10 ـ قال : حدّثنا حمدان بن سليمان ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن حيّان السراج ، قال : سمعت السيّد إسماعيل بن محمد الحميري يقول : ( كنتُ أقول بالغلو ، واعتقد غيبةَ محمد بن علي بن الحنفية ( رضي الله عنه ) ، قد ضللتُ في ذلك زماناً ، فمَنَّ الله جلّ وعزّ عليَّ بالصادق جعفر بن محمد ( عليه السلام ) ، وأنقذني به من النار وهداني إلى سواء الصراط ، فسألته بعد ما صحّ عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنّه حُجّة الله عليَّ وعلى جميع أهل زمانه ، وأنّه الإمام الذي فرض الله جلّ وعزّ طاعته وأوجب الاقتداء به .
فقلت له : يا بن رسول الله ، قد رُوي لنا أخبار عن آبائك ( عليهم السلام ) في الغيبة وصحّة كونها ، فأخبرني بمَن تقع ؟ فقال ( عليه السلام ) : إنّ الغيبة حقّ ، ستقع بالسادس من ولْدِي ، وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، أوّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وآخرهم القائم بالحقّ ، بقية الله في أرضه وصاحب الزمان ، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئت جوراً وظلماً .
قال السيّد : فلمّا سمعتُ ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمد ( عليه السلام ) تُبْتُ إلى الله عزّ وجلّ على يديه ، وقلتُ قصيدتي التي أوّلها :
تَجَعْفَرْتُ باسمِ اللهِ واللهُ أكبَــرُ وأيْقَنْتُ أنَّ اللهَ يَعفُــو ويَغْفِـرُ
ودِنْتُ بِدِينِ غَيرِ ما كنـتُ دَيِّنَـاً بـه ونهانـي واحدُ النَّاسِ جَعفَرُ
فقلتُ : فَهَبْنِي قد تَهودّتُ بُرْهَـة وإلاّ فَدِينـي دِينُ مَنْ يَتَنَصَّــرُ
فإنِّي إلى الرحمانِ مِنْ ذاك تائبٌ وإنِّي قد أسلَمْـتُ واللهُ أكبَــرُ
فلَستُ بِغـالٍ ما حَييتُ وراجِـعٍ إلى ما عليـه كنتُ أُخْفِي وأُظهِرُ
ولا قائلاً حَـيُّ بِرضـوى محمدٌ وإن عـابَ جُهّالٌ مَقالي وأكثَروا
ولكنَّه ممَّنَ مضــى لسبيلِــهِ على أفضلِ الحالاتِ يَقْفُوا ويُخْبِر
مع الطيّبينَ الطَّاهِرينَ الأولَى لهم مِنَ المصطفى فَرْعُ زَكِيٌّ وعُنْصِرُ
إلى آخر القصيدة ، وقلتُ بعد ذلك :
أيـا راكـباً نـحو الـمدينةِ جَـسرَةً
عُذافِرَةً (1) يُطوى بها كلُّ سَبْسَبِ (2)
إذا مـا هـداكَ اللهُ عـاينتَ جـعفراً
فَـقُل لأمـينِ اللهِ (3) وابـنِ المُهذَّبِ
[ ألاَ يــا أمـينَ اللهِ وابـنَ أمـينِهِ
أتـوبُ إلـى الرحمنِ ثُمّ تَأوُّبي ] (4)
إلـيكَ رَدَدتُ الأمـرَ غـيرُ مـخالفٍ
وفِئتُ إلى الرحمانِ مِنْ كُلِّ مَذْهَبِ (5)
سـوى مـا تـراه يـا بن بنتِ محمّدٍ
فَـإنّ بـه عَـقدي وزُلـفَى تَـقَرُّبِي
وَمَـا كـان قولي في بنِ خولةَ مطنباً
مـعـاندةً مـنّـي لـنسلِ الـمُطَّيبِ
ولـكن رويـنا عـن وصـيِّ محمّدٍ
ومـا كـان فـيما قـال بـالمتكذِّبِ
بـأنّ ولـيَّ الأمـرِ يُـفقَد لا يُـرَى
سـنين كـمثلِ الخائفِ المترقِّبِ (6)
فـتُـقسَم أمــوالُ الـفـقيهِ كـأنَّما
تَـغـيُّبُه بـين الـصفيحِ الـمُنَصَّبِ
فـيمكثُ حِـيناً ثُـمّ يُشرِقُ شَخْصُهُ
مُضِيئاً بنورِ العدلِ إشراقَ كوكبِ (7)
يَـسيرُ بِـنَصْرِ اللهِ مِـنْ بـيتِ رَبِّهِ
عـلى قدر ما يأتي (8) وأمرٍ مُسببِ
يَـسـيرُ إلــى أعـدائِـه بِـلوائِه
فـيَقتلُ فـيهم قَـتْلَ حرَّان مُغضَبِ
فـلمّا رأوا أنَّ ابـنَ خـولةَ غـائبٌ
صَـرفـنا إلـيه قـولَنَا لا نُـكَذِّبِ
وقُـلنا هـو الـمهديُّ والـقائمُ الذي
يـعيشُ بجدوى عَدلِهِ كلُّ مُجْدِبِ (9)
فـإذ قلتُ : لا ، فالقولُ قولُك والذي
أمـرْتَ فَـحَتْمٌ غَـيرُ مـا مُتَعَصَّبِ
فـأُشْـهِدُ ربِّـي أنَّ قـولَك حـجَّةٌ
عـلى الناسِ طُرَّاً مِنْ مُطيعٍ ومُذنِبِ
وإنَّ وَلِــيَّ الأمــرِ أوّلُ قـائـمٍ
سـيظهرُ أُخـرى الـدهر بعد ترقّبِ
لـه غـيبةٌ لابـدَّ مِـنْ أنْ يَـغيبَها
فـصـلّى عـليه اللهُ مِـنْ مُـتَغيِّبِ
فـيمكثُ حِـيناً ثُـمَّ يَـظهرُ بَـعدَه
فـيملأُ عَـدلاً كـلَّ شَـرقٍ ومَغرِبِ
بــذاك أُديـنُ اللهَ سِـرَّاً وجَـهْرَةً
ولـستُ وإنْ عُوتِبْتُ فيه بمُعْتَبِ(10)
وكان حيان السراج الراوي لهذا الحديث من الكيسانية ) .
____________
( 1 ) العُذافِرَة : العظمة الشديدة في الإبل .
( 2 ) السَّبْسَب : المفازة ، أو الأرض المستوية البعيدة .
( 3 ) في البحار : لِوليّ الله .
( 4 ) من البحار .
( 5 ) في البحار :
إليكَ مِنَ الأمرِ الذي كنتُ مبطناً أُحارِبُ فيه جاهداً كلَّ مُعْرِبِ .
( 6 ) في البحار : وليّ الله ، كفعل .
( 7 ) في البحار :
فيمكثُ حِيناً ثُمّ يُنْبِعُ نَبْعَةً كنبعةِ جَدِّيٍّ مِنَ الأُفقِ كوكبِ
( 8 ) في البحار : على سؤدد منه .
( 9 ) في البحار : يعيشُ به من عدله .
( 10 ) رواه في البحار 47 : 318 ، مجالس المؤمنين 2 : 506 .
الجزء الحادي عشر - القسم العاشر
- الزيارات: 3136