في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
قد عرفت أنّ العرب في العصر الجاهلي يفرزون العمرة عن الحجّ ويأتون بها في غير أشهر الحجّ، وقد كان الجمع بينهما من أفجر الفجور، وقد ترسخت تلك الفكرة عند العرب في العصر الجاهلي حتّى أضحت جزءاً من كيانهم، فالدعوة إلى إدخال العمرة في الحج كانت دعوة على خلاف ما شبّوا وشاخوا عليه، ولذلك لمّا أمرهم النبي بإدخال العمرة إلى الحجّ وجعل الإهلال للحجّ عمرة، تعاظم أمرهم وثارت ثورتهم، وقاموا بوجه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على نحو أثاروا غضبه ، وإليك بعض ما روي في المقام: 1. أخرج مسلم عن عطاء قال: سمعت جابر بن عبد اللّه في ناس معي قال: أهللنا أصحاب محمد بالحجّ خالصاً وحده، قال عطاء: قال جابر: فقدم النبي صبح رابعة مضت من ذي الحجّة فأمرنا أن نحل، قال عطاء: قال: حلّوا وأصيبوا النساء، قال عطاء: ولم يعزم عليهم ولكن أحلهنّ لهم، فقلنا: لما لم يكن بيننا و بين عرفة إلاّ خمس، أمرنا أن نفضي إلى نسائنا فنأتي عرفة تقطر مذاكرنا المني.
قال: يقول جابر بيده كأنّي أنظر إلى قوله «بيده» يحركها، قال: فقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فينا فقال: قد علمتم انّي أتقاكم للّه وأصدقكم وأبرّكم ولولا هديي لحللت كما تحلون، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي فحلّوا، فحللنا وسمعنا وأطعنا.
قال عطاء: قال جابر: فقدم علىّ من سعايته فقال: بم أهللت، قال: بما أهلّ به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له رسول اللّه: فأهد، وامكث حراماً، قال: وأهدى له علي هدياً، فقال سراقة بن مالك بن جُعشم: يا رسول اللّه: ألعامناهذا أم لأبد، فقال: لأبد.( [32])
2. روى مسلم عن جابر بن عبد اللّه (رضي الله عنه) قال: أهللنا مع رسول اللّه بالحجّ، فلمّـا قدمنا مكة أمرنا أن نحلّ ونجعلها عمرة، فكبر ذلك علينا وضاقت به صدورنا، فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فما ندري أشي بلغه من السماء أم شي من قبل الناس، فقال:أيّها الناس أحلّوا فلولا الهدي الذي معي، فعلتُ كما فعلتم، قال: فأحللنا حتّى وطئنا النساء وفعلنا ما يفعل الحلال حتّى إذا كان يوم التروية وجعلنا مكة بظهر، أهللنا بالحج.( [33])
3. أخرج مسلم عن عائشة انّها قالت: قدم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لأربع مضين من ذي الحجّة أو خمس فدخل علىَّ وهو غضبان ، فقلت: من أغضبك يا رسول اللّه، أدخله اللّه النار؟ قال: أو ما شعرت انّي أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون، ولو اني استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي معي حتّى اشتريه ثمّ أحلّ كما حلّوا.( [34])
هذا غيض من فيض ممّا يحكي عن حالة عصيان بين الصحابة في ذلك الموضوع وانّهم لم يستجيبوا بادئ بدء لأمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى أغضبوه، فأين عملهم هذا من قوله سبحانه: ( وَما كانَ لِمَؤْمِن وَلا مُؤْمِنَة إِذا قَضى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) ( [35]) وقوله سبحانه: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَرَسُولهِ وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَليم ) . ( [36])
أي لا تتقدّموا على اللّه ورسوله، ولا تقدّموا قولكم على قولهما.
_________________
[32] . صحيح مسلم:3/36، باب بيان وجوه الإحرام وانّه يجوز افراد الحجّ والتمتع والقران.
[33] . صحيح مسلم:3/37، باب بيان وجوه الإحرام وانّه يجوز افراد الحجّ والتمتع والقران.
[34] . صحيح مسلم:3/33، باب بيان وجوه الإحرام.
[35] . الأحزاب: 36.
[36] . الحجرات: 1.
احتدام النزاع بين الصحابة
- الزيارات: 1927