• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

فتنة : ( بَعْث جيش أُسامة )

الملل والنحل : الخلاف الثاني في مرضه ، أنّه قال : جهّزوا جيش أسامة ، لعن الله من تخلّف عنها . فقال قوم : يجب علينا امتثال أمره ، وأسامة قد برز من المدينة ، وقال قوم : قد اشتدّ مرض النبيّ عليه السلام فلا تسع قلوبنا لمفارقته والحالة هذه ، فنصبر حتى نبصر أيّ شيء يكون من أمره . (1)
أقول : قال الله تعالى : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى  ) . وقال تعالى : ( قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ) . فمخالفته قولاً أو عملاً تكشف عن ضعف الإيمان ، بل عن النفاق ، ولا سيّما مع هذا التأكيد الأكيد واللعن الصريح على المخالفة . ولا يبعد أن يكون هذا التجهيز المأمور به من جانب الله تعالى في هذا الموقع المخصوص لأميرين أو لأمور مهمّة .
منها : أن يتوجّه المهاجرون والأنصار في آخر ساعة من حياة النبيّ (ص) إلاّ أنّ الخلافة والإمارة الإلهية لا ربط لها بالعناوين الظاهرية ، من المال والمقام والكهولة ، وقد أمّر أسامة بن زيد وهو ابن عشرين سنة على جميع المهاجرين والأنصار ، ومنهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة .
ومنها : أن يخرج رؤوس المهاجرين والأنصار من المدينة حين وفاة النبيّ (ص) ، حتى يمكن إجراء نظره وأعمال وصيّته في علي أمير المؤمنين ، حبيب الله وحبيب رسوله ، ولكن تدبير المخالفين في هذه المرتبة الثانية أيضاً قد منع عمّا يريده رسول الله (ص) من إجراء نيّته .
تهذيب ابن عساكر : فقال رجال من المهاجرين ، وكان أشدّهم في ذلك قولاً عيّاش بن أبي ربيعة : يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأوّلين ، فكثرت القالة في ذلك ، فسمع عمر بن الخطاب بعض ذلك القول فردّه على من تكلّم به ، وجاء إلى رسول الله (ص) فأخبره بقول مَن قال ، فغضب رسول الله (ص) غضباً شديداً فخرج وقد عصب رأسه بعصابة وعليه قطيفة ، ثمّ صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أمّا بعد ، أيّها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة ، فوالله لئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله ، وايم الله إن كان للإمارة لخليق وأنّ ابنه من بعده لخليق بالإمارة ، وإن كان لأحبّ الناس إليّ ، وإنّ هذا لمِن أحبّ الناس إليّ ، وإنّهما لمُخيلان لكلّ خير ، فاستوصوا به خيراً فإنّه من خياركم .
ثمّ نزل رسول الله (ص) ، فدخل بيته وذلك يوم السبت ... وجاء المسلمون الذين سيخرجون مع أسامة يودّعون رسول الله (ص) وفيهم عمر بن الخطاب ، ورسول الله (ص) يقول : أنفذوا بعث أسامة . (2)
أقول : اللّهم العن من تخلّف عن جيش أسامة كما لعنهم رسول الله (ص) ، اللّهم إنّا نتبرّأ ممّن اعترضوا على رسول الله (ص) وأغضبوه ، وطعنوا في تأميره وخالفوا أمره ، ولم يطيعوه ولم يسلموا إليه ولم يتجهّزوا ولم يسرعوا السير في حياته .
البخاري ومسلم : بإسناده عن ابن عمر : بعث رسول الله (ص) بعثا وأمّر عليهم أسامة بن زيد ، فطعن الناس في إمرته فقام رسول الله (ص) فقال : إن تطعنوا في إمرته فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه من قبل ، وايم الله إن كان لخليقاً للإمرة ، وإن كان لمِن أحبّ الناس إليّ ، وإنّ هذا لمِن أحبّ الناس إليّ بعده . (3)
ويروي مسلم أيضاً : قريبا منها بسند آخر ، وفيها : فأوصيكم به ، فإنّه من صالحيكم .
ويروي مسند أحمد : قريباً منها .   (4)
الطبقات : فلمّا أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواءً بيده ، ثمّ قال : اُغزُ بسم الله وفي سبيل الله فقاتِل من كَفَر بالله ! فخرج بلوائه معقودا فدفعه الى بُريدة أبن الحُصيب الأسلمي وعسكر بالجُرف ، فلم يبقَ أحدٌ من وجوه المهاجرين الأوّلين والأنصار إلاّ انتُدِب في تلك الغزوة ، فيهم أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وسعد بن أبي وقّاص ... فتكلّم قوم وقالوا : يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأوّلين ، فغضب رسول الله (ص) غضباً شديداً فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة ، فصعد المنبر ... ثمّ نزل فدخل بيته ، وذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأوّل ، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودّعون رسول الله (ص) ويمضون إلى العسكر بالجُرف ، وثقل رسول الله (ص) فجعل يقول : أنفذوا بعث أسامة .
فلمّا كان يوم الأحد اشتدّ برسول الله (ص) وجعه ، فدخل أسامة من معسكره والنبيّ مغمور ، وهو اليوم الذي لدّوه فيه ، فطأطأ أسامة فقبّله ورسول الله (ص) لا يتكلّم ، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثمّ يضعهما على أسامة ، قال : فعرفت أنّه يدعو لي ، ورجع أسامة إلى معسكره ، ثمّ دخل يوم الإثنين وأصبح رسول الله (ص) مفيقاً صلوات الله عليه وبركاته ، فقال له : اغد على بركة الله فودّعه أسامة وخرج إلى معسكره فأمر الناس بالرحيل ، فبينا هو يريد الركوب إذا رسول  أمّه ـ أمّ أيمن ـ قد جاءه يقول : إنّ رسول الله (ص) يموت ! فأقبل واقبل معه أبو عبيدة فانتهوا إلى رسول الله (ص) وهو يموت فتوفّى (ص) حين زاغت الشمس يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأوّل ، ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجُرف إلى المدينة ... إلخ . (5)
ويروي أيضاً : أنّ النبيّ (ص) بعث سرية فيهم أبو بكر وعمر واستعمل عليهم أسامة بن زيد ، فكان الناس طعنوا فيه أي في صغره ... إلخ . (6)
ويروي أيضاً : ثمّ قال : أيّها الناس أنفذوا بعث أسامة ، فلعمري إن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه مِن قبله ، وإنّه لخليق للإمارة وان كان أبوه لخليقاً لها . قال : فخرج جيش أسامة حتى عسكروا بالجُرف وتتام الناس إليه ، فخرجوا ... إلخ . (7)
أقول : الجُرف ـ بالضم ـ على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام . ولدَّ الدواءَ : صبّه في أحد شقّي الفم .
ويروي أيضاً : فخطب أبو بكر أناس فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : والله لأن تخطّفني الطير أحبّ إليّ مِن أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله (ص) ، قال : فبعثه أبو بكر إلى آبل واستأذن لعمر أن يتركه عنده ، قال : فأذن أسامة لعمر ... إلخ . (8)
أنساب الأشراف : وكان رسول الله (ص) قد رأى توجيه أسامة بن زيد في سرية إلى الذين حاربهم أبوه يوم مؤتة وأمره أن يوطئهم الخيل ، وعقد له لواء وضم إليه أبا بكر وعمر فيمن ضم ، فمرض (ص) قبل أن ينفذ الجيش ، فأوصى بإنفاذه فقال : أنفذوا جيش أسامة . فلمّا استخلف أبو بكر أنفذه ، وكلّمه في عمر لحاجته إليه . (9)
أقول : إن كان مراده من قوله ( فأوصى بإنفاذه ) الوصية بالإنفاذ بعد رحلته وموته : فهذا خلاف ما ثبت ونقل في الكتب المعتبرة ، بل وغير المعتبرة أيضاً ، وقد مرّ في الطبقات قوله : وأصبح رسول الله (ص) مفيقاً فقال له : أُغدُ على بركة الله . فودّعه أسامة وخرج إلى معسكره فأمر الناس بالرحيل . وان كان مراده من الوصية : الأمر بالإنفاذ وحركة الجيش بالفور ومن غير تأخير ، وهو الصريح من التاريخ والرواية : فكيف يجوز للجيش التهاون والتراخي والتسامح ومخالفة أمر الرسول ، مع أنه لا ينطق عن الهوى ولا يجوز مخالفته وعصيانه .
ويروي أيضاً : عن ابن عبّاس : خرج رسول الله (ص) عاصباً رأسه حتى جلس على المنبر ، وكان الناس قد تكلّموا في أمره حين أراد توجيههم إلى مُؤتة ، فكان أشدّهم قولاً في ذلك عيّاش بن أبي ربيعة ، فقال : أيّها الناس أنفذوا بعث أسامة ، فلعمري لئن قلتم في إمرته لقد قلتم في إمرة أبيه من قبله ولقد كان أبوه للإمارة خليقا ، وإنّه لخليق بها . وكان في جيش أسامة أبو بكرٍ وعمر ووجوه من المهاجرين والأنصار (رض) ، وخرج فعسكر بالجُرف . فلمّا قبض رسول الله (ص) واستُخلِف أبو بكر ، أتى أسامة فقال له : قد ترى موضعي من خلافة رسول الله (ص) وأنا إلى حضور عمر ورأيه محتاج ، فأنا أسألك تخليفه ! ففعل . (10)
تهذيب ابن عساكر : فشقّ ذلك على كبار المهاجرين الأوّلين ودخل على أبي بكر عمر وعثمان وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد ، فقالوا : يا خليفة رسول الله إنّ العرب قد انتقضت عليك من كلّ جانب وأنّك لا تصنع بتفريق هذا الجيش المنتشر شيئاً ، اجعلهم عدّة لأهل الردّة ترمي بهم في نحورهم ، وأخرى لا تأمن على أهل المدينة أن يغار عليها وفيها الذراري والنساء ، ولو تأخّرت لغزو الروم ... فقال : والذي نفسي بيده لو ظننت أنّ السباع تأكلني بالمدينة لأنفذت هذا البعث ، ولا بدّ أن يؤوب منه ، كيف ورسول الله (ص) ينزل عليه الوحي من السماء يقول : أنفذوا جيش أسامة . ولكن خصلة أكلّم بها أسامة ، أكلمه في عمر يقيم عندنا ؛ فإنّه لا غنى بنا عنه ، والله ما أدري يفعل أسامة أم لا . (11)
أقول : والعجب من قول أبي بكر حيث يعترف بأنّ رسول الله (ص) ينزل عليه الوحي من السماء ، ومع هذا تخلّف عن الجيش في زمان حياة رسول الله (ص) ثمّ يكلّم في عمر أيضاً حتى يقوم عنده ويتخلّف عن الجيش ، وقال الله تعالى : ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ ) . ويقول :( وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً )  . ويقول :  ( وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ ) . ويقول : ( مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ ) . ويقول : ( إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ) . ويقول : ( قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) .
فيا للعجب أنّ رسول الله (ص) يخاف من العذاب الشديد إذا عصى الوحي ، فكيف أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وآخرون من المهاجرين ، لم يخافوا في خلافهم وعصيانهم وتساهلهم في الوظيفة المعيّنة والعمل المتعيّن المأمور به من الله ورسوله ! وكيف رضوا بالتألّم الشديد والإيذاء لرسول الله (ص) في آخر أيامٍ من حياته !
يقول في إمتاع الأسماع : وعقد يوم الخميس لأسامة لواءً بيده وقال : يا أسامة ، اغزُ بسم الله وفي سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله ، اغزوا ولا تعذروا ، ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا تمنّوا لقاء العدو ... فخرج أسامة فدفع لواءه إلى بُريدة بن الحُصيب ، فخرج به إلى بيت أسامة وعسكر بالجُرف ، وخرج الناس ولم يبقَ أحدٌ من المهاجرين الأولين إلاّ انتُدِب في تلك الغزوة ، كعمر بن الخطاب وأبي عبيدة وسعد بن أبي وقّاص وأبي الأعور سعيد بن زيد ، في رجال آخرين ، ومن الأنصار عدّة مثل قتادة بن النعمان وسلمة بن أسلم ، فقال رجال من المهاجرين ـ وكان أشدّهم في ذلك قولاً عيّاش بن أبي ربيعة ـ ، ... ثمّ نزل (ص) فدخل بيته ، وذلك يوم السبت ... الرواية . (12)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الملل والنحل ، ج 1 ، ص 14 .
2 ـ تهذيب ابن عساكر ، ج1 ، ص 120 .
3 ـ البخاري ، ج2 ، ص 187 ومسلم ، ج7 ، ص 131 .
4 ـ مسند أحمد ، ج2 ، ص 106 .
5 ـ الطبقات ، ج2 ، ص 190 .
6 ـ الطبقات ، ج2 ، ص 249 .
7 ـ نفس المصدر ، ج4 ، ص 68 .
8 ـ نفس المصدر ، ج4 ، ص 67 .
9 ـ أنساب الأشراف ، ج1 ، ص 384 .
10 ـ نفس السابق ، ص 474 .
11 ـ تهذيب ابن عساكر ، ج1 ، ص 122 .
12 ـ إمتاع الأسماع ، ج1 ، ص 536 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page