طباعة

فضل الإمام عليّ 2

 

 

فضل الإمام عليّ 2

الأمرالثالث: تصاريح عامة من السنّة النبوية تؤكد فضل علي(عليه السلام) على الصحابة
ليس غرضنا استعراض كامل الروايات الصادرة عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)في حق علي ، أو التي يُكتشف منها عمق العلاقة بينهما وخصوصيتها، أو أن علياً ذلك النموذج الإلهي المختار لحمل الأمانة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، بل غرضنا انتخاب بعض النماذج الروائية التي أظهر أو أفرز فيها رسول الله(صلى الله عليه وآله)أفضلية علي(عليه السلام)على الصحابة لا لشيء وإنما سعياً منه(صلى الله عليه وآله)لتبليغ الاُ مّة بما يريده الله سبحانه، فمن تلك الروايات:

1 ـ عن علي بن أبي طالب(عليه السلام)، أن النبي(صلى الله عليه وآله) جمع قريشاً ثم قال:

«لا يؤدّي أحد عنّي ديني إلاّ عليّ» [1] .

2 ـ عن عبدالله قال:

وطرق الإمام علي(عليه السلام) الباب على رسول الله(صلى الله عليه وآله) في بيت اُم سلمة، حيث أمرها(صلى الله عليه وآله) في فتح الباب له معلقاً بأنّ الطارق رجل يحب الله ورسوله ولما دخل، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «يا اُم سلمة أتعرفونه؟» قالت: نعم يا رسول الله، هذاعلي بن أبي طالب، قال: «صدقت، سيد اُحبّه، لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو عيبة بيتي اسمعي واشهدي، وهو قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي، فاسمعي واشهدي، وهو قاضي عداتي، فاسمعي واشهدي، وهو والله يحيي سنّتي، فاسمعي واشهدي، لو أن عبداً عَبَدَ الله ألف عام، بعد ألف عام، وألف عام بين الركن والمقام ثم لقي الله مبغضاً لعلي بن أبي طالب وعترتي أكبّه الله على منخريه يوم القيامة في نار جهنم» [2] .

3 ـ ما روي عن علي(عليه السلام) أنه قال: «جاء النبي اُناس من قريش، فقالوا: يا محمد! إنا جيرانك وحلفاؤك وإن من عبيدنا قد أتوك ليس بهم رغبة في الدين ولا رغبة في الفقه، إنما فرّوا من ضياعنا وأموالنا فارددهم إلينا، فقال لأبي بكر: ما تقول؟ قال: صدقوا إنهم لجيرانك وحلفاؤك ، فتغير وجه النبي(صلى الله عليه وآله) ثم قال لعمر: ما تقول؟ قال: صدقوا إنهم لجيرانك وحلفاؤك، فتغير وجه النبي(صلى الله عليه وآله)، ثم قال: «يا معشر قريش! والله ليبعثن الله عليكم رجلاً منكم امتحن الله قلبه للإيمان فيضربكم على الدين أو يضرب بعضكم». قال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا. قال عمر : أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا، ولكن الذي يخصف النعل. وقد كان أعطى عليّاً نعلاً يخصفها» [3] .

4 ـ روى الزمخشري بإسناده فقال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «فاطمة مهجة قلبي، وابناها ثمرة فؤادي، وبعلها نور بصري، والأئمّة من ولدها اُمناء ربي وحبل ممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم بهم نجا ومن تخلف عنهم هوى» [4] .

وبهذا يصبحون(عليهم السلام)أفضل من يعتصم بهم، لأنهم يقودونه نحو الهداية، وبطريق أولى يكونون(عليهم السلام) أفضل من الذي يخالفهم من الصحابة ، لأن الله ورسوله مع الذي يعتصم بهم لا مع الذي يتخلف عنهم، ومن المعلوم أن كثيراً من الصحابة لم يتخلف عنهم فحسب وإنّما قد شن الحرب عليهم، وعلي(عليه السلام) قد وضح موقفه من بعض الصحابة كما في الخطبة المعروفة بالشقشقية ، وموقف الزهراء واضح أيضاً من خلال خطبتها في مسجد رسول الله(صلى الله عليه وآله) بعد وفاة أبيها حيث عكست صورة عن مدى مخالفة بعض الصحابة لخطّ علي(عليه السلام) .

5 ـ روي عن أبي سعيد الخدري أنه يقول: كنا جلوساً ننتظر رسول الله(صلى الله عليه وآله) فخرج علينا من بعض بيوت نسائه، قال: فقمنا معه فانقطعت نعله فتخلف عليها علي يخصفها، فمضى رسول الله(صلى الله عليه وآله)ومضينا معه ثم قام ينتظره وقمنا ، معه فقال: «إنّ منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلت على تنزيله»، فاستشرفنا وفينا أبو بكر وعمر، فقال(صلى الله عليه وآله): «لا ولكنه خاصف النعل»، قال: فجئنا نبشّره (قال في أحدهما) وكأنه قد سمعه. وقال في الآخر: فلم يرفع به رأساً كأنه قد سمعه [5] .

وبهذا النمط من الروايات يكتسب علي(عليه السلام) الأفضلية على الصحابة ، لأنه المتصدي لإثبات الحق في مرحلة ما بعد الرسول(صلى الله عليه وآله) ،وعلى الصحابة أن يلتحقوا به.

6 ـ جاء عن النبي من عدة طرق: «أن عليّاً مني وأنا من علي، وهو ولي كل مؤمن بعدي لا يؤدّي عني إلاّ أنا أو علي» [6] .

7 ـ يكشف موقف رسول الله(صلى الله عليه وآله) من الخليفتين في مسألة تزويج فاطمة، عن مدى عناية الرسول(صلى الله عليه وآله) الخاصة بعلي(عليه السلام)دونهما.

عن عبدالله بن يزيد عن أبيه ، قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): إنّها صغيرة، فخطبها علي(عليه السلام)فزوّجها منه [7] .

8 ـ قضية سد الأبواب باستثناء باب الإمام علي(عليه السلام):

في مسند أحمد عن عدّة طرق: أن النبي(صلى الله عليه وآله) أمر بسد الأبواب إلاّ باب علي، فتكلّم الناس، فخطب رسول الله(صلى الله عليه وآله)فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد فإني اُمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي، فقال فيه قائلكم، والله ما سددت شيئاً ولا فتحته وإنّما اُمرت بشيء فاتبعته» [8] .

9 ـ مؤاخاة النبي لعلي(عليه السلام) :

نجد أن النبي(صلى الله عليه وآله) آخى بين الناس، وترك عليّاً حتى بقي آخرهم، لا يرى له أخاً، فقال: يا رسول الله، آخيت بين أصحابك وتركتني؟ فقال: «إنما تركتك لنفسي، أنت أخي، وأنا أخوك فإن ذكرك أحد فقل: أنا عبدالله وأخو رسوله، لا يدعيهما بعدك إلاّ كذاب والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلاّ لنفسي» [9] .

10 ـ ويلخص بعض ما تفرّد به علي(عليه السلام) من الفضائل ما جاء عن سعد ابن أبي وقّاص حيث قال: والله لئن يكون لي واحدة من خلال ثلاث أحب اليَّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، لأن يكون قال لي ما قال له حين ردّه من تبوك: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي»، أحب اليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس. ولأن يكون قال لي ما قال له يوم خيبر: «لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفرّار» أحب اليَّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ولأن يكون لي ابنته ولي منها من الولد ماله أحب اليَّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس» [10] .

الأمر الرابع
انطباعات الصحابة عن شخصية
الإمام علي(عليه السلام)

لقد ترك الدور الرساليوالجهد الربّاني الذي أبداه الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)من أجل تحقيق الرسالة وإعلاء كلمة الحق منذ البعثة وحتى ختم الرسالة، من الآثار والانطباعات الايجابية المؤثرة في نفوس الصحابة، حيث شكّلت خطواته موقعاً للقوة والنهوض سواء في عصر الرسالة أو بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) ، فهو المرجع للخلفاء حيث تضيق بهم الصعاب وتعجز عقولهم عن إدراك أغراض الشريعة وحقائقها ، وهذا الأمر لا يحتاج الى مزيد من الايضاح والتفصيل، حيث حفلت به كتب الصحاح والسِيَر.

وعلى أي حال ، فإن انطباعات الصحابة حول علي والنظرة إليه ما لا يمكن حصره في هذه الفقرة من البحث، لكننا نكتفي ببعض تصريحات الصحابة في حق علي(عليه السلام)وأفضليته على الصحابة كما يلي:

1 ـ الخليفة الأول:

نجد الخليفة أبا بكر يرجع إلى الإمام في حل كثير من المعضلات، فعندما أراد أبو بكر غزو الروم شاور جماعة من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأخّروا ، فاستشار علي بن أبي طالب(عليه السلام)فأشار أن يفعل، فقال: فإن فعلت ظفرت. فقال: بشرت بخير فقام أبو بكر في الناس خطيباً وأمرهم أن يتجهزوا إلى الروم [11] .

وفي مجال التفسير نجده يعترف بعدم قدرته على تفسير آيات القرآن، فعن أبي مليكة، قال: سئل أبو بكر عن تفسير حرف من القرآن ، فقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني وأين أذهب وكيف أصنع إذا قلت في حرف من كتاب الله بغير ما أراد ؟ [12] .

وكان قد سئل عن قوله تعالى: (وفاكهة وأبّاً) [13] ولمّا بلغ ذلك أمير المؤمنين(عليه السلام) ما قاله في ذلك ، قال: «يا سبحان الله ما علم أن الأبّ هو الكلاء والمرعى ، وأن قوله تعالى: (وفاكهة وأبّاً)اعتداد من الله تعالى بانعامه على خلقه بما غذاهم به ، وخلقه لهم ولأنعامهم مما يحيي به أنفسهم وتقوم به أجسادهم» [14] .

كما صرّح الخليفة الأول بأنه لا يقوى على وصف الرسول(صلى الله عليه وآله)بالشكل الدقيق ، ومازال الإمام علي بن أبي طالب هو الأقدر على ذلك ، لأنه الأكثر التصاقاً ومعرفة بأسرار الرسول والرسالة .

عن ابن عمر: أن اليهود جاءوا إلى أبي بكر فقالوا: صف لنا صاحبك، فقال: معشر اليهود لقد كنت معه في الغار كاُصبعيّ هاتين، ولقد صعدت معه جبل حراء وإن خنصري لفي خنصره، ولكن الحديث عنه شديد وهذا علي بن أبي طالب. فأتوا علياً فقالوا: يا أبا الحسن صف لنا ابن عمك ، فقال: «لم يكن رسول الله(صلى الله عليه وآله)بالطويل الذاهب طولاً ولا بالقصير المتردد، كان فوق الربعة، أبيض اللون مشرباً حمرة، جُعْد الشعر ليس بالقطط يضرب شعره الى أرنبته، صلت الجبين، أدعج العينين دقيق المسربة، برّاق الثنايا، أقنى الأنف، كأن عنقه إبريق فضة، له شعرات من لبته الى سرته كأنهن قضيب مسك أسود ليس في جسده ولا في صدره شعرات غيرهن، وكان شثن الكف والقدم، واذا مشى كأنما يتقلع من صخر، واذا التفت التفت بمجامع بدنه، واذا قام يعتنقونه الناس، واذا قعد علا الناس، واذا تكلم أنصت الناس واذا خطب أبكى الناس، وكان أرحم الناس بالناس، لليتيم كالأب الرحيم وللأرملة كالكريم، أشجع الناس وأبذلهم كفاً وأصبحهم وجهاً، لباسه العباء وطعامه خبز الشعير وإدامه اللبن ووساده الأدم محشو بليف النخل، سريره أم غيلان مرمل بالشريف كان له عمامتان إحداهما تدعى السحاب والاُخرى العقاب، وكان سيفه ذا الفقار ورايته الغراء وناقته العضباء وبغلته دلدل وحماره يعفور وفرسه مرتجز وشاته بركة وقضيبه الممشوق ولواؤه الحمد، وكان يعقل البعير ويعلف الناضح ويرقع الثوب ويخصف النعل» [15] .

2 ـ الخليفة الثاني:

فقد ترك الإمام علي(عليه السلام) في نفسه من الآثار حتى اشتهر كلامه في عدة مواضع: «لولا علي لهلك عمر» [16] .

وقوله قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «ما اكتسب مكتسب مثل فضل علي يهدي صاحبه الى الهدى ويردّه عن الردّى» [17] .

وعن محمد بن خالد الضبي، قال: خطبهم عمر بن الخطاب فقال: لو صرفناكم عما تعرفون الى ما تنكرون ما كنتم صانعين؟ قال: فسكتوا، فقال ذلك ثلاثاً، فقام علي(عليه السلام)فقال: يا عمر! إذن نستتيبك فإن تبت قبلناك، قال: فإن لم أتب؟ قال: إذن نضرب الذي فيه عيناك، فقال: الحمد لله الذي جعل في هذه الاُ مّة من إذا اعوججنا أقام أودنا [18] .

ثم نجد الخليفة الثاني يستشير في الخمر وفي مقدار حدّها، فعن ثور بن يزيد الديلي أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل، فقال علي بن أبي طالب: «ترى تجلده ثمانين فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى» فجلد عمر في الخمر ثمانين [19] .

وجاء عن اُذينة العبدي قال: أتيت عمر فسألته: من أين أعتمر؟ قال: إئت علياً فسله...

3 ـ الخليفة الثالث:

عثمان بن عفان فله مراجعات كثيرة للإمام في القضايا المعقّدة والتي لا يجد لها حلاًّ. فعن بعجة بن عبدالله الجهني قال: تزوج رجل منا امرأة من جهينة فولدت له تماماً لستة أشهر ، فانطلق زوجها الى عثمان بن عفان فأمر برجمها ، فبلغ ذلك علياً(عليه السلام)فأتاه فقال: ما تصنع؟ قال: ولدت تماماً لستة أشهر وهل يكون ذلك؟ قال علي(عليه السلام): أما سمعت الله تعالى يقول: ( وحمله وفصاله ثلاثون شهراً) [20] فكم تجده بقي إلاّ ستة أشهر، فقال عثمان: (والله ما فطنت لهذا) [21] .

وعن محمد بن يحيى بن حبان أنه كانت عند جده حبان بن منقذ امرأتان هاشمية وأنصارية ، فطلّق الأنصارية وهي ترضع فمرت سنة لم تحض ثم هلك، فقالت: أنا أرثه لم أحض ، فاختصما الى عثمان بن عفان فقضى لها بالميراث ، فلامت الهاشمية عثمان ابن عفان فقال لها: (هذا عمل ابن عمك هو أشار علينا بهذا، يعني علي بن أبي طالب) [22] .

وعن مسند عثمان أن عثمان بن عفان أتى برجل فجر بغلام من قريش، فقال عثمان: أحصن، قالوا: قد تزوج بامرأة ولم يدخل بها بعد، فقال عليّ لعثمان: لو دخل بها لحل عليه الرجم ، فأما إذا لم يدخل بها فاجلدوه الحد. فقال أبو أيوب: (أشهد أني سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله)يقول الذي ذكره أبو الحسن ، فأمر به عثمان فجلد) [23] .

4 ـ ابن عباس:

قال(رضي الله عنه): «والله لقد اُعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم، وأيم الله لقد شارككم في العشر العاشر» [24] .

وقال(رضي الله عنه): «علم النبي من علم الله، وعلم علي من علم النبي، وعلمي من علم علي ، وما علمي وعلم الصحابة إلاّ كقطرة في سبعة أبحر» [25] .

وقال(رضي الله عنه): «العلم ستة أسداس، لعلي خمسة أسداس وللناس سدس، ولقد شاركنا في السدس حتى لَهو أعلم به منا» [26] .

5 ـ ابن مسعود:

قال(رضي الله عنه): «كنا نتحدث أنّ أقضى أهل المدينة علي» [27] .

وقال أيضاً: قسمت الحكمة عشرة أجزاء، فاُعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءاً واحداً، وعليّ أعلمهم بالواحد منها» [28] .

وقال أيضاً: «أعلم بالفرائض علي بن أبي طالب» [29] .

وقال أيضاً: «أفرض أهل المدينة وأقضاها علي» [30] .

وقال أيضا: «إن القرآن اُنزل على سبعة أحرف، ما منها إلا وله ظهر وبطن، وإنّ علي بن أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن» [31] .

6 ـ عدي بن حاتم:

في خطبة له: «والله لئن كان الى العلم بالكتاب والسنّة إنه ـ يعني عليّاً ـ لأعلم الناس بهما، ولئن كان الى الإسلام إنه لأخو نبي الله، والرأس في الإسلام، ولئن كان الى العقول والنحائر إنه لأشدّ الناس عقلاً وأكرمهم غيرة» [32] .

7 ـ أبو سعيد الخدري:

«أقضاهم علي(عليه السلام)» [33] .

8 ـ عائشة :

«علي أعلم الناس بالسنّة» [34] .

9 ـ عطاء :

«سئل عطاء: أكان في أصحاب محمد أعلم من علي؟ قال: لا والله ما أعلمه» [35] .

10 ـ سعيد بن المسيب:

قال: «كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن ! » [36]

11 ـ معاوية بن أبي سفيان:

قال : «كان عمر اذا أشكل عليه شيء أخذه من علي» [37] .

وجاء رجل الى معاوية فسأله عن مسألة فقال: سل عنها علي بن أبي طالب فهو أعلم، قال: يا أمير المؤمنين! جوابك فيها أحب إليّ من جواب علي. قال: بئس ما قلت، لقد كرهت رجلاً كان رسول الله(صلى الله عليه وآله)يغزره بالعلم غزراً، ولقد قال له: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي» [38] .

12 ـ سعيد بن غفلة:

دخلت على علي بن أبي طالب(عليه السلام) فوجدته جالساً، بين يديه صفيحة فيها لبن، أجد ريحه من شدّة حموضته وفي يده رغيف أرى آثار قشار الشعير في وجهه وهو يكسره بيده أحياناً ، فإذا أعيى عليه كسره بركبته وطرحه في اللبن ، فقال: اُدنُ، فأصب من طعامنا هذا.

فقلت: إني صائم.

فقال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: «من منعه الصيام من طعام يشتهيه، كان حقّاً على الله أن يطعمه من طعام الجنّة ويسقيه من شرابها» [39] .

13 ـ ابن عمر:

قال: «كان لعلي بن أبي طالب ثلاثة لو كانت لي واحدة منهن كانت أحب إليَّ من حمر النعم: تزويجه فاطمة (سلام الله عليها) وإعطاؤه الراية يوم خيبر، وآية النجوى» [40] .

الأمر الخامس
ما تفرّد به الإمام علي (عليه السلام) عن غيره من الصحابة
لقد تمتّع الإمام علي(عليه السلام) بمميزات اُخرى قد منحته له يد الغيب، بغية أداء مهمة الإمامة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) كعلم الغيب الموهوب منه سبحانه، ولهذا نجده يخبر عن حوادث مستقبلية تحققت فيما بعد .

كما حُظي(عليه السلام) بنشاط من قبل رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد ركّز فيه على أهمية حماية خطّ علي(عليه السلام)من بعد وفاته(صلى الله عليه وآله) وبهذا الصدد نلاحظ جملة من الروايات تنصّب في تنبيهاتها على مستقبل الرسالة وتركّز في الوقت نفسه على ضرورة التمسك بخطّ علي(عليه السلام) .

ومن ثم نجد نشاطاً آخر قد قام به الرسول(صلى الله عليه وآله) وهو التصدي لأعداء علي(عليه السلام) ومبغضيه، وهذه العناية من قبل الله ورسوله لعلي(عليه السلام)لم نجدها قد مورست في حق غيره.

أولاً : التصدي القرآني لأعداء علي(عليه السلام)
استخدم القرآن من خلال كشفه لصفات علي(عليه السلام)وسلوكه الإلهي سابق الذكر، اُسلوب ربط الناس حول علي(عليه السلام)لأنه المنقذ من الضلالة، وخطّه الإلهي هو الفصل بين الحق والباطل ، وتمثل مواقفه القرآنية المعيار الحق الذي توزن به الأعمال.

من هذا المنطلق يتوسع القرآن في طلبه في العلاقة مع علي لتكون أكثر من البعد الذهني والعقلي، فتمتد الى الإنشداد العاطفي والمحبة الصادقة كشرط ولائي يدفع الى العمل والتطبيق والإنضمام تحت خطّ علي(عليه السلام)لذا قال تعالى: ( قل لا أسئلكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى) [41] .

فعن ابن عباس، قال : لما نزلت ( قل لا أسئلكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى) قالوا: يا رسول الله، من قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: «علي وفاطمة، والحسن والحسين» [42] .

وبالوقت الذي يؤكد فيه القرآن الكريم على وجوب مودّة علي(عليه السلام)ومحبته يتصدى من جانب آخر لمن يبغض علياً ويقف منه موقف العداء حيث يصنفه في شريحة المنافقين، لأن الإمام هو الرمز الإلهي في الأرض الذي يمتحن الله فيه القلوب ، ولا نجد من تمتع بهذه الخصوصية غير علي(عليه السلام).

فجاء عن ابن عباس في قوله تعالى: ( وقفوهم إنّهم مسؤولون) [43] وعن أبي سعيد الخدري عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال: «عن ولاية علي بن أبي طالب» [44] .

أ مّا قوله تعالى: ( ولتعرفنّهم في لحن القول) [45] عن أبي سعيد الخدري، قال: (ببغضهم علياً(عليه السلام)) [46] .

وتبين الآية الكريمة التالية مدى علاقة الإمام بالرسول حيث جعلت الموقف السلبي من علي يتضمن الموقف نفسه من رسول الله، ففي قوله تعالى: ( وشاقّوا الرّسول من بعد ما تبيّن لهم الهدى) [47] .

قال(صلى الله عليه وآله): «في أمر عليّ(عليه السلام)» [48] .

وهكذا بقي القرآن الكريم يهاجم في كثير من آياته من كذّب رسول الله(صلى الله عليه وآله) في قضية قرب رسول الله من علي وتفرده بالخصوصيات والمهمات التي كان(صلى الله عليه وآله) يمنحها لعلي(عليه السلام) وكشف القرآن ذات الرسول وأذيته النفسية التي كان يتلقاها من مبغضي علي(عليه السلام).

فجاء في قوله تعالى: ( فمن أظلم ممّن كذب على الله وكذّب بالصدق) [49] هو من ردّ قول رسول الله(صلى الله عليه وآله) في علي(عليه السلام) [50] .

أما قوله تعالى: ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً واثماً مبيناً) [51] تفضح مظالم المنافقين لعلي وتبين نزاهته فقد ورد أنها نزلت في علي(عليه السلام)، لأن نفراً من المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه [52] .

وتوضح الآية الكريمة التالية أيضاً على أن الله ينتقم من أعدائه بعلي ، وبهذا يستلزم أن كل من قاتل عليّاً (عليه السلام) هو عدو الله: ( فإمّا نذهبنّ بك فإنّا منهم منتقمون) [53] .

قال ابن عباس : بعلي(عليه السلام) [54] .

وعن أبي عبدالله الجدلي قال: قال لي علي(عليه السلام): «ألا اُنبئك بالحسنة التي من جاء بها أدخله الله الجنة والسيئة التي من جاء بها أكبّه الله في النار ولم يقبل منه عملاً ؟ قلت بلى: ثم قرأ ( من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون* ومن جاء بالسّـيّئة فكبّت وجوهم في النار) [55] ثم قال: يا أبا عبدالله! الحسنة حبّنا والسيئة بغضنا» [56] .

ولحق الخطاب القرآني في تصديه لأعداء الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) نشاطُ الرسول(صلى الله عليه وآله)حيث ورد عدد من الروايات تصنف في دلالتها الناس الى من هو محب لعلي ومن هو مبغض له ، ولا تفكك بين من يحب الرسول(صلى الله عليه وآله)ومن لا يحب علياً، وإنما الإيمان هو الحب لهما معاً لأن رسالتهما واحدة.

جاء في مسند أحمد من عدة طرق أن النبي(صلى الله عليه وآله) قال: «من آذى عليّاً فقد آذاني» [57] و«أيها الناس من آذى علياً بُعث يوم القيامة يهودياً أو نصرانياً» [58] .

وفي مسند أحمد أيضاً: أن النبي(صلى الله عليه وآله) قال: «لا يُحبّك إلاّ مؤمن، ولا يُبغضك إلاّ منافق» [59] .

وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) مشيراً الى أمير المؤمنين: «أيها الناس امتحنوا أولادكم بحبّه فإن علياً لا يدعو الى ضلالة ، ولا يُبعد عن هدىً فمن أحبه فهو منكم، ومن أبغضه فليس منكم» [60] .

ثانياً: أنشطة الرسول وحمايته المستقبلية لخطّ الإمامة:
ركّز الرسول(صلى الله عليه وآله) في ذهن الاُ مّة أهمية دور الإمام علي(عليه السلام)وضرورة حماية خطّه ولزوم التمسك به الذي ينجي الاُ مّة ويحصنها من مزالق التيه والإنحراف ولهذا أشار(صلى الله عليه وآله)لعمار: «ستكون في اُمتي بعدي هناة واختلاف، حتى يختلف السيف فيهم حتى يقتل بعضهم بعضاً، ويتبرأ بعضهم من بعض... يا عمار! من تقلّد سيفاً أعان به علياً على عدوّه; قلده الله يوم القيامة وشاحين من دُرّ ومن تقلّد سيفاً أعان به عدوّه; قلّده الله وشاحين من نار، فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الذي عن يميني ـ يعني عليّاً». [61]

فقد أشار القرآن الكريم الى المحن التي تتعرض لها الاُ مّة بعد الرسول، حيث تؤدي الى تشقق الاُمّة واختلاف كلمتها مما تكون نتيجة ذلك دخول كثير من الطوائف المتناحرة في النار ولا تنجو إلاّ الفرقة التي تتولى الإمام علي(عليه السلام) وتتبع خطّه ، وبهذا يسجل الإمام أرقى قيمة في فضله على الباقين من المسلمين. فقد جاء في قوله تعالى:

( إن الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً) [62] قال زاذان أبو عمر: قال لي علي(عليه السلام): «أبا عمر! أتدري على كم افترقت اليهود؟ قلت: الله ورسوله أعلم ، قال: افترقت على إحدى وسبعين فرقة كلها في الهاوية إلاّ واحدة هي الناجية.

أتدري على كم تفترق هذه الاُ مّة؟ قلت: الله ورسوله أعلم ، قال: تفترق الى ثلاث وسبعين فرقة كلها في الهاوية إلاّ واحدة هي الناجية.

أتدري على كم تفترق فيَّ ؟ قلت: وإنه لتفترق فيك؟ قال: نعم تفترق فيَّ اثنتي عشرة فرقة كلها في الهاوية إلاّ واحدة هي الناجية وأنت منهم يا أبا عمر» [63] .

وآية: ( فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) [64] .

تؤكد كون الإمام هو المرجع بعد الرسول في حالة إلتباس الاُمور وطغيان المحن وعدم معرفة الصحيح من الاستفهامات الطارئة والمستجدات ، فقد جاء في تفسيرها عن جابر الجعفي قال: لما نزلت (فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، قال علي(عليه السلام): نحن أهل الذكر [65] . وبهذا يكون عليّ الإمام للفرقة الناجية وهو المعلم لغيره من الصحابة ، مخافة الانخراط من غير علم ضمن الفرق الضالة.

عن أبي سعيد الخدري يقول: كنا جلوساً ننتظر رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فخرج علينا من بعض بيوت نسائه ، قال: فقمنا معه فانقطعت نعله فتخلف عليها علي(عليه السلام) يخصفها، فمضى رسول الله(صلى الله عليه وآله)ومضينا معه ثم قام ينتظره وقمنا معه ، فقال: إنّ منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلت على تنزيله، فاستشرفنا وفينا أبو بكر وعمر، فقال(صلى الله عليه وآله): لا ولكنه خاصف النعل، قال: فجئنا نبشّره ، قال في أحدهما وكأنه قد سمعه وقال في الآخر فلم يرفع به رأساً كأنه قد سمعه [66] .

وتمييزاً لخطّ الإمام عن غيره من الناحية المصداقية لتكون البيّنة آ كد ولا تبقى حجة بيد المناوئين للإمام ، فقد قال(صلى الله عليه وآله) لعمار الموالي لعلي والمناصر له : تقتلك الفئة الباغية.

عن عكرمة أن ابن عباس قال له ولابنه علي: «انطلقا إلى أبي سعيد الخدري فاسمعا من حديثه، قال: فانطلقا فإذا هو في حائط له، فلمّا رآنا أخذ رداءه فجاءنا فقعد ، فأنشأ يحدثنا حتى أتى على ذكر بناء المسجد، قال: كنّا نحمل لبنة لبنة وعمار ابن ياسر يحمل لبنتين لبنتين ، قال: فرآه رسول الله(صلى الله عليه وآله) فجعل ينفض التراب عنه ويقول: يا عمار ألا تحمل لبنة كما يحمل أصحابك؟ قال: إني اُريد الأجر من الله، قال: فجعل ينفض التراب عنه ويقول: ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، قال: فجعل عمار يقول: أعوذ بالرحمن من الفتن» [67] .

ومن إشارات الرسول وتنبيهاته للحوادث المستقبلية، والتي تتضمن الكشف عن صفة الاندماج والاتحاد بين خطّ الإمام علي وخطّ الرسالة ، وكونه الامتداد الشرعي لها ، وتحقق في الوقت نفسه حصانة الاُمّة ووقايتها من ضرر شعارات الضلالة ودعوات الانحراف ، فقد حذّر(صلى الله عليه وآله)من خطورة حركة الخوارج التي تظهر فيما بعد ومناوأتها لعلي(عليه السلام)، بهذا التنبيه يمثل الإمام علي خط الإمامة والمجسِّد للقيم الإلهية . أما باقي الدعوات فتتهاوى نحو الحضيض والإنحراف.

فعن أبي سعيد الخدري قال: (بينما نحن عند رسول الله(صلى الله عليه وآله)وهو يقسّم قسماً أتاه ذو الخويصرة ـ وهو رجل من بني تميم ـ فقال: يا رسول الله إعدل ، فقال: ويلك ومن يعدل إذ لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل، فقال عمر: يا رسول الله! أتأذن لي فيه فأضرب عنقه؟ قال: دعه فإن له اصحاباً يحقر صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ـ الى أن قال ـ آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدر دراً ويخرجون على خير فرقة من الناس. قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله(صلى الله عليه وآله)وأشهد أن علي بن أبي طالب(عليه السلام) قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فاُتي به حتى نظرت اليه على نعت النبي(صلى الله عليه وآله)الذي نعت به) [68] .

وجاء عن الرسول(صلى الله عليه وآله) روايات اُخرى تتجه نحو حماية الإمام علي(عليه السلام) وعلى نحو الاطلاق، أي تبيّن أفضلية الإمام علي(عليه السلام)على غيره، سواء من قد كان عاصره من المسلمين مع النبي(صلى الله عليه وآله) أو مَن يأتي مستقبلاً، وتوضح أيضاً أن سلوك الإمام ومواقفه لا تمثل حالة طارئة تنتزع عنه في ظرف آخر، وإنما تمسّك علي بالحق ، أو علاقة علي بالحق والحق بعلي علاقة إتحاد المفهوم بالمصداق.

فقد روي عن ثابت مولى أبي ذر قال: دخلت على اُم سلمة فرأيتها تبكي وتذكر علياً(عليه السلام)وقالت: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول : «عليٌّ مع الحق والحق مع علي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض يوم القيامة» [69] .

وجاء أيضاً عن النبي من عدة طرق: «إن علياً مني وأنا من علي، وهو وليُّ كل مؤمن بعدي، لا يؤدّي عني إلاّ أنا أو علي» [70] .

ثالثاً: الاخبارات الغيبية والكرامات عند علي(عليه السلام):
لقد امتاز الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) على باقي الصحابة بكرامات عديدة حتى شكلت إخباراته بالحوادث المستقبلية ظاهرة مشهودة في حياته، فمن ضمن ما أخبر به وتحقق خارجاً ما يلي:

1 ـ إخباره(عليه السلام) بعمارة بغداد، وملك بني العباس وذكر أحوالهم وأخذ المغول منهم. قال(عليه السلام): «وما أدراك ما الزوراء! أرض ذات أثل، يُشيد فيها البنيان، ويكثر بها السكان يتخذها ولد العباس موطناً ولزخرفهم مسكناً تكون لهم دار لهو ولعب، ويكون بها الجور الجائر والحيف المحيف، والأئمّة الفجرة والقرّاء الفسقة والوزراء الخونة يخدمهم أبناء فارس والروم، لا يأتمرون بينهم بمعروف إذا عرفوه، ولا ينتهون عن منكر إذا نكروه...» [71] .

2 ـ جاء رجلٌ الى أمير المؤمنين علي(عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين! إني مررت بوادي القرى، فرأيت خالد بن عرفطة قد مات، فاستغفر له.

فقال(عليه السلام): «إنه لم يمت ولا يموت حتى يقود جيش ضلالة، صاحب لوائه حبيب بن جماز»، فقام رجل من تحت المنبر فقال: يا أمير المؤمنين! إني لك شيعة وإني لك محبّ.

فقال: ومن أنت؟ قال: حبيب بن جماز. فقال(عليه السلام): «إياك أن تحملها ولتحملنّها فتدخل بها من هذا الباب»، وأومأ بيده الى باب الفيل.

فلما مضى أمير المؤمنين(عليه السلام) ومضى الحسن ابنه من بعده، وكان من أمر الحسين(عليه السلام) ما كان; بعث ابن زياد بعمر بن سعد الى الحسين(عليه السلام)وجعل خالد بن عرفطة على مقدمته، وحبيب ابن جماز صاحب رايته حتى دخل المسجد من باب الفيل [72] .

3 ـ وروي عنه(عليه السلام) أنه لما توجه الى صفين لحرب معاوية، ووصل الى كربلاء; وقف (عليه السلام)ناحية من المعسكر، ثم نظر يميناً وشمالاً وقال: «هذا والله مناخ ركابهم، وموضع منبتهم»، وبكى بكاءً طويلاً.

فقيل له: يا أمير المؤمنين! ما هذا الموضع؟ ومن هؤلاء؟ فقال(عليه السلام): «هذه كربلاء يُقتل فيها فئة من آل محمد ظلماً وعدواناً، ويقتل معهم قوم يدخلون الجنة بغير حساب».

ثم سار (عليه السلام) وكان الناس لا يعرفون تأويل ما قال حتى كان من أمر الحسين(عليه السلام) ما كان [73] .

4 ـ ولما خرج علي(عليه السلام) الى أهل النهر; أقبل رجل من أصحابه ممن كان على مقدّمته يركض، حتى انتهى الى علي(عليه السلام)فقال: البشرى يا أمير المؤمنين! قال: «ما بُشراك؟».

قال: إنّ القوم عبروا النهر لمّا بلغهم وصولك، فأبشر، فقد منحك الله أكتافهم، فقال له: «الله أنت رأيتهم قد عبروا !» قال: نعم، فأحلفه ثلاث مرات، في كلّها يقول: نعم، قال علي(عليه السلام): «والله ما عبروه ولن يعبروه، وإنّ مصارعهم لَدُون النطفة، والّذي فلق الحبّة، وبرأ النسمة، لن يبلغوا الأثلاث ولا قصر بَوازن، حتى يقتلهم الله، وقد خاب من افترى» [74] .

قال: ثم أقبل فارس آخر يركض، فقال كقول الأوّل، فلم يكترث عليّ(عليه السلام) بقوله، وجاءت الفرسان تركض كلّها تقول مثل ذلك، ]فقال: «فلا يبقى منهم إلاّ أقل من عشرة، ولا يقتل من أصحابي إلاّ أقل من عشرة» [.

فقام علي(عليه السلام) فجال في متن فرسه، قال: فيقول شاب من الناس: والله لأكوننّ قريباً منه، فإن كانوا عبروا النهر لأجعلن سِنانَ هذا الرمح في عينه، أيدّعي علم الغيب؟

فلمّا انتهى(عليه السلام) الى النهر; وجد القوم قد كسروا جفونَ سيوفهم وعرقَبوا خيلهم، وجَثوا على رُكَبهم وحكّموا تحكيمة واحدة بصوت عظيم له زَجل، فنزل ذلك الشاب فقال: يا أمير المؤمنين! إنّي كنت شككت فيك آنفاً، وإنّي تائب الى الله وإليك، فاغفر لي.

فقال علي(عليه السلام): «إنّ الله هو الذي يغفر الذنوب، فاستغفره» [75] .

5 ـ عن اسماعيل بن رجاء، قال: قام أعشى باهلة [76] ـ وهو غلام يومئذ حدث ـ الى علي(عليه السلام) وهو يخطب ويذكُر الملاحم فقال: يا أمير المؤمنين! ما أشبه هذا الحديث بحديث خِرافة!

فقال علي(عليه السلام): «إن كنت آثماً فيما قلت يا غلام، فرماك الله بغلام ثقيف» ثمّ سكت، فقام رجال فقالوا: ومَن غلامُ ثقيف يا أمير المؤمنين؟

قال(عليه السلام): «غلام يملك بلدتكم هذه لا يتركُ لله حرمةً إلاّ انتهكها، يضرب عُنُق هذا الغلام بسيفه».

فقالوا: كم يملُك يا أمير المؤمنين؟

قال: «عشرين إن بلغها».

قالوا: فيُقتَلُ قتلاً أم يموت موتاً؟

قال: «بل يموت حتف أنفه بداء البَطن، يثقب سريره لكثرة ما يخرج من جوفه».

قال اسماعيل بن رجاء: فوالله لقد رأيتُ بعيني أعشى باهلة، وقد اُحضر في جملة الأسرى الذين اُسروا من جيش عبدالرحمن بن محمد بن الأشعث بين يدي الحجّاج فقرّعه ووبّخه.

واستنشده شِعرَه الذي يحرّض فيه عبدالرحمن على الحرب، ثم ضرب عنقه في ذلك المجلس [77] .

ومن كراماته (عليه السلام) ما جاء في تفسير الفخر الرازي، في ذيل تفسير قوله تعالى: (أم حسبتَ أنّ أصحاب الكهف والرّقيم كانوا من آياتنا عجباً) [78] ، قال: وأمّا عليّ(عليه السلام) فيروى أنّ واحداً من محبّيه سرق وكان عبداً أسود.

فاُتي به الى علي(عليه السلام) فقال له: «أسرقت؟» قال: نعم، فقطع يده.

فانصرف من عند علي(عليه السلام) فلقيه سلمان الفارسي وابن الكوّاء، فقال ابن الكوّاء: ومن قطع يدك؟ قال: أمير المؤمنين، ويعسوب المسلمين، وختن الرسول، وزوج البتول.

فقال: قطع يدك وتمدحه؟ فقال: ولِمَ لا أمدحه، وقد قطع يدي بحقّ وخلّصني من النار، فسمع سلمان ذلك، فأخبر به علياً(عليه السلام)فدعا الأسود ووضع يده على ساعده وغطّاها بمنديل ودعا بدعوات فسمعنا صوتاً من السماء: ارفع الرداء عن اليد، فرفعناه فإذا اليد قد برئت بإذن الله تعالى وجميل صنعه [79] .

وعن أبي ذرّ(رضي الله عنه) قال: بعثني رسول الله(صلى الله عليه وآله) أدعو عليّاً، فأتيتُ بيته فناديتُه، فلم يُجبني، فعدتُ فأخبرت رسول الله(صلى الله عليه وآله)فقال لي: «عُد إليه اُدعه فإنّه في البيت» قال: فعدت اُناديه، فسمعت رحىً تطحن فشارفتُ فإذا الرّحى تطحن وليس معها أحد، فناديتُه فخرج إليّ منشرحاً، فقلت له: إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)يدعوك فجاء ، ثم لم أزل أنظر الى رسول الله(صلى الله عليه وآله)وينظر اليّ، ثم قال: «يا أبا ذرّ ما شأنك؟».

فقلت: يا رسول الله عجيب من العجب، رأيت رحىً تطحن في بيت علي(عليه السلام) وليس معها أحدٌ يرحى.

فقال: «يا أبا ذرّ! إن لله ملائكة سيّاحين في الأرض وقد وكّلوا بمؤونة آل محمد(صلى الله عليه وآله)» [80] .