طباعة

رأي السيد المرتضى

ويبدو أن السيد في رأيه هذا قد تفرّد به في دائرة الفقه الإمامي ، في حين وجدتُ في المذهب الشافعي من يذهب المذهب نفسه(1) .
يقول السيد : إنّ الأمر المطلق مشترك بينهما(2) أي بين الفور والتراخي ، فيتوقف في تعيين المراد منه على دلالة تدل على ذلك .
ومعنى هذا أن الأمر وضع بوضعين ، مرة وضع ويُراد منه الفور ، واُخرى وضع ويراد منه التراخي كما هو شأن الألفاظ المشتركة الأخرى عند اطلاقها ، ويحتاج إلى دليل خارجي لتمييز أي المرادين مطلوب . وقد استدل السيد المرتضى على مختاره بدليلين
الأول : أن الأمر قد يرد في القرآن واستعمال أهل اللغة ، ويُراد به الفور ، وقد يرد ويراد به التراخي ، وظاهر استعمال اللفظة في شيئين ، يقتضي أنها حقيقة فيهما ، ومشتركة بينهما .
أي أنه استعمل مرةً وأريد به الفورية ، كما استعمل أخرى وأريد به التراخي ، واستعمال اللفظ في مرادين أو معنيين حاله حال استعمال اللفظ الواحد في معنى واحد ومراد واحد ، فإنّ الأصل في الاستعمال هذا الحقيقة .
واجيب عن ذلك بأن هذا يتم إذا فقد الدليل على المجاز ، أما إذا وجد الدليل هذا ، فلا نستطيع أن نتمسك بقاعدة الأصل في الاستعمال الحقيقية . ثم إن الأمر مستعمل فيما هو أعمّ من الفورية والتراخي كالقدر المشترك . . فلابدّ من انضمام شيء آخر ، لتفهم منه الخصوصية المرادة كوجود القرينة ، وإنما يقتضي أن يكون حقيقة فيهما إذا كان مستعملا بمجرده دون شيء آخر .
يقول صاحب المعالم : إن الذي يتبادر من اطلاق الأمر ليس إلاّ طلب الفعل ، وأما الفور والتراخي فإنهما يفهمان من لفظه بالقرينة .
الثاني : أنّه يحسن ـ بلا شبهة ـ أن يستفهم المأمور ـ مع فقد العادات والأمارات ـ هل أريد منه التعجيل أو التأخير؟ والاستفهام لا يحسن إلاّ مع الاحتمال في اللفظ .
أي أن المولى لو أمر عبده بشيء ، فهنا يجوز للعبد أن يسأل ، أَتريده فوراً أم لا؟ كما أنه يصح للمولى أن يجيب عبده بأني أريد فوراً أو على التراخي . . فهذا دليل على أن الأمر وضع لكليهما ، وليس لواحد منهما وإلاّ لا يصح الاستفهام .
والجواب بأن العبد إنما سأل مولاه لاحتمال أن يكون هذا الأخير أراد المعنى الحقيقي أو المجازي من طلبه .
يقول صاحب المعالم : ويكفي في حسن الاستفهام ، كونه موضوعاً للمعنى الأعم ، إذ قد يُستفهم عن أفراد المتواطي لشيوع التجوّز به عن أحدهما فيقصد بالاستفهام رفع الاحتمال .
ولكن يمكننا أن نقول : إذا لم يتبادر من الفعل المطلق إلاّ طلب الحقيقة ، فلماذا الاستفهام؟
ثم إنه وحسب مقدمات الحكمة أن العاقل ما يريده يقوله ، ويقوله بوضوح ، فلا داعي منه لهذا الخلط أو الغموض في الطلب الذي يؤدي للسؤال .
كما أن من النادر أن يقع مثل هذا الاستفهام أتريد الحقيقة أو المجاز ، أتريدالأسدالحقيقي أم الرجل الشجاع؟
هذا وأن السؤال قد يقع حتى يرفع الغموض عن طلب المولى الذي قد يكون يريد طلب طبيعة الفعل وحقيقته ، لا فقط المعنى المجازي أو الحقيقي أو الفور أو التراخي . .
وأخيراً فإن الراجح هو أن الأمر المطلق لا يدل على الفور ولا على التراخي ، بل إن كليهما يستفادان من قرائن وأدلة خارجية لا من الفعل بذاته ، وعلى هذا أكثر العلماء . .
بعد هذه النبذة عن الفور والتراخي والنزاع فيهما ، ننتقل إلى معرفة ما إذا كانت فريضة الحج التي هي سبب من أسباب هذا الاختلاف في الآراء; حول الفور والتراخي لنرى ما إذا كان فرضها أو وجوبها يقتضي الفورية في أدائها أم التراخي .
علماً أن من أسباب هذا النزاع وآثاره أموراًآخرى كأداءالزكاة وقضاء الصوم والصلاة.. وهل كل واحدة من هذه وجبت على الفور أو التراخي؟
______________
(1) اُصول الفقه الإسلامي ، للدكتور الزحيلي 1 : 231 .
(2) الذريعة 1 : 132 ، معالم الدين للجباعي : 158 ـ 1159 .