• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

في بيان آية التطهير، وإثبات عصمة أهل البيت (عليهم السلام) ومنهم الزهراء(عليها السلام)

في بيان آية التطهير، وإثبات

عصمة أهل البيت (عليهم السلام) ومنهم الزهراء(عليها السلام)

 

قال الله سبحانه وتعالى: (إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)([1]).

إنّ هذه الآية المباركة اختصّت بأصحاب الكساء، والمعنيّون هم أهل البيت(عليهم السلام)، أي أنّ شأن نزول الآية الكريمة هم النبيّ الأكرم وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)، وسائر الأئمّة  (عليهم السلام) مشمولون بخصائص تلك الآية، فالإرادة التكوينية الأزلية للمولى جلّ شأنه قضت بأن يكون هنالك فاصل أبدي بين الأرجاس وأهل بيت النبوّة فطهّرهم من الرجس ومن أىّ دنس، وحكمت إرادته تعالى لهم بالمزيد من النزاهة والطهارة; إذ أ نّهم يتمتّعون بروح عالية عظيمة تنأى بهم عن ارتكاب القبائح والمكروهات وترك الأولى.

إنّ هذا اللطف الإلهي العظيم قد جاء نتيجةً لاستجابة أهل البيت(عليهم السلام) لأوامره وطاعتهم وإخلاصهم له تعالى واستحقاقاً لهم. فهم العالمون بجميع شرائع وأحكام الدين، والواقفون على أسرار التكوين والمكنون من رموز القرآن الكريم وأسراره، لاجهل في حياتهم ولا لُبسَ ولا إبهام، ولا يفسحون الطريق لأدنى ريب أوشكٍّ ليحولَ بينهم وبين دوام إخلاصهم وتوجّههم للبارئ الحيّ القيوم، وهم عيِّنات طاهرة ونماذج مطهّرة تمتلك روح القداسة لكي تأخذ بيد الاُمّة وتقودها نحو الطهارة وشاطئ السعادة.

إنّ آية التطهير الكريمة تلك تُثبت ولاية أهل البيت(عليهم السلام) وتقرّر زعامتهم، فهي في معرض بيان حكم الإمامة والولاية ولفت أنظار الاُمّة إليها، وإلاّ لَما كان كلّ هذا الاهتمام من إرادة الله تعالى وعنايته أن يولي لهذا الأمر جميع الرعاية واللطف. ومن أجل خطورة المسألة تلك وأهمّيتها ـ أي الإمامة والولاية ـ فقد استند الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) إلى آية التطهير في إثبات إمامته وحقّه وصلاحيته في خلافة رسول الله(صلى الله عليه وآله) التي طرحها في قصّة السقيفة والشورى، وأنّ الإمام الحسن(عليه السلام)لَفتَ أنظار الاُمّة حين طَرحِه تلك الآية الشريفة في أوّل مؤتمر عام عُقِد لإعلان خلافته وإمامته.

وأمّا الإمام الصادق(عليه السلام) فإنّه قال بشأن آية التطهير: «نزلت هذه الآية في النبيّ وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والحسن والحسين(عليهم السلام)، فلمّا قبض اللّه عزّ  وجلّ نبيّه(صلى الله عليه وآله)كان أمير المؤمنين ثم الحسن ثم الحسين(عليهم السلام)... فطاعتهم طاعة الله عزّ وجلّ، ومعصيتهم معصية اللّه»([2]). هذا ما جاء عن الإمام الصادق(عليه السلام).

وأمّا من ناحية إقحام آية التطهير الشريفة تلك بين الآيات التي خاطبت نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله)- سيّما أنـّها نزلت في المدينة في أواخر حياة الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله)مع كثرة زوجاته معه فإنّهنّ كُنّ في عصمة النبيّ(صلى الله عليه وآله) وبقين بعد وفاته ولُقّبن وتزيّنّ بشرف «اُمّ المؤمنين» - فالخطاب القرآني الموجّه لهنّ كان قد رسم لهنَّ المنهج الذي يجب عليهنّ أن يعملنَ به، من لزوم الخِدر والحجاب، وعدم التبرّج، والبقاء في بيت النبيّ(صلى الله عليه وآله) بعيداً عن التدخّل في القضايا الاجتماعية والسياسية، ووجّهت لهنّ نصائح قيّمة تذكّرهنّ باُمور مفيدة في حياتهنّ، فالخطاب كان منهجاً تربويّاً خاصّاً بتلك النسوة اللاتي كان ينبغي عليهنّ حصانة أنفسهنّ من الإضرار بالإسلام والمسلمين، ولِما يمكن أن يؤدّينه من دور سلبيٍّ في مستقبل الإسلام، وأن يؤثّر فيهنّ العنصر الهدّام في ظلّ تلقّبهنّ بهذا اللقب الّذي يُضفي عليهنّ الغرور ويخضعن بالقول لمن أراد أن يحرّكهنّ لمصالح شخصيّة لاتمتُّ للإسلام بصلة، إذن فآية التطهير الكريمة لاتختصُّ بِهنّ، وإنّما قد تخلّلت هذه الآية الشريفة آيات نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله) ـ لأسباب خاصّة([3]) ـ فهي إنّما لأجل مقام التدوين وتوضيح منزلة ومكانة أهل البيت(عليهم السلام) في الاُمّة، فهي تلحظ بوضع خطّة لمستقبل الإسلام العزيز وتحسم أمر الاُسرة النبوية ككلٍّ في موقع واحد.

وأمّا عن دور فاطمة الزهراء(عليها السلام) وموقعها فإنّا نعلم بأنّ الآية الشريفة «آية التطهير» قد خصّت خمسة أشخاص من أولياء اللّه، اتّخذهم الله وأعدّهم وهيّأهم بالعلم والعصمة، ورشّحهم لمقام القيادة الخطيرة للاُمّة وإمامتهم، ومن الواضح والمؤكّد تمام التأكيد أنّ سيّدتنا فاطمة الزهراء(عليها السلام) ـ وحيدة أبيها وعزيزته وبَضعته  ـ هي أحد هؤلاء الخمسة المشار إليهم في آية التطهير، وقد اقتضت مشيئة الباري جلّ وعلا أن يرتبط مصير حياة هذه العائلة التي ملئت علماً وفضلا بمصير الإسلام ومسيرته ومستقبله، وفي سبيل خدمة الدين وحفظ تلك الرسالة العزيزة، فيكون أهل البيت(عليهم السلام) ككُلٍّ مشتركين في حفظ الدين ومستقبله مع انفراد كلّ واحد منهم بواجب مستقلٍّ يتناسب ويتلاءم مع وضعه وحاله، ولا يفترض أن يكون مفاد الآية الشريفة إعطاء مقاليد الإمامة والولاية والزعامة والقيادة للزهراء(عليها السلام)، ولا  دعوى للزوم تطابق بين الإمامة والولاية والخصوصيات التي أعطاها الله تعالى لهم حسب منطوق الآية من التطهير والعصمة...

فالزهراء(عليها السلام) هي اُمّ أئمة الهدى(عليهم السلام) الذين هم الآيات الربّانيّة العظمى والتي تتحلّى بأسمى الكمالات البشرية، وتـتمتّع بقمّة المعنويات الإلهية، ولابدّ من الحفاظ على هذه المراتب من قِبَلهم إلى الأبد، ولابدّ من وجود دروع واقية تحافظ عليهم الزهراء(عليها السلام)وتشكّل الحماية الطبيعية لهم، فكانت الزهراء(عليها السلام) كفؤاً لعليٍّ(عليه السلام)وهو كفؤ لها، وكما هو المأثور في الحديث القدسي: «لولاكَ لَما خلقتُ الأفلاك، ولولا عليّ لَما خلقتُكَ، ولولا  فاطمة لَما خلقتكُما»([4]).

فإذن لابدّ من سنخيّة وقرب في الرتبة الروحية بين هذين الزوجين حتى تكونَ الاُسرة ناجحةً ومتمكّنةً من العيش السليم وأداء الدور الإلهي الملقى على عواتقهم، وتحمّل تلك المسؤولية الخطيرة على أكمل وجه، ومن هنا فقد كانت العصمة والطهارة وما حباه الله للزهراء (عليها السلام) وما خلع عليها من كمال ضرورةً طبيعيةً لنصرة الدين الحنيف ولتحقيق أهداف الخلافة الربّانية التي تمتدّ إلى ذراريها (عليها السلام).

وإليك بعضاً ممّا جاء في علوِّ شأنها من الآيات والأحاديث والأخبار:

قال ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة: الفصل الأوّل: في الآيات الواردة فيهم (أهل البيت(عليهم السلام)): الآية الاُولى: قال الله تعالى:(إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)([5]): أكثر المفسِّرين: على أنّها نزلت في عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين; لتذكير ضمير «عنكم» وما بعده([6]).

وأخرج أحمد عن أبي سعيد الخدري: «أنّها نزلت في خمسة: النبيّ(صلى الله عليه وآله)وعليّ وفاطمة والحسن والحسين».

وأخرجه ابن جرير مرفوعاً إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) بلفظ: اُنزلت هذه الآية في خمسة: فيَّ وفي عليٍّ والحسن والحسين وفاطمة([7])، وأخرجه الطبراني أيضاً. ولمسلم أ نّه(صلى الله عليه وآله): أدخل اُولئك تحت كساء عليه وقرأ هذه الآية([8]).

وصحّ أ نّه(صلى الله عليه وآله) جعل على هؤلاء كساءً وقال: «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي أذهِب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً»، فقالت اُمّ سلمة: وأنا معهم؟ قال: «إنّك على خير»([9]).

وفي رواية: أ نّه قال بعد «تطهيراً»: «أنا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم، وعدوّ لمن عاداهم».

وفي اُخرى: ألقى عليهم كساءً ووضع يده عليهم ثمّ قال: «اللهمّ إنّ هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتِك وبركاتِك على آل محمد إنّك حميد مجيد».

إضافة إلى ذلك فإنّ هذه الآية هي منبع فضائل أهل البيت النبويّ; لاشتمالها على غرر من مآثرهم، والاعتناء بشأنهم، حيث ابتدأت بـ «إنّما» المفيدة لحصر إرادته تعالى في أمرهم على إذهاب الرجس الّذي هو الإثم، أو الشكّ فيما يجب الإيمان به عنهم، وتطهيرهم من سائر الأخلاق والأحوال المذمومة. وسيأتي في بعض الطرق تحريم ذرّيتهم على النَّار وهو فائدة ذلك التطهير([10]).

وعن عطاء بن ياسر، عن اُمّ سلمة قالت: في بيتي نزلت (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً). قالت: فأرسل رسول الله(صلى الله عليه وآله)إلى فاطمة وعليٍّ والحسن والحسين... الحديث([11]).

قال ابن عبدالبرِّ: لمّا نزلت (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) دعا رسول الله(صلى الله عليه وآله) فاطمة وعليّاً وحسناً وحسيناً في بيت اُمّ سلمة وقال: «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً»([12]).

وعن صبيح قال: كنت بباب رسول الله(صلى الله عليه وآله) فجاء عليّ وفاطمة والحسن والحسين فجلسوا ناحيةً، فخرج رسول الله(صلى الله عليه وآله)فقال: «إنّكم على خير»، وعليه كساء خيبري، فجلّلهم به وقال: «أنا حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم»([13]).

وعن شهر بن حوشب، عن اُمّ سلمة: أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) جلّل عليّاً وفاطمة والحسن والحسين كساءً ثمّ قال: «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي وحامّتي([14])، اللهمّ أذهب عنهم الرجسَ وطهِّرهم تطهيراً»، قالت اُمّ سلمة: قلت: يارسول الله، أنا منهم؟ قال: «إنّكِ على خير»([15]).

وعن عمرو بن أبي سلمة ربيب النبيّ(صلى الله عليه وآله) قال: نزلت هذه الآية على النبيّ(صلى الله عليه وآله)ـ (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ) الآية ـ في بيت اُمّ سلمة، فدعا النبيّ(صلى الله عليه وآله) عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فجلّلهم بكساء ثمّ قال: «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً»، قالت اُمّ سلمة: وأنا معهم يارسول الله؟ قال: «أنتِ على مكانِكِ، وأنتِ إلى خير»([16]).

والمحبّ الطبري قال: وفي رواية «أنتِ على خير، أنتِ من أزواج النبيّ(صلى الله عليه وآله)»([17]).

أقول: وفي هذا الحديث دلالة على أنّ أزواج النبيّ(صلى الله عليه وآله) لَسنَ من أهل البيت، كما مرّ وما يأتي.

وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «اُنزلت هذه الآية في خمسة: فِيَّ وفي عليٍّ وحسن وحسين وفاطمة»([18]).

وعن اُمّ سلمة(رضي الله عنها) قالت: نزلت هذه الآية وأنا جالسة على باب النبيّ(صلى الله عليه وآله)(إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)، وفي البيت: رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين، فجلّلهم بكساء وقال: «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرِجس وطهّرهم تطهيراً»، فقلت: يارسول الله، ألستُ من أهل البيت؟ فقال: «إنّكِ إلى خير، أنت من أزواج النبيّ»([19]).

وعن عائشة قالت: خرج النبيّ(صلى الله عليه وآله) غداةً وعليه مرط مرجّل([20]) من شعر أسود موشّىً منقوش، فجاء الحسن بن عليّ فأدخله، ثمّ جاء الحسين فأدخله، ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها، ثمّ جاء عليّ فأدخله، ثمّ قال: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)([21]).

عن عطاء بن أبي رباح قال: حدّثني مَن سمع اُمّ سلمة تذكر: أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله)كان في بيتها فأتته فاطمة ببَرمة فيها خزيرة([22])، فدخلت بها عليه فقال لها: «ادعي زوجك وابنيك»، قالت: فجاء عليّ والحسن والحسين(رضي الله عنهم) فدخلوا]  عليه[، فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو على منامة له على دكّان تحته كساء خيبري، قالت: وأنا في الحجرة اُصلّي، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)، قالت: فأخذ فضل الكساء فغشّاهم به، ثمّ أخرج يديه فألوى([23]) إلى السماء ثمّ قال: «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي وحامّتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً»، قالت: فأدخلت رأسي البيت فقلت: وأنا معكم يارسول الله؟ قال: «إنّكِ إلى خير»([24]).

وعن اُمّ سلمة (رضي الله عنها) ـ زوج النبيّ(صلى الله عليه وآله) ـ قالت: إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)كان ببيتها على منامة له عليه كساء خيبري، فجاءت فاطمة (رضي الله عنها) ببرمة فيها خزيرة، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «ادعي زوجك وابنيك حسناً وحسيناً» فدعتهم، فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله): (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)، فأخذ النبيّ(صلى الله عليه وآله)بفضلة إزاره فغشّاهم إيّاها، ثمّ أخرج يده من الكساء وأومأ بها إلى السماء، ثمّ قال: «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي فأذهِب عنهم الرِجسَ وطهِّرهم تطهيراً»، قالها ثلاث مرّات، قالت اُمّ سلمة (رضي الله عنها): فأدخلتُ رأسي في الستر فقلت: يارسول الله، وأنا معكم؟ فقال: «إنّكِ إلى خير» مرّتين([25]).

وقال السيوطي في الدرّ المنثور: أخرج الطبراني عن اُمّ سلمة (رضي الله عنها): أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال لفاطمة (رضي الله عنها): «ائتيني بزوجك وابنيه»، فجاءت بهم، فألقى رسول الله(صلى الله عليه وآله)عليهم كساءً فدكيّاً، ثمّ وضع يده عليهم ثمّ قال: «اللهمّ إنّ هؤلاء أهل محمّد ـ وفي لفظ «آل محمّد» ـ فاجعل صلواتِك وبركاتِك على آل محمّد كما جعلتها على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد»، قالت اُمّ سلمة (رضي الله عنها): فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال: «إنّكِ على خير».

وفيه: وأخرج ابن مردويه عن اُمّ سلمة قالت: نزلت هذه الآية في بيتي (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)، وفي البيت سبعة: جِبرئيل وميكائيل(عليهما السلام) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين (رضي الله عنهم)، وأنا على باب البيت، فقلت: يارسول الله، ألستُ من أهل البيت؟ قال: «إنّكِ إلى خير، إنّكِ من أزواج النبيّ».

وفيه: وأخرج ابن مردويه والخطيب عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: كان يوم اُمّ سلمة اُمّ المؤمنين (رضي الله عنها) فنزل جبرئيل على رسول الله(صلى الله عليه وآله) بهذه الآية: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)، قال: فدعا رسول الله(صلى الله عليه وآله)بحسن وحسين وفاطمة وعليٍّ فضمّهم إليه ونشر عليهم الثوب ـ والحجاب على اُمّ سلمة مضروب ـ ثمّ قال: «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي، اللهمّ أذهِب عنهم الرجسَ وطهِّرهم تطهيراً»، قالت اُمّ سلمة (رضي الله عنها): فأنا معهم يا نبيّ الله؟ قال: «أنتِ على مكانِكِ، وإنّكِ على خير».

وأخرج ابن جرير والحاكم وابن مردويه عن سعد قال: نزل على رسول الله(صلى الله عليه وآله)الوحي، فأدخل عليّاً وفاطمة وابنيهما تحت ثوبه، ثمّ قال: «اللهمّ هؤلاء أهلي وأهل بيتي»([26]).

وأجمعت الإمامية وأكثر علماء الإسلام على أنّ هذه الآية (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) مخصوصة بعليٍّ وفاطمة والحسنين(عليهم السلام).

وما يقال: إنّ صدر هذه الآية وعجزها في الأزواج فالجواب([27]) عنه: أنّ هذا لا يُنكره مَن عَرَف عادة الفصحاء في كلامهم، فإنّهم يذهبون من خطاب إلى غيره ثمّ يعودون إليه، والقرآن من ذلك مملوء، وكذلك كلام العرب([28]).

قال عليّ بن إبراهيم القمّي في تفسيره: وفي رواية أبي الجارود في قوله: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) قال: نزلت هذه الآية في رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعليّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)، وذلك في بيت اُمّ سلمة زوجة النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليّاً وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)ثم ألبسهم كساءً له خيبريّاً ودخل معهم فيه، ثمّ قال: «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي الّذين وعدتني فيهم وما وعدتني، اللهمّ أذهب عنهم الرجسَ وطهِّرهم تطهيراً»، فقالت اُمّ سلمة: وأنا معهم يارسول الله؟ قال: «أبشري يا اُمَّ سلمة، إنّكِ إلى خير».

وقال أبو الجارود: قال زيد بن عليّ بن الحسين (عليه السلام): إنّ جهّالاً من الناس يزعمون أنـّما أراد بهذه الآية أزواج النبيّ، وقد كذبوا وأثموا، وأيمُ اللهِ لو عني بها أزواج النبيّ لقال: لِيُذهبَ عنكُنَّ الرِّجسَ ويطهِّركنّ تطهيراً، ولكان الكلام مؤنّثاً كما قال تعالى: (وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ...)([29])، و(وَلا تَبَرَّجْنَ...)([30]) و(لستُنّ كأحد من النّساءِ...)([31])، ثمّ انقطعت مخاطبة نساء النبيّ وخاطب أهل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فقال: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)، ثمّ عطف على نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله)فقال: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ)... إلى آخره([32]).

أقول: إذن فقد ثبت من كلّ ما تقدّم من منطوق ومفهوم الآية الشريفة وتفسيرها وتواتر الأخبار والروايات أنّ الآية الكريمة قد نزلت في شأن الخمسة أصحاب الكساء، وهم: الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)، فراجع مصادر دلالة الآية الشريفة([33]).

قال أبو يعقوب البصري:

يا حبّذا دوحة في الخلد نابتة***ما مثلها أبداً في الخلد من شجر

المصطفى أصلها والفرع فاطمة***ثمّ اللقاح عليّ سيّد البشر

والهاشميّان سبطاه لها ثمر***والشيعة الورق الملتفّ بالشجر

هذا مقال رسول الله جاء به***أهل الرواية في العالي من الخبر

إنّي بحبِّهِمُ أرجو النجاةَ غداً***والفوزَ في زُمرة من أفضلِ الزُمَرِ([34])

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] . الأحزاب: 33.

[2] . علل الشرائع: 1/242/2، تفسير الصافي: 4/189.

[3] . هناك أولا: سياق عام يتحدّث عن الاُسرة النبويّة، فيجي الحديث عن آية التطهير جزءً من نطاق الاُسرة.

                وأمّا ثانياً: فقد وردت الآية بمثابة جملة معترضة للفت النظر إلى أهمية الموضوع، وهو اُسلوب بلاغي معروف قديماً وحديثاً، وذلك بأنّ صاحب النصّ حينما يستهدف موضوعاً مهمّاً جدّاً، يضعه عبر جملة معترضة، وهو أمرٌ نلاحظه في نصوص قرآنية كثيرة، مثل ما ورد في سورة البقرة في الحديث عن الطلاق، ولكن النص جاء بآية في الصلاة، وعاد إلى الطلاق، تأكيداً لأهمية الصلاة. (مؤسسة السبطين (عليهما السلام))

[4] . مستدرك سفينة البحار: 3/168 ـ 169، عن مجمع النورين للشيخ أبي الحسن المرندي: 14.

[5] . الأحزاب: 33.

[6] و 2 و 3 . الصواعق المحرقة: 143.

 

 

[9] . الصواعق المحرقة: 143.

[10] . الصواعق المحرقة: 143 ـ 145، وفيه في نسخة: (تحريمهم).

[11] . مسند أحمد بن حنبل: 6/298، مناقب الخوارزمي: 61/30، الإصابة: 8/158، اُسد الغابة: 5/528 ـ 529. وأخرجه ابن حجر العسقلاني في الإصابة وقال: أخرجه الترمذي والحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط مسلم. وأخرجه ابن الأثير في اُسد الغابة: 3/11، تاريخ مدينة دمشق: 14/138، المعجم الكبير: 23/286، شواهد التنزيل 2/92، ترجمة الإمام الحسن: 70، ترجمة الإمام الحسين: 88.

[12] . أخرجه ابن عبدالبرّ في الاستيعاب: 2/460، والحافظ النسائي في الخصائص: 34/11.

[13] . أخـرجه ابـن الأثـير فـي اُسد الغابة: 3/11. في ترجمة صبيح.

[14] . الحامّة بتشديد الميم: الخاصّة، ومنه الحديث: «هؤلاء أهل بيتي وحامّتي أذهِب عنهم الرجس...». مجمع البحرين: 6/52 (مادة حَمَمَ).

[15] . أخرجه ابن الأثير في اُسد الغابة: 4/29.

[16] . أخرجه الترمذي في صحيحه: 5/663/3787، والمحبّ الطبري في ذخائر العقبى: 21.

[17] . ذخائر العقبى: 24.

[18] . أخرجه الشبلنجي في نور الأبصار: 99، والمحبّ الطبري في ذخائر العقبى: 21، والواحدي في أسباب النزول: 267، وابن حجر في الصواعق المحرقة: 143، والسيوطي في الدرّ المنثور: 5/377، والقندوزي الحنفي في الينابيع: 1/322/8.

[19] . أخرجه ابن الربيع الشيباني في تيسير الوصول: 3/296، والسيوطي في الدرّ المنثور: 5/377.

[20] . المرط: كساء من صُوف. مجمع البحرين: 4/273 (مادة مرط)، ومرجّل: أي ممهّد. مجمع البحرين: 5/380 (مادة رجل).

[21] . أخرجه البغوي في مصابيح السنّة: 2/277 ـ 278، وأخرجه الزمخشري في الكشّاف 1/145، السيدة فاطمة الزهراء للدكتور محمد بيّومي مهران: 29.

[22] . البرَمة: القِدر مطلقاً وجمعها برام: مجمع البحرين: 6/16 (مادة برم). والخزيرة: لحم يقطع صغاراً ويصبّ عليه ماء كثير فاذا نضج ذُرّ عليه الدقيق، فإذا لم يكن فيها لحم فهي عصيدة، وقيل: إذا كان من دقيق فهو حريرة، وإذا كان من نخالة فهو خزيرة. نهاية ابن الأثير (مادة خزر).

[23] . ألوى برأسه ولواه: إذا أماله من جانب إلى جانب. مجمع البحرين: 1/381 (مادة لَوا).

[24] . أخرجه الواحدي في أسباب النزول: 267، وابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمّة: 1/136.

[25] . أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن  أبي  حاتم  والطبراني  وابن  مردويه  كما  في  الدرّ المنثور: 5/376.

[26] . الدرّ المنثور: 5/376.

[27] . ذكرنا ذلك قبل صفحات.

[28] . تفسير مجمع البيان: 8/560، عنه لوامع الأنوار في شرح عيون الأخبار، للسيد نعمة الله الجزائري.

[29] ـ 3 . الأحزاب: 34 و33 و32.

 

 

[32] . راجع تفسير القمّي: 304.

[33] . وإليك بعضاً منها:

                اُسد الغابة لابن الأثير: 2/12 و4/29، صحيح مسلم: 4/1883، صحيح الترمذي: 5/352، مسند أحمد بن حنبل: 4/107، مستدرك الصحيحين: 2/416، تلخيص المستدرك: 2/416، تفسير جامع البيان لابن جرير الطبري: 10/296، الدرّ المنثور للسيوطي: 5/376 ـ 377، خصائص النسائي: 34/11، مجمع الزوائد لأبي بكر الهيثمي: 9/169 ـ 207، الرياض النضرة للمحبّ الطبري: 3/153، السنن الكبرى للبيهقي: 7/100 ـ 101، الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر: 2/509.

[34] . وفاة الصديقة: 2 ـ 3، عن بشارة المصطفى: 49.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page