ومن عقائدهم الواهية السخيفة أنّ النبي والإمام ليسا بممتازين عن سائر الناس ، ولا فرق بينهما وبين أفراد أخر إلاّ بتعلّق تكليفٍ به من الله ينصّبه علماً لرسالته وتبليغ أحكامه ، أو بتصويب الناس واختيارهم وانتخابهم من يشاءون ولو لم يكن أعلم الأمّة وأفضلها واتقاها ، وهم في هذا القول شركاء الكفّار ، حيث قالوا : ( فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لأَنزَلَ مَلائِكَةً ) .
نعم لهم أعين لا يُبصرون بها الحقائق والآيات الإلهية ، ولهم آذان لا يسمعون بها الأصوات الغيبية والدعوات الربانية ، ولا يرون إلاّ ظواهر هذا العالم ، ولا يقبلون كرامة ولا فضيلة ومقاما إلاّ بما يشاهدون بنظرهم المادّي المحدود ، ثمّ يسوّون بين أفراد الناس ، ولا يختارون من اصطفاه الله واختاره .
أخبار أصبهان : عن أبي هريرة ، قال : سمعت النبيّ (ص) يقول : إذا خلق الله خلقا للخلافة مسح بيمينه على ناصيته . (1)
أقول : الناصية عنوان الوجه ، وفيها يظهر أثر النور والظلمة والتوجّه إلى الله تعالى . ومن مسحت ناصيته بيد الله تعالى فهو على نور من ربّه . وهذا في مقابل من أخذت ناصيته ، كما قال تعالى : ( يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ ) .
وقد قال الله تعالى : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً ) .
وقال تعالى : ( إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) .
وقال تعالى : ( يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ ) .
وقال تعالى : ( إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ) .
وإنهم لم يفهموا أنّ التكليف والتشريع تابع للتكوين ، ولا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها ، ولا يُكلف الله نفسا إلا ما آتاها ، ولا تُكلف نفس إلاّ وسعها . فكما أنّ الحيوان ليس له وسع التكاليف الإنسانية ؛ فالإنسان العادي ليس له وسع الوحي والإلهام والتكليم ، ولا يمكن تعلّق التكليف والتشريع إلاّ بعد أن آتى الله ما به يتحقّق الاستعداد والتحمّل والوسع ، وكما أنّ الاستعداد من جهة الصفات النفسانية والأخلاق باطنية مختلفة شدّة وضعفاً ، كذلك مراتب النفوس ودرجاتها متفاوتة . بل الصفات والأخلاق النفسانية والقوى الباطنية كلّها من أطوار النفس ، والنفس في وحدتها كلّ القوى .
وهذا أمر ثابت في الفلسفة الإلهية ، بل أمر مسلّم محسوس مقطوع لمن تدبّر ونظر ، ثمّ نظر وتدبّر ! ولا ينكره إلاّ من حُرم من البصيرة ، وأبعده الله عن الحقيقة ، وليس له من الروحانية نصيب ، وفي أبصارهم غشاوة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ أخبار أصبهان ، ج 1 ، ص 130 .
الولاية تكوينية لا تشريعية
- الزيارات: 2675