• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

صلاة التراويح سنّة أم بدعة ؟ 1

 

صلاة التراويح سنّة أم بدعة ؟ 1

 

صلاة «التراويح» سنّة أم بدعة ؟
الكتاب والسنّة ينفيان
متى اُستحدثت صلاة التراويح
رأي الإمامية في صلاة التراويح
صلاة التراويح في نصوص أهل البيت(عليهم السلام)
سنّة الرسول(صلى الله عليه وآله) برواية أهل البيت(عليهم السلام)
موقف الصحيحين من صلاة التراويح
مناقشة الصحيحين
جمع الناس على إمام واحد في عصر عمر
التشريع مختصّ بالله سبحانه
تخرصات للفرار من وصمة البدعة
1 ـ محاولة ابن أبي الحديد المعتزلي، حيث
2 ـ محاولة القاضي عبدالجبار المعتزلي في
3 ـ محاولة ابن تيمية التي اعتبر فيها اطلاق
4 ـ محاولة تقسيم البدع، بحسب الأحكام الخمسة.
خلاصة الكلام

صلاة «التراويح» سنّة أم بدعة ؟
مقدّمة

تعتبر الواجبات في الشريعة الإسلامية مما يلزم الإنسان المؤمن ـ بالله ورسوله واليوم الآخر ـ أن يأتي به باعتباره أمراً ضرورياً له في تحصيل الكمال اللائق به، بحيث يكون التفريط في أداء الواجبات، يعني تعريض كماله المرجوّ للخطر وعدم إمكان حصوله على أدنى مراتب الكمال المرجوّة له .

وتعتبر المستحبات والمندوبات هي تلك الاُمور التي تزيد المؤمن الملتزم بالواجبات كمالاً وتقرباً الى الله سبحانه.

والصلاة المفروضة (اليومية) لابد للإنسان أن يأتي بها على كل حال، ولكن الالتزام بأدائها في أول وقتها يعتبر فضلاً وكمالاً وتعبيراً عن إهتمام المؤمن بهذا الفرض الإلهي الذي شرّفه الله به، وهكذا أداؤها جماعة يكون مندوباً آخر وهو تعبير عن تحقق مرتبة اُخرى من الكمال حين يؤديها جماعة.

وتتميز العبادات في الشريعة الإسلامية باُمور، منها:

تنوّعها واستيعابها لمختلف الأزمنة والحالات التي يمرّ بها الإنسان طيلة حياته، ومنها شمولها واستيعابها لمختلف أوقات الإنسان في كل يوم من حين بلوغه وحتى آخر لحظات حياته، وهذا الاستمرار يكشف عن مدى اعتناء الإسلام بتربية الإنسان، تلك التربية التي لا تتحقق إلاّ بالتدرّج والمران والممارسة الجادّة والارتباط المستمر بالله سبحانه.

كما تتميّز عبادات الإسلام بأنها توقيفية في نوعها وكيفيتها وتفاصيلها، وليس للإنسان حق في أن ينقص منها أو يزيد فيها شيئاً بحسب رأيه، وعلى هذا اجماع المسلمين قاطبة.

من هنا نجد ضرورة البحث في ما يقوم به بعض المسلمين في شهر رمضان من اداء صلاة باسم صلاة التراويح; هل شرّعها الشارع الحكيم وبيّن حكمها وتفاصيلها؟ أم لم تشرع في الشريعة الإسلامية فتكون حينئذ بدعة والبدعة محرّمة، حيث لا أساس لها في الكتاب ولا السنّة النبوية الشريفة؟!

الكتاب والسنّة ينفيان
مشروعية صلاة التراويح [1]

وعندما نتلوا الكتاب العزيز لا نجد في آياته أثراً لصلاة التراويح، ولو كان هناك أثر قرآني فيها لتمسك به فقهاء المذاهب الأربعة، ولم نجد أحداً منهم استدل عليها بشيء من القرآن الكريم.

وكذلك عندما نأتي لسيرة النبي(صلى الله عليه وآله) لا نجد فيها أثراً لصلاة التراويح، بل نجد فيها تأكيداً على قيام الليل في شهر رمضان، ولكن بنحو الفرادى لا الجماعة.

والأخبار تؤكد ـ كما تأتي ـ أن صلاة التراويح لم يأت بها رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولا كانت على عهده، بل لم تكن على عهد أبي بكر، ولا شرّع الله الاجتماع لأداء نافلة من السنن المستحبة، غير صلاة الاستسقاء.

وإنّما شرّعه في الصلوات الواجبة، كالفرائض الخمس اليومية، وصلاة الطواف والآيات والجنائز...

وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقيم ليالي رمضان ويؤدي سننها في غير جماعة، وكان يحض على قيامها، فكان الناس يقيمونها على نحو ما رأوه(صلى الله عليه وآله) يقيمها.

وهكذا كان الأمر على عهد أبي بكر حتى مضى لسبيله سنة ثلاث عشرة للهجرة [2] ، وقام بالأمر بعده عمر بن الخطاب، فصام شهر رمضان من تلك السنة لا يغيّر من قيام الشهر شيئاً.

متى اُستحدثت صلاة التراويح
فلمّا كان شهر رمضان سنة أربع عشرة أتى المسجد ـ أي عمر بن الخطاب ـ ومعه بعض أصحابه، فرأى الناس يقيمون النوافل، وهم ما بين قائم وقاعد وراكع وساجد وقارئ ومسبح، ومحرم بالتكبير، ومحلّ بالتسليم، في مظهر لم يرقه، عزم على اصلاحه بحسب رأيه فسنّ لهم التراويح [3] أوائل الليل من الشهر، وجمع الناس عليها حكماً مبرماً، وكتب بذلك الى البلدان ونصب للناس في المدينة إمامين يصليان بهم التراويح، إماماً للرجال وإماماً للنساء. وفي ذلك رويت روايات:

وإليك ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما [4] من أن رسول الله(صلى الله عليه وآله)قال: «من قام رمضان ـ أي بأداء سننه ـ إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه»، وأنّه(صلى الله عليه وآله) توفي والأمر كذلك ـ أي وأمر القيام في شهر رمضان لم يتغير عمّا كان عليه قبل وفاته(صلى الله عليه وآله) ـ، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر .

وأخرج البخاري في كتاب التراويح أيضاً من الصحيح عن عبدالرحمن بن عبد القاريّ [5] ، قال: خرجت مع عمر ليلة رمضان الى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، الى أن قال: فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد كان أمثل، ثم عزم فجمعهم على اُبيّ بن كعب (قال): ثمّ خرجت معه ليلة اُخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم. قال عمر: نعمت البدعة هذه ...

قال العلاّمة القسطلاني عند بلوغه الى قول عمر في هذا الحديث: نعمت البدعة هذه، ما هذا لفظه:

سمّـاها بدعة، لأنه(صلى الله عليه وآله) لم يُسَنّ لهم الاجتماع لها، ولا كانت في زمن الصديق، ولا أول الليل، ولا هذا العدد [6] .

وفي تحفة الباري وغيره من شروح البخاري مثله فراجع.

وقال العلاّمة أبو الوليد محمد بن الشحنة بعد ذكر وفاة عمر في حوادث سنة 23 من تاريخه ـ روضة المناظر ـ : هو أوّل من نهى عن بيع اُمهات الأولاد، وجمع الناس على أربع تكبيرات في صلاة الجنائز، وأوّل من جمع الناس على إمام يصلي بهم التراويح...

ولما ذكر السيوطي في كتابه ـ تاريخ الخلفاء ـ أوليات عمر نقلاً عن العسكري [7] ، قال: هو أوّل من سمّي أمير المؤمنين، وأوّل من سن قيام شهر رمضان ـ بالتراويح ـ وأول من حرّم المتعة، وأول من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات...

وقال محمد بن سعد ـ حيث ترجم عمر في الجزء الثالث من الطبقات ـ : وهو أول من سنّ قيام شهر رمضان ـ بالتراويح ـ وجمع الناس على ذلك، وكتب به الى البلدان، وذلك في شهر رمضان سنة أربعة عشرة، وجعل الناس بالمدينة قارئين قارئاً يصلي التراويح بالرجال، وقارئاً يصلي بالنساء...

وقال ابن عبدالبر في ترجمة عمر من الاستيعاب: وهو الذي نوّر شهر الصوم بصلاة الاشفاع فيه [8] .

قال السيد عبدالحسين شرف الدين معلّقاً على مبرّري صلاة التراويح :

«وكأنّ هؤلاء عفا الله عنهم وعنا، رأوه قد استدرك (بتراويحه) على الله ورسوله حكمة كانا عنها غافلين.

بل هم بالغفلة ـ عن حكمة الله في شرائعه ونظمه ـ أحرى، وحسبنا في عدم تشريع الجماعة في سنن شهر رمضان وغيرها إنفراد مؤديها ـ جوف الليل في بيته ـ بربه عزّ وعلا يشكو إليه بثه وحزنه، ويناجيه بمهماته مهمة مهمة حتى يأتي على آخرها ملحّاً عليه، متوسلاً بسعة رحمته إليه، راجياً لاجئاً، راهباً راغباً، منيباً تائباً، معترفاً لائذاً عائذاً، لا يجد ملجأً من الله تعالى إلاّ إليه، ولا منجى منه إلا به.

لهذا ترك الله السنن حرة من قيد الجماعة ليتزودوا فيها من الانفراد بالله ما أقبلت قلوبهم عليه، ونشطت أعضاؤهم له، يستقل منهم من يستقل، ويستكثر من يستكثر، فإنّها خير موضوع، كما جاء في الأثر عن سيد البشر» [9] .

أما ربطها بالجماعة فيحدُّ من هذا النفع، ويقلل من جدواه.

أضف الى هذا أن إعفاء النافلة من الجماعة يمسك على البيوت حظها من البركة والشرف بالصلاة فيها، ويُمسك عليها حظها من تربية الناشئة على حبها والنشاط لها، ذلك لمكان القدوة في عمل الآباء والاُمهات والأجداد والجدات، وتأثيره في شد الأبناء إليها شداً يرسخها في عقولهم وقلوبهم، وقد سأل عبدالله بن مسعود رسول الله(صلى الله عليه وآله) أيما أفضل: الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد؟ فقال(صلى الله عليه وآله): «ألا ترى الى بيتي ما أقربه من المسجد فلاَن اُصلي في بيتي أحبّ إليّ من أن اُصلي في المسجد إلا أن تكون صلاة مكتوبة»، رواه أحمد وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحه كما في باب الترغيب في صلاة النافلة من كتاب الترغيب والترهيب للإمام زكي الدين عبدالعظيم بن عبدالقوي المنذري [10] .

وعن زيد بن ثابت أن النبي(صلى الله عليه وآله)، قال: «صلّوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة»، رواه النسائي وابن خزيمة في صحيحه.

وعن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «أكرموا بيوتكم ببعض صلاتكم» [11] .

وعن جابر قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيباً من صلاته، وأن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً»، رواه مسلم وغيره ورواه ابن خزيمة في صحيحه بالإسناد الى أبي سعيد، والسنن في هذا المعنى لا يسعها هذ الإملاء [12] .

لكن الخليفة رجل تنظيم وحزم، وقد راقه من صلاة الجماعة ما يتجلى فيها من الشعائر بأجلى المظاهر، الى ما لا يحصى من فوائدها الاجتماعية، التي أشبع القول فيها علماؤنا الأعلام ممّن عالجوا هذه الاُمور بوعي المسلم الحكيم، وأنت تعلم أنّ الشرع الاسلامي لم يهمل هذه الناحية، بل اختصّ الواجبات من الصلوات بها، وترك النوافل للنواحي الاُخر من مصالح البشر (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) [13] .

رأي الإمامية في صلاة التراويح
إن الشيعة الإمامية ـ تبعاً للرسول(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام)ـ يقيمون نوافل شهر رمضان بلا جماعة، ويرون أنّ إقامتها جماعة هي بدعة غير مشروعة، حدثت بعد رسول الله، بمقياس ما أنزل الله به من سلطان.

قال الشيخ الطوسي: نوافل شهر رمضان تصلّى انفراداً، والجماعة فيها بدعة.

واستدلّ على مذهب الإمامية بإجماعهم على أنّ ذلك بدعة. وما رواه زيد بن ثابت [14] من أن النبي(صلى الله عليه وآله)،قال: «صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في المسجد إلاّ المكتوبة» [15] .

وفي جواهر الكلام تأليف الشيخ محمد حسن النجفي: بإمكان ادعاء تواتر الأخبار ببدعة الجماعة في نوافل شهر رمضان [16] .

ونقل السيد الحكيم في المستمسك حكاية المنتهى والذكرى وكنز العرفان الاجماع عليه [17] .

صلاة التراويح في نصوص أهل البيت(عليهم السلام)
أمّا أئمة أهل البيت فقد اتّفقت كلمتهم على أن الجماعة في النوافل مطلقاً بدعة، من غير فرق بين صلاة التراويح وغيرها، وهناك صنفان من الروايات الواردة عنهم:

الصنف الأول: ما يدلّ على عدم تشريع الجماعة في مطلق النوافل.

الصنف الثاني: ما يدل على عدم تشريعها في صلاة التراويح.

أما الصنف الأول فنذكر منه روايتين:

1 ـ قال الامام الباقر(عليه السلام): «ولا يُصلّى التطوع في جماعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» [18] .

2 ـ قال الإمام عليّ بن موسى الرضا(عليه السلام) في كتابه الى المأمون: «ولا يجوز أن يصلّى تطوّع في جماعة، لأن ذلك بدعة» [19] .

وأما الصنف الثاني، فقد تحدّث عنه الإمام الصادق(عليه السلام)وقال: لما قدم أمير المؤمنين(عليه السلام)الكوفة أمر الحسن بن علي أن ينادي في الناس لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة، فنادى في الناس الحسن بن علي بما أمره به أمير المؤمنين، فلمّا سمع الناس مقالة الحسن(عليه السلام)صاحوا واعمراه، واعمراه، فلما رجع الحسن الى أمير المؤمنين(عليه السلام)، قال له: ما هذا الصوت؟ قال: يا أمير المؤمنين الناس يصيحون واعمراه واعمراه، فقال أمير المؤمنين قل لهم: صلّوا [20] .

وربما يتعجب القارئ من قول الامام «قل لهم: صلوا» حيث تركهم يستمرّون في الإتيان بهذا الأمر المبتدع، ولكن إذا رجع الى سائر كلماته يتجلّى له سرّ تركهم على ما كانوا عليه.

قال الشيخ الطوسي: إن أمير المؤمنين لما أنكر، أنكر الاجتماع، ولم يُنكر نفس الصلاة، فلمّا رأى أن الأمر يفسد عليه ويفتتن الناس، أجاز أمرهم بالصلاة على عادتهم [21] .

ويدل عليه: ما رواه سليم بن قيس، قال : خطب أمير المؤمنين فحمد الله وأثنى عليه ثم صلّى على النبي، ثم قال: «ألا إن أخوف ما أخاف عليكم خلّتان: اتّباع الهوى، وطول الأمل» ثم ذكر أحداثاً ظهرت بعد رسول الله ـ وقال: ولو حملت الناس على تركها... لتفرق عنّي جندي حتى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي... والله لقد أمرتُ الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة، وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة، فتنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي، يا أهل الاسلام غُيّرت سنّة عمر، ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعاً، ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري... [22] .

لقد تسنّم الإمام منصة الخلافة بطوع ورغبة من جماهير المسلمين، وواجه أحداثاً ظهرت بعد رسول الله، وأراد إرجاع المجتمع الإسلامي الى عهد رسول الله في مجالات مختلفة، ولكن حالت العوائق دون نيّته، فترك بعض الاُمور بحالها، حتى يشتغل بالأهم فالأهم، فلأجله أمر ابنه الحسن أن يتركهم بحالهم حتى لا يختلّ نظام البلاد، ولا يثور الجيش ضدّه.

روى أبو القاسم ابن قولويه (ت / 369) عن الإمامين الباقر والصادق(عليهما السلام)، أنّهما قالا: كان أمير المؤمنين بالكوفة إذ أتاه الناس فقالوا له اجعل لنا إماماً يؤمّنا في رمضان، فقال لهم: لا، ونهاهم أن يجتمعوا فيه، فلمّا أحسّوا، جعلوا يقولون أبكوا رمضان، وارمضاناه! فأتى الحارث الأعور في اُناس، فقال: يا أمير المؤمنين ضجّ الناس وكرهوا قولك، قال: فقال عند ذلك: «دعوهم وما يريدون، يُصلّ بهم من شاءوا [23] ».

هذه الروايات تفصح لنا عن موقف أهل البيت(عليهم السلام)من صلاة التراويح.

سنّة الرسول(صلى الله عليه وآله) برواية أهل البيت(عليهم السلام)
تختلف روايات أئمة أهل البيت(عليهم السلام) عن بعض ما رواه أصحاب السنن، فرواياتهم(عليهم السلام)صريحة في أن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)كان ينهى عن إقامة نوافل رمضان جماعة، وأنّه(صلى الله عليه وآله) لما خرج بعض الليالي الى المسجد ليقيمها منفرداً، ائتمّ به الناس فنهاهم عنه، ولمّا أحسّ اصرارهم على الائتمام ترك الصلاة في المسجد واكتفى بإقامتها في البيت، وإليك بعض ما روي في ذلك:

سأل زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل الباقر والصادق(عليهما السلام)عن الصلاة في شهر رمضان نافلة بالليل جماعة، فقالا: إنّ النبي(صلى الله عليه وآله)كان إذا صلّى العشاء الآخرة انصرف الى منزله، ثم يخرج من آخر الليل الى المسجد فيقوم فيصلّي، فخرج في أول ليلة من شهر رمضان ليصلّي، كما كان يصلّي، فاصطفّ الناس خلفه، فهرب منهم الى بيته وتركهم، ففعلوا ذلك ثلاث ليال، فقام في اليوم الرابع على منبره فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إن الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في جماعة بدعة، وصلاة الضحى بدعة، ألا فلا تجتمعوا ليلاً في شهر رمضان لصلاة الليل، ولا تصلّوا صلاة الضحى، فإن تلك معصية، ألا وإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة سبيلها الى النار. ثم نزل وهو يقول:

«قليل في سنّة خير من كثير في بدعة» [24] .

روى عبيد بن زرارة عن الإمام الصادق(عليه السلام)، قال: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يزيد في صلاته في رمضان، إذا صلّى العتمة صلّى بعدها، فيقوم الناس خلفه فيدخل ويدعهم، ثم يخرج أيضاً فيجيئون ويقومون خلفه فيدعهم ويدخل مراراً [25] .

ولعلّه(صلى الله عليه وآله) قام بهذا العمل مرّتين، تارة في آخر الليل ـ كما في الرواية الاُولى ـ واُخرى بعد صلاة العتمة، كما في الرواية الثانية.

موقف الصحيحين من صلاة التراويح
لكن المروي عن طريق أهل السنة يخالف ذلك، وإليك نص الشيخين البخاري ومسلم:

روى الأوّل وقال: حدثني يحيى بن بكير حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب: أخبرني عروة أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أخبرته أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) خرج ليلة من جوف الليل فصلّى في المسجد، وصلى رجال بصلاته فأصبح الناس فتحدّثوا، فاجتمع أكثر منهم، فصلّى فصلّوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله(صلى الله عليه وآله)فصلّى بصلاته، فلمّـا كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح، فلمّا قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد، ثم قال: «أما بعد فانّه لم يخفَ عليّ مكانكم، ولكني خشيت أن تفترض عليكم فتعجزوا عنها. فتوفي رسول الله(صلى الله عليه وآله) والأمر على ذلك» [26] .

وروى أيضاً في باب التهجد: «إن رسول الله صلى ذات ليلة في المسجد فصلى بصلاته ناس، ثم صلّى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله، فلمّا أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم ولم يمنعني من الخروج إليكم إلاّ أني خشيت أن تُفرَض عليكم وذلك في رمضان» [27] .

روى مسلم قال: حدثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) صلّى في المسجد ذات ليلة فصلّى بصلاته ناس، ثمّ صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة[28] فلم يخرج إليهم رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فلما أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم، إلا أني خشيت أن تفرض عليكم، قال: وذلك في رمضان.

وحدّثني حرملة بن يحيى: أخبرنا عبدالله بن وهب: أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) خرج من جوف الليل فصلّى في المسجد، فصلّى رجال بصلاته، فأصبح الناس يتحدثون بذلك فاجتمع أكثر منهم، فخرج رسول الله(صلى الله عليه وآله) في الليلة الثانية فصلّوا بصلاته، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج فصلّوا بصلاته، فلمّا كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله فلم يخرج إليهم رسول الله(صلى الله عليه وآله) حتى خرج لصلاة الفجر فلمّا قضى الفجر أقبل على الناس ثم تشهّد، فقال: «أما بعد فإنّه لم يخفَ عليَّ شأنكم الليلة، ولكنّي خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها» [29] .

والاختلاف بين ما رواه أصحابنا عن أمير المؤمنين علي(عليه السلام)، وما رواه الشيخان واضح، فعلى الأول، نهى النبي(صلى الله عليه وآله)عن إقامتها جماعة، وأسماها بدعة، وعلى الثاني، ترك النبي(صلى الله عليه وآله)الإقامة جماعة خشية أن تُفرض عليهم، مع كونها موافقة للدين والشريعة، إذاً فأي القولين أحقّ أن يتّبع؟


--------------------------------------------------------------------------------

[1] صلاة التراويح لدى علماء الجمهور سنة مستحبّة في ليالي شهر رمضان، والمختار عند أحمد بن حنبل، والثوري، وأبي حنيفة، والشافعي، انّها عشرون ركعة، وقال مالك: ستة وثلاثون «المغني لابن قدامة: 1 / 797 ـ 799.

[2] وكان ذلك ليلة الأربعاء لثمان بقين من جمادى الآخرة وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيام.

[3] التراويح هي النافلة جماعة في ليالي شهر رمضان، وإنّما سميت تراويح للاستراحة فيها بعد كل أربع ركعات.

[4] فراجع من صحيح البخاري كتاب صلاة التراويح: ص 233 من جزئه الأوّل. وراجع من صحيح مسلم باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح من كتاب صلاة المسافر وقصرها ص 283 والتي بعدها من جزئه الأول.

[5] عبدالقاريّ بتنوين عبد وتشديد ياء القاريّ نسبة الى قارة وهو ابن ديش بن ملحم بن غالب المدني. كان هذا عامل عمر على بيت المال وهو حليف بني زهرة. روى عن عمر وأبي طلحة، وأبي أيوب، وأبي هريرة. وروى عنه ابنه محمد، والزهري، ويحيى ابن جعدة بن هبيرة. مات سنة ثمانين . وله ثمان وسبعون سنة. انظر الاستيعاب: 2 / 381 ـ 382 دار الكتب العلمية.

[6] ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري: القسطلاني : 4 / 656 كتاب التراويح، باب فضل من قام رمضان.

[7] العسكري هو الحسن بن عبدالله بن سهل بن سعيد بن يحيى يكنى أبا هلال اللغوي. له كتاب الأوائل فرغ من تأليفه يوم الأربعاء لعشر خلت من شعبان سنة 395. كشف الظنون: 1 / 199.

[8] الاستيعاب : 3 / 236 .

[9] النصّ والاجتهاد للسيد شرف الدين : 214، المورد 26 صلاة التراويح.

[10] الترغيب والترهيب : 1 / 279.

[11] الترغيب والترهيب : 1 / 280.

[12] مسند الشاميين: 2/115، ح 1021، منتخب مسند عبد بن حميد: 300، ح 969.

[13] الأحزاب : 36.

[14] سنن أبي داود 2: 69.

[15] الخلاف 1: 529، كتاب الصلاة، المسألة 268.

[16] جواهر الكلام : 13/144.

[17] مستمسك العروة الوثقى : 7/170.

[18] الخصال 2: 152.

[19] عيون أخبار الرضا : 266.

[20] التهذيب 2: ح 227.

[21] المصدر السابق.

[22] الكافي 8: 58.

[23] السرائر 3: 638.

[24] من لا يحضره الفقيه، كتاب الصوم: 87.

[25] الكافي 4: 154.

[26] أي على ترك الجماعة في صلاة التراويح. لاحظ البخاري، الصحيح، باب فضل من قام رمضان: 61 رقم 2012.

[27] الصحيح 2: 63 باب التهجد بالليل، وبين الروايتين اختلاف فيما خرج(صلى الله عليه وآله)فيها من الليالي، فعلى الاُولى خرج ثلاث ليال، وعلى الثانية خرج ليلتين.

[28] الصحيح 6: 41 وغيره، والظاهر وحدة الرواية الثانية للبخاري مع هذه الرواية لاتّحاد الراوي والمروي عنه والمضمون.

[29] صحيح مسلم 6: 41.

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page