12 ـ أخبرنا الشيخ الإمام أبو محمد الحسن بن الحسين بن بابويه قراءة عليه بالري سنة عشرة وخمسمئة ، قال : حدّثنا السعيد أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، قال : حدّثنا الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسن علي بن محمد بن حبيش الكاتب ، قال : أخبرني الحسن بن علي الزعفراني ، قال : أخبرني أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي ، قال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ، قال ، حدّثنا علي بن محمد بن أبي سعيد ، عن فضيل بن الجعد ، عن أبي إسحاق الهمداني ، قال :
لمّا ولّى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) محمد بن أبي بكر مصر وأعمالها كتب له كتاباً وأمره أن يقرأه على أهل مصر ، وأن يعمل بما (1) وصّاه به فيه ، وكان الكتاب (2) :
بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبد الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى أهل مصر ومحمد بن أبي بكر ، ( سلامٌ عليكم ) (3) ، فإنّي أحمِدُ إليكم الله الذي لا إله إلاّ هو :
أمّا بعد ، فإنّي أُوصيكم بتقوى الله فيما أنتم عنه مسؤولون وإليه تصيرون ، فإنّ الله تعالى يقول : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ) (4) ، ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) (5) ، ( وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) (6) ، ويقول : ( فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (7) ، فاعلموا عباد الله أنّ الله عزّ وجلّ مسائلكم عن الصغيرة والكبيرة من أعمالكم ، فإن يعذّب فنحن أظلم ، وإن يعفو فهو أرحم الراحمين .
يا عبادَ الله ، إنّ أقرب ما يكون العبد إلى المغفرة والرحمة حين يعمل لله بطاعته وينصحه في التوبة : عليكم بتقوى الله فإنّها تجمع من الخير ما لا خير غيرها (8) ، ويُدرك بها من الخير ما لا يُدرك بغيرها [ من ] (9) خير الدنيا ( وخير الآخرة ) (10) ، قال الله تعالى : ( وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ) (11) .
اعلموا عباد الله أنّ المؤمن يعمل لثلاث من الثواب : إمّا الخير (12) ، فإنّ الله يثيبه بعمله في دنياه ، ( قال الله سبحانه لإبراهيم ) (13) : ( وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِين ) (14) ، فمَن عمل لله أعطاه أجره في الدنيا والآخرة وكفاه المهم فيهما ، وقال الله تعالى : ( قُلْ يَاعِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (15) ، فما أعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به في الآخرة ، قال الله تعالى : ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ ) (16) ، فالحسنى هي الجنّة والزيادة هي الدنيا .
[ وإمّا لخير الآخرة ] (17) فإنّ الله تعالى يكفّر بكل حسنة سيئة ، قال الله تعالى : ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) (18) ، حتى إذا كان يوم القيامة حُسبت لهم حسناتهم ثمّ أعطاهم بكل واحدة عشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف ، قال الله تعالى : ( جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً ) (19) ، وقال : ( فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ) (20) ، فارغبوا في هذا ـ يرحمكم الله ـ واعملوا له وتحاضّوا عليه .
واعلموا يا عباد الله إنّ المتّقين حازوا عاجل الخير وآجله ، شاركوا أهل الدنيا في دنياهم ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم ، وأباحهم الله من الدنيا ما كفاهم وبه أغناهم ، قال الله عزّ وجلّ : ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) (21) .
سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت ، أكلوا بأفضل ما أكلت ، شاركوا أهل الدنيا في دنياهم فأكلوا معهم من طيّبات ما يأكلون ، وشربوا بأفضل ما يشربون ، ولبسوا من أفضل ما يلبسون ، وتزوّجوا من أفضل ما يتزوّجون ، وركبوا من أفضل ما يركبون ، أصابوا لذّة الدنيا [ مع أهل الدنيا ] (22) ، وهم غداً جيران الله يتمنّون عليه فيعطيهم ما تمنّوا ، لا تُردّ لهم دعوة ولا ينقص لهم نصيب من اللذة .
فإلى هذا يا عباد الله يشتاق مَن كان له عقل ويعمل بتقوى الله ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم ، يا عباد الله ، إن اتقيتم الله وحفظتم نبيّكم في أهل بيته فقد عبدتموه بأفضل ما عُبِد ، وذكرتموه بأفضل ما ذُكِر ، وشكرتموه بأفضل ما شُكِر ، وأخذتم بأفضل ( الصبر و ) (23) الشكر ، واجتهدتم بأفضل الاجتهاد ، وإن كان غيركم أطول منكم صلاة وأكثر منكم صياماً ، فأنتم أتقى لله عزّ وجلّ منه وأنصح لأُولي الأمر ) (24) .
قال محمد بن أبي القاسم : الحديث طويل لكنّي أخذته إلى هاهنا ؛ لأنّ غرضي كان في هذه الألفاظ لأنّها بشارة حسنة لمن خاف واتّقى وتوّلى أهل المصطفى ، والخبر بكماله أوردته في كتاب الزهد والتقوى .
__________________
( 1 ) في ( ط ) : أوصاه .
( 2 ) في ( ط ) : وكان الكتاب فيه .
( 3 ) ليس في ( ط ) .
( 4 ) آل عمران : 185 .
( 5 ) المدّثر : 38 .
( 6 ) آل عمران : 28 .
( 7 ) الحجر : 92 ـ 93 .
( 8 ) في ( ط ) : غيره ، وفي الأمالي : فإنّها تجمع الخير ولا خير غيرها .
( 9 ) من الأمالي .
( 10 ) ليس في ( ط ) .
( 11 ) النحل : 30 .
( 12 ) في أمالي الصدوق : إمّا لخير الدنيا ، وفي ( ط ) : إمّا الخير .
( 13 ) ليس في ( ط ) .
( 14 ) العنكبوت : 27 .
( 15 ) الزمر : 10 .
( 16 ) يونس : 26 .
( 17 ) أضفناه من الغارات تتميماًً للمعنى .
( 18 ) هود : 114 .
( 19 ) النبأ : 36 .
( 20 ) سبأ : 37 .
( 21 ) الأعراف : 32 .
( 22 ) من الأمالي .
( 23 ) ليس في ( ط ) .
( 24 ) رواه الشيخ في أماليه 1 : 24 ، أورده في الغارات 1 : 233 ، تحف العقول : 176 ، أمالي المفيد : 137 ، النهج باب الكتب تحت الرقم : 27 .
الجزء الثاني - القسم الثاني عشر
- الزيارات: 1326