• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

فتنة : قتل عثمان

الفائق : عليّ (رضي الله تعالى عنه) : أن قوماً أتوه فاستأمروه في قتل عثمان ، فنهاهم وقال : إن تفعلوا فبيضاً فلَتفرخنّه . (1)
قال الزمخشري : أراد أن تقتلوه تُهيّجوا فتنة يتولد منها شر كثير . كما قال بعضهم :
أرى فتنة هاجت وباضت وفرّخت = ولو تُركتْ طـارت إليك فراخهــا
ويروي أيضاً : ومنه حديث عليّ (رضي الله تعالى عنه) : لوددت أن بني أمية رضوا ونفّلناهم خمسين رجلاً من بني هاشم يحلفون ما قتلنا عثمان ولا نعلم له قاتلاً . (2)
قال الزمخشري : نفّلته : أي حلفته . يريد نفّلنا لهم .
تاريخ الطبري : كان أول من اجترأ على عثمان بالمنطق السيّء جبلة بن عمرو الساعدي مر به عثمان وهو جالس في نديّ قومه ، وفي يد جبلة بن عمرو جامعة ، فلما مر عثمان سلّم ، فرد القوم ، فقال جبلة : لِمَ تردون على رجل فعل كذا وكذا ، قال : ثم أقبل على عثمان فقال : والله لأطرحن هذه الجامعة في عنقك أو لتتركن بطانتك هذه ! قال عثمان : أيّ بطانة ! فوالله إني لأتخير الناس ، فقال : مروان تخيّرته ومعاوية تخيّرته وعبد الله بن عامر تخيرته وعبد الله بن سعد تخيرته ؟! منهم من نزل القرآن بذمّه وأباح رسول الله (ص) دمه ، قال : فانصرف عثمان فما زال الناس مجترئين عليه إلى هذا اليوم . (3)
ويروي : لما رأى الناس ما صنع عثمان كتب من بالمدينة من أصحاب النبي (ص) إلى من بالآفاق منهم ، وكانوا قد تفرّقوا في الثغور : إنكم خرجتم أن تجاهدوا في سبيل الله عَزَّ وجَلَّ تطلبون دين محمد (ص) فإن دين محمد قد أُفسد من خلفكم وتُرك ، فهلمّوا فأقيموا دين محمد (ص) ! فأقبلوا من كل أفق حتى قتلوه . (4)
أقول : الشاهد يرى ما لا يراه الغائب ، وهؤلاء أصحاب رسول الله (ص) المقيمون بالمدينة يكتبون إلى من بالآفاق : (فهلموا فأقيموا دين محمد (ص) فإنه قد أفسد وترك) وكفى في هذه القضية نفوذ مروان بن الحكم وسلطانه على عثمان ، وقد قال رسول الله (ص) فيه : إنه الملعون ابن الملعون ، وقال أيضاً : ويل لأمتي من هذا وولد هذا .
ويروي أيضاً : إنما رد أهل مصر إلى عثمان بعد انصرافهم عنه أنه أدركهم غلام لعثمان على جمل له بصحيفة إلى أمير مصر أن يقتل بعضهم وأن يصلّب بعضهم ، فلما أتوا عثمان قالوا : هذا غلامك ؟ قال : غلامي انطلق بغير علمي . قالوا : جملك ؟ قال : أخذه من الدار بغير أمري . قالوا : خاتمك ؟ قال : نقش عليه ... فلما رأى عثمان ما قد نزل وما قد انبعث عليه من الناس ، كتب إلى معاوية بن أبي سفيان وهو بالشام : بسم الله الرحمن الرحيم ، أما بعد ، فإن أهل المدينة قد كفروا وأخلفوا الطاعة ونكثوا البيعة فابعث إلي من قبلك من مُقاتلة أهل الشام على كل صعب وذلول . فلما جاء معاوية الكتاب : تربص به وكره إظهار مخالفة أصحاب رسول الله (ص) وقد علم اجتماعهم . فلما أبطأ أمره على عثمان : كتب إلى يزيد بن أسد بن كرز ـ والي أهل الشام ـ يستنفرهم ويعظم حقه عليهم ، ويذكر الخلفاء وما أمر الله عَزَّ وجَلَّ به من طاعتهم ومناصحتهم ووعدهم أن يُنجدهم جندٌ أو بطانة دون الناس ، وذكّرهم بلاءه عندهم وصنيعه إليهم فإن كان عندكم غياث فالعجل العجل فإن القوم مُعاجليَّ .
أقول : في هذه العبارات المنقولة موارد للنظر :
1 ـ من أعجب الأمور نهي علي (ع) ومنعه عن قتل عثمان ، بل وبعثه الحسنين لنصرته وحفظه ، ورده لوفد المصريين ، ومع هذا فقد أظهر وأشاع معاوية في الخارج أن علياً هو قاتل عثمان ! وبهذا العنوان تخلّف عن بيعته وادّعى أنه طالب لدم عثمان ، وقد رأيت الطبري يروي أن معاوية تربص به وكره إظهار مخالفة الأصحاب ! وأبطأ في بعث مقاتلي أهل الشام لنصرة عثمان ، حتى كتب عثمان إلى يزيد بن أسد والي الشام يستنصره .
2 ـ ومن عجائب أمر عثمان أنّ غلامه على جمله بصحيفة مختومة بخاتمه ! ويبعث إلى مصر أن يُقتل بعض ، ويُصلّب بعض آخر من المخالفين ! وهو يدّعي أن غلامه سار وانطلق بغير علمه ، وأخذ جمله من داره بغير أمره ، ونُقش خاتمه بغير اطلاعه . ومع هذا يكتب إلى معاوية أن أهل المدينة قد كفروا وأخلفوا الطاعة .
3 ـ فهل حكومة عثمان كانت أصلاً من أصول الديانة الإسلامية حتى يكون المتخلف كافراً ! ومستوجباً للقتل والصلب !؟ وهل كان عثمان منصوباً من جانب الله ورسوله ، حتى يجب اتباعه وطاعته !؟ وهل كانت أعماله وأوامره بإلهام الله وبنظر الحق ! فكيف يتخير من نزل القرآن بذمة وأباح رسول الله (ص) دمه !؟
ويروي الطبري : أن المصريين بعد أن لم يُغيِّر عثمان شيئاً مما كرهوا ، ولم يعزل عاملاً ولم يعمل بما أعطاهم عهد الله وميثاقه عليه ؛ قالوا : فإنا لا نُعجّل عليك وإن كنا قد اتّهمناك . أعزل عنا عُمالك الفسّاق واستعمل علينا من لا يُتهم على دمائنا وأموالنا وأردد علينا مظالمنا ! قال عثمان : ما أراني إذاً في شيء إن كنت أستعمل من هويتم وأعزل من كرهتم ، الأمر إذاً أمركم . (5)
أقول : فليقض في هذا الجواب الاستبدادي والكلام الموهون كل قارئ كريم ، ويا ليت ! أن لو كان هذا الاستبداد والنظر الموهون منبعثاً من إرادة الخليفة نفسه ، لا من تدبير مروان وغيره .
كما يروي الطبري : فقال مروان : يا أمير المؤمنين ، مقاربتُهم حتى تقوى أمثل من مكاثرتهم على القرب ! فأعطهم ما سألوك وطاولهم ما طاولوك فإن هم بغوا عليك فلا عهد لهم . (6)
ولنعم ما قال بعض المصريين لعثمان كما في الطبري قالوا : فالكتاب كتاب كاتبك ؟ قال : أجل ولكنه كتبه بغير أمري . قالوا : فإن الرسول الذي وجدنا معه الكتاب غلام ؟ قال : أجل ولكنه خرج بغير أذني . قالوا : فالجمل جملك ؟ قال : أجل ولكنه أخذ بغير علمي . قالوا : ما أنت إلا صادق أو كاذب ، فإن كنت كاذباً فقد استحققت الخلع لما أمرت به من سفك دمائنا بغير حقها ، وإن كنت صادقاً فقد استحققت أن تُخلع لضعفك وغفلتك وخبث بطانتك ؛ لأنه لا ينبغي لنا أن نترك على رقابنا من يُقتطع مثل الأمر دونه لضعفه وغفلته . وقالوا له : إنك ضربت رجالاً من أصحاب النبي (ص) وغيرهم حين يعظونك ويأمرونك بمراجعة الحق عند ما يستنكرون من أعمالك ، فأقد من نفسك من ضربته وأنت ظالم له . فقال : الإمام يخطئ ويُصيب فلا أقيد من نفسي ؛ لأني لو أقدت كل من أصبتُه بخطإ آتي على نفسي ، قالوا : إنك قد أحدثت أحداثاً عظاماً فاستحققت بها الخلع فإذا كلّمت فيها أعطيت التوبة ثم عُدت إليها وإلى مثلها ، ثم قدمنا عليك فأعطيتنا التوبة والرجوع إلى الحق ، ولامنا فيك محمد بن مسلمة وضمن لنا ما حدث من أمر ، فأخفرته فتبرأ منك وقال : لا أدخل في أمره ، فرجعنا أول مرة لنقطع حجتك ونبلغ أقصى الأعذار إليك نستظهر بالله عَزَّ وجَلَّ عليك ، فلحقنا كتاب منك إلى عاملك علينا تأمره فينا بالقتل والقطع والصلب ، وزعمت أنه كُتب بغير علمك وهو مع غلامك وعلى جملك وبخطّ كاتبك وعليه خاتمك ، فقد وقعت عليك بذلك التهمة القبيحة مع ما بلونا منك قبل ذلك من الجور في الحكم والأَثَرة في القسم والعقوبة للأمر بالتبسط من الناس والإظهار للتوبة ... فقال عثمان :... أما قولك تخلع نفسك : فلا أنزع قميصاً قمَّصنيه الله عَزَّ وجَلَّ وأكرمني به وخصّني به على غيري ، ولكني أتوب وأنزع ولا أعود بشيء عابه المسلمون فأني والله الفقير إلى الله ... قالوا : إن هذا لو كان أول حدث أحدثته ثم تبت منه ولم تُقم عليه لكان علينا أن نقبل منك وأن ننصرف عنك . (7)
أقول : وفي هذه المكالمة دقائق تاريخية للمعتبر .
1 ـ (الإمام يخطئ ويصيب) : عقيدتنا أن الإمام إذا كان منصوباً من الله ورسوله فهو خليفة الله وخليفة رسوله ولا يخطئ ، فإن قول الإمام وفعله حجتان للناس ، وللناس أن يُطيعوا الإمام ويتبعوه ، وإذا جاز له الخطأ والعمل بخلاف ما جاء به الرسول فكيف يكون حجة بين الله وبين الناس !؟
2 ـ (فلا أقيد من نفسي) : فإذا كان عثمان مُخطأ فهو كأحد من الناس ، مضافاً إلى أن أحكام الديات والقصاص كسائر الأحكام الدينية غير مخصوصة بجماعة دون آخرين ، حتى إن رسول الله (ص) قال في آخر أيامه : من كان له عليّ حق أو قصاص فليأخذه .
3 ـ (فلا أنزع قميصاً قمَّصنيه الله) : هذه دعوى يدّعيها كل من له مقام أو عنوان دنيوي ، فهل يصح هذا القول ممن يُنتخب من جانب الرعية لمقام من أنواع الرئاسات والحكومات ؟ أو يُنتخب من جانب هيئة الوكلاء أو الوزراء ؟ فهل كان حيازة عثمان لهذا المقام من طريق آخر سماوّي ؟!
4 ـ (ولكنِّي أتوب وأنزع ولا أعود) : هذا ينافي ما ادعاه من أن مقامه قميص قمّصه الله ، فكيف يجوز التوبة من آثار ذلك القميص والأعمال اللاحقة به والمنتزعة منه !؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الفائق ، ج 2 ، ص 269 .
2 ـ نفس المصدر ، ج 3 ، ص 116 .
3 ـ تاريخ الطبري ، ج 5 ، ص 114 .
4 ـ نفس المصدر السابق ، ص 115 .
5 ـ تاريخ الطبري ، ج 5 ، ص 117 .
6 ـ تاريخ الطبري ، ج 5 ، ص 116 .
7 ـ نفس المصدر السابق ، ص 120 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page