولايات المتحدة الاميريكية هناك المئات من بنوك المعلومات التي تزودنا بالمعلومات عن كل شئ ؛ عن حياتنا ، وعن طبيعة اقتصادنا ، ومسار سياستنا ، وتحركاتنا ... وقد ربطوا الآن بنوك العالم في اوروبا بنظيراتها في اميركا ، وهذه المعلومات تخزن ، لتتم الاستفادة منها ، ولذلك فانهم استطاعوا ان يستعمرونا ، ويكيدوا لنا ، ويمكروا بنا .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page