• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

وكانت صديقة (القسم 17)

 

وكانت صديقة

القسم 17

قمر الرابع عشر من شوّال يتألق في السماء يزدهي بهالته بين النجوم، و قناديل المدينة تتوهج.. ترسل ضوءاً ذهبياً. وبدت الكوى ينابيع تتدفق بالنور.

وفي المسجد التف المؤمنون حول الرسول، شباب و شيوخ و كهول يتداولون أمراً هامّاً. قريش تزحف صوب يثرب. قال النبي:- نقيم في المدينة وندعهم حيث نزلوا فان أقاموا أقاموا بشر مقام.. و ان هم دخلوا علينا قاتلناهم.

اخرج النفاق رأسه إذ قال ابن سلول و قد صادفت الفكرة هوىً في نفسه:

- نعم يا رسول اللَّه... نقيم في المدينة.

ساد الوجوم وجوه الشباب... كانوا يتمنون الحرب في الصحراء..

والحرب في أزقة المدينة لا يشبع حماسهم... و كيف ينعمون بحرب تشارك فيها النسوة و الأطفال. هتف شاب لم يحضر بدراً يتمناها منذ عام:

- ماذا ستتحدث العرب.. جبنا عن اللقاء و قريش تشنّ عينا الغارات.

هتف آخر:

- اخرج بنا يا رسول اللَّه إلى أعداتنا.. حتى لا يزدادوا جرأة.

ساد الحماس و بلغ ذروته، وضاع صوت العقل. وعندما ينفلت زمام العاطفة تصبح فرساً جموحاً لا تصغي لأحدٍ و لا يقف في طريقها شي ء.

هبّت العاصفة لا يعتورها أحد، وأضحى من الحكمة مماشاتها و توجيهها، والحدّ من عنفها.

انتبه بعضهم و قد تأثر لمنظر النبيّ يعدل درعه، عرضوا عليه القبول برأيه و البقاء في المدينة، فقال بحزم:

- ما ينبغي لنبيّ لبس لامته أن يضعها حتى يحكم اللَّه بينه و بين عدوّه.

وأردف ليحكم قبضته على العاصفة:

- عليكم بتقوى اللَّه و الصبر عند البأس وانظروا ما آمُركم فافعلوا.

وقفت فاطمة تودّع أباها و بين ذراعيها صبيّ له من العمر شهر، اعتنقه النبيّ.. راح يملأ صدره من شذى عطر له رائحة الجنّة، و همس بحبّ:

- انّه ريحانتي من الدنيا.. و اُمّه صدّيقة.

ودّع الرسول يثرب، و معه ألف مقاتل، و في ثنيّة «الوداع» حيث الجادّة التي تؤدي إلى مكة. و عندما وصل «الشيخان» و هما جبلان في أطراف المدينة قام النبيّ باستعراض لقوّاته فأرجع من الشباب من كان دون الخامسة عشرة...

طلع الفجر و وصل النبيّ «الشوط»- بستان بين المدينة و جبل «اُحد»....

و ذرّ رأس النفاق قرنه فأعلن تمرّده على الرسول.

عاد «بن أبيّ» و عاد معه ذيوله و كانوا ثلاثمئة، فأحدث ذلك شرخاً في جيش النبيّ و هو على و شك الاشتباك.

عسكرت قريش في وادى «قناة» وانتشرت في أرض سبخة، قاطعةً الطريق على جيش المسلمين.

تساءل النبي عن دليل يمكنه هداية الجيش على طريق يؤدي إلى اُحد لا يمرّ على جيش المشركين.

هتف «أبوخيثمة»:

- انا يا رسول اللَّه.

- سر على بركة اللَّه.

سلك الدليل «حرّة» بني حارثة و هي أرض ذات حجارة سوداء منخورة كأنها شويت بالنار... كانت المزارع على يمين الجيش المتقدم وقوّات المشركين على شمالهم واتجه الدليل شمالاً نحو جبل اُحد، وقطع وادي «قناة».

دخل الجيش الشِعب المطلّ على الوادى، تاركاً الهضاب والجبل وسفوحه في ظهره.

نظم النبي جنوده صفوفاً في ثلاثة أنساق و انتخب خمسين من أمهر الرماة، وأمرهم بالمرابطة فوق جبل «عينين» و هو جبل صغير يقع في الجنوب الغربي من معسكر النبي و على بعد مئة و خمسين متراً من مقرّ القيادة، و كان اجراؤه هذا تحسباً من حركة التفاف يقوم بها المشركون، و كان النبي يعلم ان لدى قريش قوّة كبيرة من الفرسان تحت إمرة «خالد بن الوليد» و كانت هذه القوّة مصدر قلق للنبي.

قال النبي لابن جبير قائد الرماة:

- انضحوا الخيل بالنبل، لا يأتونا من خلفنا...

والتفت إلى بقية الرماة:

- احموا لنا ظهورنا لا يأتونا من خلفنا وارشقوهم بالنبل فان

الخيل لا تقدم على النبل.. إنّا لا نزال غالبين ما لبثتم مكانكم، اللّهم انى أُشهدك عليهم.

و للمرّة الأخيرة أوصاهم النبي.

- إن رأيتمونا تتخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم حتى أرسل اليكم، و ان رأيتمونا ظهرنا على القوم و أوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل اليكم، و ان رأيتمونا غنمنا فلا تشركونا، و ان رأيتمونا نقتل فلا تغيثونا و لا تدافعوا عنا.

نظم النبي قواته واضعاً في الخط الأول رجالاً أولي بأسٍ شديد بدا فيهم علي و حمزة و أبودجانة و سعد بن الربيع و رجال حملوا أرواحهم فوق الأكف، كما خصّص كتيبة بقيادة المقداد للتنسيق مع الرماة في صدّ هجوم محتمل قد يقوم به فرسان قريش.

تذكر النبي رؤياه. عادت تتمثل أمامه من جديد.. رأى ابقاراً تسر الناظرين.. رآها تذبح فتشحط دماً عبيطاً ورأى في حدّ سيفه ثلماً...

تجمّعت في السماء النذر و بدت السيوف بين الغبار بروقاً نزلت إلى الأرض و شدّ أبودجانة حول رأسه عصابة الموت كجرح يفور و أدرك الذين رأوه أن الرجل قد اختار الموت طريقاً إلى الحياة.

الرجل الذي اختارته السماء رسولاً إلى الأرض يبلّغ رسالته:

- ما أعلم من عملٍ يقرّبكم إلى اللَّه إلَّا و قد أمرتكم به، و لا أعلم

من عملٍ يقربكم إلى النار إلَّا و قد نهيتكم عنه، وانه قد نفث الروح الأمين في روعي انه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها لا ينقص منه شي ء.. المؤمن من المؤمن كالرأس من الجسد اذا اشتكى تداعى اليه سائر الجسد.

و في المعسكر الآخر في أرض سبخة تعالت أصوات الدفوف والطبول تشف عن روح همجية متعقشة لرؤية الدماء... تسكر على صوت طبول الحرب تدق بعنف فيستيقظ الشيطان يعربد و يدمّر.

خرجت خمس عشرة امرأة ينشدن أناشيد الثأر:

و كان صوت هند له نبرة نمرة متوثبة:

·                                 نحن بنات طارق الدر في المخانق ان تقبلوا نعانق او تدبروا نفارق فراق غير وامق

·                                 نمشى على النمارق والمسك في المفارق ونفرش النمارق فراق غير وامق فراق غير وامق

وحلم رجال بليالٍ حمراء.. ليال مليئة بالمتعة. و منوا أنفسهم

بسبى من يثرب فيهنّ حسان من الأوس أو الخزرج.

اتسعت الأحداق وعض الرجال على النواجذ... و بدأت قريش الهجوم. بدأت قوّة من المشاة تساندها كوكبة من الفرسان بقيادة عكرمة بن أبي جهل هجوماً على ميسرة الجيش الاسلامي لتدميرها، و من ثم النفوذ إلى عمق الشِعب و ضرب المسلمين من الخلف.

قوبل الهجوم العنيف برشقات كثيفة من النبال واعترض المقداد بقوّاته سيل المهاجمين وأرغمهم على التراجع و من فوق سفوح أُحد تدحرجت الصخور و الحجارة فارتد المهاجمون و تشتتوا..

عاود الفرسان الكرة مرة بعد اُخرى ولكن دون جدوى. وفي تلك اللحظات الحساسة أصدر النبي أمره بشن الهجوم المعاكس.. مستهدفاً قلب القوّات المتقهقرة و كان ثقل المعركة يدور حول «لواء» قريش من أجل اسقاطه و تحطيم الروح الجاهلية. وسقط اللواء بضربة من عليّ.. ثم ارتفع مرّة اُخرى ثم هوى على الأرض... ثم ارتفع... ثم هوى ممزقاً فوق الأرض...

تزلزلت معنويان المشركين ودبّت فيهم الهزيمة و اطلقت هند ساقيها للريح وسقطت الدفوف و تبعثرت أمنيات زوج أبي سفيان وذهبت أدراج الرياح....

وفي غمرة النصر سقط حمرة. اخترق قلبه رمح وحشي..

سقطت ثلمة من سيف محمد.

وفوق جبل «عينين» كانت هناك معركة من نوع آخر.. معركة في داخل النفوس رهيبة مشتعلة.. أشعلتها الغنائم المبعثرة في الوادي.

وأخيراً وبعد صراع عنيف انتصرت النفوس الامارة بالسوء.. و غادر أكثر الرماة مواقعهم «لا يلوون على شي ء» و (ابن جبير) يدعوهم.. يذكّرهم بوصايا الرسول. غير أن النفوس التي أصغت إلى فحيح الشياطين نسيت همسات السماء.

كان خالد بن الوليد ينتظر الفرصة و عندما شاهد منظر الرماة و هم يهبطون الجبل التمعت في عينيه حمى الحرب، فاندفعت الخيول كالعاصفة و عمت الفوضى صفوف الجيش الاسلامي...

وفرّ المسلمون لا يلوون على شي ء، و الرسول ينادى:

- أنا رسول اللَّه.. هلموا إلي!

وبعد لأي تمكن النبي من تجميع أكثر قواته و الانسحاب بهم نحو سفح الجبل.

صرخ أبوسفيان في بطن الوادى:

- اعل هبل.

وجاء صوت الرسول:

- اللَّه أعلى وأجلّ.

- لنا العزى و لا عزى لكم.

- اللَّه مولانا و لا مولى لكم.

- يا محمد حنظلة بحنظلة و يوم بيوم بدر و الحرب سجال.

أمر النبي عليّاً أن يستطلع قوات قريش فقد تجتاح المدينة:

- انظر فإن جنبوا الخيل وامتطوا الإبل فانهم يريدون مكّة.. و ان ركبوا الخيل فانّهم يريدون المدينة..

وأردف النبي و قد برق العزم في عينيه:

- والذي نفسي بيده لئن أرادوا المدينة لأُناجزنّهم.

جراح النبي تنزف.. تفور.. لا تعرف التوقّف. بالجراح الأنبياء حمراء حمراء بلون الشفق، تبشّر بالنهار.. بشمس ساطعة ودف ء الربيع.

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page