يتبيّن من الرّوايات الشيعيّة كذلك والمتعلقة بالمساجد والأماكن المقدسة ، وأسوة بالمصادر الخاصّة بأحوال وشؤون المدينة المنوّرة ، عَدم وجود مَسجد باسم مَسجد المُباهلة ، بل ولم يَرد أيضاً على لسان الأئمة (عليهم السلام) مَسجد بهذا الاسم
مع أنّ الاحتمال الأول ، وهو أن يكون قَصدَ بمَسجد المُباهلة مَسجد الإجابة ، هو احتمال أكبر من الثاني ، ويُمكن القول بأنّه ونتيجة لأوجه التشابه التي أشرنا إليها سابقاً ، تشابهت الأمور على صاحب كتاب (المزار الكبير) وبدلاً من ذِكر مَسجد الإجابة استخدمَ اسم مَسجد المُباهلة، ودليلنا على ذلك هو الجملة الأخيرة من كتابه: «وتصلّي في مسجد المباهلة ما استطعت ، وتدعو فيه بما تحبّ» .
وأمّا توصيته الزائرين بذلك ، فمنشؤها أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قد صلّى في المَسجد المذكور ودعا فيه واستُجيبَ له ، وعلى الزائرين كذلك أن يتّخذوا عمل الرسول (صلى الله عليه وآله) أسوة لهم ، فليصلّوا فيه ويدعوا ربّهم هناك كما فعل النبيّ (صلى الله عليه وآله) .
أمّا إذا كان يَقصد بقوله ذاك وجودمَسجد باسم مَسجد (المُباهلة)، لكان لزاماً عليه الإشارة باليقين إلى ذلك المَسجد ، وبيان أهميّته ، لوقوع حادثة تاريخيّة مهمّة فيه .
ومهما يكن من أمر ، فإنّ تناقل مثل تلك العبارات في الكُتب (كُتب الأدعية والزيارات) وجَلب أنظار الزائرين إلى ذلك المَسجد على اعتبار أنّه هو (مَسجد المُباهلة) ، كان له تأثيره الفعّال الذي حالَ دون التحقيق والبَحث في أصل الموضوع وكَشف خفاياه .
لماذا لم يُبنَ مَسجد في مكان المُباهلة؟
بعد وَضع الأدلّة السابقة القائلة بعَدم وجود مَسجد يُسمّى بـ(مَسجد المُباهلة) بعَين الاعتبار ، قد يتساءل القارىء: لماذا لم يتمّ بناء مَسجد ما في موقع قيام المُباهلة مع ما تتميّز به تلك الحادثة من أهميّة تأريخيّة ومَعنويّة كبيرتين ، في حين اُقيمت المساجد في الأماكن التي تقلّ أهميّتها عن هذا المكان وذلك للحفاظ على آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟
بإمكاننا استخلاص الجواب على السؤال المذكور من خلال النقاط التي أثرناها سابقاً حول كيفيّة بناء المساجد القديمة في المدينة ، إذ أنّ بعض تلك المساجد تمّ بناؤها في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) وبأمر منه ، في حين بُنيت مَساجد أخرى من قِبل المسلمين ، أمّا الجزء الأكبر من المساجد الأخيرة فقد تمّ بناؤها في أماكن مُختلفة ومُتعدّدة من قِبل (عمر بن عبد العزيز) بعد أن ثبتَ أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان قد صلّى فيها . ومع أنّ نصوص الروايات تؤكّد على قيام النبيّ (صلى الله عليه وآله) وآل بيته (عليهم السلام) بالصلاة والدّعاء قبل وروده إلى مكان المُباهلة ، إلاّ أنّه لم يرد فيها أنّه (صلى الله عليه وآله) صلّى أو دَعا في الموقع الذي باهلَ (صلى الله عليه وآله) فيه النصارى .
وتذكر الرّوايات أنّ ممثّلي نصارى نجران من رجال الدّين وغيرهم تملّكهم الفزع والخوف وانتابهم الهلع والرّعب عندما رأوا بأمّ أعينهم قدوم رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع نفر قليل من أهل بيته (عليهم السلام) دون أيّة مظاهر من الأبّهة أو اصطحاب الخدم والحَشم معه ، ممّا دَفعهم إلى الامتناع عن مُباهلته (صلى الله عليه وآله) واستعاضوا عن ذلك بمُصالحته والرّضوخ لمطالبه وعَقد مُعاهدة ذمّة معه .
ومهما يكن من أمر ، فلابدّ من التأكيد على أنّه لم تُقَم في مكان المُباهلة أيّة صلاة ليأمر عمر بن عبد العزيز أو أيّ شخص آخر ببناء مَسجد عليه ، ليكون مقاماً لصلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويتحوّل إلى مَسجد على غرار بقيّة المَساجد القديمة الموجودة في المدينة المنوّرة. وربما كان ذلك الموقع في أوائل الدّعوة الإسلاميّة مكاناً معروفاً لدى أهل المدينة لإقامة المراسيم والشعائر لأهميّتها ، ثمّ اُهمِلَ وغابت واندرست معالمه بمرور الوقت ، ولم يبقَ منه أيّ أثر .
سائر المَساجد القديمة الموجودة في المدينة المنوّرة
- الزيارات: 1869