• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الرجعة

1 ـ معنى الرجعة تعني الرجعة ـ كما هي في اعتقاد الإمامية ـ أن الله سبحانه وتعالى سيعيد قوماً من الأموات الى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها، وأن هؤلاء على قسمين: مَن مَحَض الإيمان محضاً في حياته الاُولى، ومن كان قد محض الكفر، محضاً فيها، ثم يديل الله سبحانه وتعالى المحقين من المبطلين، والمظلومين من الظالمين، وأن ذلك سيحدث لدى قيام الإمام المهدي(عليه السلام) ، ثم يصيرون بعد ذلك الى الموت.

وهناك من فسّر الرجعة بأنها تعني رجعة الحق الى نصابه وذلك على يد المهدي(عليه السلام).

وأن الأمر لا يشتمل على إحياء الموتى وعودة الاشخاص الى الدنيا من جديد.

والرأي الأوّل هو الشائع بين جمهور الإمامية أخذاً بما جاء عن آل البيت(عليهم السلام) ولا سيّما منذ عهد الشيخ الصدوق والشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي وحتى العلاّمة المجلسي والحر العاملي ، الى الفقهاء والعلماء المعاصرين.

2 ـ رتبة الاعتقاد بها

من الواضح أن العقيدة الإسلامية لها اُصول واُسس متفق عليها، وفيها فروع وامتدادات قد يظهر الخلاف فيها من جهة من الجهات، والرجعة ليست من تلك الاُصول التي لا يسوغ الخلاف فيها، وقد أجاد الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء حيث كتب، يقول: «ليس التدين بالرجعة في مذهب التشيع بلازم، ولا إنكاره بضار، وإن كانت ضرورية عندهم ، ولكن لا يناط التشيع بها وجوداً وعدماً ، وليست هي إلا كبعض أشراط الساعة; مثل نزول عيسى(عليه السلام)من السماء، وظهور الدجال، وخروج السفياني، وأمثالها من القضايا الشائعة عند المسلمين...»[1].

والرجعة بهذا المعنى تعد جانباً من الجوانب المكمّلة لفكرة المهدوية في الإسلام ; ولذا تراهما يشتركان في مضمون واحد، هو انتصار العدالة واندحار الباطل عند المطاف الأخير من التاريخ، بما يشير الى أن النظام الدنيوي يسير باتجاه الحق، وإذا كانت الأديان السماوية قد آمنت بعودة بعض الأنبياء ، واشترك المسلمون سنّةً وشيعة من خلال اعتقادهم بأصل الفكرة المهدوية بذلك، فلا مانع من الإيمان بالرجعة كجانب تأكيدي على ذلك الأصل وامتداد تفصيلي له ، وبُعد بياني شارح له.

من هنا فإن مفهوم الرجعة قد يأتي تكميلاً وتوسيعاً وتعميقاً وشرحاً إضافياً لأصل الفكرة المهدوية، التي آمن بها جميع المسلمين، فإذا كان الأصل متفقاً عليه بين جميع المسلمين، فإن التأكيد على هذا الأصل وتعميقه أكثر من خلال فكرة تفصيلية إضافية لها ما يدعمها في الكتاب والسنّة، يعد فضيلة تستحق الاكبار والاجلال ، ومع ذلك هي كما قال السيد محسن الأمين العاملي «أمر نقلي، إن صح النقل به لزم اعتقاده، وإلا فلا...»[2] .

ومن هذا المنطلق الأخير وجدنا أن بعض علماء الإمامية أنفسهم، ممّن لم تبلغ لديهم دلالة نصوص الرجعة المقبولة عندهم حدّ القطع بهذا المعنى المشهور، قد ذهبوا الى تفسيرها على نحو لا يلزم عودة الحياة بعد الموت الى فريق من الناس، وإنّما يقف عند إرادة عودة دولة الحق والعدل، وهزيمة الجور والظلم والطغيان[3].

3 ـ الأدلّة على ثبوت عقيدة الرجعة

إن عملية إثبات الرجعة والبرهنة عليها تمرّ بثلاث مراحل هي:

ألف: مرحلة إثبات إمكان الرجعة وعدم استحالتها.

وأفضل ما يثبت إمكانها بلحاظ الواقع هو أن الرجعة نوع من المعاد لا يختلف عنه شيئاً، سوى أن الرجعة معاد دنيوي يكون في آخر الزمان لبعض الناس وهم أئمة الإيمان ورؤوس الكفر، والمعاد رجعة اُخروية شاملة لكل البشرية، وكل ما يؤتى به كدليل على إمكان المعاد يعدُّ بنفسه صالحاً لأن يكون دليلاً على إمكان الرجعة، وبالتالي فهذه المرحلة ـ وهي المرحلة العقلية ـ من البحث مشبعة بأدلة المعاد نفسها، وهي غنية بغنى تلك الأدلة.

ب ـ مرحلة إثبات عدم تصادم فكرة الرجعة مع جانب من جوانب العقيدة الإسلامية، إذ قد تكون الفكرة في نفسها ممكنة بلحاظ الواقع إلا أن الاعتقاد بها يتصادم أو يضعف جانباً معيناً من جوانب العقيدة الإسلامية، فهل الرجعة متوفرة على هذا الإثبات؟

والجواب على ذلك: إن فكرة الرجعة مشتملة على هذا الإثبات من جهتين:

1 ـ إن فكرة الرجعة ليست فقط لا تتصادم مع جانب من جوانب العقيدة الإسلامية، بل إنها تعطي تعميقاً وتفعيلاً وزخماً أكبر لاُصول الدين الخمسة، فهي مظهر يجسد قدرة الله سبحانه وتعالى المطلقة، وعدالة خط النبوات، وفاعلية الإمامة، وواقعية المعاد ليوم القيامة.

2 ـ إن هذه الفكرة لها تطبيقات في الاُمم والنبوات السابقة على الإسلام وقد حكى القرآن الكريم هذه التطبيقات بنحو مؤكد ، مما يدلّل بوضوح على أن فكرة الرجعة ليست أنها لا تتصادم مع العقيدة الإسلامية فحسب، بل إنها من متطلباتها ومستلزماتها ، ذلك أن القرآن الكريم لا يحدّث بما ينافي التوحيد، بل لا يأتي إلاّ بما يدعم قضية التوحيد ويؤكد على ما فيه ، والملاحظ للقرآن الكريم يجد أنه لا يكتفي بإشارة عابرة واحدة الى حصول مسألة الرجعة وتحققها في الاُمم السابقة على الاسلام، بل يكرر هذه الإشارة بالنحو الذي يفيد أنه يريد التأكيد عليها، مما يدل على أن فكرة الرجعة تعود بنفع مؤكد على التوحيد. ففي سورة البقرة نقرأ قوله تعالى: ( ألم ترَ الى الذين خرجوا من ديارهم وهم اُلوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثمّ أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون)[4].

فقد روى المفسرون، ومنهم ابن جرير الطبري، عدة روايات عن ابن عباس ووهب بن منبه ومجاهد والسدّي وعطاء أنها في شأن قوم من بني إسرائيل هربوا من طاعون وقع في قريتهم فأماتهم الله ومرّ بهم نبي اسمه «حزقيل» فوقف متفكراً في أمرهم، وكانت قد بليت أجسادهم، فأوحى الله إليه، أتريد أن اُريك فيهم كيف اُحييهم ؟ فأحياهم له وروى السيوطي مثل ذلك[5].

ونقرأ أيضاً قوله تعالى: ( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون، ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون)[6] وفيها روى المفسرون ـ ومنهم الطبري ـ أنهم ماتوا جميعاً بعد قولهم ذلك وأن موسى لم يزل يناشد ربه عزّ وجل ويطلب إليه حتى رد إليهم أرواحهم[7].

ونقرأ أيضاً قوله تعالى: ( أو كالذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنّى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر الى طعامك وشرابك لم يتسنّه وانظر الى حمارك ولنجعلك آيةً للناس وانظر الى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً فلما تبيّن له قال أعلم أنّ الله على كل شيء قدير)[8].

وقد ذكر المفسرون ـ ومنهم الطبري ـ عدداً من الروايات تفيد أنه عزير أو أرميا مرّ على بيت المقدس بعد أن خربها نبوخذنصر ، فأراه الله قدرته على ذلك بضربه المثل له في نفسه بالصورة التي قصتها الآية[9].

وهناك آيات اُخرى تثبت وقوع الرجعة بعد الموت إذا شاء الله ذلك في الإنسان والحيوان، منها الآيات:

(فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)[10].

(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلكِن لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِيَنكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[11].

(إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيَما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)[12].

(مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْء شَهيدٌ)[13].

ومن مجموع ذلك نلاحظ تركيز القرآن الكريم على هذا المفهوم من خلال تأكيد وقوعه مرّة بعد اُخرى، وفي أطوار مختلفة في استعراض وقائع حصلت في الاُمم السابقة الأمر الذي لابدّ وأن يكون من ورائه غرض يرمي القرآن الكريم الى تحقيقه، ولابدّ أن يكون ذلك الغرض مما يعود الى قضية التوحيد والعقيدة بالنفع على نحو التعميق والتأكيد.

ج ـ مرحلة إثبات وقوع الرجعة في مستقبل الاُمة الإسلامية ، لأن الإمكان شيء والوقوع شيء آخر.

فهل في القرآن الكريم وسنّة الرسول(صلى الله عليه وآله) ما يدل على أن الاُمة الإسلامية ستشهد تحقق الرجعة في مستقبل أيامها؟

يجيب المؤمنون بالرجعة على هذا السؤال بالإيجاب وبنحو قاطع، اعتماداً على عدد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وهي:

1 ـ قوله تعالى: ( ويوم نحشر من كل اُمة فوجاً ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون)[14]، فهذه الآية تتحدث عن حشر سوف يكون لبعض الناس، ومثل هذا الحشر لا يمكن أن يكون حشر يوم القيامة، لأن الحشر فيه يكون عامّاً، فما معنى التخصيص ببعض الناس؟ خاصة وأن القرآن الكريم يذكر بعد ثلاث آيات من هذه الآية يوم القيامة بقوله: ( ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين) فعلامات يوم القيامة واضحة في هذه الآية دون تلك، ولو كانت الآية السابقة ليوم القيامة أيضاً لكانت الآية اللاحقة تكراراً بلا وجه.

2 ـ قوله تعالى: ( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم اليه ترجعون)[15] ووجه الاستدلال أنه تعالى ذكر حياتين للإنسان وبعدهما رجوع إليه، الحياة الاُولى هي الحياة الدنيا، والحياة الثانية ( ثم يحييكم) تكون بين الحياة الاُولى وبين الرجوع إليه سبحانه وتعالى، ولا يمكن أن تكون هذه إلا الرجعة.

3 ـ قوله تعالى: ( ربنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل الى خروج من سبيل)[16]. ووجه الاستدلال بها أن الإماتة لا تكون إلاّ لمن سبقت له الحياة، وقولهم: (أمتنا اثنتين) يعني وقوع إماتتين بعد حياتين، والإماتة الاُولى معلومة، إذ هي التي تعقب حياتهم الاُولى المعهودة، وليس ثمّة معنى لإماتة ثانية، إلاّ أن تحقق لهم حياة ثانية، ثم يصيرون بعدها الى الموت، فتجتمع لهم حياتين وموتتين، كما هو في النص.

وقد أورد المخالفون لمبدأ الرجعة لهذه الآية تأويلين لا يستقيمان بحال:

قال بعضهم: إنّ المعنى أنه خلقهم أمواتاً قبل الحياة!! وهذا باطل لا يستقيم مع لغة العرب، فالذي خلقه الله أمواتاً لا يقال إنّه أماته.

وقال آخرون: الموتة الثانية تكون بعد حياتهم في القبور للمساءلة!! وهذا باطل ـ أيضاً ـ من وجه آخر، إذ الحياة ليست للتكليف فيندم الإنسان على ما فاته فيها، والآية تكشف عن ندم هؤلاء على ما فاتهم في الحياتين، فليست هي إذاً حياة المساءلة[17].

هذه جملة من الأدلة القرآنية على الرجعة، وهناك عدد كبير من الأحاديث عن النبي(صلى الله عليه وآله)وأهل بيته المعصومين(عليهم السلام) رويت في إثبات الرجعة، ذكرها محدثوا الإمامية ومفسروهم في مؤلفاتهم الحديثية والتفسيرية الخاصة بهذا الموضوع[18].

هذه جملة مختصرة مما استدل به على وقوع الرجعة في آخر الزمان، ومهما أمكن التواضع العلمي بشأنها فإنها في الحد الأدنى تجعل الرجعة فكرة مقبولة، وبوسع المعارض أن يعارض بدليل، بل بوسعه المعارضة بدون دليل، ولكن ليس مقبولاً من أحد أن يهزأ بأفكار الآخرين وقناعاتهم التي آمنوا بها عبر أدلة وبراهين.

يعارضونها وتراثهم ينطق بها

والذي يقرأ كلمات المعارضين لمدرسة أهل البيت(عليهم السلام) في مسألة الرجعة يتصور أنهم أبعد ما يكونون عنها في تراثهم وخطهم الفكري، ولكن الذي يطالع هذا التراث ويتأمل فيه يجد فيه الشيء الكثير من هذه الأخبار والروايات، والتي تدلل على وجود اعتقاد لديهم بجوهر ومضمون فكرة الرجعة.

فمن الثابت في كتب التاريخ الإسلامي أن خبر وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله)لما انتشر بين المسلمين قال عمر بن الخطاب: ـ من لفلانة وفلانة من مدائن الروم ـ إن رسول الله ليس بميت حتى نفتحها، ولو مات لانتظرناه كما انتظرت بنو إسرائيل موسى!

وكان يقول: إن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ما مات ، ولكنه ذهب الى ربه، كما ذهب موسى بن عمران فغاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع بعد أن قيل قد مات، والله ليرجعن رسول الله(صلى الله عليه وآله)فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أنه قد مات[19].

وعلى هذا يكون عمر بن الخطاب أوّل من قال بالرجعة في الإسلام ، وليس عبدالله بن سبأ الرمز الاُسطوري الذي تنسب له كل شناعة في التاريخ الإسلامي.

وقد أ لّف ابن أبي الدنيا المتوفى سنة (281) كتاباً بعنوان «من عاش بعد الموت» وصدر هذا الكتاب محققاً عن دار الكتب العلمية في بيروت سنة 1987م.

وأفرد أبو نعيم الإصفهاني في كتابه «دلائل النبوة» والسيوطي في «الخصائص الكبرى» باباً في معجزات الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في إحياء الموتى، وذكر السيوطي كرامات في إحياء الموتى من قبل غير النبي(صلى الله عليه وآله)[20].

ورووا أنّ زيد بن حارثة والربيع بن خراش ورجلاً من الأنصار قد تكلّموا بعد الموت[21]

أسئلة حول الاعتقاد بالرجعة

تواجه فكرة الرجعة عدّة أسئلة تتطلب إجابات واضحة، وهي: ـ

1 ـ إن عقيدة الرجعة تؤدي الى الإغراء بالمعصية، اتّكالاً على التوبة حين الرجعة؟

والجواب:

إن هذا السؤال إنما يرد فيما لو كانت الرجعة شاملة لكل الناس، أو كان هناك تعييناً بالأسماء لأشخاص الراجعين، وليس الأمر كذلك، فالرجعة خاصة بأئمة الكفر وأئمة الإيمان، وليس هناك من يستطيع أن يعيّن هؤلاء بأشخاصهم وأعيانهم، والأمر كلّه الى الله سبحانه، وهذا كاف في عدم الإغراء بالمعصية.

2 ـ إن عقيدة الرجعة تفضي الى القول بالتناسخ الباطل بالضرورة لدى المسلمين؟

والجواب:

إن التناسخ شيء والرجعة شيء آخر مباين له تماماً، فالتناسخ يعني حلول أرواح الأموات في أجساد اُخرى يراد لها الحياة، بينما الرجعة تعني عودة أرواح بعض الناس الى أجسادهم على غرار ما سيقع في يوم القيامة، فلو كانت الرجعة يلزم منها التناسخ للزم التناسخ في المعاد، وفي إحياء عيسى للموتى، وفيما حصل من الرجعة في الاُمم السابقة .

وقد تواترت الأخبار عن الأئمة(عليهم السلام) في بطلان التناسخ، وأكد علماء الإمامية قديماً وحديثاً على ذلك، وأنّه يؤدي الى الكفر، وقد فرّق أبو الحسن الأشعري في كتابه (مقالات الإسلاميين) بين قول الإمامية بالرجعة وبين القول بالتناسخ الذي ذهب إليه الغلاة والزنادقة المنكرون للقيامة[22].

3 ـ إن عقيدة الرجعة أدّت الى ظهور اليهودية في التشيع، وهذا ما قاله أحمد أمين في كتابه «فجر الاسلام».

والجواب:

إن ظهور معالم ديانة سابقة في ديانة الإسلام أمر من مقررات العقيدة الإسلامية، لأن الإسلام إنّما نسخ العمل بالديانات السابقة، أما الجانب العقائدي فعنصر ثابت مشترك بين كل الديانات، والإسلام هو التعبير الأكمل عنها جميعاً . فمجرّد كون عقيدة في ديانة سابقة قد ظهرت في المعتقدات الإسلامية ليس عيباً في الإسلام، هذا لو فرض أنّ الرجعة من آراء اليهودية، كما يدّعيه هذا الكاتب، فالعقيدة بالتوحيد والنبوّة والبعث والنشور والحساب والجنّة والنار هي عقائد مشتركة بين الأديان كلّها، وإنّما يكون في الأمر عيب في استعارة معتقدات باطلة أدخلها اليهود أو النصارى أو غيرهم في الأديان..

والرجعة ليست من هذا الصنف، إذ قد تحدّث عنها القرآن في آيات متعددة ، وقدم لنا منها نماذج مختلفة.

4 ـ كيف يجتمع القول بالرجعة مع قوله تعالى: (وحرام على قرية أهلكناها انّهم لا يرجعون)[23] فهذه الآية تقرر عدم رجوع الظالمين ، فإذا قلنا برجوع بعضهم يكون ذلك مخالفاً للآية الكريمة؟

والجواب:

إن القول بالرجعة لا يعارض هذه الآية، إذ تتحدث هذه الآية عن نوع خاص من الظالمين، وهم الذين اُهلكوا في هذه الدنيا، ونالوا عقوبة سماوية فيها . أما الظالمون الذين رحلوا عن الدنيا بلا عقوبة ولا مؤاخذة فالآية ساكتة عنهم، ولعل سكوتها عنهم يفيد نوعاً من الامضاء لفكرة رجعتهم، أو رجعة بعضهم، ممن يختاره الله للرجعة منهم.

النتيجة :

الرجعة ليست مستحيلة في نفسها وليست مخالفة لمبدأ التوحيد، بل هي مظهرة لقدرة الله المطلقة، هذا من ناحية..، ومن ناحية اُخرى فإنّ نماذج متعددة للرجعة قد وقعت فعلاً، وقد تحدث عنها القرآن الكريم.. كما آمن أعلام الإسلام بعودة بعض الأموات الى الدنيا بعد تحقق موتهم.. ومن ناحية ثالثة فقد تظافرت بها الأخبار عن أعدال القرآن ـ أهل بيت النبي(صلى الله عليه وآله) ـ بعد ما أمكن الاستدلال بمجموعة من الآيات القرآنية على إثباتها، فهي كبعض أشراط الساعة، وكنوع من المعاد الذي يستبعده الكافرون، وبعد فهي ليست من الاُصول التي يبتنى عليها الدين أو المذهب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] أصل الشيعة واُصولها: 35 ، مؤسسة الأعلمي بيروت.

[2] نقض الوشيعة : 376 ، ط مؤسسة الأعلمي بيروت.

[3] انظر، مجمع البيان: 7/366 (تفسير الآية 83 من سورة النمل).

[4] البقرة : 243.

[5] تفسير الطبري : 2 / 586 ـ 588 ، ط دار الفكر، الدر المنثور: 2 / 741 ، ط دار الفكر.

[6] البقرة : 55 ـ 56.

[7] تفسير الطبري : 1 /290 ـ 293.

[8] البقرة : 259.

[9] تفسير الطبري : 3 / 28 ـ 47.

[10] البقرة: 73.

[11] البقرة: 260 .

[12] آل عمران : 55.

[13] المائدة: 117.

[14] النمل : 83.

[15] البقرة : 28.

[16] المؤمن : 11.

[17] انظر: المسائل السروية، الشيخ المفيد: 33 .

[18] قد عدّد بعض الفضلاء نحو أربعين كتاباً خاصّاً بهذا الموضوع وإليك أسماء بعضها:

1 ـ كتاب الرجعة لأبي حمزة البطائني ذكره النجاشي.

2 ـ إثبات الرجعة لابن شاذان.

3 ـ كتاب الرجعة للشيخ الصدوق.

4 ـ كتاب الرجعة للعيّاشي صاحب التفسير.

5 ـ إثبات الرجعة للعلاّمة الحلّي.

6 ـ الايقاظ للحرّ العاملي . وهو أوسع كتاب في بابه فقد ضمّنه نحو 64 آية و600 حديث . راجع في ذلك : الرّجعة: من إصدار مركز الرسالة.

[19] السيرة النبوية لابن هشام : 4 / 305، الطبقات الكبرى لابن سعد : 2 / 266 .

[20] خصص الشيخ عبدالحسين الأميني بحثاً مطوّلاً في الجزء الحادي عشر من الغدير: 103 ـ 195 سرد فيه مرويات لدى مدرسة الخلفاء تدلل على وجود الغلو في هذه المدرسة وبضمنها أخبار كثيرة تحمل معنى الرجعة.

[21] تهذيب التهذيب : 3 / 410 وغيرها .

[22] انظر: مقالات الإسلاميين: 1/114 .

[23] الأنبياء : 95.



أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page