إنّ النبيّ : هو المبعوث من الله تعالى بالوحي والإلهام ؛ لأداء الأحكام وتشريع الدين وبيان الحقائق وتنظيم القوانين والآداب في الشؤون المختلفة . والإمام : هو المحيط بتلك الأحكام ، العالم بتلك الحقائق والعارف بتلك الآداب والقوانين علماً من لدن حكيم خبير ، لا بالعلم التحصيلي وبالطرق المتداولة المعمولة بين الناس . فالنبيّ هو المؤسّس والشارع ، والإمام هو وارثه وخليفته وولي أمره وحافظ دينه وشارح معارفه وأحكامه وآدابه .
وكما أنّ علوم النبيّ ومعارفه حضورية ومن الله ، كذلك علوم الإمام ومقاماته الروحانية ليس باكتسابية ، بل من الله تعالى ، ولذا ترى إحاطتهم بالعلوم والمعارف الحقّة وعلمهم بالأحكام والآداب الإسلامية من دون الدرس والتحصيل والبحث والتتلمذ والتجربة ، ومن أوّل أوان الإمامة إلى آخرها بل وقبلها ، وفي زمان الصبا والشباب وبعدها ، ومن دون أن يقولوا خلافاً ، ويرتكبوا سهوا وخطاء ، أو يخالف قولهم أحكام النبيّ ، أو يخالف حكم واحد منهم واحدا آخر ، ومن دون أن يحتاجوا إلى الفكر والتدبّر والتأمّل .
وهذا من المحالات في سائر أفراد الناس ، وإن بلغوا في تحصيل العلم ما بلغوا ، فإنّ الإنسان محلّ السهو والنسيان ، وليس كلّ مجتهدٍ مصيب ، وكلّ عالم ما جهله أكثر ممّا علمه ، وكفى المرء نبلاً أن تُعدّ معايبه .
قال أمير المؤمنين (ع) : [ منها يعني آل النبيّ عليه الصلاة والسلام ] (*) : هُمْ مَوْضِعُ سِرِّهِ ، وَلَجَأُ أَمْرِهِ ، وَعَيْبَةُ عِلْمِهِ ، وَمَوْئِلُ حُكْمِهِ، وَكُهُوفُ كُتُبِهِ ، وَجِبَالُ دِينِه ، بِهِمْ أَقَامَ انْحِناءَ ظَهْرِهِ ، وَأذْهَبَ ارْتِعَادَ فَرَائِصِهِ ... لا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ مِنْ هذِهِ الأُمَّةِ أَحَدٌ ، وَلا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أبَداً . هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ ، وَعِمَادُ اليَقِينِ ، إِلَيْهمْ يَفِيءُ الغَالي ، وَبِهِمْ يَلْحَقُ التَّالي . وَلَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلايَةِ ، وَفِيهِمُ الوَصِيَّةُ وَالوِرَاثَةُ ، الآنَ إِذْ رَجَعَ الحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ ، وَنُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ . (1)
فإذا كان في الأمّة بعد ارتحال الرسول (ص) من هذه صفتهم ، فكيف يعقل أن يتوجّه إلى آخرين ، وكيف يجوّز العقل أن يختار الناس لها من يشاءون ، وكيف يرضى الله تعالى ورسوله أن يتقدّم من هو متأخّر ، وأن يُنصب للإصلاح والتعليم والتربية وحفظ المعارف من يحتاج إلى إصلاح أمره وتربية نفسه وتحصيل العلوم والمعارف ، وكيف يكلَّف الناس من جهة الشرع أو العقل أن يطيعوا ويتّبعوا ممّن هو في مرتبتهم ، بل وفيهم من هو أحقّ وأفضل ، بل وفيهم من لهم خصائص حقّ الولاية وفيهم الوصية والوراثة .
ــــــــــــــ
(*) هكذا في الأصل . وما بين المعقوفتين ليس من قول الإمام ، بل هو عنوان لمقطوعة من الخطبة وضعه جامع النهج ، ( لجنة التقويم / شبكة الإمامين الحسنين للتراث والفكر الإسلامي ) .
1 ـ نهج البلاغة ، خطبة 2 .
الإمام مَن هو ؟
- الزيارات: 2367