• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفور والتراخي في فريضة الحج

إنّ الأحكام الشرعية تبتنى على كلٍّ من الأمر والنهي ، اللذين بهما يتمّ التفريق بين ما أرادته الشريعة المقدسة من حلال ، وما وضّحته من حرام ونهت عنه ، وبالتالي يتسنى للمكلّف ـ إذا ما عرف ذلك ـ الخروج عن عهدة التكاليف الشرعية ، التي ترتبت عليه بحكم كونه مسلماً مطيعاً منقاداً لتعاليم السماء .
والبابُ الوحيد إلى ذلك هو الطاعة ، التي تتحقق بامتثاله أوامر الله تعالى وبانتهائه عمّا نهى عنه ، وإلاّ عُدّ عاصياً يستحق العقاب في الدنيا وفي الآخرة .
والذي يعنينا ويهمنا في هذه المقالة المختصرة ـ التي أحاول أن اُبعدها مهما أمكن عن التطويل في ذكر الخلافات العريضة ، التي لا ينجو منها أي موضوع سواء أكان اُصولياً أم فقهيّاً أو . . . ـ هو الأمر دون النهي ، وبالذات الأمر المطلق دون المعلّق على شيء سواء أكان هذا الشيء شرطاً أو صفة . . وما يدور حوله من أنّه مبنيٌّ على الفور أو التراخي أو لا يعني هذا ولا ذاك ، وإنما هو لطلب الحقيقة والماهية فقط ، أو أنّه يدل على القدر المشترك بين الفور والتراخي . . ثم الانتقال بعد ذلك ببيان موجز إلى واحد من آثار هذه المسألة وهو : فريضة الحج ، وهل هي مبتنية على الفور أو على التراخي ، والتعرض إلى أقوال الفرق الإسلامية وآراء فقهائها في هذا الخصوص .
فقد اتفقت كلمة الفقهاء وأهل اللغة على أن الأمر يدل على الوجوب إذا ما خلا من القرينة ، التي قد تصرفه وتبعده عن الوجوب ، الذي هو حقيقة فيه .
لغةً «الأمر حقيقة في الإيجاب بمعنى الإلزام وطلب الفعل وإرادته جزماً» .
وشرعاً «الأمر حقيقة شرعية في الوجوب ، الذي يترتب على مخالفته استحقاق الإثم والعقاب»(1) .
قال تعالى : { أفعصيت أمري}(2)ولا معصية بلا وجوب : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره}(3) .
فالذم والتحذير والتهديد والوعيد . . كلها تتوجه لمن أعرض وتولى عمّا وجب عليه أداؤه . . وكما أن ذيل الآية هو الآخر { . . أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} يبين أنّ الفتنة والعذاب الأليم يترتبان على مخالفة الأمر . وهذا قد يُعدّ أدلّ نصٍّ على أن الأمر يقتضي الوجوب .
قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كلّ صلاة» فلولا تفيد انتفاء الأمر لوجود المشقة ، وانتقل إلى الندب حيث لا مشقة فيه . والأمر هنا للإلزام والوجوب لو وقع .
والوجوب ثابت للأمر ـ سواء أكان ثبوته بالوضع أم بالانصراف لغلبة الاستعمال ـ ولا يحمل على الندب إلاّ بقرينة ، هذا وإن الوجوب أيضاً ثابت للأمر سواء أكان الأمر مطلقاً أم كان مقيداً بوقت معين أو معلقاً على شرط أو صفة . . ولكن الأمر المطلق اُفرد دون غيره; لأنه محل النزاع والخلاف في مسألة الفور والتراخي اللذين هما محل كلامنا .
الفور لغةً : مِن فار يفور فوراً وفوراناً ، وهو مأخوذ من قولهم : فار الماء يفور فوراً : أي خرج من الأرض متدفقاً ، ومن فارت القدر أي اشتدّ غليانُها ، وسارع ما فيها إلى الخروج . . ثم استعمل في الحالة التي لا بطء فيها . . فالفور : العجلة والسرعة ، ولهذا يعبّر بالفور عن الغضب والحدّة; لأن الغضبان يسارع إلى البطش بمن غضب عليه ، وهو مصدر; يعبر به عن أول الوقت ، فيقال : أتيتُ من فوري ، ورجعتُ من فوري ، وفعلتُ ذلك من فوري ، وفوراً وفور وصولي ، أي في الوقت نفسه أو في أول الوقت ، وقبل سكون الحالة أو الأمر الذي أنا فيه ، والذي لا يتحمل الابطاء ولا التراخي .
وفي الآية { . . ويأتوكم من فورهم . .} أي من وقتهم أو ساعتهم . .(4) .
وأما اصطلاحاً : فالمقصود بالفور هو : كون الأداء في أول أوقات الإمكان(5) أو المبادرة إلى تنفيذ الأمر بمجرد سماع التكليف مع وجود الإمكان ، وإلاّ كان المكلّفُ مؤاخَذاً .
التراخي لغةً : مصدر تراخى من رخا . . . رخاءً : أي اتسع فهو رخو ، ورخِي الشيء رُخاً ورُخاءً أي صار رِخواً وليناً ومنه الآية { فسخرنا له الريحَ تجري بأمره رُخاءً حيث أصاب} أي تجري لينةً طائعةً . .
ويُقال : أرخى له العِنانَ أي خلاّه وشأنه . . وتراخى : فتر ، وتأخر ، وتباطأ ، ولهذا يقال : تراخى عن الأمر : أي تقاعد وتقاعس عنه . وتراخت السماء : أبطأت بالمطر . . وتراخى ما بينهما : تباعد . . فيقال : إن في الأمر تراخياً ، أي : امتد زمانه ، وفي الأمر تراخي ، أي : إن فيه فسحةً وامتداداً . .(6) .
وأما اصطلاحاً : فهو كون الأداء متأخراً عن أول وقت الإمكان إلى مظنة الفوت(8) .
أو تخيير المكلف بين الأداء فوراً عند سماع التكليف ، وبين التأخير إلى وقت آخر مع ظنّه على أدائه في ذلك الوقت (8) .
وأخيراً فالفور إذن ضد التراخي بالضبط .
__________________________
(1) سعد الدين التفتازاني ، انظر اُصول الفقه الإسلامي : 221 .
(2) طه : 93 .
(3) النور : 63 .
(4) آل عمران : 15 ، واُنظر مادة : فور في المصباح وفي لسان العرب والقاموس المحيط والمنجد والمعجم الوسيط . . .
(5) اُنظر التعريفات للجرجاني مادة فور، واُصول الفقه الإسلامي 1 : 229 للزحيلي.
(6) اُنظر مادة : رخو في لسان العرب ، والقاموس والمحيط والمصباح المنير والمنجد والمعجم الوسيط . . .
(7) انظر كشّاف مصطلحات الفنون 3 : 594 .
(8) اُصول الفقه الإسلامي للزحيلي 1 : 229 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page