• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

تـمهيد

بما أن فريضة الحج و زيارة المراقد المقدسة في مكة والمدينة تعدّ مساحة واسعة لتلاقي أتباع المذاهب الاسلامية المتعددة ، ولتماسّ واحتكاك أبنائها بشكل واضح و جليّ ، ونظراً لمايسببه أي تصرف قولاً أو فعلاً مما يستغربه الآخرون ، بل مما قد يستنكرونه و يعيبونه و ينهون عنه ، وبالتالي قد يقع سبباً للاختلاف والنزاع و الفتن بين أبناء الأمة الواحدة . . . إضافة الى مابنيت عليه هذه القاعدة أساساً من دفع الضرر ، وما يؤدّي إلى الفساد والنزاع ، وهو مايتضح لنا من خلال الحديث عنها وعن أدلتها ، وأنّ العقل و الشرع أقرّ هذه القاعدة ، فهي إذن قاعدة عقلية شرعية هدفها حفظ النظام بين الناس والتآلف بينهم . . .
فقد جاءت هذه القاعدة لدرء أي خلاف أو فتنة أو نزاع . . . و لتضييق الفجوة بين أبناء الأمة الواحدة ، إن لم يكن الغاؤها ، تمهيداً لإرساء دعائم الوحدة الاسلامية وجعلها فوق كلّ خلاف ، سواء أكان على مستوى الفروع و الأحكام أم الموضوعات و المواقف . . ، فقاعدة التقية التي طالما أكدها أئمة أهل البيت و بيّنوا دورها الواسع ، فيما راحوا من جهة أخرى يؤكّدون على أتباعهم و مريديهم من شيعتهم الالتزام بها في تلك المواقع و الأماكن ، بل جعلوا مخالفتها في بعض الأمور مبطلة لأصل العمل ، إضافة الى ما يترتب على ذلك من إثم . . . حفظاً للوحدة بين المسلمين . وأنّ الوحدة أهم بكثير من إظهار فرع من الفروع ، أو معتقد من المعتقدات; حتى وإن كان حقاً لا ريب فيه .
ولا يعني هذا عدم السماح بأن يظهر الانسان الشيعي معتقده وآراءه للآخرين ، ويدعو لها ، بل له أن يدعو لآرائه و أفكاره بشرط الحكمة والموعظة الحسنة ، وبعيداً عن الإثارة والتعصب ، وكلّ ما من شأنه خلق الانفعالات و الاختلافات وما يسيئ الى وحدة الصف ، التي هي أهم من كلّ شيء .
لقد وجدت أنّ هذه القاعدة ، المعروفة من بين كثير من القواعد الفقهية ، التي يعتمدها الفقهاء في أحكامهم و فتاواهم ، وجدت هذه القاعدة تتجلّى فيما يخصّ فريضة الحج ، بل و التواجد المستمر في البقاع المقدسة ، سواء لأداء الحج فرضاً أو استحباباً ، أو العمرة وزيارة النبي(صلى الله عليه وآله) و البقاع المقدسة الأخرى للأئمة(عليهم السلام) . . .
ولهذه القاعدة دور مهم في كلّ مايصدر من الفقهاء سواءً أكان أحكاماً وفتاوى ، أم في تحديد مواقف الشيعة و آرائهم . . . التي لابد من أن تنبثق من هذه القاعدة ، وتصدر على ضوئها; لما يترتب على ذلك كله من أهداف كبرى و غايات نبيلة تصب في صالح الاسلام و المسلمين . . .
فهذا الذي جعلني أفرد لهذه القاعدة بحثاً خاصاً يتصف بالاختصار ، بحثاً يتناول معناها وأدلتهاو مصاديقها الخاصة ، وبعض الأمور التي تتعلق بها . . .
فمصاديق هذه القاعدة ، يمكن أن تقع في نواح أخرى وأماكن غير الحجاز ، إلاّ أنّ مصاديقها كثرت في هذه الأمكنة ، لخصوصياتها الكثيرة ولأنها الملتقى العام لأبناء المذاهب الاسلامية ، ومحل ابتلاء أبناء الطائفة الشيعية بالخصوص ، ولأنّ الحج هوالمحك الذي يطّلع من خلاله اتباع كلّ مذهب على ما عند المذهب الآخر من أعمال يتفرد بها ، وأمور يختص بها و آراء يدافع عنها ومواقف يتمسك بها . . . قد لا تروق للطرف الآخر أو لأكثرية المسلمين . . .ممّا قد يخلق الإعلان عنها والتجاهر بها حالة من التنفر والفرقة ، بل قد تؤدي الى أمور أخرى عواقبها غير محمودة أبداً .
إنّ من يزعم أنّه لم يجد أسسها في قرارة نفسه ، ولم يعثر عليها في مطاوي كيانه ، فإنه يجدها بمعالمها في حياته اليومية .
فالتقيّة قبل أن تكون حالةً شرعيةً ، التزم بها قوم ، واستنكرها عليهم آخرون إمّا جهلاً منهم ، وإمّا بغضاً لهم ، وإما لدوافع سياسية وأخرى طائفية . . .
فهي حالة طبيعية فطرية ، يعيشها الإنسان بذاته ، في إطار علاقاته مع الآخرين أصدقاء كانوا أو أعداءً . . .
فجاءت الشريعة المقدسة غير منكرة لها بل مقرّة بها ، واضعةً لها أهدافاً عاليةً ، ومصالح كبيرةً ، على مستوى الفرد والأمّة ، وسنّت لها شروطاً وأحكاماً ، وحدّدت دائرة عملها ، حتى غدت أسلوبَ عملٍ ناجحٍ في خدمة ديننا الإسلامي والدعوة إليه والدفاع عنه ، وباب خلاصٍ يلجه المضطرون ، وطريقة لمعايشة الاخوة من أبناء الأمة والطائفة الواحدة ، ومداراتهم; لحفظ كيان الأمة من الضياع في فتنٍ لاتنفع إلاّ أعداءها ، وإبعادها عن كلّ ما يسبب إرباكاً لها وانقساماً لأبنائها طوائف مختلفة ، فتكون لقمةً سائغة للمتربصين بها . . .
فالتقية
تارةً : تأتي مشروعاً واعياً للدعوة إلى اللّه تعالى . . . ولحفظ الأمة الإسلامية ووحدتها وكيانها العام .
وأخرى : تأتي لحفظ النفوس من أن تزهق ، والدماء من أن تراق .
وثالثة : لحفظ الكرامة والأعراض والأموال .
وقد يعيشها المؤمن سنين طويلة طالما أنّ هناك أذًى يخاف وفتنةً تخشى . وقد يعيشها لحظات ، شريطة أن لا يتغير إيمانه ولا يضعف ، بل يزداد صموداً وبقاءً .
إنّها رخصة يستفيدها المؤمن من آيات قرآنية ، وأحاديث نبوية ، ومواقف جهادية . . . تفضّلت بها السماء علينا ، فما علينا إلاّ أن نحسن التعامل معها بما يكون دافعاً لنا نحو كدح متواصل للقاء اللّه تعالى ونيل رضاه .
هذا ، ولا بدًّ لنا من الإشارة إلى أنّ الطائفة الشيعية استفادت من التقيّة عبر تأريخها ، واستخدمتها أكثر من غيرها حتى كادت تختصّ بها . وهذا أمر طبيعي ، فإذا ما تتّبع باحث حياتهم; لوجدها تعرّضت إلى ما لم يتعرض له الآخرون ، فالمطاردة والتنكيل ، والسجون والتعذيب ، والتقتيل بأشكاله البشعة ، كلّها ممارسات قذرة تلطّخت بها أيدي الطغاة والظالمين ، وصبّت على أبناء هذه الفئة من المسلمين ، لا لشيء إلاّ لأنهم من الموالين للإمام عليٍّ وللعترة النبوية الطاهرة ، ولأنهم رفضوا الظلم والظالمين ، وامتنعوا من الانصياع لهم ، فكان طبيعياً أن يضطروا إلى اللجوء إلى هذا الأسلوب ، الذي هو طريقة شرعية للحفاظ على كيانهم وبقائهم ، وبالتالي مواصلة جهادهم . . .
ولا أظنّ أنّ هناك شخصاً أو جماعةً لاتلوذ بهذا الأسلوب ، ولا تلجأ إليه ، إذا ما ابتلوا ببعض ما ابتليت به الشيعة عبر مسارها الجهادي الطويل . . .
وإذا ما استطاع الإنسان أن يظهر ما يراه ويعمل به بعيداً عن الأذى والملاحقة . . . فإنه لايلجأ إلى التقية ، ولا تحبذ له الشريعة بل ولا تجيز له ذلك . .
ومع هذا كلّه فإن كلمة الحقّ والتصريح بهايبقى هوالأعظم ثواباً والأكبر أجراً...
فلنقف أولاً عند أدلة هذه القاعدة و مصاديقها
فأدلّة هذه القاعدة قد توزّعت بين آيات قرآنية ، وأخرى روائية ، وثالثة حكم العقل; وتسالم الفقهاء ، ورابعة مواقف و أهداف .
وقبل أن نلج هذه الأدلة; لنتبين دلالتها على ما نحن فيه من صحة هذه القاعدة وسلامتها ، نعرض قليلاً لمعناها اللغوي و الاصطلاحي ، وإلقاء ضوءٍ على قاعدة التقية ومرادها وأهميتها ، وسعة دائرتها كما يذهب إلى هذه السعة الإماميّة بالذات .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page