• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

فتنة : التحكيم

الإمامة والسياسة : فأقبل الأشعث بن قيس في أناس كثير من أهل اليمن فقالوا لعلي : لا نرد ما دعاك القوم إليه ؛ قد أنصفك القوم ، والله لئن لم تقبل هذا منهم لا وفاء معك ولا نرمي معك بسهم ولا حجر ولا نقف معك موقفاً . (1)
ويروي : أن معاوية قال لأصحابه حين استقامت المدة ولم يُسم الحكمين : من ترون علياً يختار ؟ فأما نحن فصاحبنا عمرو بن العاص . قال عتبة بن أبي سفيان : أنت أعلم بعلي منا . فقال معاوية : أن لعليّ خمسة رجال من ثقاته منهم عدي بن حاتم وعبد الله بن عباس وسعد بن قيس وشريح بن هاني والأحنف بن قيس ... ومع هذا أن الناس قد ملوا هذه الحرب ولم يرضوا إلا رجلاً له تقية ، وكل هؤلاء له تقية لهم ، ولكن انظروا أين أنتم من رجل من أصحاب رسول الله (ص) تأمنه أهل الشام وترضى به أهل العراق ؟ فقال عتبة : ذلك أبو موسى الأشعري . (2)
العقد الفريد : لما كان يوم الهرير ـ وهو أعظم يوم بصفين ـ زحف أهل العراق على أهل الشام فأزالوهم عن مراكزهم حتى انتهوا إلى سرادق معاوية ، فدعا بالفرس وهمّ بالهزيمة ، ثم التفت إلى عمرو بن العاص وقال له : ما عندك ؟ قال : تأمر بالمصاحف فتُرفع في أطراف الرماح ... ثم اجمع رأيهم على التحكيم ، فهم علي على أن يُقدم أبا الأسود الدّؤلي ، فأبى الناس عليه ... ثم اجتمع أصحاب البرانس وهم وجوه أصحاب عليّ ، على أن يُقدموا ابا موسى الأشعري وكان مبرنساً ، وقالوا : لا نرضى بغيره . فقدّمه عليّ ، وقدّم معاوية عمرو بن العاص . فقال معاوية لعمرو : إنك قد رُميت برجل طويل اللسان قصير الرأي فلا ترمه بعقلك كله . (3)
ويروي : لما قدم أبو الأسود الدؤلي على معاوية عام الجماعة ، قال له معاوية : بلغني ياأبا الأسود أن علي بن أبي طالب أراد أن يجعلك أحد الحكمين ، فما كنت تحكم به ؟ قال : لو جعلني أحدهما لجمعت ألفاً من المهاجرين وأبناء المهاجرين وألفاً من الأنصار وأبناء الأنصار ثم ناشدتهم الله : المهاجرون وأبناء المهاجرين أولى بهذا الأمر أما الطلقاء ؟ قال له معاوية : لله أبوك أيّ حكم كنت تكون لو حُكّمت . (4)
تاريخ الطبري : فلما رأى عمرو بن العاص أن أمر أهل العراق قد اشتد وخاف في ذلك الهلاك ، قال لمعاوية : هل لك في أمر أعرضه عليك لا يزيدنا إلا اجتماعاً ولا يزيدهم إلا فرقة ؟ قال : نعم . قال : نرفع المصاحف ثم نقول ما فيها حكمٌ بيننا وبينكم ، فإن أبى بعضهم أن يتقبّلها وجدت فيهم من يقول : بلى ينبغي أن نقبل ، فتكون فرقة تقع بينهم ، وأن قالوا : بلى نقبل ما فيها ، رفعنا هذا القتال عنا ، وهذه الحرب إلى أجل أو إلى حين ، فرفعوا المصاحف بالرماح ... إن علياً قال : عباد الله امضوا على حقكم وصدقكم : قتال عدوكم ! فإن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة وابن أبي سرح والضحاك بن قيس ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، أنا أعرف بهم منكم : قد صحبتهم أطفالاً وصحبتهم رجالاً فكانوا شر أطفال وشر رجال ، ويحكم إنهم ما رفعوها ثم لا يرفعونها ولا يعلمون بما فيها وما رفعوها لكم إلا خديعة ودهنا ومكيدة . فقالوا له : ما يسعنا أن نُدعى إلى كتاب الله عَزَّ وجَلَّ فنأبى أن نقبله . فقال لهم : فإني إنما قاتلتهم ليدينوا بحكم هذا الكتاب ، فإنهم قد عصوا الله عَزَّ وجَلَّ فيما أمرهم ونسوا عهده ونبذوا كتابه . فقال له مسعر بن فدّكي التميميّ وزيد بن حصين الطائي ثم السنبسي في عصابة معهما من القراء الذين صاروا خوارج بعد ذلك : يا عليّ ، أجب إلى كتاب الله عَزَّ وجَلَّ إذا دُعيت إليه وإلا ندفعك برمّتك إلى القوم أو نفعل كما فعلنا بابن عفان . إنه غلبنا أن يعمل بكتاب الله فقتلناه‏ . والله لتفعلنها أو لنفعلنها بك ؟ قال :  فاحفظوا عني نهيي إياكم واحفظوا مقالتكم فيّ ، أما أنا فإن تطيعوني تقاتلوا وإن تعصوني فاصنعوا ما بدا لكم . قالوا له : فأبعث إلى الأشتر فليأتك ... فقال الأشتر : ليس هذه الساعة التي ينبغي لك أن تُزيلني عن موقفي ؛ إني قد رجوت أن يُفتح لي فلا تُعجلني . فرجع يزيد بن هاني إلى عليّ فأخبره فما هو إلا أن انتهى إلينا ، فارتفع الرهج وعلت الأصوات من قبل الأشتر ، فقال له القوم : والله ما نراك إلا أمرته أن يُقاتل ، قال : من أين ينبغي أن تُروا ذلك ! رأيتموني ساررته ؟! أليس إنما كلّمته على رؤوسكم علانية وأنتم تسمعوني ، قالوا : فابعث إليه فليأتك وإلا والله اعتزلناك . قال له : ويحك يا يزيد ! قل له أقبل إليَّ فإن الفتنة قد وقعت . (5)
أقول : بايع المهاجرون والأنصار علياً (ع) على أن يعمل بالكتاب وسنة رسول الله (ص) ، وهو أعلم الأمة وأتقاها وأقضاها ، وأحب الناس إلى الله وإلى رسوله ، وهو مع الحق والحق يدور معه كيفما دار ، وهو وليّ كل مؤمن ومؤمنة وأخو رسول الله (ص) وابن عمه وزوج البتول ، وأول من أسلم وجاهد في سبيل الله عَزَّ وجَلَّ .
فمن أراد أن يعمل بالكتاب والسنة فلا بد أن يبايع علياً (ع) ويستقر تحت رايته ويهتدي بهداه ويتبع سبيله . ومن خالفه فهو مخالف للكتاب والسنة ، والدعوة إلى علي (ع) هي الدعوة إلى كتاب الله ، والتابع له على يقين من أمره ودينه ، فلا معنى في دعوة معاوية وعمرو العاص له إلى العمل بالكتاب وأن يكون الكتاب حكماً بينهما ، وهذا نهاية تنزيل مقام أمير المؤمنين (ع) ، ويدل على نهاية جهل أصحابه وقصور معرفتهم وضعف دينهم حيث قالوا : يا علي ، أجِب إلى كتاب الله إذا دُعيت إليه وإلا ندفعك برمّتك إلى القوم ، أو نفعل كما فعلنا بابن عفان .
وليعلم أن هذه الفتنة أشد من فتنة حرب صفين : فإن نتيجة هذه الفتنة هي تنزيل مقام أمير المؤمنين والتسليم لحكم معاوية والانخداع بخدعته وترك حكومة الحق والخلاف لعلي (ع) ، ومن هذا الخلاف نشأت حرب الخوارج .
تاريخ الطبري : فقال أهل الشام : فإنا قد اخترنا عمرو بن العاص . فقال الأشعث وأولئك القوم الذين صاروا خوارج بعدُ : فإنا قد رضينا بأبي موسى الأشعري . قال عليّ : فإنكم قد عصيتموني في أول الأمر فلا تعصوني الآن ، إني لا أرى أن أولّي أبا موسى . فقال الأشعث وزيد بن حصين الطائي ومسعر بن فدكي : لا نرى إلا به ، فإنه ما كان يُحذّرنا وقعنا فيه .
قال عليّ : فإنه ليس لي بثقة ؛ قد فارقني وخذل الناس عني ثم هرب مني حتى آمنته بعد أشهر ، ولكن هذا ابن عباس نُوليه ذلك . قالوا : ما نُبالي أنت كنت أم ابن عباس ، لا نريد إلا رجلاً هو منك ومن معاوية سواء ، ليس أي واحد منكما بأدنى منه إلى الآخر . فقال عليّ : فإني أجعل الأشتر . قال الأشعث : وهل سعّر الأرض غيرُ الأشتر ... قال علي : فقد أبيتم إلا أبا موسى ؟ قالوا : نعم . قال : فاصنعوا ما أردتم . فبعثوا إليه ، وقد اعتزل القتال وهو بُعرض . (6)
أقول : يظهر من جملات : ( فإنه ما كان يُحذّرنا وقعنا فيه) و(خذل الناس عني) (هو منك ومن معاوية سواء) و(هل سعّر الأرضَ) و(قد اعتزل القتال) أنهم ندموا ورجعوا عن الحرب ، وقد اختاروا رجلاً معتزلاً عنه ، حتى يختار الاعتزال ، ويحذّرهم من الحرب وإن كان خلاف رأي عليّ (ع) .
تاريخ الطبري : إن علياً قال للناس يوم صفين : لقد فعلتم فعلة ضعضعت قوة وأسقطت مُنّة وأوهنت وأورثت وهناً وذلة . ولما كنتم الأعلين وخاف عدوكم الاجتياح واستحرّ بهم القتل ووجدوا ألم الجراح رفعوا المصاحف ودعوكم إلى ما فيها ليفثؤكم عنهم ويقطعوا الحرب فيما بينكم وبينهم ويتربّصون ريب المنون خديعة ومكيدة ، فأعطيتموهم ما سألوا وأبيتم إلا أن تدهنوا وتجوّزوا . وأيم الله ، ما أظنكم بعدها توافقون رشداً ولا تصيبوا باب حزم . (7)
أقول : ضعضع : أي وضع . المُنّة : كالقوة لفظاً ومعناً . اجتاح : استأصل وأهلك . فثأ الحر والغضب : سكن غليانها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الإمامة والسياسة ، ج 1 ، ص 108 .
2 ـ نفس المصدر ، ص 109 .
3 ـ العقد الفريد ، ج 4 ، ص 346 .
4 ـ نفس المصدر ، ص 349 .
5 ـ تاريخ الطبري ، ج 6 ، ص 26 .
6 ـ تاريخ الطبري ، ج 6 ، ص 28 .
7 ـ نفس المصدر السابق ، ص 31 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page