• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

في بيان آية المودّة والمقصود من القُربى

في بيان آية المودّة والمقصود من القُربى

 جاءت الرسالة والنبوّة الخاتمة من أجل هداية الناس وإنقاذهم من ظلمات الجاهلية وضلال الأوهام والخرافات، وتهذيب نفوسهم وأخلاقهم من براثن الانحراف والرذيلة; لتسمو وتـتكامل لنيل سعادة الدنيا والآخرة، وهذه السعادة ليست أمراً هيّناً ويسيراً، بل هي قمّة الاطمئنان والراحة والسرور، وهي أقوى الملذّات الروحية والمعنوية التي لا شيء فوقها يضاهيها.

وما يحصل عليه الناس من سعادة ناجمة عن إصلاح نفوسهم على النبوّة الخاتمة وعلى يد خاتم الأنبياء والرسل نبيّنا محمّد(صلى الله عليه وآله) هو عمل عظيم وفعالية كبيرة وضخمة، وهذا العمل الجبّار بذلت فيه جهود ليست يسيرة، فقد ضحّى رسول الله(صلى الله عليه وآله)بأمواله وراحته من أجل هداية الناس في عمل دؤوب دون كلل أو ملل، فهل طلب أجراً على هذا العمل كما يطلب أيّ إنسان يقدّم خدمةً للآخرين وخصوصاً الخدمة التي تحقّق السعادة في الدنيا والآخرة؟ نعم قد طلب أجراً، ولكنّه ليس كالأجر المتعارف بين الناس أو المعهود في الأذهان وهو الأجر المادي كالدينار والدرهم، أو المنصب الحكومي أو ما شابه ذلك، إنّه طلب أجراً معنوياً وروحياً وهو «المودّة في القربى»، مودّة قربى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وهم: عليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام).

والمودّة تعني الحب والاحترام والاتّباع والنصرة وكلّ عمل أو سلوك يقرّب القلوب والعقول إليهم، ومنه عدم موالاة أعدائهم وظالميهم; لأنـّه خلاف لمودّتهم.

والمودّة لقربى رسول الله(صلى الله عليه وآله)هي بنفسها ذات مردود إيجابيٍّ على الناس، حيث تجعلهم يتأسّون بمن يودّونه فيقتدون بهم في جميع مجالات الحياة، يقتدون بأفكارهم وبمواقفهم وبأخلاقهم، وهذا التأسّي هو مقدمة للسموّ والتكامل، ومن ثمّ نيل السعادة الأبدية في الدنيا أوّلا وفي الآخرة ثانياً، فالمودّة بنفسها تحصّن الإنسان من الانحراف والانحطاط وتوصله إلى شاطئ الأمان والنجاة.

وفي ضوء هذه الحقيقة يمكننا أن نستشهد بما ورد من النصوص التي تتناول ظاهرة المودّة لقربى الرسول(صلى الله عليه وآله).

ومن ذلك: ما ورد عن ابن جرير الطبري في التفسير حيث ذكر: القول في تأويل قوله تعالى: (ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ)([1]).

يقول تعالى ذكره: هذا الذي أخبرتكم أيّها الناس إنّي أعددته للذين آمنوا وعملوا الصالحات في الآخرة من النعيم والكرامة، البشرى التي يبشّر الله عباده الذين آمنوا به في الدنيا، وعملوا بطاعته فيها (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً)، يقول تعالى ذكره لنبيه محمّد(صلى الله عليه وآله): قل يا محمّد للّذين يمارونك في الساعة من مشركي قومك: لا أسألكم أيها القوم على دعايتكم إلى ما أدعوكم إليه من الحقّ الذي جئتكم به، والنصيحة التي أنصحكم ثواباً وجزاءً، وعوضاً من أموالكم تعطوننيه (إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى).

واختلف أهل التأويل في معنى قوله: (إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)، فقال بعضهم: معناه: إلاّ أن تودّوني في قرابتي منكم، وتصلوا رحمي بيني وبينكم.

وفي هذا السياق ورد ما يلى:

حدّثنا أبو كُريب ويعقوب، قالا: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن ابن عبّاس، في قوله: (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)قال: لم يكن بطن من بطون قريش إلاّ وبين رسول الله(صلى الله عليه وآله) وبينهم قرابة، فقال: قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ أن تودّوني في القرابة التي بيني وبينكم.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: قل لمن تبعك من المؤمنين: لا أسألكم على ما جئتكم به أجراً إلاّ أن تودّوا قرابتي. والروايات الآتية تدعم القول المذكور:

حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا إسماعيل بن أبان، قال: ثنا الصباح بن يحيى المرّي، عن السدي، عن أبي الديلم قال: لمّا جيء بعليّ بن الحسين(رضي الله عنهم) أسيراً، فاُقيم على دُرَج دمشق، قام رجل من أهل الشام فقال: الحمد للّه الذي قتلكم واستأصلكم، وقطع قرن الفتنة! فقال له عليّ بن الحسين(رضي الله عنهم): أقرأت القرآن؟ قال: نعم، قال: أقرأت آل حم؟ قال: قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم! قال: ما قرأت (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)؟قال: وإنّكم لأنتم هم؟ قال: نعم.

حدّثنا أبو كُريب، قال: ثنا مالك بن إسماعيل، قال: ثنا عبدالسلام، قال ثنا يزيد ابن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عبّاس، قال: قالت الأنصار: فعلنا وفعلنا، فكأنّهم فخروا، فقال ابن عبّاس، أو العباس (شكّ عبدالسلام): لنا الفضل عليكم، فبلغ ذلك رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فأتاهم في مجالسهم، فقال: يا معشَرَ الأنصارِ، ألمْ تَكُونُوا أذِلَّةً فأعَزَّكُمُ الله بي؟! قالوا: بلى يارسول الله(صلى الله عليه وآله)، قال: ألمْ تكُونُوا ضُلاّلا فَهداكُمُ الله بي؟! قالوا: بلى يارسول الله، قال: أفلا تُجيبوني؟ قالوا: ما نقول يارسول الله؟ قال: ألا تَقولون: ألمْ يُخْرجْكَ قَوْمُكَ فآويْناكَ؟! أو لمْ يُكَذّبوكَ فصدَّقْناكَ؟! أو لمْ يخذُلُوك فَنصرناكَ؟! قال: فما زال يقول حتى جثوا على الركب، وقالوا: أموالنا وما في أيدينا لله ولرسوله، قال: فنزلت (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى).

حدّثني يعقوب، قال: ثنا مروان، عن يحيى بن كثير، عن أبي العالية، عن سعيد ابن جبير، في قوله: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) قال: هي قُربى رسول الله(صلى الله عليه وآله).

حدّثني محمد بن عمارة الأسدي ومحمد بن خلف قالا: ثنا عبيدالله قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق قال: سألت عمرو بن شعيب عن قول الله عزّ وجلّ: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) قال: قربى النبيّ(صلى الله عليه وآله)([2]).

ابن حجر الهيثمي قال: أخرج أحمد والطبراني وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عبّاس: أنّ هذه الآية (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) لمّا نزلت قالوا: يارسول الله، مَن قرابتك هؤلاء الّذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: «عليّ وفاطمة وابناهما»([3]).

وأمّا ابن كثير في تفسيره فقد ورد عنه قوله: قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار، حدّثنا محمد بن جعفر، حدّثنا شعبة، عن عبدالملك بن ميسرة قال: سمعت طاووساً يحدّث عن ابن عبّاس (رضي الله عنهما) أنه سُئِلَ عن قوله تعالى: (إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)؟ فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد، فقال ابن عبّاس: عجلتَ، إنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) لم يكن بطن من قريش إلاّ كان له فيهم قرابة، فقال: إلاّ أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة، انفرد به البخاري.

ورواه الإمام أحمد بن يحيى القطّان عن شعبة به، وهكذا روى عامر الشعبي والضحّاك وعليّ بن أبي طلحة والعوفي يوسف بن مهران وغير واحد عن ابن عبّاس(رضي الله عنهما) مثله، وبه قال مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وأبومالك وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم.

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدّثنا هشام بن القاسم بن يزيد الطبراني وجعفر القلانسي قالا: حدّثنا آدم بن أبي إياس، حدّثنا شريك، عن خصيف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس(رضي الله عنهما) قال: قال لهم رسول الله(صلى الله عليه وآله): «لا أسألكم عليه أجراً إلاّ أن تودّوني في نفسي لقرابتي منكم وتحفظوا القرابة التي بيني وبينكم».

وقال السدي عن أبي الديلم قال: لما جيء بعليّ بن الحسين (رضي الله عنه)أسيراً فاُقيم على دُرَج دمشق، قام رجل من أهل الشام فقال: الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرن الفتنة! فقال له عليّ بن الحسين (رضي الله عنه): أقرأت القرآن؟ قال: نعم، قال: أقرأت آل حم؟ قال: قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم، قال: ما قرأت (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)؟ قال: وإنّكم لأنتم هم؟ قال: نعم.

وقال أبو إسحاق السبيعي: سألت عمرو بن شعيب عن قوله تبارك وتعالى: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)؟ فقال: «قربى النبيّ(صلى الله عليه وآله)» رواهما ابن جرير([4]).

وقال السيوطي في تفسيره الدرّ المنثور في تفسير آية المودّة: أخرج أبو نعيم والديلمي من طريق مجاهد، عن ابن عبّاس(رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «(لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) أن تحفظوني في أهل بيتي وتودّوهم بي».

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس قال: لمّا نزلت هذه الآية (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) قالوا: يارسول الله، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودّتهم؟ قال: «عليّ وفاطمة وولداها».

وأخرج سعيد بن منصور، عن سعيد بن جبير (إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) قال: قربى رسول الله(صلى الله عليه وآله).

وأخرج ابن جرير عن أبي الديلم، قال: لمّا جِيء بعليّ بن الحسين (رضي الله عنه)أسيراً، فاُقيم على دُرَجِ دمشق، قام رجل من أهل الشام فقال: الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم! فقال له عليّ بن الحسين (رضي الله عنه): أقرأت القرآن؟ قال: نعم، قال: أقرأت آل حم؟ قال: لا، قال: أما قرأت (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)؟ قال: فإنّكم لأنتم هم؟ قال: نعم.

وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عبّاس (وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً) قال: «المودّة لآل محمّد(صلى الله عليه وآله)».

وأخرج مسلم والترمذي والنسائي، عن زيد بن أرقم: أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)قال: «أذكركم الله في أهل بيتي»([5]).

وأمّا ما أورده الآلوسي في تفسيره روح المعاني فيتضمّن عدّة أحاديث في تفسير آية المودّة وإليك بعضاً منها:

قال: أخرج أحمد والشيخان والترمذي وغيرهم عن ابن عبّاس أ نّه سُئِلَ عن قوله تعالى: (إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)؟ فقال سعيد بن جبير: «قربى آل محمد(صلى الله عليه وآله)...».

و(الْقُرْبى) بمعنى الأقرباء، والجار والمجرور في موضع الحال، أي إلاّ المودّة ثابتة في أقربائي متمكنة فيهم، ولمكانة هذا المعنى لم يقل: إلاّ مودّة القربى، وذكر: أ نّه على الأوّل كذلك، وأمر اتصال الاستثناء وانقطاعه على ما سبق، والمراد بقرابته ـ عليه الصلاة والسلام ـ في هذا القول: قيل: ولد عبدالمطلّب، وقيل: عليّ وفاطمة ووُلدها رضي الله تعالى عنهم، وروي ذلك مرفوعاً.

أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه من طريق ابن جبير، عن ابن عباس قال: لمّا نزلت هذه الآية (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ)... إلى آخره، قالوا: يارسول الله، من قرابتك الذين وَجَبَت مودّتهم؟ قال: «عليّ وفاطمة وولدها، على النبيّ وعليهم السلام».

وقال القندوزي الحنفي : روى الإمام الواحدي بإسناده عن الأعمش ، عن سعيد ابن جبير ، عن ابن عباس قال : لمّا نزلت: (قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)قالوا : يا رسول الله، من هؤلاء الّذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال : «عليّ وفاطمة وولداهما؟»([6]).

روي عن جماعة من أهل البيت ما يؤيدّ ذلك:

أخرج ابن جرير عن أبي الديلم قال: لمّا جيء بعليّ بن الحسين ـ رضي الله تعالى عنهما ـ أسيراً فاُقيمَ على دُرَج دمشق، قام رجل من أهل الشام فقال: الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم! فقال له علي رضي الله تعالى عنه: أقرأت القرآن؟ قال: نعم، قال: أقرأت آل حم؟ قال: نعم، قال: ما قرأت (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)؟ قال: فإنّكم لأنتم هم؟ قال: نعم.

وروى زاذان عن عليٍّ(عليه السلام) قال: «فينا في آل حم آية، لا يحفظ مودّتنا إلاّ مؤمن»، ثمّ قرأ هذه الآية. وإلى هذا أشار الكميت في قوله:

وجـدنا لكـم في آل حم آيةً***تأوّلها منّا تَقِيٌّ ومُعـرِبُ

ولله تعالى درّ السيّد عمر الهيتي أحد الأقارب المعاصرين حيث يقول:

بأيّةِ آية يأتي يزيدٌ***غداةَ صحائفُ الأعمالِ تُتلى

وقام رسول ربِّ العرش يتلو***وقد صمت جميع الخلق «قل: لا»

والخطاب على هذا القول لجميع الاُمّة، لا للأنصار فقط، وإن ورد ما يوهم ذلك، فإنّهم كلّهم مكلّفون بمودّة أهل البيت(عليهم السلام)

فقد أخرج مسلم والترمذي والنسائي عن زيد بن أرقم: أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)قال: «أذكركم الله تعالى في أهل بيتي».

وأخرج الترمذي وحسّنه، والطبراني والحاكم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: قال عليه الصلاة والسلام: «أحبّوا الله تعالى لِما يغذوكم به من نعمة، وأحبّوني لحبّ الله تعالى، وأحبّوا أهل بيتي لِحُبِّي».

وأخرج ابن حبّان والحاكم عن أبي سعيد قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «والذي نفسي بيده لا يُبغضنا أهل البيت رجل إلاّ أدخله الله تعالى النار». إلى غير ذلك ممّا لا  يُحصى كثرةً من الأخبار.

وكلّما كانت جهة القرابة أقوى كان طلب المودّة أشدَّ، فمودة العلويين الفاطميين ألزم من محبّة العباسيين على القوم بعموم (القُرْبى)، وهي على القول بالخصوص قد تتفاوت أيضاً باعتبار تفاوت الجهات والاعتبارات.

وآثار تلك المودّة التعظيم والاحترام والقيام بأداء الحقوق أتمّ قيام، وقد تهاون كثير من الناس بذلك، حتى عدّوا من الرفض السلوك في هاتيك المسالك، وفي هذا السياق نذكِّر بقول الشافعي في الشافي:

يا راكباً قف بالمحصَّب من مِنى***واهتف بساكنِ خِيفِها والناهضِ

سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى***فيضاً كملتطَمِ الفراتِ الفائضِ

إن كان رفضاً حُبُّ آلِ محمد***فليَشهَدِ الثقلانِ أنّي رافِضي

ومن الظرائف: ما حكاه الإمام عن بعض المذكِّرين قال: إنّه عليه الصلاة والسلام قال: «أصحابي([7]) كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم». ونحن الآن في بحر التكليف، وتضربنا أمواج الشبهات والشهوات، وراكب البحر يحتاج إلى أمرين: أحدهما السفينة الخالية عن العيوب، والثاني الكواكب الطالعة النيِّرة، فإذا ركب تلك السفينة ووضع بصره على تلك الكواكب كان رجاء السلامة غالباً، فلذلك ركب أصحابنا ـ أهل السنّة ـ سفينة حبِّ آل محمد(صلى الله عليه وآله)، ووضعوا أبصارهم على نجوم الصحابة يرجون أن يفوزوا بالسلامة والسعادة في الدنيا والآخرة. انتهى.

ومن الشيعة من أورد الآية في مقام الاستدلال على إمامة عليٍّ(عليه السلام)، قال: عليّ(عليه السلام) واجب المحبة، وكلّ واجب المحبة واجب الطاعة، وكلّ واجب الطاعة صاحب الإمامة، ينتج: عليّ ـ رضي الله تعالى عنه ـ صاحب الإمامة، وجعلوا الآية دليل الصغرى.

(وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً) أي يكتسب أيَّ حسنة كانت، والكلام تذييل، وقيل: المراد بالحسنة: المودّة في قربى الرسول(صلى الله عليه وآله)، وروي ذلك عن ابن عبّاس والسدي... وحبّ آل الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ من أعظم الحسنات([8]).

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] . الشورى: 23.

[2] . جامع البيان في تأويل القرآن لابن جرير الطبري: 11/144، في تفسير سورة الشورى الآية: 23.

[3] . الصواعق المحرقة: 170، مقتل الحسين: 1/96 ـ 97/17، كفاية الطالب للكنجي: 31.

[4] . تفسير القرآن العظيم لابن كثير الدمشقي: 4/112.

[5] . كذا في الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور: 5/701، في تفسير سورة الشورى، والظاهر أنّ المعنى هو: اُذكِّركم، اللهَ اللهَ في أهل بيتي، أي أن تهتدوا بهديهم و... .

[6] . ينابيع المودّة : 3/137.

[7] . المقصود من الصحابة هنا - إن صحّ الحديث - خصوصهم، لا مطلق الصحابة، بل من اتّبع هدى الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام)، وإلاّ فهناك من لم يهتدِ منهم، فكيف يهدي الآخرين أو يُهتدى به؟!

[8] . تفسير روح المعاني للسيد محمود الآلوسي: 13/31 ـ 33، في تفسير سورة الشورى.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page