• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

نظرية عدالة الصحابة فـي مدرسـة أهـل البيـت (عليهم السلام) 1

 

 

نظرية عدالة الصحابة فـي مدرسـة أهـل البيـت (عليهم السلام) 1


المعنى اللغوي للصحبة
الصحابة الصادقون
الإمام علي (عليه السلام) يصف الصحابة الصادقين
الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) يدعو للصحابة الصادقين
عبدالله بن عباس يصف الصحابة الصادقين
نظرية عدالة كل الصحابة
أدلة نظرية عدالة جميع الصحابة
نظرية عدالة الصحابة في الميزان
أ ـ موقف القرآن الكريم من عدالة جميع الصحابة
ب ـ موقف السنّة الشريفة من عدالة جميع الصحابة
ج ـ موقف التاريخ من عدالة جميع الصحابة
وتكميلا للبحث فإليك بعض النماذج:
أسباب نشوء النظرية
المنهج الشيعي في معنى الصحبة والصحابي
خلاصة رأي الشيعة في الصحابة

 

نظرية عدالة الصحابة فـي مدرسـة أهـل البيـت (عليهم السلام)
نظرية عدالة الصحابة: يُراد بها أنّ كلّ من صحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولو لفترة قصيرة جدّاً فإنه عادل، ولا يكذب ولا يتعمد الخطأ، بل يجوز الاقتداء بما قاله أو رواه أو عمله ويعتبر حجّة على من سواه.

وقد نشأت هذه النظرية في ظرف سياسي خاص ولأهداف سياسية خاصّة تتلخّص في دعم سلطان الاُمويين وتبرير تصرّفاتهم وإسباغ نوع من الشرعية عليها.

وتبنّى هذه النظرية بعض المتطرفين وعمل على نشرها في أوساط الاُمة الإسلامية وجعلها بديلاً ومسوغاً لرفض موقف أهل البيت (عليهم السلام) الذين نطق الكتاب العزيز بعصمتهم حيث أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

وبالرغم من أنّ دعاة هذه النظرية حاولوا التماس أدلّة لدعمها وإسباغ طابع علمي عليها، فإنّ جمعاً غفيراً من علماء المسلمين رفضوا هذه النظرية، وناقشوا أدلّتها، ولم يلتزموا بنتائجها، كما أنّ دعاة هذه النظرية أنفسهم لم يلتزموا بها حينما أخذوا يبرّرون للخلفاء والحكّام تصرفاتهم إزاء بعض الصحابة الذين أدانوا سلطتهم.

وللوقوف على رأي مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) حول نظرية عدالة الصحابة ومدى صحتها ننطلق من المعنى اللغوي للصحبة، ثم نستعرض الموقف القرآني، ثم نورد نصوصاً لأهل البيت (عليهم السلام)ثم نعرض أدلة هذه النظرية ومناقشتها بنصوص الكتاب والسنة ثم نشير الى أسباب نشوء هذه النظرية.

المعنى اللغوي للصحبة
قال الراغب الاصفهاني: الصاحب هو الملازم... ولا فرق بين أن تكون مصاحبته بالبدن وهو الأصل والأكثر، أو بالعناية والهمة.

ويقال لمالك الشيء: هو صاحبه، كذلك لمن يملك التصرف فيه. والمصاحبة والاصطحاب أبلغ من الاجتماع، لأجل أن المصاحبة تقتضي طول لبثه، فكلّ اصطحاب اجتماع، وليس كل اجتماع اصطحاباً [1] .

وورد في القرآن الكريم ما يؤيد المعنى الذي تذكره قواميس اللغة، ضمن ألفاظ متعددة تشترك كلها في معنى متقارب، وهو المعاشرة والملازمة المتحققة بالاجتماع واللقاء واللبث، دون النظر الى وحدة الاعتقاد أو وحدة السلوك، فقد أطلقها القرآن الكريم في خصوص المعاشرة.

والمتتبع لكلمات: «تصاحبني»، «وصاحبهما»، ««صاحبه»، وصاحبته و«أصحاب»، و«أصحابهم» في القرآن الكريم يجدها تكررت سبعة وتسعين مرة بهذا المعنى المطلق.

إذاً ليس هناك اختلاف بين المعنى اللغوي الذي ذكره أصحاب اللغة، وبين معنى الصحبة في القرآن الكريم.

والسنة النبوية قد أطلقت لفظة الصحابي على كلّ من صحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) من المسلمين، سواء كان مؤمناً به واقعاً وحقيقةً، أو ظاهراً، فكان لفظ الروايات ـ التي سنذكرها ـ للصحابي شاملاً للمسلم المؤمن وللمسلم المنافق.

وحينما طلب عمر بن الخطاب من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يقتل عبد الله بن اُبيّ ابن أبي سلول ـ المنافق المشهور ـ قال: (فكيف يا عمر اذا تحدّثَ الناسُ أنَّ محمداً يقتلُ أصحابه ؟) [2] .

وعندما طلب عبدالله بن عبدالله بن اُبيّ من رسول الله(صلى الله عليه وآله) أن يقوم بقتل والده أجابه (صلى الله عليه وآله): بل نترفّق به، ونحسن صحبته ما بقي معنا[3] .

وخلاصة القول: إن السنة تذهب الى اطلاق لفظ الصحابي ليشمل حتى من اشتهر بنفاقهِ وفسقهِ كعبدالله بن أُبيّ ابن أبي سلول، فضلاً عن اطلاق لفظ الصحابي على المستور نفاقهم، حيث قال(صلى الله عليه وآله): «إن في أصحابي منافقين» [4] .

الصحابة الصادقون
إنّ صحابة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) الصادقين هم المسلمون الأوائل الذين رأوا النبي (صلى الله عليه وآله)وتشرفوا بكرامة الصحبة، وتحملوا جانباً مهماً من أعباء نشر الدعوة الاسلامية، كما بذل لفيفٌ منهم النفس والمال ايماناً بالرسالة والرسول، حتى عمَّ الاسلام بقاع المعمورة، فلولا بريق سيوفهم وقوة سواعدهم وصبرهم لما قام للدين عمود.

والمتأمل في الكتاب الكريم والسنّة الشريفة يجد ما يحضى به الصحابة الصادقون من ثناء وتكريم، قال تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يُعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً) [5] واُولئك هم الذين نصروا الله ورسوله، وأحيوا دينه، وأقاموا دعائم دولة الاسلام، وأماتوا الجاهلية.

وهناك آيات تمدح الصحابة وتثني عليهم أشد الثناء، فمن يتلو الآيات النازلة في مدح المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم باحسان، يغبطهم على منزلتهم وعلوّ شأنهم، ومَنْ يستمع الى الآيات الواردة بحق الصحابة الذين بايعوا رسول الله تحت الشجرة، يرتعش قلبه شوقاً لتلك الثلة المؤمنة التي صدقت ما عاهدت الله عليه.

الإمام علي (عليه السلام) يصف الصحابة الصادقين
قال (عليه السلام): « ولقد كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) نقتل آبائنا، وأبناءنا، وإخواننا، وأعمامنا، ما يزيدنا إلاّ إيماناً وتسليماً ومضيّاً على اللّقم [6] وصبراً على مضض الألم، وجدّاً في جهاد العدو... فلما رأى الله صِدْقَنا أنزل بعدونا الكبت [7] وأنزل علينا النصر حتى استقر الاسلام ملقياً جرانه [8] ومتبوءاً أوطانه.

ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود، ولا اخضرّ للإيمان عود» [9] .

وقال (عليه السلام) يصفهم ويذكّر بعظمة منزلتهم، ويأسف على فقدهم: «لقد رأيت أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) فما أرى أحداً يُشبههم منكم !

لقد كانوا يصبحون شعثاً غُبراً وقد باتوا سجداً وقياماً، يراوحون بين جباههم وخدودهم ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم» [10] .

وقال (عليه السلام) وهو يتحرق شوقاً اليهم: «أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق ؟

أين عمار ؟ واين ابن التيهان ؟ واين ذو الشهادتين ؟ واين نظراؤهم من اخوانهم الذين تلوا القرآن فأحكموه، وتدبروا الفرض فأقاموه،

أحيوا السنة وأماتوا البدعة دُعوا الى الجهاد فأجابوا، ووثقوا بالقائد فاتبعوه» [11] .

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) يدعو للصحابة الصادقين
وقال الإمام زين العابدين (عليه السلام) ـ وهو يدعو لأصحاب الرسول(صلى الله عليه وآله): «اللهم وأصحاب محمد خاصة، الذين أحسنوا الصحبة والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكانفوه وأسرعوا الى وفادته، وسابقوا الى دعوته، واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالاته، وفارقوا الأرواح والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته وانتصروا به...» [12] .

عبدالله بن عباس يصف الصحابة الصادقين
سأل معاوية ذات يوم ابن عباس عن بعض الاُمور، ثم سأله عن شأن الصحابة، فقال ابن عباس: قاموا بمعالم الدين وناصحوا الاجتهاد للمسلمين، حتى تهذبت طرقه وقويت أسبابه وظهرت آلاء الله، واستقر دينه، ووضحت أعلامه، وأذلّ بهم الشرك وأزال رؤوسه ومحا معالمه وصارت كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى [13] .

نظرية عدالة كل الصحابة
قالوا: إن الصحابي هو كل من لَقِي النبي (صلى الله عليه وآله) مؤمناً به، ولو ساعة من نهار ومات على الاسلام. فإن جميع الصحابة عدول لا يتطرق اليهم الجرح، ومن انتقص منهم أحداً فهو من الزنادقة [14] ، وهذه النظرية تلتزم بصحة ما يرويه كل صحابي، ولا تجوّز تجريح أيّ صحابي.

اتّفق أهل السنّة على أن جميع الصحابة عدول ولم يخالف في ذلك إلاّ الشذوذ من المبتدعة، وقال الخطيب في الكفاية: إنّهم كافة أفضل جميع الخالفين بعدهم والمعدلين الذين يجيئون من بعدهم.

وقال أبو محمد بن حزم: الصحابة كلّهم في الجنة قطعاً، ولا يدخل أحد منهم في النار لأنّهم المخاطبون بقوله تعالى: (إنّ الذين سبقت لهم منّا الحسنى اُولئك عنها مبعدون) [15]

وترى هذه النظرية أن جميع أفراد الطبقة الاُولى من الاُمويين مثلاً كأبي سفيان وأولاده وجميع المروانيين وحتى طريد رسول الله (صلى الله عليه وآله)وأولاده هم من عدول الصحابة.

أدلة نظرية عدالة جميع الصحابة
أولاً: استدل دعاة هذه النظرية بجملة من الآيات، منها قوله تعالى:(كنتم خير اُمة اُخرجت للناس) [16] . ومنها قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم اُمة وسطاً) [17] ومنها قوله تعالى: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم) [18] ومنها قوله تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه) [19] .

ثانياً: استدلّوا بالسنة النبوية، حيث جاء في عدّة نصوص ما يفيد عدالة كل الصحابة، ولم تستثنِ الأحاديث منهم أحداً، فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله)أنه قال:

« أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم ».

« خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ».

«احفظوني في أصحابي ».

« لا تسبوا أصحابي » [20] .

نظرية عدالة الصحابة في الميزان
أ ـ موقف القرآن الكريم من عدالة جميع الصحابة
من المؤكد أنّ الرأي الذي تتبناه نظرية عدالة كل الصحابة لا ينسجم مع منطوق القرآن، لأن الصحابة في القرآن على أصناف، فلا يمكن اعتبارهم صنفاً واحداً وهو كونهم عدولاً جميعاً ; وذلك لأن منهم السابقين الأولين، والمبايعين تحت الشجرة، والمهاجرين، وأصحاب الفتح، كما يذكر القرآن أصنافاً اُخرى في مقابل ذلك مثل المنافقين [21] ، والمنافقين المتسترين الذين لا يعرفهم النبي (صلى الله عليه وآله) [22] ، وضعفاء الايمان ومرضى القلوب [23] والسماعين لأهل الفتنة [24] ، والذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً [25] والمشرفين على الارتداد حين تدور عليهم الدوائر [26] الفساق الذين لا يصدق قولهم فعلهم [27] ، والمسلمين الذين لم يدخل الايمان في قلوبهم [28] الذين يظهرون الاسلام ويتألفون بدفع سهم من الصدقة اليهم لضعف يقينهم [29] ، والمولّين أمام الكفار [30] .

فهؤلاء الصحابة وان اختلفت مواقفهم وتقاطعت، إلاّ أن القرآن يتناولهم كأصحاب لرسول الله (صلى الله عليه وآله).

وهناك نماذج من الصحابة نزل القرآن بتوبيخهم، وأشار الى فسقهم وأنّهم من أصحاب النار، وأنّ منهم من افترى على الله الكذب وحاول أن يحرّف القرآن، ومما ورد في الكتاب:

1 ـ ما جاء في قوله تعالى: (أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون* أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلاً بما كانوا يعملون* وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها اُعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) [31]

فلو راجعنا التفاسير وكتب التاريخ لوجدنا أن الآيات تشير بأن المؤمن هو الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) والفاسق هو الوليد بن عقبة، وقد تولّى الكوفة لعثمان، وتولّى المدينة لمعاوية ولابنه يزيد [32] .

2 ـ وجاء في قوله تعالى: (ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو قال اُوحيَ إليَّ ولم يوحَ إليه شيء...) [33] .

نزلت هذه الآية في عبدالله بن أبي سرح وهو والي عثمان على مصر، فهو الذي افترى على الله الكذب، وأباح الرسول(صلى الله عليه وآله) دمه ولو تعلق بأستار الكعبة، وجاء به عثمان يوم الفتح يطلب الأمان له، ولما لم يقتل أعطاه الأمان، فهو الذي حاول أن يحرّف الكتاب وهو من أكثر الخلق ظلماً [34] .

3 ـ وجاء في قوله تعالى: (يا أيّها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثّاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلاّ قليل * إلاّ تنفروا يعذّبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً والله على كلّ شيء قدير) [35] .

وهذه الآية صريحة أيضاً في أن بعض الصحابة تثاقلوا عن الجهاد واختاروا الركون إلى الحياة الدنيا رغم علمهم بأنها متاع قليل، حتى استوجبوا توبيخ الله سبحانه وتهديده إياهم بالعذاب الأليم، وباستبدالهم بغيرهم من المؤمنين الصادقين.

كما جاء التهديد بالاستبدال في العديد من الآيات مما يدل دلالة واضحة على أنهم تثاقلوا عن الجهاد في مرات عديدة، قال تعالى: (وان تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) [36] .

وهذه الآية وأمثالها تشير الى المواقف الخاطئة التي اتخذها بعض الصحابة واستحقوا بسببها التوبيخ، كما تؤكد عجز نظرية عدالة جميع الصحابة عن الانسجام مع المفهوم القرآني عبر الآيات النازلة بهذا الشأن.

ب ـ موقف السنّة الشريفة من عدالة جميع الصحابة
إذا أردنا أن نستنطق السنّة الشريفة حول مفهوم الصحابي نجد أنها تصرح باطلاق هذا المصطلح على الصادق منهم وغير الصادق.

فقد وردت روايات تمدحهم، وفي الوقت نفسه وردت روايات اُخرى تذم بعضهم، فمن روايات المدح ما جاء عنه (عليه السلام): «اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم » [37] وقوله(صلى الله عليه وآله): « اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تُعبد » وقوله: «أثبتكم على الصراط أشدكم حباً لأهل بيتي ولاصحابي» [38] .

أما روايات الذم فقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله): « لا تكذبوا عليَّ فإنه من كذب عليَّ فليلج النار » [39] .

وقال (صلى الله عليه وآله): « إني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها وتقتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم» [40] .

وقال (صلى الله عليه وآله): « أنا فرطكم على الحوض، وساُنازع رجالاً فأغلب عليهم فلأقولنّ ربِّ أصحابي أصحابي ! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك » [41] .

إذاً من الصحابة من كان يكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومنهم مَن كان يسفك الدماء لأجل الدنيا، ومنهم من ارتدّ بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فكيف يكون هؤلاء عدولاً ؟ ! وقد أخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)أصحابه أيضاً بأنهم سيحرصون على الإمارة حيث قال (صلى الله عليه وآله): «إنكم ستحرصون على الإمارة وستصير ندامة وحسرة يوم القيامة فبئست المرضعة ونعمت الفاطمة » [42] .

وهكذا كان... وصدق رسول الله.

وطبيعي أن منطوق هذه النظرية يبرّر الأفعال والممارسات المخالفة لأوامر الله تعالى التي ارتكبها بعض الصحابة، وبالتالي فإن العناصر المنحرفة التي تولت السلطة فيما بعد تعاملت معهم النظرية المذكورة كثقات صادقين يؤُخذ عنهم حكم الله وتقبل ولايتهم رغم سفك البعض منهم للدماء ظلماً أو شربه للخمر أو أكله أموال المسلمين.

على أن الروايات التي استدل بها لإثبات نظرية عدالة الصحابة أكثرها ضعيفة السند فرواية «أصحابي كالنجوم...» [43] اسنادها ضعيف. وقد اعتبرها الاسفرايني وأبو حيان الاندلسي وتلميذه تاج الدين مكذوبة [44] .

وأما رواية «ان الله اختارني واختار أصحابي فجعلهم أصهاري، وجعلهم أنصاري وانّه سيجيء في آخر الزمان قوم يتنقصونهم، ألا فلا تناكحوهم، ألا فلا تنكحوا إليهم ألا فلا تصلوا معهم، ألا فلا تصلوا عليهم، عليهم حلت اللعنة» [45] .

ففي سندها بشير بن عبيد الله وهو غير معروف. بل قال ابن حبان: الحديث باطل لا أصل له [46] وقال الدكتور عطية بن عتيق الزهراني: (هذا الحديث لا يصح) [47] .

و أمّا رواية «خير القرون قرني» فهي غير تامة السند كما شهد بذلك غير واحد من الأعلام منهم صاحب الكفاية [48] .

و أما دلالتها على أنّ كل ما حدث في قرن بعثة الرسول(صلى الله عليه وآله)فهو حق و مقبول وصحيح وإن كان فيه انتهاك حرمات الإسلام مثل قتل أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)،أو قتل سبطي الرسول(صلى الله عليه وآله) الحسن والحسين (عليهما السلام)، أو سبي آل الرسول (صلى الله عليه وآله) في واقعة كربلاء الأليمة، أو إباحة مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) في واقعة الحرّة التي انتهكت فيها أعراض المسلمين، وبقرت بطون الحوامل، وقتل فيها الصحابة و التابعون الأبرياء [49] فإن ذلك لا يرتضيه عاقل فضلا عن عالم، فكيف يصح نسبة ذلك الى الرسول العظيم(صلى الله عليه وآله)؟!


--------------------------------------------------------------------------------

[1] مفردات الفاظ القرآن الكريم للراغب الاصفهاني: 275.

[2] السيرة النبوية، لابن هشام: 3 / 303، والسيرة النبوية لابن كثير: 3 / 299، واسباب النزول للواحدي : 452.

[3] السيرة النبوية لابن هشام: 3 / 2 ـ 5، والسيرة النبوية لابن كثير: 3 / 301.

[4] مسند أحمد: 5 / 40، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير: 2 / 399.

[5] الفتح: 48 / 29.

[6] اللقم: معظم الطريق أو جادته.

[7] الكبت: الاذلال.

[8] القاء الجران: كناية عن التمكن.

[9] نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: 91 ـ 92.

[10] المصدر السابق: 97 ـ 143.

[11] نهج البلاغة، صبحي الصالح: 182 ـ 264.

[12] الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين: 43 ـ 45، وهو كتاب يجمع أدعية الإمام السجاد علي بن الحسين.. لا يزال اتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) يتلون أدعيته في مواسم الدعاء.

[13] مروج الذهب للمسعودي: 3 / 66، 425، 426.

[14] الإصابة في تمييز الصحابة: 1/11.

[15] الإصابة في تمييز الصحابة: 1/10، والجرح والتعديل للرازي: 7 ـ 9.

[16] آل عمران: 3 / 110.

[17] البقرة: 2 / 143.

[18] الفتح: 48 / 18.

[19] الاصابة في تمييز الصحابة: 9 ـ 10، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير: 1 / 399، والدر المنثور للسيوطي: 2 / 293.

[20] سنن الترمذي: ح2302، 2303، فتح الباري لابن حجر: 7/6 و 13/21، اتحاف السادة المتقين للزبيدي: 2/223، تلخيص الحبير لابن حجر: 4/204، البداية و النهاية لابن كثير: 6/286، تفسير ابن كثير: 7/493، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: 2/53.

[21] المنافقون: 63 / 10.

[22] التوبة: 9 / 101.

[23] الاحزاب: 33 / 11.

[24] التوبة: 9 / 45 ـ 47.

[25] التوبة: 9 / 102.

[26] آل عمران: 3 / 154.

[27] الحجرات: 49 / 6. السجدة: 32 / 18.

[28] الحجرات: 49 / 14.

[29] التوبة: 9 / 60.

[30] الانفال 8 / 15 ـ 16.

[31] السجدة: 18 ـ 20.

[32] شواهد التنزيل للحاكم الحكاني الحنفي ح 445 و 453، 610، 626، وراجع علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي: 324 و 370 و 371، وتفسير الطبري: 21 / 107، الكشاف للزمخشري: 3/514، فتح القدير للشوكاني: 200، أسباب النزول للسيوطي مطبوع بهامش تفسير الجلالين: 550، أحكام القرآن لابن عربي: 3/1489، وراجع شرح النهج لابن أبي الحديد: 4 / 80 و 6/292، وراجع كفاية الطالب للكنجي الشافعي: 140، الدر المنثور للسيوطي: 5/178، ذخائر العقبى للطبري الشافعي: 88، المناقب للخوارزمي الحنفي: 197، نظم درر السمطين للزرندي الحنفي: 92، تذكرة الخواص للسبط الجوزي الحنفي: 207، مطالب السؤول لابن طلحة الحنبلي: 6/340، وأنساب الأشراف للبلاذري: 2/148، ح 150، تفسير الخازن: 3/470 و 5/187، ومعالم التنزيل للبغوي الشافعي بهامش الخازن: 5/187، والسيرة الحلبية للحلبي الشافعي: 2/85، تخريج الكشاف لابن حجر العسقلاني مطبوع بذيل الكشاف: 3/514، الانتصاف في ما تضمنه الكشاف بذيل الكشاف: 3/244.

[33] الأنعام: 93.

[34] السيرة الحلبية: 3/81، باب فتح مكة، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي: 7/39، الكامل في التاريخ لابن الأثير: 2/249، فتح مكة.

[35] التوبة: 9 / 38 ـ 39.

[36] محمد: 47 / 38.

[37] صحيح البخاري: 5 / 87 ـ 88.

[38] السيرة النبوية لابن هشام: 2 / 279.

[39] صحيح البخاري: 1 / 38، وصحيح مسلم: 1 / 9.

[40] صحيح مسلم: 7/ 68 كتاب الفضائل، باب اثبات حوض نبيّنا(صلى الله عليه وآله) وصفاته، السنن الكبرى للبيهقي: 4 / 14، باب ذكر رواية .

[41] مسند أحمد: 2 / 35.

[42] المصدر السابق: 3 / 199.

[43] ميزان الاعتدال للذهبي: 1 / 413.

[44] التبصر في الدين: 179.

[45] صحيح مسلم: 4 / 1873، وسنن الترمذي: 5 / 662، ومسند أحمد: 3 / 14.

[46] مخالفة الصحابي للحديث النبوي عبد الكريم النملة: 83.

[47] السنة لأبي بكر الخلال: 1 / 483.

[48] الكفاية في علم الدراية: 47.

[49] تاريخ اليعقوبي: 2/250. والكامل في التاريخ: 4/111 ـ 119، وتعجيل المنفعة للعسقلاني: 453 ترجمة يزيد بن معاوية.

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page