• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

في بيان الأحكام الواردة في الآية

يقول سبحانه: ( وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالْعُمْرَة للّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَريضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيام أَوْ صَدَقَة أَوْ نُسُك فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيّام فِي الْحَجِّ وَسَبْعَة إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشْرَةٌ كامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ شَديدُ الْعِقابِ ) .( [12])
الآية المباركة تتضمن أحكاماً نشرحها حسب مقاطع الجمل. 1. إتمام الحج والعمرة للّه
يقول سبحانه: ( وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالْعُمْرَة للّهِ ) فما هو المراد من الإتمام؟
إنّه سبحانه يأمر بإتمام الحجّ والعمرة، والمراد من الإتمام في المقام وغيره هو إنجاز العمل كاملاً لا ناقصاً، كما أنّ المراد من كون الإتمام للّه، كون العمل بعيداً عن الرياء والسمعة، والذي يعرب عن كون المراد من الإتمام هو الإكمال، أمران:
أ: أُطلق الإتمام في القرآن الكريم وأُريد به الإكمال، كقوله سبحانه: ( وَإِذ ابْتَلى اِبراهيمَ ربُّهُ بِكَلمات فَأَتَمَّهُنَّ ) ( [13]) وقوله سبحانه: ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلى اللَّيل ) ( [14]) وقوله سبحانه: ( وَيَأْبى اللّهُ إِلاّ أنْ يُتمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكافِرُون ) ( [15]) وقوله سبحانه: ( وَيُتِمُّ نعمتَهُ عَليْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها على أَبَوَيْكَ ) .( [16])
ب: قوله سبحانه: ( فَإِنْ احصرتُم ) أي منعكم حابس قاصر عن إتمام الحجّ فعليكم بما استيسر من الهدي، فالجملة قرينة على أنّ المراد من الإتمام، الإكمال.
وعلى ذلك جرى المفسرون في تفسير الجملة الآنفة الذكر، قال الشيخ الطوسي: يجب أن يبلغ آخر أعمالها بعد الدخول فيها، ثمّ عزاه إلى مجاهد والمبرد وأبي علي الجبائي.( [17])
وقال الرازي: إنّ الإتمام يراد به فعل الشي كاملاً وتامّاً، فالمراد الإتيان به بما جاء في ذيل الآية من حكم الحصر.( [18])
هذا هو المفهوم من الآية، وأمّا تفسير الآية بإفراد كلّ واحد منهما بإنشاء سفر مستقل، فممّا لا تدلّ عليه الآية . نعم انّ العرب في عصر الجاهلية كانوا يفرّقون بين الحجّ والعمرة، فكانوا يأتون بالعمرة في غير أشهر الحج وبالحجّ في أشهره، وكانوا يفردون كلاًّ عن الآخر، وكانت سيرتهم على ذلك إلى أن أدخل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) العمرةَ في الحجّ حتّى أمر من لبّى بالحج في أشهر الحجّ وأحرم له، أن يجعله عمرة ثمّ يتحلّل ويحرم للحج ثانياً، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «دخلت العمرة في الحجّ إلى الأبد» كما سيوافيك تفسيره.
نعم روي ذلك مرفوعاً عن أبي هريرة، كما روي أنّ عمر كان يترك القران والتمتع ويذكر أنّ ذلك أتمّ للحجّ والعمرة وأن يعتمر في غير شهور الحجّ، فانّ اللّه تعالى يقول: ( الحَجُّ أَشهرٌ مَعْلُومات ) وروى نافع عن ابن عمر أنّه قال: «فرّقوا بين حجِّكم وعمرتكم».( [19])
كما روي ذلك القول عن قتادة أنّه قال: «الاعتمار في غير أشهر الحج»( [20])، ولعلّه أراد العمرة المفردة لا عمرة التمتّع التي لا تنفكّ عن الحجّ.
فظهر ممّا ذكرنا انّ المراد بإتمام الحجّ والعمرة للّه هو إكمالهما على النحو المقدور، فإن لم يمنع حابس يكمله بإتيان عامّة الأجزاء وإن حُصِر، يخرج من الإحرام على النحو الذي سيوافيك، وهو أيضاً نوع من الإتمام.
وأمّا تفسير الإتمام بإنشاء السفر لكلّ من العمرة والحجّ، فغير مفهوم من الآية ومخالف لسيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث أمر أصحابه بإدخال العمرة في الحجّ وتبديل النيّة من الحجّ إلى العمرة، و قد كان ذلك شاقّاً على أصحابه، لأنّهم كانوا قد احرموا للحجّ على النحو الرائج في العصر السابق، فمن حاول تفسير الآية بتفكيك العمرة عن الحجّ بإنشاء سفرين: أحدهما في أشهر الحجّ والآخر يعني: العمرة في غيره، فقد فسَّـر الآية برأيه أوّلاً، وخالف سنّة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثانياً.
2. إذا أُحصر بالعدو أو المرض
لمّا أمر سبحانه حجاج بيته بإتمام الحجّ والعمرة وإكمالهما، حاول بيان وظيفة المحصر الذي يمنعه حابس عن إكمال الحجّ والعمرة، فقال: ( فَإِنْ أُحصرْتُمْ فَما اسْتَيْسَر مِنَ الهَدي ) .
أصل الحصر، الحبس، ومنه يقال للّذي لا يبوح بسرّه «حَصِر» لأنّه حبس نفسه عن البوح، و المعروف انّ لفظ الحصر مخصوص بمنع العدو إذا منعه عن مراده وضيّق عليه، وربما يستعمل في مطلق المانع ويقال: أُحصر بالمرض وحُصر بالعدو.
وعلى ذلك فالمحصِر عليه التحلّل بالذبح، ولا يتحلّل قبل الذبح كما قال سبحانه: ( فَإِنْ أُحصرْتُمْ فَما اسْتَيْسَر مِنَ الهَدي ) أي ما تيسّر منه، وقيل الهدي جمع الهدية كالتمر جمع التمرة، والمراد من الهدي ما يهدى إلى بيت اللّه عزّ وجلّ تقرّباً إليه، أعلاه بدنة، وأوسطه بقرة، وأيسره شاة.
3. لا يتحلّل قبل الذبح
إنّ المحصر يتحلّل بالذبح، فلا يتحلّل من الإحرام حتّى ينحر أو يذبح. قال سبحانه: ( وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الهَديُ مَحِلّه ) وأمّا ما هو المراد من المحل؟ فهناك أقوال ثلاثة:
أ: الحرم فإذا ذبح به في يوم النحر أحل.
ب: الموضع الذي يُصد فيه، لأنّ النبي نحر هديه بالحديبية وأمر أصحابه ففعلوا مثل ذلك، وليست الحديبية من الحرم.
ج: التفصيل بين المحصِـر بالعدو، والمحصر بالمرض. فالأوّل يذبح في المحل الذي صُدّ فيه، وأمّا الثاني ينتظر إلى أن يذبح في يوم النحر.
4. حكم المريض ومن برأسه أذى
لمّا منع سبحانه حلق الرأس قبل بلوغ الهدي محلّه رخّص لطائفتين وإن لم يذبحوا:
أحدهما: المريض الذي يحتاج إلى الحلق للمداواة.
والثاني من كان برأسه أذىً.
وقال: ( فمن كان منكم مريضاً أو به أذى ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) فالمحرم المعذور يحلق رأسه قبل الذبح، وفي الوقت نفسه يكفِّر بأحد الأُمور الثلاثة، وكلّ واحد منها فدية، أي بدل وجزاء من العمل الذي تركه لأجل العذر، وهو أن يصوم أو يتصدّق أو يذبح شاةً. وأمّا الصوم فيصوم ثلاثة أيّام، وأمّا الصدقة فيتصدّق على ستة مساكين أو عشرة، وأمّا النسك فيذبح شاة، وهو مخيّـر بين الأُمور الثلاثة.
5. التمتّع بالعمرة إلى الحجّ
يقول سبحانه: ( فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلى الحَجّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدي ) ، كان كلامه سبحانه في المحصر، والكلام في المقام في غير المحصر ومن حصل له الأمن وارتفع المانع كما يدلّ عليه قوله سبحانه: ( فاِذا أَمنتم ) ، فعلى قسم من المكلّفين( [21]) إذا أتوا بالعمرة ثمّ أحرموا للحج فعليه ما تيسّر من الهدي في يوم النحر في أرض منى.
المراد من التمتع في ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلى الحَج ) هو التمتع بمحظورات الإحرام بسبب أداء العمرة فيبقى متحلّلاً متمتِّعاً إلى أن يحرم للحج، وعندئذ يجب عليه ما تيسّـر من الهدي.
والآية تصرح بأنّ صنفاً من المكلّفين، وهم الذين فرض عليهم حجّ التمتع يحلّ لهم التمتع بعامة المحظورات إلى زمن إحرام الحجّ، فاستنكار التمتع بين العمرة والحجّ ـ لأجل استلزامه تعرّس الحاج بين العمرة والحج ورواحه إلى المواقف ورأسه يقطر ماءً ـ إطاحة بالوحي وتقديم للرأي على الوحي، كما سيوافيك تفصيله. وإنّما ذكر من أعمال الحجّ الكثيرة خصوصَ الهدي، فقال: ( فما استيسر من الهدي ) مع أنّ من تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فعليه الاحرام أوّلاً ثمّ الوقوف في عرفة، ثمّ الافاضة إلى المشعر والمزدلفة، ثمّ منها إلى منى ورمي الجمرات والذبح والحلق إلى غير ذلك.
أقول: إنّما خصّ ذلك بالذكر لاختصاص الهدي بحكم خاص، وهو سبحانه بصدد بيان حكمه، وهو انّه إذا عجز عن الهدي فله بدل، بخلاف سائر الأعمال فانّ ذاتها مطلوبة وليس لها بدل، فقال سبحانه مبيّنـاً لبـدل الهـدي.
6. الفاقد للهدي
بيّن سبحانه حكم من لم يجد الهدي ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيّام فِي الْحَجِّ وَسَبْعَة إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشْرَةٌ كامِلَة ) أي انّه يصوم بدل الهدي ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلى موطنه على وجه يكون الجميع عشرة كاملة، وأمّا أيّام الصوم فقد ذكرت في الكتب الفقهية، وهي اليوم السابع والثامن والتاسع.
7. التمتع بالعمرة إلى الحجّ وظيفة الآفاقي
إنّه سبحانه أشار بأنّ التمتع بالعمرة إلى الحجّ فريضة من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، وقال: ( ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ) أي ما تقدّم ذكره حين التمتع بالعمرة إلى الحجّ ليس لأهل مكة و من يجري مجراهم وإنّما هو لمن لم يكن من حاضري مكة، وأمّا الحاضر فهو من يكون بينه و بينها دون 48ميلاً، وعلى قول آخر أقلّ من 12 ميلاً من كلّ جانب على الاختلاف .
ثمّ إنّه سبحانه أتمّ الآية بالأمر بالتقوى، أي العمل بما أمر والنهي عمّـا نهى، وذلك لأنّه سبحانه شديد العقاب، فقال: ( واتقوا اللّه واعلموا انّ اللّه شديد العقاب ) . هذا هو تفسير الآية المباركة جئنا به ليكون قرينة واضحة على تفسير ما سنسرد من الروايات والأحاديث من احتدام النزاع بين النبي وأصحابه في كيفية الحجّ ودام حتّى بعد رحيله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
والمهم في المقام في إفادة المقصود هو الجملتان التاليتان:
1. ( وَأَتِمُّوا الحَجّ وَالعُمرة للّه ) .
2. ( فَمَنْ تَمَتَّع بِالعُمرة اِلى الحَجّ ) .
فالأُولى تدلّ على إكمالهما دون افرادهما في الزمان، كما أنّ الثانية تدلّ على لزوم التحلّل والتمتّع بين العملين.

_________________
[12] . البقرة: 196.
[13] .  البقرة: 124.
[14] .  البقرة: 187.
[15] .  التوبة: 32.
[16] . يوسف: 6.
[17] . التبيان:1/ 154.
[18] .  تفسير الرازي:5/ 139.
[19] .  تفسير الرازي:5/ 145.
[20] . التبيان:1/ 154.
[21] . أي غير حاضري المسجد الحرام كما سيأتي في الآية.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page