• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

حقوق الوالدَينِ

للوالدينِ الدور الأساسي في بناء الأُسرة ، والحفاظ على كيانها ابتداءً وإدامةً ، وهما مسؤولان عن تنشئة الجيل ، طبقاً لموازين المنهج الإسلامي ؛ لذا حدّد الإسلام أُسس العلاقة بين الوالدينِ والأبناء ، طبقاً للحقوق والواجبات المترتّبة على أفراد الأُسرة تجاه بعضهم البعض ، فقد قرن الله تعالى في كتابه الكريم وجوب برّ الوالدين والإحسان إليهما بوجوب عبادته ، وحرّم جميع ألوان الإساءة إليهما صغيرها وكبيرها ، فقال تعالى : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ) (1) .
وأمر بالإحسان إليهما ، والرحمة بهما ، والاستسلام لهما ، فقال تعالى : ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) (2) .
وقرن الله تعالى الشكر لهما بالشكر له ، فقال : ( ... أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) (3) .
وأمر تعالى بصحبة الوالدينِ بالمعروف ، فقال : ( وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ... ) (4) .
وتجب طاعة الأبناء للوالدينِ ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( ... ووالديك فأطعهما ، وبرهما حيّين كانا أو ميتين ، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل ، فإنّ ذلك من الإيمان ) (5) .
وقرن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) بر الوالدين بالصلاة والجهاد ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : قلت : أي الأعمال أفضل ؟ قال : ( الصلاة لوقتها ، وبرّ الوالدين ، والجهاد في سبيل الله عزَّ وجلَّ ) (6) .
ومن حقوق الوالد على وَلده ، كما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( لا يسمّيه باسمه ، ولا يمشي بين يديه ، ولا يجلس قبله ، ولا يستسبّ له ) (7) .
ومعنى ( لا يستسبّ له ) أي لا يفعل ما يصير سبباً لسبّ الناس له .
وقدّم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) برّ الوالدة على برّ الوالد ؛ لأنّها أكثر منه في تحمّل العناء من أجل الأولاد ، في الحمل ، والولادة ، والرضاع ، عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) ، قال : ( جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : يا رسول الله ، مَن أبرُّ ؟ قال : أُمّك ، قال : ثمّ مَن ؟ قال : أُمّك ، قال : ثمّ مَن ؟ قال : أُمّك ، قال ثمّ مَن ؟ قال : أباك ) (8) .
وكانت سيرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قائمةً على تكريم مَن يبرّ والديه ، فقد أتته أُخته من الرضاعة ، فلمّا نظر إليها سرَّ بها ، وبسط ملحفته لها فأجلسها عليها ، ثمّ أقبل يحدّثها ويضحك في وجهها ، ثمّ قامت وذهبت وجاء أخوها ، فلم يصنع به ما صنع بها ، فقيل له : يا رسول الله ، صنعت بأخته ما لم تصنع به وهو رجل ؟! فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( لأنّها كانت أبرَّ بوالديها منه ) (9) .
وقدّم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) طاعة الوالدين على الجهاد ، ففي رواية جاءه رجل وقال : يا رسول الله ، إنّ لي والدَينِ كبيرينِ ، يزعمان أنّهما يأنسان بي ويكرهان خروجي ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( فقرّ مع والديك ، فوالذي نفسي بيده لأُنسهما بك يوماً وليلة خير من جهاد سَنة ) (10) .
وورد في الحديث أنّه يجب برّ الوالدين وإن كانا فاجرين ، قال الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) : ( ثلاث لم يجعل الله عزَّ وجلَّ لأحد فيهنَّ رخصة : أداء الأمانة إلى البرّ والفاجر ، والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر ، وبرّ الوالدينِ برّين كانا أو فاجرين ) (11) .
وفي الآية المتقدمة ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلاّ برحمة ورقّة ، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما ، ولا يدك فوق أيديهما ، ولا تقدَّم قدّامهما ) (12) .
وبرّ الوالدين لا يقتصر على حال حياتهما ، بل يشملهما حال الحياة وحال الممات ، قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( ما يمنع الرجل منكم أن يبرَّ والديه حيّين وميّتين ، يصلي عنهما ، ويتصدّق عنهما ، ويحجّ عنهما ، ويصوم عنهما ، فيكون الذي صنع لهما ، وله مثل ذلك ، فيزيده الله عزَّ وجلَّ ببرّه وصلته خيراً كثيراً ) (13) .
ويجب على الولد الأكبر أن يقضي عن والده ما فاته من صلاة وصوم (14) ، أمّا بقية الأولاد فلا يجب عليهما القضاء عن والدهم ، بل يستحب للرواية المتقدمة .
وحرّم الإسلام عقوق الوالدين بجميع ألوانه ومراتبه ، قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( مَن أحزن والديه فقد عقّهما ) (15) .
وعن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) قال : ( أدنى العقوق أُفّ ، ولو علم الله عزَّ وجلَّ شيئاً أهون منه لنهى عنه ) (16) .
وقال ( عليه السلام ) : ( ... ومن العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه فيحدّ النظر إليهما ) (17) .
وقال ( عليه السلام ) : ( مَن نظر إلى أبويه نظر ماقتٍ وهما ظالمان له ، لم يقبل الله له صلاة ) (18) .
وعقوق الوالدينِ من الكبائر التي تستلزم دخول النار ، قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( عقوق الوالدينِ من الكبائر ؛ لأنّ الله عزَّ وجلَّ جعل العاقّ عصياً شقياً ) (19) .
ولا يقتصر وجوب البرّ وحرمة العقوق ، على الجوانب المعنوية والروحية ، بل يتعداها إلى الجوانب المادية ، فتجب النفقة عليهما إن كانا معسرين (20) .
وتجب رعاية الوالدين رعايةً صحية ، عن إبراهيم بن شعيب قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : إنّ أبي قد كبُر جداً وضعُف ، فنحن نحمله إذا أراد الحاجة ؟ فقال : ( إن استطعت أن تلي ذلك منه فافعل ، ولقّمه بيدك ، فإنّه جُنّة لك غداً ) (21) .

وخلاصة القول :
يجب طاعة الوالدينِ في جميع ما يأمران به ، إلاّ المعصية أو ما يترتب عليه مفسدة فلا تجب طاعتهما .
ومع جميع الظروف يجب على الأبناء إحراز رضا الوالدينِ بأيّ أُسلوب شرعي إن أمكن ؛ لأنّ رضاهما مقروناً برضا الله تعالى ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( رضا الله مع رضا الوالدينِ ، وسخط الله مع سخط الوالدينِ ) (22) .
وبرّ الوالدين بطاعتهما والإحسان إليهما ، كفيل بإشاعة الودّ والحبّ والوِئام في أجواء الأُسرة ، وبالتالي إلى تحكيم بنائها ، وإنهاء جميع عوامل الاضطراب والتخلخل الطارئ عليها ، ولا يتحقّق ذلك إلاّ بالالتزام بالحقوق والواجبات المترتبة على أفرادها .
____________________
(1) سورة الإسراء : 17 / 23 .
(2) سورة الإسراء : 17 / 24 .
(3) سورة لقمان : 31 / 14 .
(4) سورة لقمان : 31 / 15 .
(5) الكافي 2 : 158 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب البر بالوالدينِ .
(6) الكافي 2 : 158 / 4 .
(7) الكافي 2 : 159 / 5 .
(8) الكافي 2 : 159 ـ 160 / 9 .
(9) الكافي 2 : 161 / 12 .
(10) الكافي 2 : 160 / 10 .
(11) الكافي 2 : 162 / 15 .
(12) الكافي 2 : 158 / 1 .
(13) الكافي 2 : 159 / 7 .
(14) منهاج الصالحين / السيد السيستاني ، العبادات : 248 ، 338 .
(15) بحار الأنوار 74 : 72 ، كتاب العشرة ، باب برّ الوالدين / 53 .
(16) الكافي 2 : 348 كتاب الإيمان والكفر ، باب العقوق .
(17) الكافي 2 : 349 .
(18) الكافي 2 : 349 .
(19) بحار الأنوار 74 : 74 .
(20) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 286 .
(21) الكافي 2 : 162 .
(22) بحار الأنوار 74 : 80 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page