• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

تحرير محلّ النزاع

ثمّ إن هذه الفورية وهذا التراخي ، وكون الفعل يدلّ على أي منهما أو لا يدل . . وقع النزاع فيه بين الأصوليين من الفريقين قديماً وحديثاً على مذاهب يمكن حصرها في ثلاثة ، وكلُّ فريق أو مذهب جاء بأدلته على مختاره ، نأتي على ذكر ما تيسّر لنا منها بشكل مختصر; لنصل إلى أحد منا شئ أو آثار هذه النزاع ، وهو أداء فريضة الحج ، يقول الدكتور الزحيلي : ومنشأ الخلاف كلامهم في الحج ، هل هو على الفور أو التراخي؟ وكذا غيره . .(1)
وقبل التعرض لذلك لابدّ لنا من أن نحرّرمحلّ النزاع أولا بمقدمات، فنقول
إن الأوامر أربعة أقسام
1 ـ الأمر المطلق : وهو الخالي من أي قرينة أو قيد . .
2 ـ الأمر المؤقت : أي المقيد بوقت ثابت محدّد ومعين ، له أول وله آخر; كالصيام الذي يمسك فيه المكلّف طيلة الوقت ويستغرق جميع أجزائه .
3 ـ الأمر المعلّق على شرط : مثل { وإن كنتم جنباً فاطهروا}(2) . وغالباً ما يأتي مستعملا مع أدوات الشرط .
4 ـ الأمر المعلّق على صفة : مثل : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما . .}(3) ، { الزانية والزاني فاجلدوا كلَّ واحد منهما مئة جلدة}(4) .
وقد اتفقت كلمتهم على أن الأمر المطلق أي الأول ـ دون الأوامر الثلاثة الأخرى ـ هو محلُّ النزاع . كما أن هذا النزاع يتمّ عند مَن يذهب إلى أن مطلق الأمر لا يقتضي التكرار كالشيخ المفيد وتبعه الشيخ الطوسي . . وغيرهما الكثير من العامة والخاصة . أما على مذهب القائلين باقتضائه للتكرار ، فإن الفورية تعدّ من ضروريات الأمر ، ولأنه يستغرق الأوقات كلّها بالفعل المأمور به(5) .
بعد هذا نقول : إن أقوال الفرق الإسلامية يمكن درجها تحت النقاط التالية
1 ـ المالكية والحنابلة في ظاهر المذهب والكرخي من الحنفية وبعض الشافعية قالوا : إن مطلق الأمر أي المجرد عن قرينة الفور أو التراخي هو للفور ـ ومعنى الفور . . : الشروع في الامتثال عقب الأمر من غير تأخير ولا فصل ، وقد نسب الشيرازي للكرخي أن مذهبه عدم الفورية .
2 ـ الحنفية على الصحيح من المذهب : إن مطلق الأمر على التراخي ، فلا يثبت حكم وجوب الأداء على الفور بمطلق الأمر .
ومعنى التراخي . . تأخير الامتثال عن وقت الأمر زمناً يمكن إيقاع الفعل فيه فصاعداً . وهو مختار أعيان المعتزلة كالقاضي عبد الجبار ، وابن حزم الأندلسي ، وقد ذكر هذا القول البيضاوي ونسبه لقوم ، واختاره السرخسي في أصوله .
وقد استدل هؤلاء بأن هناك فرقاً بين الأمر المقيد والأمر المطلق ، فإن قول القائل لخادمه : «افعل كذا الساعة» يوجب الائتمار على الفور ، وهذا أمر مقيد ، وقول القائل : «اِفعل» مطلق ، وبين المطلق والمقيد مغايرة ومنافاة ، فلا يجوز أن يكون حكم المطلق ما هو حكم المقيد ، فيما يثبت التقييد به; لأن في ذلك إلغاء صفة الإطلاق ، وإثبات التقييد من غير دليل ، وليس في الصيغة الآمرة المطلقة ما يدل على التقييد ، في وقت الأداء ، فيكون على التراخي كالأمر بالكفارات وقضاء الصوم والصلاة .
3 ـ الشافعية على الراجح : إن الأمر المطلق لا يفيد الفور ولا التراخي .
وقد استدل هؤلاء; بأن ورود الأمر مع الفور ، ومع عدمه ، ويصح تقييده بالفور وبالتراخي ، فيجعل حقيقة في القدر المشترك ، وهو طلب الإتيان بالمأمور به ، منعاً من الاشتراك والمجاز .
وقد رجح بعضٌ أن الأمر لا يدل بذاته على الفور أو التراخي ، بل يستفاد ذلك من القرائن ، فمن قال لغيره : «اسقني» كان المراد به الفور بقرينة أن طلب الشرب عادة يكون عند الحاجة إلى الماء ، وإذا كان المأمور به مطلقاً عن الوقت كالزكاة والحج وقضاء الصوم والصلاة ، وأداء الكفارات ، فيجوز فيه التأخير ، ولكن المبادرة إلى الفعل أولى وأحوط ، قبل مباغتة الموت ، وانتهاء الأجل قبل الأداء لقوله تعالى : { فاستبقوا الخيرات}(6) .
__________________
(1) اُصول الفقه الإسلامي للدكتور الزحيلي 1 : 230 .
(2) المائدة : 6 .
(3) المائدة : 38 .
(4) النور : 2 .
(5) وتتميماً للفائدة نقول : إن الجميع متفقون على أنه لا ريب في أن الخطاب لو كان مقيداً بقرينة تقتضي التكرار ، وجب فيه التكرار كما لو قال : (صلِّ أبداً) وكذلك لو كان الخطاب مقيداً بقرينة تفيد المرة الواحدة ، حمل على الفعل مرّة واحدة ، وإنما الخلاف فيما إذا ورد الخطاب مطلقاً فإنه يمكن أن نقسّم آراء الفقهاء والمتكلمين في هذه الصورة إلى أربعة وهي
1 ـ الأمر بالشيء لا يقتضي الفعل إلاّ مرة واحدة ولا يحمل على ما زاد إلاّ بدليل .
2 ـ الأمر بظاهره يقتضي تكرار الشيء أبداً ، أي لو توجّه الأمر بشيء ، فإن على المكلّف أن يكرّره مدّة حياته بشرط الإمكان . .
(نأمل أن نتناول في المقالة القادمة «المرّة والتكرار» وهو موضوع اصولي وعلاقته بفريضه الحج .)
3 ـ الوقف : وقد اختلفوا في معنى الوقف ومفهومه ، فذهب جماعة إلى أنهم توقفوا في الصيغة المطلقة في مقدار الفعل حتى يقوم الدليل على المرة أو الكلي أو على مقدار معلوم . وقال الشريف المرتضى (الذريعة 1 : 100) : «أراد المرّة بلا شك ، وما زاد عليها لستُ أعلم هل أراده أو لم يرده . فأنا واقف فيما زاد على المرّة لا فيها نفسها» .
4 ـ الأمر بالشيء لا يقتضي التكرار ، حيث يعتقدون أن الأمر إنما يفيد طلب الماهيّة من دون دلالة على الوحدة أو الكثرة ، ولكن بما أن الطبيعة لا تحصل في الخارج إلاّ بإحضارها مرّة واحدة ، صارت المرة من ضروريات الإتيان بالمأمور به ، وإلاّ فإن الأمر لا يدل بذاته على المرة أو التكرار .
فإن مختار الشيخ المفيد(قدس سره) (التذكرة : 30) وتبعه على ذلك الشيخ الطوسي ، هو أنه «لا يجب ذلك أكثر من مرّة واحدة ، ما لم يشهد بوجوب التكرار الدليلُ» أما الشريف المرتضى ، فقد ذكرنا رأيه (انظر في هذا الهامش كله مع أصحاب الأقوال : العدة في أصول الفقه للشيخ الطوسي ـ الهامش : 199 ـ 200 .
(6) انظر في هذا كله : الموسوعة الفقهية ـ مصطلح أمر ، واُصول الفقه الإسلامي للزحيلي ، الأمر ، والآية البقرة : 148 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page