• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

بحث علمي آخر

النكاح والازدواج من السنن الاجتماعية ، التي لم تزل دائرة في المجتمعات الإنسانية ـ أيّ مجتمع كان ـ على ما بيدنا من تاريخ هذا النوع إلى هذا اليوم ، وهو في نفسه دليل على كونه سنّة فطرية .
على أنّ من أقوى الدليل على ذلك كون الذكر والأُنثى مجهّزَين بحسب البُنية الجسمانية بوسائل التناسل والتوالد ، كما ذكرناه مراراً ، والطائفتان ( الذكر والأُنثى ) في ابتغاء ذلك شرع سواء وإن زيدت الأُنثى بجهاز الإرضاع والعواطف الفطرية الملائمة لتربية الأولاد .
ثمّ إنّ هناك غرائز إنسانية تنعطف إلى محبّة الأولاد ، وتقبل قضاء الطبيعة بكون الإنسان باقياً ببقاء نسله ، وتُذعن بكون المرأة سكناً للرجل وبالعكس ، وتحترم أصل الوراثة بعد احترامها لأصل الملك والاختصاص ، وتحترم لزوم تأسيس البيت .
والمجتمعات التي تحترم هذه الأُصول والأحكام الفطرية ـ في الجملة ـ لا مناص لها من الإذعان بسنّة النكاح على نحو الاختصاص بوجه ، بمعنى أن لا يختلط الرجال والنساء على نحو يُبطل الأنساب ، وإن فرض التحفُّظ عن فساد الصحّة العامة وقوَّة التوالد ، الذي يوجبه شيوع الزنا والفحشاء .
هذه أُصول معتبرة عند جميع الأُمم الجارية على سنّة النكاح في الجملة ، سواء خصُّوا الواحد بالواحد ، أو جوّزوا الكثير من النساء للواحد من الرجال أو بالعكس ، أو الكثير منهم للكثير منهنّ ، على اختلاف هذه السنن بين الأُمم ، فإنّهم مع ذلك يعتبرون النكاح بخاصته التي هي نوع ملازمة ومصاحبة بين الزوجين .
فالفحشاء والسفاح الذي يقطع النسل ويُفسد الأنساب ، أول ما تُبغضه الفطرة الإنسانية القاضية بالنكاح ، ولا تزال ترى لهذه المُباغضة آثاراً بين الأُمم المختلفة والمجتمعات المتنوّعة ، حتى الأُمم التي تعيش على الحرّية التامة في الرجال والنساء في المواصلات والمخالطات الشهوية ، فإنّهم متوحّشون من هذه الخلاعات المسترسلة ، وتراهم يعيشون بقوانين تحفظ لهم أحكام الأنساب بوجه .
والإنسان مع إذعانه بسنّة النكاح لا يتقيّد فيه بحسب الطبع ، ولا يحرّم على نفسه ذا قرابة أو أجنبيّاً ، ولا يجتنّب الذكر من الإنسان أُمّاً ولا أُختاً ولا بنتاً ولا غيرهنّ ، ولا الأُنثى منه أباً ولا أخاً ولا ابناً ، بحسب الداعية الشهوية ، فالتاريخ والنقل يُثبت نكاح الأُمّهات والأخوات والبنات وغيرهن في الأُمم العظيمة الراقية والمنحطّة ، والأخبار تحقِّق الزنا الفاشي في الملل المتمدّنة اليوم بين الإخوة والأخوات ، والآباء والبنات وغيرهن ، فطاغية الشهوة لا يقوم لها شيء ، وما كان بين هذه الأُمم من اجتناب نكاح الأُمّهات والأخوات والبنات وما يلحق بهنّ ، فإنّما هو سنّة موروثة ، ربّما انتهت إلى بعض الآداب والرسوم القومية .
وإنّك إذا قايست القوانين المشرّعة في الإسلام ؛ لتنظيم أمر الازدواج بسائر القوانين والسنن الدائرة في الدنيا ، وتأمّلت فيها مُنصفاً ، وجدتها أدقّ وأضمن لجميع شؤون الاحتياط في حفظ الأنساب وسائر المصالح الإنسانية الفطرية ، وجميع ما شرّعه من الأحكام في أمر النكاح ، وما يلحق به يرجع إلى حفظ الأنساب وسدِّ سبيل الزنا .
فالذي روعي فيه مصلحة حفظ الأنساب من غير واسطة ، هو تحريم نكاح المُحصنات من النساء ، وبذلك يتمُّ إلغاء ازدواح المرأة بأكثر من زوج واحد في زمان واحد ، فإنّ فيه فساد الأنساب ، كما أنّه هو الملاك في وضع عدّة الطلاق بتربّص المرأة بنفسها ثلاثة قروء ؛ تحرُّزاً من اختلاط المياه .
وأمّا سائر أصناف النساء المُحرَّم نكاحها ـ وهي أربعة عشر صنفاً المعدودة في آيات التحريم ـ فإنّ الملاك في تحريم نكاحهنّ سدُّ باب الزنا ؛ فإنّ الإنسان ـ وهو في المجتمع المنزلي ـ أكثر ما يُعاشر ويختلط ويسترسل ويُديم في المصاحبة ، إنَّما هو مع هذه الأصناف الأربعة عشر ، ودوام المصاحبة ومساس الاسترسال يوجب كمال توجُّه النفس وركوز الفكر فيهنّ ، بما يهدي إلى تنبُّه الميول والعواطف الحيوانية وهيجان دواعي الشهوة ، وبعثها الإنسان إلى ما يستلذُّه طبعه ، وتتوق له نفسه ، ومَن يَحُمْ حول الحُمّى أوشك أن يقع فيه .
فكان من الواجب أن لا يقتصر على مجرّد تحريم الزنا في هذه الموارد ، فإنّ دوام المصاحبة ، وتكرُّر هجوم الوساوس النفسانية ، وورود الهمِّ بعد الهمِّ لا يدع للإنسان مجال التحفُّظ على نهي واحد من الزنا .
بل كان يجب أن تُحرَّم هؤلاء تحريماً مؤبّداً ، وتقع عليه التربية الدينية ؛ حتى يستقرّ في القلوب اليأس التام من بلوغهنّ والنيل منهنّ ، ويُميت ذلك تعلُّق الشهوة ويقطع منبتها ويقلعها من أصلها ، وهذا هو الذي نرى من كثير من المسلمين ، حتى في المتوغِّلين في الفحشاء المسترسلين في المنكرات منهم ، أنّهم لا يخطر ببالهم الفحشاء بالمحارم ، وهتك ستر الأمّهات والبنات ، ولولا ذلك لم يكد يخلو بيت من البيوت من فاحشة الزنا ونحوه .
وهذا ، كما أنّ الإسلام سدّ باب الزنا في غير المحارم بإيجاب الحجاب ، والمنع عن اختلاط الرجال بالنساء والنساء بالرجال ، ولولا ذلك لم ينجح النهي عن الزنا في الحجز بين الإنسان ، وبين هذا الفعال الشنيع ، فهناك أحد أمرين : إمّا أن يمنع الاختلاط كما في طائفة ، وإمّا أن يستقرّ اليأس من النيل بالمرّة بحرمة مؤبّدة يتربّى عليها الإنسان ، حتى يستوي على هذه العقيدة ، لا يُبصر مثاله فيما يُبصر ، ولا يسمعه فيما يسمع ، فلا يخطر بباله أبداً .
وتصديق ذلك ما نجده من حال الأُمم الغربية ، فإنّ هؤلاء معاشر النصارى كانت ترى حرمة الزنا ، وتعدّ تعدُّد الزوجات في تلو الزنا ، أباحت اختلاط النساء بالرجال ، فلم تلبث حتى فشا الفحشاء فيها فشوّاً لا يكاد يوجد في الألف منهم واحد يسلم من هذا الداء ، ولا في ألف من رجالهم واحد يستيقن بكون مَن ينتسب إليه من أولاده من صُلبه ، ثمّ لم يمكث هذا الداء حتى سرى إلى الرجال مع محارمهم ، من الأخوات والبنات والأمهات ، ثمّ إلى ما بين الرجال والغلمان ، ثمّ الشبّان أنفسهم ، ثمّ ... وثمّ ... آلَ الأمر إلى أن صارت هذه الطائفة التي ما خلقها الله سبحانه إلاّ سكناً للبشر ، ونعمة يُقيم بها صلب الإنسانية ، ويطيب بها عيشة النوع مصيدة يصطاد بها في كل شأن سياسي واقتصادي واجتماعي ، ووسيلة للنيل إلى كل غرض يُفسد حياة المجتمع والفرد ، وعادت الحياة الإنسانية أمنية تخيلية ، ولعباً ولهواً بتمام معنى الكلمة ، وقد اتّسع الخرق على الراتق .
هذا هو الذي بنى عليه الإسلام مسألة تحريم المحرّمات ، من المُبهمات وغيرها في باب النكاح ، إلاّ المحصنات من النساء على ما عرفت .
وتأثير هذا الحكم ـ في المنع عن فشوّ الزنا وتسرُّبه في المجتمع المنزلي ـ كتأثير حكم الحجاب في المنع عن ظهور الزنا ، وسريان الفساد في المجتمع المدني ، على ما عرفت .
وقد تقدّم أنّ قوله تعالى : ( ... وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ ... ) الآية ، لا تخلو عن إشارة إلى هذه الحكمة ، ويمكن أن تكون الإشارة إليه بقوله تعالى ـ في آخر آيات التحريم ـ : ( يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ) (1) . فإنّ تحريم هذه الأصناف الأربعة عشر من الله سبحانه تحريماً باتّاً ، يرفع عن كاهل الإنسان ثقل الصبر على هواهنّ والميل إليهنّ والنيل منهنّ ، على إمكان من الأمر ، وقد خُلق الإنسان ضعيفاً في قِبال الميول النفسانية ، والدواعي الشهوانية ، وقد قال تعالى : ( ... إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ) (2) . فإنّ من أمر الصبر أن يعيش الإنسان مع واحدة أو أكثر من النساء الأجنبيات ، ويُصاحبهنّ في الخلوة والجلوة ، ويتّصل بهنّ ليلاً ونهاراً ويمتلئ سمعه وبصره من لطيف إشاراتهنّ وحلو حركاتهن حيناً بعد حين ، ثم يصبر على ما توسوسه نفسه في أمرهنّ ، ولا يُجيبها في ما تتوق إليه ، والحاجة إحدى الحاجتين الغذاء والنكاح ، وما سواهما فضل يعود إليهما ، وكأنّه هو الذي أشار إليه ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) بقول : ( مَن تزوّج أحرز نصف دينه فليتّق الله في النصف الآخر ) (3) .
___________
(1) سورة النساء ، الآية : 28.
(2) سورة يوسف ، الآية : 28 .
(3) مرويّة في نكاح الوسائل .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page