البدء والتاريخ : ولما بويع يزيد تلكّأ الحسين وعبد الله بن الزبير عن بيعته ، ولحقا بمكة . فأما الحسين فخرج إلى الكوفة حتى استشهد بكربلاء . وأما عبد الله فامتنع بمكة ولاذ بالكعبة ودعا الناس إلى الشورى ، وجعل يلعن يزيد وسماه الفاسق المتكبّر ، وقال : لا يرضى الله بعهد معاوية إلى يزيد ... وبلغ الخبر يزيد فبعث مسلم بن عقبة المُرّي في جيش كثيف ... فجاء مسلم بن عقبة فأوقع بالمدينة ، وقتل أربعة آلاف رجل من أفناء الناس ، وسبعين رجلاً من الأنصار ، وبقر بطون النساء وأباح الحُرم ، وأنهب المدينة ثلاثة أيام ، وبايعهم على أنه فيء ليزيد وجعل يفعل فيهم ما شاء ، وكانت الوقعة بالحرة وهي ضاحي المدينة ... ثم سار نحو مكة ... وكان وُلد يزيد بالماطرون ومات بحوارين ، وهو ابن ثمان وثلاثين سنة . وفيه يقول الشاعر
يا أيها القبر بحوارينا = ضممت شر الناس أجمعينا
ولما مات يزيد ، صار الأمر إلى ولده معاوية بن يزيد ، وكان قدريّاً ... فخطب معاوية فقال : إنَّا بُلينا بكم وابتليتم بنا ، وإن جدّي معاوية نازع الأمر من كان أولى به وأحقّ ، فركب منه ما تعلمون حتى صار مرتهناً بعمله ، ثم تقلّده أبي ، ولقد كان غير خليق به ، فركب رَدعه واستحسن خطأه ، ولا أحبّ أن ألقى الله بتباعتكم ، فشأنكم وأمركم ، ولّوه من شئتم ، فوالله لئن كانت الخلافة مغنماً ؛ لقد أصبنا منها حظاً ، وإن كانت شراً ؛ فحسبُ آل أبي سفيان ما أصابوا منها . ثم نزل وأغلق الباب في وجهه . (1)
الإمامة والسياسة : فقام الحسين فحمد الله وصلى على الرسول ، ثم قال : أما بعد ، يا معاوية فلن تؤدّي القائل وإن أطنب في صفة الرسول (ص).. وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لأمة محمد : تريد أن توهم الناس في يزيد ، كأنك تصف محجوباً أو تنعت غائباً أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص ، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استقرائه الكلاب المُهارشة عند التحارش والحمام السبق لأترابهن والقينات ذوات المعارف وضروب الملاهي . (2)
ويروي : وذكروا أنّ مسلماً لما فرغ من قتال أهل المدينة ونهبها ، كتب إلى يزيد بن معاوية ، وفيها : فما صليت الظهر أصلح الله أمير المؤمنين إلا في مسجدهم بعد القتل الذريع والانتهاب العظيم ، وأوقعنا بهم السيوف وقتلنا من أشرف لنا منهم ، وأتبعنا مُدبرهم وأجهزنا على جريحهم ، وانتهبناها ثلاثاً كما قال أمير المؤمنين أعزّ الله نصره ، وجعلت دور بني الشهيد عثمان بن عفان في حرز وأمان ، فالحمد لله الذي شفا صدري من قتل أهل الخلاف القديم والنفاق العظيم ، فطالما عتوا وقديماً ما طغوا . (3)
الخلفاء للسيوطي : قال الحسن البصريّ : أفسد أمر الناس اثنان : عمرو بن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف ، فحُملت ، ونال من القرّاء فحكّم الخوارج ، فلا يزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة . والمغيرةُ بن شعبة فإنه كان عامل معاوية على الكوفة ، فكتب إليه معاوية إذا قرأت كتابي فأقبل معزولاً ، فأبطأ عنه ، فلما ورد عليه . قال : ما أبطأ بك ؟ قال : أمر كنت أوطّئه وأهيِّئه ، قال : وما هو ؟ قال : البيعة ليزيد من بعدك قال : أو قد فعلت ؟ قال : نعم . قال : ارجع إلى عملك . فلما خرج قال له أصحابه : ما وراءك ؟ قال : وضعت رجل معاوية في غرز غيّ لا يزال فيه إلى يوم القيامة . (4)
تاريخ الخلفاء : وكانت وقعة الحرة على باب طيبة ، وما أدراك ما وقعة الحرة . ذكرها الحسن مرّة فقال : والله ، ما كان ينجو منهم أحد ، قتل فيها خلق من الصحابة (رضي الله عنهم) ومن غيرهم ، ونُهبت المدينة ، وافتض فيها ألف عذراء ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . قال صلّى الله عليه وسلّم : من أخاف أهل المدينة أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . وإن عبد الله بن حنظلة بن الغسيل قال : والله ، ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء ، إنه رجل ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة . (5)
مروج الذهب : وكان يزيد صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشراب ، وجلس ذات يوم على شرابه وعن يمينه ابن زياد ، وذلك بعد قتل الحسين ، فأقبل على ساقيه
أسقني شربة تَروى مشاشـي = ثم صل فاسق مثلها ابن زياد
صاحبَ السر والأمانة عندي = ولتسديد مغنمــي وسدادي
ثم أمر المغنّين فغنّوا ، وغلب على أصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق ، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة ، واستعملت الملاهي ، وأظهر الناس شرب الشراب ، وكان له قرد يكنّى بأبي قيس يحضر مجلس منادمته . (6)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البدء والتاريخ ، ج 6 ، ص13 .
2 ـ الإمامة والسياسة ، ص152 .
3 ـ نفس المصدر ، ص178 .
4 ـ الخلفاء للسيوطي ، ص79 .
5 ـ تاريخ الخلفاء ، ص81 .
6 ـ مروج الذهب ، ج 2 ، ص94 .
فتنة : بيعة يزيد
- الزيارات: 2871