إذا أتى المكلّف بما في ذمته وفق ما تقتضيه التقية ، فهل يكون مجزيّاً أو لا؟
اتّفقت كلمات الفقهاء على أنّ المكلّف إذا امتثل ما اُمر به على الوجه المطلوب شرعاً ، فإنّ امتثاله هذا يعدّ مجزياً ، وليس عليه الإعادة ولا القضاء . . . وهذا هو معنى الإجزاء ، فهل يشمل ما يؤدّيه المكلّف تقيّة؟
إنّ الروايات صريحة في الدلالة على أنّ إتيان الواجبات ، بشكل يوافق المخالفين ، وإن كان مخالفاً للحقّ ، قد أذن ورخص فيه الشارع ، وعدّه من الدين ، وبالتالي فهو مجزٍ ، فلا يحتاج إلى إعادة أو قضاء حتى وإن رفع موجب التقية; لأنّ مقتضى عمومات التقية كقوله عليه السلام : «التقية ديني ودين آبائي» وأمثالها ، أنّ التقية أمر وحكم واقعي وامتثال الأمر يقتضي الإجزاء ، فإذا وجد دليل على التقييد يؤخذ به ، وإلاّ فمقتضى عمومات التقية الاكتفاء بالمأتي به من غير فرق بين أن يكون إتيان الواجب مأذوناً بالخصوص ، أو كان مأذوناً بعنوان عام; لأنّ الملاك في كلتا الصورتين صيرورته واقعيّاً ثانويّاً ، وشأن الأوامر الواقعية الثانوية هو الإجزاء .
وتدلّ عليه روايات متعددة تبلغ حدّ الاستفاضة أو أكثر ، وقد ذكرنا قسماً منها ، ونكتفي بمارواه الكليني بإسناده عن سماعة قال : سألته عن رجل كان يصلّي فخرج الإمام ، وقد صلّى الرجل ركعة من صلاة فريضة ، قال : إن كان إماماً عدلاً فليصلّ أخرى ، وينصرف ويجعلها تطوّعاً ، وليدخل مع الإمام في صلاته كما هو ، وإن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو ، ويصلّي ركعة أخرى ، ويجلس قدر ما يقول : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله ، ثمّ ليتمّ صلاته معه على قدر ما استطاع; فإنّ التقيّة واسعة ، وليس شيء من التقيّة إلاّ وصاحبها مأجور عليها إن شاء الله(1).
وهذه الرواية صريحة في الإجزاء والاكتفاء بما يؤتى به تقيّة . وفي رواية أخرى : التقية في كلّ شيء يضطر إليه ابن آدم ، فقد أحلّه الله له(2) .
يقول السيّد البجنوردي في قواعده
إنّ كلّ فعل واجب من الواجبات إذا أتي به موافقاً لمن يتقيه ، وكان مخالفاً للحقّ في بعض أجزائه وشرائطه ، بل وفي ايجاد بعض موانعه ، فإن كان مأذوناً من قبل الشارع في إيجاد ذلك الواجب بعنوان أنه واجب للتقية ، فهو مجز عن الواقع ، ولا يجب عليه الإعادة إذا ارتفع الاضطرار في الوقت ، ولا القضاء إذا ارتفع في خارج الوقت; لأنّ الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي الثانوي مجزٍ عن الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي الأولي ، سواء كان رفع الاضطرار في الوقت أو في خارج الوقت(3) .
ولا فرق عنده بين أن يكون العمل مأذوناً به بشكل خاص أو وقع تحت الإذن العام .
فيقول : ولا فرق في كونه مأذوناً بين أن يكون الرخصة والإذن بعنوان ذلك الواجب بخصوصه ، كما أنّه ورد الإذن بخصوص المسح على الخفّين . . .(4) . أو كان بعنوان عام يشمل جميع الواجبات كقوله عليه السلام : «التقية ديني ودين آبائي»(5).
________________
(1) الكافي 3 : 380 ح7 ، والتهذيب 3 : 50 ح89 .
(2) الكافي 2 : 220 ح 13 .
(3) القواعد الفقهية للسيد البجنوردي 5 : 56 .
(4) اُنظر تهذيب الأحكام 1 : 362 ، ح 1092 باب صفة الوضوء والفرض منه ، ح 22 .
(5) الكافي 2 : 219 باب التقية ، ح 12 ، وسائل الشيعة 11 : 460 أبواب الأمر والنهي باب 524 ح 3 واُنظر القواعد الفقهية للسيد البجنوردي 5 : 55 ـ 56 .
الإجزاء وعدمه
- الزيارات: 1835