• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أدلة مشروعية التقية

تتوزع أدلة هذه المشروعية بين أدلة قرآنية ، وأخرى روائية ، إضافة إلى حكم العقل ، وتسالم الفقهاء .
أولا : الآيات القرآنية
نكتفي هنا بذكر آيتين فقط; لأنهما الأوضح دلالةً على تشريع التقية مع أسباب نزولهما ، لتتضح لنا دلالة كل آية منهما على المطلب المذكور .
* قوله تعالى : {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيء إلاّ أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم اللّه نفسه وإلى اللّه المصير} (آل عمران : 28)
سبب النـزول
ذكر جمع من المفسّرين أسباباً متعددة لنزول هذه الآية ، ولكن مع تعددها اتفقت على أنّ بعض المسلمين ، كانت تربطهم بيهود المدينة علاقات حميمة تتصف بالصفاء والمودة ، بل بالولاء لهم ، وتقديمهم على المؤمنين . . .
جاء قوم من اليهود ، وكان منهم الحجاج بن عمر حليف كعب الأشرف وابن أبي الحقيق وقيس بن سعد ، قد بطنوا (سارّوا وصافّوا) نفراً من الأنصار; ليفتنوهم عن دينهم .
قال رفاعة بن المنذر ، وعبدالرحمن بن جبير ، وسعيد بن خيثمة لأولئك النفر من المسلمين : اجتنبوا هؤلاء اليهود ، واحذروا أن يفتنوكم عن دينكم ، فأبى أولئك النفر إلاّ مباطنتهم ولزومهم . فأنزل اللّه تعالى : {لا يتخذ المؤمنون الكافرين . . .} الآية .
فيما ذهب بعض المفسّرين إلى أنّها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وغيره ، وكانوا يتولون اليهود والمشركين ، ويخبرونهم بالأخبار ، ويرجون أن يكون لهم الظفر على رسول اللّه ، أو أنّها نزلت في عبادة بن الصامت ، وكان له حلفاء من اليهود ، ففي يوم الأحزاب قال : يا نبيّ اللّه إنّ معي خمسمائة من اليهود ، وقد رأيت أن يخرجوا معي . . .(1) .
إذن فالآية ، نهت اتباع الرسول(صلى الله عليه وآله) ومريديه أن يختاروا على المؤمنين بديلاً من الكفار ، سواء كانوا أهل كتاب أو غيرهم . . . فيدلوا لهم بالمودة ، ويركنوا اليهم ، وينصروهم ، ويتولوهم . . . لما في هذا كلّه من خطورة على الساحة المؤمنة ، وشرخ للحالة الإسلامية ، وإضعاف لها ، ولما يسببه هذا التقرب من استحسان لهم ، والتأثر بهم والرضا بما هم عليه من دين . . .
ولهذا نتائج سلبية خطيرة على المجتمع المسلم ، الذي تريد السماء أن يبقى متماسكاً بتماسك أفراده وبتولي بعضهم {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} فجاءت هذه الآية ، وغيرها من آيات تحمل نهياً صريحاً ، والتي منها {لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} ، {يا أيّها الذين آمنوا لاتتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} .
فالآية بعد أن رفضت هذا التولي ، وحذّرت منه ، وهدّدت فاعليه بالإخراج من ولاية اللّه تعالى ، وما يستتبعه من عقوبة صارمة . . .
وضعت الآية استثناءً للتولي المذكور : {إلاّ أن تتقوا منهم تقاة} فانطلقت مشروعية التقية من هذاالمقطع . فلنقف على أقوال بعض المفسّرين فيه من الفريقين.
يقول الطبرسي في تفسيره لهذه الآية
والمعنى إلاّ أن يكون الكفار غالبين ، والمؤمنون مغلوبين ، فيخافهم المؤمن إن لم يظهر موافقتهم ، ولم يحسن العشرة معهم ، فعندئذ يجوز له إظهار مودّتهم بلسانه ، ومداراتهم تقيّةً منه ، ودفعاً عن نفسه من غير أن يعتقد ذلك . . .
ثمّ واصل كلامه بقوله : وفي هذه الآية دلالة على أنّ التقية جائزة في الدين عند الخوف على النفس .
ثمّ أردف قائلاً : وقال أصحابنا : إنّها جائزة في الأحوال كلّها عند الضرورة ، وربما وجبت فيها; لضرب من اللطف والاستصلاح ، وليس تجوز من الأفعال في قتل المؤمن ، ولا فيما يعلم أو يغلب على الظن أنّه استفساد في الدين(2) .
أما الفخر الرازي في تفسيره للآية ، فيقول ، وهو يعدّد بعض أحكامها
إنّ التقية إنّما تكون إذا كان الرجل في قوم كفار ، ويخاف منهم على نفسه وماله ، فيداريهم باللسان ، وذلك بأن لا يظهر العداوة باللسان ، بل يجوز أيضاً أن يظهر الكلام الموهم للمحبة والموالاة ، ولكن بشرط أن يضمر خلافه ، وأن يعرض في كلّ ما يقول ، فإنّ التقية تأثيرها في الظاهر لا في أحوال القلوب .
ثمّ ذكر حكماً آخر : وهو أنّه لو أفصح بالإيمان والحقّ حيث يجوز له التقية ، كان ذلك أفضل ، ودليله ما قاله الحسن
أخذ مسيلمة الكذاب رجلين من أصحاب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ، فقال لأحدهما : أتشهد أنّ محمداً رسول اللّه؟
قال : نعم .
فقال : أفتشهد أنّي رسول اللّه؟
قال : نعم . وكان مسيلمة يزعم أنّه رسول بني حنيفة ، ومحمّد رسول قريش .
فتركه ودعا الآخر فقال
أتشهد أنّ محمداً رسول اللّه؟
قال : نعم .
قال : أفتشهد أنّي رسول اللّه؟
فقال : إنّي أصمّ! قالها ثلاثاً .
فقدمه ، فقتله .
فبلغ ذلك رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ، فقال : أما هذا المقتول فمضى على يقينه وصدقه ، فهنيئاً له .
وأما الآخر فقبل رخصة اللّه ، فلا تبعة عليه .
ثمّ قال : إنما تجوز فيما يتعلّق بإظهار الموالاة والمعاداة ، وقد تجوز أيضاً فيما يتعلّق بإظهار الدين ، فأما ما يرجع ضرره إلى الغير كالقتل والزنا ، وغصب الأموال ، والشهادة بالزور ، وقذف المحصنات ، واطلاع الكفار على عورات المسلمين ، فذلك غير جائز البتة .
وبعد هذا ذكر رأي الشافعي ، بعد أن قال : ظاهر الآية يدلّ على أنّ التقية إنما تحلّ مع الكفار الغالبين ، إلاّ أنّ مذهب الشافعي (توسّع في دائرتها) : إنّ الحالة بين المسلمين ، إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والمشركين ، حلّت التقية محاماةً على النفس .
ثمّ راح يبيّن أنّ التقية لا تأتي فقط لحفظ النفس بل لحفظ المال أيضاً مستدلاًّ بأقوال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : «حرمة مال المسلم كحرمة دمه» و «من قتل دون ماله فهو شهيد» .
وأخيراً رجّح قول الحسن على قول مجاهد : «هذا الحكم كان ثابتاً أول الإسلام; لأجل ضعف المؤمنين ، فأما بعد قوة دولة لإسلام فلا» .
فيما قال الحسن : «التقية جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامة»
يقول الرازي : وهذا القول أولى : لأنّ دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان(3) .
* قوله تعالى : {من كفر بالله من بعد إيمانه إلاّ من أكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من اللّه ولهم عذاب عظيم} النحل : 106 .
سبب النـزول
نزلت هذه الآية في جماعة من المعذَّبين بمكة وهم : عمّار ، وياسر أبوه ، وأمّه سمية ، وصهيب ، وبلال ، وخباب ، عذّبوا عذاباً شديداً ، فأما سمية فقيل : ربطت بين بعيرين ، ووخزت في قبلها بحربة ، وقالوا : إنّك أسلمت من أجـل الرجال وقتلت ، وقتل ياسر ، وهما أول قتيلين قتلا في الإسلام ، وأول شهيدين .
وأما عمّار فقد أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرهاً .
فقيل : يا رسول اللّه ، إنّ عماراً كفر .
فقال : كلا إنّ عماراً ملئ إيماناً من فرقه إلى قدمه ، أو من قرنه إلى قدمه ، واختلط الإيمان بلحمه ودمه .
فأتى عمار رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وهو يبكي ، فقال(صلى الله عليه وآله) : ما وراءك؟
فقال : شرّ يا رسول اللّه ، ما تُركتُ حتى نلتُ منك ، وذكرتُ آلهتهم بخير .
فجعل رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) يمسح عينيه ، ويقول : «مالك إن عادوا لك فعد لهم بما قلت» وعلى رواية : قال(صلى الله عليه وآله) له : كيف كان قلبك؟
قال : كان مطمئناً بالايمان . . . فأنزل اللّه فيه الآية(4) .
فاستثنت الآية من صبّ عليه الإكراه ، وكان قلبه ينبض بالإيمان ، فنطق كلمة الكفر اتقاءً لشرّهم ، وتخلّصاً من عذابهم ، لا لشيء غير هذا .
وراح عمار يواصل جهاده المرير حتى قتلته الفئة الباغية ، معاوية وجنده ، وهو ما أمّله به رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) بقوله : «تقتلك الفئة الباغية» ، وقد تجاوز التسعين من عمره .
ولا ريب في أنّ ظاهر الآيتين المذكورتين ، بل صريحهما يدلّ دلالة واضحة على مشروعية التقية وجوازها عند الخوف والاضطرار ، وليس حكمها منحصراً بمورد نزولها أو بعصر دون آخر ، وإنما حكمها مستمر طالما هناك ضرورة للاستعانة بها ، واضطرار لا يدفع إلاّ بها .
وهناك من الآيات ما فيه دلالة على التقية إجمالاً ، وهو; ما ورد في قصّة مؤمن آل فرعون(5) ، وما فعله أصحاب الكهف(6) . . .
___________________
(1) اُنظر : تفسير البحر المحيط 2 : 440 ، التفسير الكبير للرازي 8 : 11 .
(2) مجمع البيان للطبرسي في تفسير الآية .
(3) التفسير الكبير للرازي : 8 ـ 13 .
(4) اُنظر : مجمع البيان للطبرسي ، والتفسير الكبير للرازي في تفسير الآية المذكورة .
(5) اُنظر سورة غافر : 13 .
(6) اُنظر سورة الكهف : 19 ـ 20 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page