طباعة

الجزء التاسع - القسم الثاني عشر

12 ـ قال : حدّثنا أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه ، قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثنا أحمد بن إدريس ، قال : حدّثنا محمد بن عبد الغفّار ، عن القاسم بن محمد الرازي ، عن علي بن محمد الهرمزداري (1) ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين ( عليه السلام ) ، قال :
( لمّا مرضت فاطمة بنت النبي (2) ( صلّى الله عليه وآله ) ، وصّتْ إلى علي ( عليه السلام ) أن يكتم أمرها ويخفي خبرها ، ولا يؤذِن أحداً بمرضها ، ففعل ذلك ، وكان يمرّضها بنفسه ، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس على استسرار (3) بذلك كما وصّت به ، فلمّا حضرتها الوفاة وصّت أمير المؤمنين أن يتولّى أمرها ويدفنها ليلاً ويعفي قبرها ، فتولّى ذلك أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ودفنها وعفى (4) موضع قبرها ، فلمّا نفض يده من تراب القبر هاج به الحُزن ، فأرسل دموعه على خدّيه وحوّل وجهه إلى قبر رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، فقال :
السلام عليك يا رسول الله منّي ، والسلام عليك من ابنتك (5) وحبيبتك وقرّة عينك ، وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك ، المختار الله لها سرعة اللحاق بك ، قلَّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري ، وضَعُفَ عن سيّدة النساء تجلّدي   (6) ، إلاّ أنّ في التأسي لي بسنّتك والحُزن الذي حلّ لي لفراقك موضع تعزّي ، ولقد وسّدتُك في ملحود قبرك بعد أن فاضتْ نفْسك   (7) على صدري ، وغمضتُك بيدي ، وتولّيت أمرك بنفسي ، نعم ، وفي كتاب الله أنعم القبول ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، قد استُرجِعتْ الوديعة ، وأُخِذتْ الرهينة ، واختُلِستْ   (8) الزهراء ، فما أقبح الخضراء والغبراء .
يا رسول الله ، أمّا حُزني فسرمد ، وأمّا ليلي فمُسهّد (9) ، لا يبرح الحُزن من قلبي أو يختار (10) الله لي دارك التي فيها [ أنت ] (11) مُقيم ، كمدٌ (12) مقيح (13) ، وهمٌّ مهيج ، سرعان ما فرّق بيننا ، وإلى الله أشكوا ، وستُنبّئك ابنتك بتظاهر اُمتك عليَّ وعلى هضمها (14) حقّها ، فاستخبِرها الحال ، فكم من غليلٍ (15) معتلجٍ (16) بصدرها لم تجد إلى بثّه سبيلاً ، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين .
سلام عليك يا رسول الله ، سلامَ مودِّع لا سأم ولا قال ،فإن أنصرفْ فلا عن ملالة ، وإن أُقمْ فلا عن سوء ظنٍّ بما وعد الله الصابرين ، والصبر أيمن وأجمل ، ولولا غلبة المستولين علينا لجعلتُ المقام عند قبرك لزاماً ، والتلبّث عنده معكوفاً (17) ، ولأعولتُ أعوال (18) الثكلى على جليل الرزية ، فبعين الله تُدفن ابنتك سرّاً ، ويُهتضَم حقّها قهراً ، وتُمنَع [ إرثها ] (19) جهراً ، ولم يطلْ العهد ولن يخلق منك الذكر ، فإلى الله يا رسول الله المشتكى ، وفيك أجمل العزاء ، فصلوات الله عليها وعليك ورحمة الله وبركاته ) (20) .
__________________
( 1 ) في الأمالي : الراوي ، وفي الكافي : الهرمزاني .
( 2 ) في الأمالي : بنت محمد رسول الله .
( 3 ) في الأمالي : استمرار .
( 4 ) العفو : المحو والإنمحاء .
( 5 ) في الأمالي : السلام عليك يا رسول الله عنّي وعن ابنتك وحبيبتك . 
( 6 ) التَّجلُّد : القوّة .
( 7 ) فاضتْ نفْسه : خرجتْ روحه .
( 8 ) التخالس : التسالب .
( 9 ) السُّهود : قلّة النوم .
( 10 ) أو يختار : أي إلى أن يختار .
( 11 ) من الأمالي .
( 12 ) الكمد : الحزن الشديد .
( 13 ) في الأمالي : كمدُ منيخ .
( 14 ) الهَضْم : الظُّلم .
( 15 ) الغليل : حرارة الجوف .
( 16 ) اعتلَجتْ الأمواج : التطمت .
( 17 ) عَكَفَه : حَبَسَه .
( 18 ) الأعوال : رفع الصوت بالبكاء .
( 19 ) من الأمالي .
( 20 ) رواه الشيخ في أماليه 1 : 108 ، عنه البحار 43 : 211 ، أورد ذيله الكليني في الكافي 1 : 458 ، عنه البحار 43 : 193 ، النهج : الخطبة 202 ، دلائل الإمامة : 47 ، الإرشاد للمفيد : 165 ، كشف الغمة 2 : 147 ، تذكرة الخواص : 318 .