وأمر الوحدة والتعدُّد فيما نُشاهده من أقسام الحيوان غير واضح ، ففيما كان بينها اجتماع منزلي تتأحّد الإناث وتختصُّ بالذكور ، لما أنّ الذكور في شغل شاغل في مشاركتها في تدبير المنزل وحضانة الأفراخ وتربيتها ، وربّما تغيَّر الوضع الجاري بينها بالصناعة والتدبير والكفالة ، أعني بالتأهُّل والتربية كما يُشاهد من أمر الديك والدجاج والحمام ونحوها .
وأمّا الإنسان ، فاتّخاذ الزوجات المتعدّدة كانت سنّة جارية في غالب الأُمم القديمة ، كمصر والهند ، والصين والفرس ، بل الروم واليونان ، فإنّهم كانوا ربَّما يُضيفون إلى الزوجة الواحدة في البيت خدنا يُصاحبونها ، بل وكان ذلك عند بعض الأُمم لا ينتهي إلى عدد يقف عليه ، كاليهود والعرب ، فكان الرجل منهم ربّما تزوّج العشرة والعشرين وأزيد ، وقد ذكروا أنّ سليمان الملك تزوّج مئات من النساء .
وأغلب ما كان يقع تعدُّد الزوجات إنّما هو في القبائل ومَن يحذو حذوهم ، من سكّان القُرى والجبال ، فإنّ لربّ البيت منهم حاجة شديدة إلى الجمع وكثرة الأعضاء ، فكانوا يقصدون بذلك التكاثر في البنين بكثرة الاستيلاد ؛ ليهون لهم أمر الدفاع الذي هو من لوازم عيشتهم ، وليكون ذلك وسيلة يتوسّلون بها إلى الترؤس والسؤدد في قومهم ، على ما في كثرة الازدواج من تكثُّر الأقرباء بالمُصاهرة .
وما ذكره بعض العلماء ، أنّ العامل في تعدُّد الزوجات في القبائل وأهل القرى إنّما هو كثرة المشاغل والأعمال فيهم ، كأعمال الحمل والنقل ، والرعي والزراعة ، والسقاية والصيد ، والطبخ والنسج وغير ذلك ، فهو وإن كان حقّاً في الجملة ، إلاّ أنّ التأمّل في صفاتهم الروحية يُعطي أنّ هذه الأعمال في الدرجة الثانية من الأهمّية عندهم ، وما ذكرناه هو الذي يتعلّق به قصد الإنسان البدوي أولاً وبالذات ، كما أن شيوع الادّعاء والتبنّي أيضاً بينهم سابقاً كان من فروع هذا الغرض .
على أنّه كان في هذه الأُمم عامل أساسي آخر لتداول تعدُّد الزوجات بينهم ، وهو زيادة عدد النساء على الرجال بما لا يُتسامح فيه ، فإنّ هذه الأُمم السائرة بسيرة القبائل ، كانت تدوم فيهم الحروب والغزوات ، وقتل الفتك والغيلة ، فكان القتل يُفني الرجال ، ويزيد عدد النساء على الرجال زيادة ، لا ترتفع حاجة الطبيعة معها إلاّ بتعدّد الزوجات . هذا .
والإسلام شرّع الازدواج بواحدة ، وأنفذ التكثير إلى أربع ، بشرط التمكُّن من القسط بينهن ، مع إصلاح جميع المحاذير المتوجّهة إلى التعدُّد ، على ما سنُشير إليها ، قال تعالى : ( ... وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ... ) (1) .
___________
(1) سورة البقرة ، الآية : 228 .
تعدُّد الزوجات
- الزيارات: 2208